أراضي الإصلاح الزراعي وحمايتها الدستورية والقانونية
حقَّ التَملُّك من أبرز الحقوق والاحتياجات الفطريّة لدى كل إنسان، وهو أهم الحقوق التي كفلتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
30 يونيو 2021
حقَّ التَملُّك من أبرز الحقوق والاحتياجات الفطريّة لدى كل إنسان، وهو أهم الحقوق التي كفلتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصّت المادة 17 منه على أنه “(1) لكل شخص الحق في التملك سواء وحده أو مع آخرين. (2) لا يجوز حرمان أحد من ملكيته تعسفاً” .
أولاً- حق الملكية في الدستور والقانون المدني السوريين
1- النصوص الدستورية:
نصت المادة الخامسة عشرة من دستور 2012 على أن:
– الملكية الخاصة من جماعية وفردية، مصانة وفق الأسس الآتية:
أ- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.
ب- لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.
ج- لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.
د- تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل.
– يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقية للملكية.
كما نصت المادة السادسة عشرة على أنه “يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية والاستثمار الزراعي بما يضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال ويضمن زيادة الإنتاج”.
2- القانون المدني: المواد من 768-772، والمواد 825-827.
3- ينظَّم الملكية العقارية في سوريا القرار رقم 3339 تاريخ 2/ 11/ 1932 “المتضمن تنظيم السجل العقاري. إذ نص القانون المدني على أنه “تكتسب الحقوق العينيّة العقاريّة وتنتقل بتسجيلها في السجل العقاري”. وعليه، فإن حقّ الملكية لا يُكتسب ولا ينتقل إلا بتسجيله في السجل العقاري. وقد حدد القانون السوري خمسة أنواع للعقارات، هي “العقارات الملك والعقارات الأميرية والعقارات المتروكة المرفقة والعقارات المتروكة المحمية والعقارات الخالية المباحة “.
4- قانون الإصلاح الزراعي
بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا، تم تطبيق قانون الإصلاح الزراعي المصري رقم 161 للعام 1958، والذي يقوم على مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تحديد الملكيات الزراعية للأفراد وإعادة توزيعها على صغار الفلاحين أو المُعدمين. وقد تم تعديله بالقانون رقم 3 تاريخ 20/ 2/ 1962، ثم صدرت اللائحة التنفيذية لقانون الإصلاح الزراعي بالمرسوم 1109 تاريخ 22/ 9/ 1962، ثم المرسوم 166 تاريخ 16/ 12/ 1968، ثم المرسوم 66 تاريخ 27/ 1/ 1969.
ويقوم قانون الإصلاح الزراعي في سوريا على حلول الدولة محل مالك لرقبة العقارات التي خضعت لقانون الإصلاح الزراعي؛ أي إنها نقلت ملكيتها للدولة ومن ثمّ أعادت توزيع “حق الانتفاع” من دون حق ملكية الرقبة على المستفيدين من القانون، باعتبارها أراض أميرية يطبق عليها أحكام الانتفاع والقوانين الخاصة بالإصلاح الزراعي.
5- بتاريخ 30/ 12/ 2004 صدر القانون رقم 61 المتضمن تعديل أحكام قوانين الإصلاح الزراعي المذكورة أعلاه المتعلقة بملكية المستفيدين من توزيع أراضي الإصلاح الزراعي، إذ اعتبر أن ملكية المنتفع ملكية تامة لأراضي الدولة سواء كانت إصلاحاً زراعياً أو أملاك دولة خاصة. كما اعتبر هذه الملكية تسري بأثر رجعي إلى تاريخ اعتماد التوزيع من قبل لجنة الاعتماد في المحافظة، وتسجل باسمه في السجلات العقارية بناءً على طلب من مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي المختصة، وأخضعها لأحكام الإرث العامة بعد وفاة المنتفع حيث تؤول ملكيته من أراضي الانتفاع إلى ورثته وفقاً لقوانين الإرث العامة وتنتقل ملكيتها لأسمائهم في السجلات العقارية حسب نصيب كل منهم في الإرث بموجب الأنظمة المعمول بها لدى الدوائر العقارية. كما نص هذا القانون على عدم جواز نزع ملكية تلك الأرض سداداً لدين ما إلا إذا كان الدين للدولة أو للمصرف الزراعي التعاوني.
ثانياً: الآثار القانونية للقانون 61 للعام 2004
1- لم تعد ملكية المستفيد من قانون الإصلاح الزراعي محصورة بحق الانتفاع فقط، وإنما تحوّلت ملكيته لها إلى ملكية تامة تمنحه إمكانية الاستعمال والاستغلال والتصرف المقررة في احكام المواد 768-772 من القانون المدني. وهو حق دائم لا يسقط بعدم الاستعمال، خلاف حق الانتفاع الذي يسقط بمخالفة شروطه أو الإخلال بها.
