أربيل: تعليق تجديد الإقامات يضع السوريين في فوضى وأمام خيارات “مرّة”
علقت حكومة كردستان العراق عملية تجديد إقامات السوريين الموجودين على أراضيها، في نيسان/ أبريل، من دون إصدار قرار رسمي، ما خلق حالة من الفوضى والإرباك بين أوساط السوريين.
8 مايو 2024
الحسكة- منذ عشرين يوماً يحاول عامر عبد الله (اسم مستعار)، 28 عاماً، شاب سوري يقيم في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، تجديد إقامته السنوية قبل انتهاء فترة صلاحيتها، لكن كل جهوده باءت بالفشل.
انتهت إقامة عبد الله في السابع من أيار/ مايو الحالي، ويكتنفه قلق من أن يُجبر على العودة إلى سوريا “مكرهاً”، إلى جانب تراكم الغرامات، إذ تفرض حكومة أربيل غرامة مقدارها 20 ألف دينار عراقي (14 دولاراً أميركياً تقريباً) عن كل يوم تأخير من يوم انتهاء صلاحية الإقامة.
تواصل عبد الله مع عدة شركات سياحية ومحامين بغرض تجديد إقامته، وجميعهم “أكدوا لي استحالة التجديد حالياً”، في ظل إغلاق كاتب العدل لمكتبه، حيث يتوجب على المتقدمين “أن يبصموا” لديه عند طلب الحصول على الإقامة أو تجديدها، كما أوضح الشاب لـ”سوريا على طول”
في الرابع من نيسان/ أبريل الماضي، أصدرت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان العراق قراراً، علقت بموجبه إصدار تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر السورية اعتباراً من 29 آذار/ مارس 2024، مستثنية حاملي الإقامات الأميركية والكندية والأوروبية.
وفي الوقت ذاته، علقت حكومة أربيل تجديد إقامات السوريين الموجودين على أراضيها، دون إصدار قرار بذلك، الأمر الذي وضع عامر وأمثاله من السوريين في حالة من القلق والإرباك، لا سيما الذين انتهت مدة إقاماتهم أو شارفت على الانتهاء.
وشملت الإجراءات الأخيرة، المقيمين الذين أجروا “فحص الدم”، وهو من الإجراءات المطلوبة لتجديد الإقامة، كما أوضحت العديد من المصادر لـ”سوريا على طول”.
يأتي وقف تجديد الإقامات في ظل تداول أنباء عن نية أربيل رفع سعر تجديد الإقامات وحصرها عبر شركات محددة ووفق شروط جديدة.
وتصل رسوم حكومة أربيل عن كل إقامة إلى 735 ألف دينار عراقي (نحو 525 دولاراً)، ويضاف إليها أتعاب المحامي أو الشركة، التي تتراوح بين 40 و50 دولاراً وربما أكثر، كما قال المحامي عمر آغا، المقيم في أربيل، لـ”سوريا على طول”.
وفي هذا السياق، قال ريكان عزيز صالح، محامي ومدير مفوض لشركة بحيرة اوزنجول المختصة بمتابعة شؤون إقامة الأجانب (الفيزا والإقامات) في أربيل، أن سبب الإيقاف يعود إلى وجود “ثغرة أو سوء تفاهم بخصوص ما يسمى بالضمان الاجتماعي”، كما أوضح لـ”سوريا على طول” من دون ذكر مزيد من التفاصيل.
والضمان الاجتماعي قانون يتضمن خصم 5 بالمئة من راتب العامل و12 بالمئة من دخل صاحب المشروع وإيداعه في صندوق التقاعد، على أن يحصل العامل على راتبه بعد سن التقاعد. ولكن هذا القانون لم يطبق على السوريين منذ توافدهم إلى أراضي الإقليم.
تواصلت “سوريا على طول” عدة مرات مع مدير ديوان وزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق، هيمن ميراني، للحصول على توضيح حول أسباب إيقاف التجديد، وما إذا كان هناك نية لاستئناف التجديد بعد رفع الرسوم، لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير.
