“أخطر من الجبهات”: عمال “حراقات النفط” مدفوعون بالفقر (صور)
من أجل "لقمة العيش" يقضي ممدوح عيسى يوم عمل شاق في إحدى مصافي تكرير النفط البدائية "الحرّاقات" ويعود مساء محملاً بأوجاع لا تفارقه، من "صداع، وسعال، وتهيّج في العينين"
10 يونيو 2022
باريس، الباب- من أجل “لقمة العيش” يقضي ممدوح عيسى يوم عمل شاق في إحدى مصافي تكرير النفط البدائية “الحرّاقات” ويعود مساء محملاً بأوجاع لا تفارقه، من “صداع، وسعال، وتهيّج في العينين”، سببها “التعرض للغازات المنبعثة من النفط والدخان المتصاعد من الفحم”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
يعمل عيسى، الأب لخمسة أطفال، في مجال تنظيف “الحراقات” بقرية ترحين، في ريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا، منذ ست سنوات، بعد أن عجز عن إيجاد فرصة عمل أخرى “تحقق مردوداً جيداً”.
وصف عيسى، الذي نزح من مدينة السفيرة جنوب شرقي حلب في عام 2012، العمل في “الحراقات” بأنه “أخطر من الجبهات، القتال أرحم من هذا العمل”، لكن كل ذلك “أهون من الفقر”، على حدّ قوله، وهو واحد من نحو ألف عامل يعملون في “الحراقات” المنتشرة في قرية ترحين، البالغ عددها 400 حراقة، تعمل منها 100 حالياً، بحسب عضو في المجلس المحلي لبلدة قباسين، التي تتبع ترحين إدارياً لها.
[irp posts=”44714″ name=”العمل السام: حراقات النفط” شمال غرب سوريا مهنة الموت في سبيل الحياة”]
غياب إجراءات السلامة
يبذل عيسى مجهوداً بدنياً كبيراً في عملية التنظيف، كونه يستخدم أدوات يدوية بسيطة، من قبيل: الفأس والمعول، ويضطر أحياناً الدخول إلى خزان “الحراقة” والحرارة داخله 100 درجة مئوية، كما قال، وبدلاً من استخدام معدات سلامة جسدية، كالملابس العازلة والقفازات وخوذة الرأس، يواجه ارتفاع درجات الحرارة بخلع ملابسه “والعمل عاري الصدر أحياناً”.
يحمل عمله مخاطر كبيرة، خاصة إذا كان “الخزان” محتبساً بالغازات المنبعثة، ما يعني أن “شعلة نار تؤدي إلى انفجار يقتل كل من في المكان”، بحسب قوله، مشيراً إلى أنه صادف حوادث كثيرة من هذا القبيل “لكن، الحمد لله، تداركنا الموقف “.
تأكيداً على ذلك، وصف عبد الرحمن سعيد،”الحراقات” بـ”القنبلة الموقوتة”، وخلال عمله طيلة الخمس سنوات تعرض لحروق في أنحاء جسده، ومع ذلك لا يستخدم هو الآخر ملابس خاصة للعمل، قائلاً “استخدم هذه الملابس التي تراها، وعندي ملابس بديلة مثلها”.
مقابل تلك المخاطر “لا أحد يعترف عليك من أصحاب العمل، ولا حتى بثمن الدواء إن احتجت ذلك”، قال عيسى، مستدركاً: “لا أحد يتحمل المسؤولية إلا أنا، وإذا متُّ فالخاسر الأكبر زوجتي وأطفالي”.
أما بالنسبة لسعيد، سبق أن تحمّل صاحب العمل “ثمن الدواء”، لكن هذا لا يعوّض جزءاً بسيطاً من مخاطرته، كون أصحاب العمل غير مسؤولين عن ما يسببه العمل في “الحراقات” من أمراض مزمنة أو إعاقات دائمة.
ومع ذلك يتمسك سعيد بهذا العمل لعدم وجود بدائل أخرى، متسائلاً: “ما الذي يجبرني على العمل هنا لو وجدت عملاً بمهنة أخرى. لو كنت أملك مالاً لعملت في مجال آخر”.
[irp posts=”44724″ name=” حراقات النفط” شمال غرب سوريا: تفتك بالزراعة وتهدد البيئة (صور+فيديو)”]
دخل محدود
فكر عبد الرحمن سعيد في البحث عن مهنة أخرى، لكن هذا يعني قطع عشرات الكيلومترات يومياً للوصول إلى المدن الرئيسية، حيث تتوفر فرص العمل، كما في مدينة الباب التي تبعد عن قرية ترحين حوالي 80 كيلومتراً.
مقابل هذه المسافة، قد تجد عملاً لأكثر من 10 ساعات يومياً مقابل “الحصول على 20 أو ثلاثين ليرة تركية”، أي ما يعادل 1.20 أو 1.80 دولاراً أميركياً، وهو “مبلغ لا يساوي شيئاً”، بحسب سعيد، الذي يعمل في الإشراف على تكرير النفط، أو ما يعرف بـ”الطباخ”.
يحصل سعيد مقابل “الطبخة” الواحدة بين 30 و40 دولار أميركي، أي ما يعادل عمل شهر كامل في مهنة أخرى، لكن عدا عن خطورة العمل في “الحراقات”، فإنه غير مستمر، كونه استمرارية العمل تعتمد على توفر النفط الخام، الذي يتم شراؤه من مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
“في أحسن الأحوال أنتج ثلاث طبخات شهرياً”، قال سعيد، أي إجمالي ما يحصل عليه شهرياً لا يتجاوز 120 دولار أميركي.
في المقابل، يحصل عمال التنظيف، كما في حالة ممدوح عيسى، على مبلغ أقل، حيث يدفع صاحب العمل مبلغ 30 أو 40 دولار لتنظيف الحراقة، ولكن هذا المبلغ “يتم تقسيمه على ست عمال”، بحسب عيسى.
وسط هذه الظروف التي يعيشها عمال “الحراقات” في قرية ترحين، تتمثل أكبر أماني عبد الرحمن سعيد “بالعودة إلى مدينتي، وأترك عمل الحراقات، وأشتري ثلاث نعجات وأرعاها”، وعند سؤال ممدوح عيىس عن أمنيته، قال: “الله يفرجها، بالنسبة لي أمنيتي أن أستطيع تأمين لقمة العيش لأولادي بشكل دائم”.
تم إنتاج هذا التقرير بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لكنه لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي، وتتحمل منظمتا “سوريا على طول” و”بنفسج” مسؤولية المعلومات الواردة فيه.