2- تخضع للحماية الدستورية المنصوص عليها في المادة 15 من الدستور، وبالتالي لا يجوز نزعها إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون، ولا تجوز مصادرتها إلا بحكم قضائي مبرم، مقابل تعويض معادل للقيمة الحقيقية للملكية.
3- لا يجوز تطبيق أحكام الحرمان من حق الانتفاع المنصوص عنها في الفقرة “ج” من المادة 8 من المرسوم 1109 للعام 1962، أو المادة 7 من المرسوم 64 للعام 1966، أو المادة 10 من المرسوم 66 للعام 1966، أو المادة 9 من المرسوم 166 للعام 1968 التي تتعلق بحرمان المنتفع من حق الانتفاع “إذا أخل المنتفع بالواجبات المفروضة عليه بموجب القانون أو بقرار التوزيع أو خالف تعليمات الوزارة أو تخلف عن بذل العناية الواجبة في زراعة أرضه، واستردادها منه وفسخ تسجيل قيدها …”.
4- كما يعطي هذا القانون للمالك الحق في طلب تعديل النوع الشرعي للعقارات من أميرية الى “ملك” إذا دخلت المخطط التنظيمي للوحدة الإدارية. وهذا ينعكس على قانون الإرث واجب التطبيق؛ إذ إن الأراضي الملك تخضع لأحكام الإرث الشرعي (حصر إرث شرعي)، والأراضي الأميرية التي تقع خارج المخطط التنظيمي للوحدة الإدارية لأحكام قانون انتقال الأموال الأميرية (حصر إرث قانوني).
ثالثاً: نزع الملكية في القانون السوري
صدر قانون الاستملاك رقم 20 للعام 1974 الذي استمر العمل به لغاية العام 1983، حين استُبدِلَ بالقانون رقم 20 للعام 1983 وهو القانون الوحيد المعمول به في تنظيم عمليات الاستيلاء في سوريا، وعرّف الاستملاك بأنه “نزع الملكية للمنفعة العامة عن طريق إجراء إداري يقصد به نزع مال عقاري قهراً عن مالكه بواسطة الإدارة لتخصيصه للنفع العام مقابل تعويض يدفع له”، وحدّد أركانه بأن ينصب على عقار مبنيّاً كان أو غير مبني، وأن يكون نزع الملكية جبراً. ويجب أن يكون الاستملاك للمنفعة العامة، ومقابل تعويض أصحاب العقارات المستملكة.
كما أصدر النظام السوري عدداً من القوانين والمراسيم والقرارات بعد العام 2011 بما يتناسب مع سياسته القائمة على العقاب الجماعي الممنهج في الاستيلاء على أملاك السوريين الأحرار الذين ثاروا عليه، وتجريدهم وحرمانهم منها بتهمة الإرهاب. وهي مخالفة لأحكام العهد الدولي لحقوق الإنسان والدستور السوري ويمكن إزالة آثارها في المرحلة الانتقالية وزوال السلطة اللاشرعية القائمة.
وكان آخر القرارات وأغربها تلك الصادرة عن اللجان الأمنية في المحافظات بمصادرة مواسم ومحاصيل الأراضي الزراعية (الإصلاح الزراعي والأملاك الخاصة) العائدة للمطلوبين والمعارضين للنظام والتي تعتبر غير دستورية وغير قانونية وهي باطلة بطلاناً مطلقاً للأسباب التالية:
1- مخالفتها لنص المادة 15 من الدستور، وقانون الاستملاك رقم 20 للعام 198 المذكورين أعلاه.
2- صدورها عن سلطة غير شرعية ولا تملك أي مرجعية قانونية باعتبار أنها صادرة عن حزب البعث الذي ألغيت صلاحياته الدستورية في قيادة المجتمع والدولة بعد الغاء المادة الثامنة من الدستور السابق.
3- يعتبر هذا التصرف اعتداء صارخ على حقوق المالكين بالتصرف في هذه الملكيات وسرقة ونهباً لهذه الأملاك المقررة في المواد 768-772 من القانون المدني.
4- بالنسبة للمدينين للمصارف الزراعية، فإنهم يملكون الحجة القانونية في الدفاع عن حقوقهم وبطلان أي إجراءات تطال حقوقهم أو أموالهم أو ممتلكاتهم. إذ تُعتبر الحرب من أسباب القوة القاهرة التي تمنع من التنفيذ الجبري على المدين في العقود الملزمة للطرفين عملا بالمادة 166 من القانون المدني التي تنص على أنه “إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، كحادث مفاجئ، أو قوة قاهرة، أو خطأ من المضرور، أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك”. والمادة 26 منه التي تنص على أنه “إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عيناً، حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه. ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه”.