على مدار السنوات الماضية، استقطبت حكومة أربيل آلاف السوريين وقدمت لهم التسهيلات في سبيل الحصول على تأشيرات الدخول والإقامات، ولم تعارض وجودهم أو تلاحق حتى المخالفين منهم.
ومع مرور الوقت، ووسط التسهيلات، تحولت أربيل إلى ملتقى العائلات السورية، إلى أن بدأت في التضييق على السوريين، مطلع نيسان/ أبريل الماضي.
أمس الثلاثاء، السابع من أيار/ مايو، تداول أصحاب شركات سياحية على وسائل التواصل الاجتماعي، مقاطعاً مصورة يتحدثون من خلالها عن إصدار مديرية إقامة أربيل قراراً يسمح للسوريين الذين دخلوا إلى أربيل مؤخراً ولم يحصلوا على الاقامات أو لم يتمكنوا من تجديد الفيزا، مغادرة أراضي الإقليم دون دفع الغرامات المترتبة عليهم شريطة دفع 60 ألف دينار عراقي (نحو 42 دولاراً) كإجراء لتسهيل خروجهم، لكن القرار لم يشر إلى مصير المقيمين والراغبين في تجديد إقاماتهم.
خيارات صعبة
قبل عام، وصل عامر عبد الله، الذي ينحدر من مدينة حلب، إلى أربيل وحصل على إقامة سنوية في سبيل “تحسين وضعي المعيشي وتأمين “البدل النقدي” للخدمة العسكرية الإلزامية السورية، البالغ قيمته ثمانية آلاف دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة السورية، ليتمكن من زيارة عائلته دون التعرض للملاحقة الأمنية.
“منذ إيقاف التجديد أعيش أسوأ أيام حياتي لا أعرف ماذا أفعل، وليس بإمكاني العودة إلى سوريا”، قال عامر عبر تطبيق ماسنجر فيسبوك.
تعليق تجديد الإقامات للسوريين في أربيل، وضع عامر وأمثاله، ممن شعروا بالاستقرار نسبياً، أمام “خيارات صعبة” على حد تعبيره، إذ “لا أملك حالياً المال لدفع بدل الخدمة العسكرية، الذي يتيح لي العودة إلى سوريا، ولا السفر إلى دولة أخرى نظراً لتكاليف السفر الباهظة”.
ولأجل تجديد الإقامة، يتقدم الشخص بطلب عبر محاميين أو شركات سياحة مختصة، ويرفق مع الطلب جواز سفره وصورتين شخصيتين وإقامته القديمة، إضافة إلى رسوم التجديد،، التي تختلف من شركة إلى أخرى، وترسل أوراقه إلى كاتب العدل، وعنده يبصم المقيم على طلب الحصول على الإقامة أو تجديدها.
بعد قبول البصمة يُطلب من الشخص إجراء فحص الدم للتأكد من خلوه من الأمراض ومن ثم دعوته إلى مديرية إقامة أربيل للتأكد من وجود الشخص في الإقليم ويحصل بعدها على الإقامة.
بينما انتهت صلاحية إقامة عامر وبدأت الغرامات تتراكم عليه، بقي في إقامة سالم أحمد (اسم مستعار)، 38 عاماً، شهراً ونصف الشهر، ولكن مع الإجراءات الأخيرة وضبابية الموقف الحكومي، يعتري الرجل مخاوفاً من أن يتوقف التجديد كلياً، ما يعني “دمار حياتي ومشروعي”، على حد تعبيره.
وصل أحمد، الذي ينحدر من العاصمة دمشق، إلى أربيل منذ عام “هرباً من الخدمة العسكرية الاحتياطية”، وفور وصوله استخرج إقامة وافتتح مشروعه التجاري الخاص، وهو عبارة عن محل لبيع الخضار والفواكه، ويدر “المحل عليّ بأرباح جيدة، وهو مصدر رزقي، وأعيل منه عائلتي في سوريا”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
في حال أوقفت أربيل تجديد الإقامات كلياً، فإن أحمد أمام خيارين “أحلاهما مر”، إما أن يبقى في أربيل ويستمر في عمله وتتراكم عليه الغرامات وقد “أتعرض في أي لحظة للاعتقال والترحيل”، أو أن يبيع محله ويسافر إلى مصر وهناك “سأبدأ من الصفر”.
طوال حديثه مع “سوريا على طول” لم ينفك أحمد عن التحدث عن سوء حظ السوريين، قائلاً بلهجته المحلية: “نحن الشعب السوري إذا عملنا اشتغلنا بالأكفان ببطل حدا يموت. حظنا بهالدنيا زفت“، مشيراً إلى أن السوريين يعملون لساعات طويلة وبأجر قليل ويتنازلون عن الكثير من الأشياء في سبيل تأمين تكاليف الإقامة.
هناك أمل
يومياً، يتصفح سامر علي (اسم مستعار)، 23 عاماً، الموقع الرسمي لمديرية إقامة أربيل ومجموعات السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة آخر الأخبار “ولكن لا شيء جديد، كون مكتب كاتب العدل ما زال مغلقاً”.
تنتهي إقامة سامر، ابن مدينة حماة، في 23 أيار/ مايو الحالي، ويخشى هو الآخر أن تتأخر حكومة أربيل في إعادة فتح باب التجديد، ما يؤدي إلى تراكم الغرامات المترتبة عليه، كما قال لـ”سوريا على طول”.
قدم الشاب، المقيم في أربيل منذ عامين، أوراقه إلى محامٍ على أمل أن يتمكن من تجديد إقامته قبل انتهاء فترة صلاحيتها، لكن المحامي أخبره بـ”استحالة التجديد حالياً”.
“أتمنى أن ترأف أربيل بحالنا وتسمح لنا بالتجديد” قال علي، الذي يشعر نفسه بأنه مقيد، كونه غير قادر على العودة إلى سوريا، وإذا انتهت صلاحية إقامته قد يخسر عمله في توصيل الطلبات (عامل ديلفري).
وسط الفوضى التي يعيشها السوريون في أربيل، بدا علي متفائلاً في أن تعيد حكومة كردستان العراق فتح باب التجديد، وأن لا يتطور التضييق إلى الترحيل، متوقعاً أن يتأثر سوق العمل في الإقليم “في حال ترحيلنا، لأن هناك هناك آلاف السوريين الذين يعملون”. اتفق معه المحامي عمر آغا، مشيراً إلى أنه “لا حل سوى التجديد”.
ورغم عدم قدرة عشرات السوريين، الذين تواصلت معهم “سوريا على طول” ورصدت تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، على تجديد إقاماتهم، استلم محمد زريقات، 25 عاماً، شاب سوري من درعا، إقامته الجديدة في 29 نيسان/ أبريل الماضي، بتكلفة مقدارها 540 دولاراً دفعها للمحامي، تشمل أتعابه ورسوم الإقامة.
تقدم زريقات بطلب تجديد الإقامة، عبر المحامي، في آذار/ مارس 2024، وبصم على الطلب في السابع من الشهر ذاته، ومن ثم أجرى “فحص الدم” في 26 من الشهر ذاته، كما قال لـ”سوريا على طول”.
تعليقاً على هذه الحالة، قال المحامي ريكان عزيز صالح ، أنه يمكن للسوري المقيم في أربيل الحصول على التجديد إذا بدأ بإجراءات التجديد، كالبصمة وإجراء فحص الدم قبل تاريخ الأول من نيسان/ أبريل الماضي. ولم يتسن لـ”سوريا على طول” التأكد من دقة الكلام من مصدر مسؤول.
وأشار المحامي صالح إلى أن وزارة الداخلية في إقليم كردستان ستصدر تعليمات مفصلة عن منح التأشيرات والإقامات وتجديدها في غضون شهر، كما قيل له من “جهات معنية” لم يسمّها.
إلى أن يصدر أي قرار رسمي يوضح آليات منح التأشيرات والإقامات للسوريين، ويحدد مستقبلهم في الإقليم، يعيش عامر عبد الله على أمل فتح باب التجديد وإلغاء الغرامات على المخالفين. لكن بمعزل مضمون التعليمات الخاصة بالسوريين “يتعين على الحكومة إصدار قرار يوضح ما يجب أن نفعله”، قال سالم أحمد، محملاً حكومة أربيل مسؤولية “إنهاء حالة الفوضى التي تسببت بها”.