5- كما يمكن للمدينين المطلوبين لمحاكم الإرهاب والسلطات الأمنية التذرّع بالإكراه والتهديد والتهجير القسري للتحلّل من أي التزامات عقدية، والدفع ببطلان أي إجراءات “قانونية” تطال أموالهم أو ممتلكاتهم من قبل النظام السوري لأنه هو من أوجد هؤلاء في هذا الظرف بفعل أجهزته الأمنية وعصاباته وشبيحته.
6- ليس للجمعيات الفلاحية أو أي جهة غير الدائن طلب الحجز أو التنفيذ الجبري مما يعني بطلان تصرف الجمعيات الفلاحية لمخالفته المادة 15 من قانون المصرف الزراعي التعاوني التي تنص على أنه “يحصل المصرف مباشرة جميع الأموال الناشئة عن قروضه ومعاملاته الأخرى وفقا لقانون جباية الأموال العامة وذلك فيما لا يتعارض مع الأحكام المنصوص عليها في هذا المرسوم التشريعي. ويعطى المدير العام للمصرف ومديرو المناطق والفروع والشعب والمكاتب صلاحية رئيس التنفيذ المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات وتعديلاته”. وبالتالي لهم وحدهم الحق في القيام بإجراءات استيفاء الدين المنصوص عنها بقانون أصول المحاكمات المدنية التي توجب “إبلاغ المدين أو الكفيل أو ورثتهما الإنذارات والتبليغات في الموطن المختار في العقد أو السند وفق الإجراءات والأصول القانونية للتبليغ”، أي انذار، ضبط حجز، قرار حجز، إعلان بيع بالمزاد العلني. وفي حال وصل الأمر إلى البيع بالمزاد العلني، يجب أن يحضر جلسة المزاد مدير فرع المصرف ورئيس قسم التحصيل بالفرع ورئيس قسم التسليف والقضايا.
7- مخالفة أحكام المادة 9 من قانون جباية الأموال العامة التي تخوّل وزير المالية فقط إصدار قرار تنظيمي بتحديد أصول اتخاذ قرار الحجز وتنفيذه وبيع العين المحجوزة.
8- تُعتبر انتهاكاً لنص المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
9- تعد انتهاكاً للمبادئ التوجيهية بشأن التهجير الداخلي لتوفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المهجرون داخليا (النازحون) وراءهم، وذلك “من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضاً من شغلها أو استخدامها”. إضافة إلى رفض الاستيلاء “كشكل من أشكال العقوبة الجماعية لتصرفات من قبيل جرائم النهب والسلب والتعدي على الأملاك والأعيان المحمية المنصوص عنها بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
10- تعد انتهاكاً لمبادئ بنييرو التي تبنتها اللجنة الفرعية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة العام 2005. إذ تؤكد هذه المبادئ على الحق في استعادة الملكيات التي فُقدت تعسفاً، أو أن يتم التعويض عنها بقرار من محكمة مستقلة ونزيهة في حال استحالة الاستعادة على أرض الواقع.
بناء على ما سبق، نهيب بالإخوة السوريين الذي يملكون عقارات عدم الانجرار وراء حملات التخويف و الرعب التي يقوم بها تجار الحروب والمستغلّين والانتهازيين، لدفعهم الى التصرف بأملاكهم وبيعها بثمنٍ بخسٍ. ونحذِّر من أن ايران وشركاتها المنتشرة في سوريا هي من تقف وراء هذه الحملات. وقد نجحت في الاستيلاء على كثير من عقارات السوريين وحوّلتها إلى مشاريع تجارية، وأخرى إلى حسينيات ومراكز لنشر التشيّع في المجتمع السوري، الأمر يعزّز نجاح جريمة التغيير الديموغرافي الذي تقوم به إيران.
أيضاً، نطلب من الأمين العام للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن:
1- التدخل لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها نظام الأسد وإيران وروسيا بحق الشعب السوري وسلبه أمواله والاستيلاء على عقاراتهم من دون وجه حق.
2- اعتبار القرارات والقوانين والمراسيم والإجراءات كافة التي تمهد للاستيلاء على عقارات وأموال السوريين من قبل نظام الأسد وإيران ومليشياتهم باطلة بطلاناً مطلقاً ولا ترتب أي مركز قانوني لأي جهة أو شخصية أقدمت على الاشتراك في تلك الجريمة الممنهجة، بل وتتحمل تلك الجهات والشخصيات التبعات القانونية والمالية والجزاءات التي ستترتب على إقدامها على الأفعال الهادفة إلى سلب السوريين لأملاكهم المنقولة وغير المنقولة.
3- تفعيل أحكام المبادئ التوجيهية بشأن التهجير الداخلي لتوفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها التاحون وراءهم، وأحكام مبادئ بينيرو، وإصدار قرار أممي يحفظ أموال النازحين واللاجئين.