4 دقائق قراءة

أزمة خبز جديدة: الركبان على مشارف كارثة إنسانية

أدى قطع طرق التهريب من قوات النظام، في 17 آذار/ مارس الحالي، إلى توقف الفرن الآلي الوحيد عن إنتاج الخبز، ليعود إلى إلى إنتاج الخبز المصنوع من "النخالة العلفية المخصصة للدواب"، ويتخوف قاطنو المخيم من كارثة إنسانية جديدة قد تصل إلى حد "المجاعة"


24 مارس 2022

باريس- شاركت نساء وأطفال في مخيم الركبان الصحراوي بوقفة احتجاجية، أمس الأربعاء، بعد توقف دخول المواد الأساسية كلياً، وتوقف الفرن الوحيد في المخيم عن إنتاج الخبز، مطالبين المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بتحمل مسؤولياته تجاههم.

وأدى قطع طرق التهريب من قوات النظام، في 17 آذار/ مارس الحالي، إلى توقف الفرن الآلي الوحيد عن إنتاج الخبز، ليعود إلى إلى إنتاج الخبز المصنوع من “النخالة العلفية المخصصة للدواب”. لكن نظراً لعدم تقبل الأهالي الخبز بمكوناته الجديد “توقف الفرن عن العمل مجدداً، بعد أن كان يبيع سعر ربطة خبز النخالة بـ1000 ليرة سورية [0.25 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الموازي]”، بحسب ما قالت مريم الخالدي (اسم مستعار)، المقيمة في المخيم، لـ”سوريا على طول”.

خبز مصنوع من “العلف” في مخيم الركبان، 23/ 3 / 2022 (مريم الخالدي – سوريا على طول)

وكانت الخالدي، الأم لطفلين، تدّخر 10 كيلوغرام من الطحين “لحالات الحصار الشديدة”، ومنذ توقف الفرن الوحيد، بدأت بصنع الخبز على يدها، متخوفة “أن ينفد” ما لديها من طحين قبل دخول شحنات مواد غذائية مجدداً. وبلغ سعر ربطة الخبز، قبل توقف إنتاجه، 1500 ليرة سورية (0.38 دولاراً).

أسوأ أزمة طحين

منذ نشأته في نيسان/ أبريل 2015، يعيش قاطنو مخيم الركبان أزمات إنسانية مستمرة، على صعيد نقص المواد الأساسية والطبية، بفعل الحصار المفروض من النظام السوري على المخيم، ومنعه وصول المساعدات الإنسانية الأممية إلى الركبان عبر دمشق، إذ دخلت آخر قافلة مساعدات في العام 2019.

من جانبه، منع الأردن دخول المساعدات الإنسانية عبر أراضيه، في حزيران/ يونيو 2016، على خلفية استهداف تنظيم داعش نقطة لحرس الحدود الأردني. واستأنفت المساعدات عبر الأردن لمرة واحدة في أيلول/ أغسطس من العام ذاته.

ونتيجة الحصار المفروض على المخيم وغياب المساعدات الإنسانية، يعتمد سكان المخيم على المواد الأساسية التي تدخل عبر مجموعة مهربين، إلا أن “النظام منع قبل حوالي شهر ونصف دخول سيارتين محملتين بمواد غذائية”، بحسب الناشط الإعلامي عماد غالي، مشيراً إلى أنه “نتيجة لنفاد المواد الغذائية، وعلى رأسها مادة الطحين، دخلنا في كارثة إنسانية جديدة”.

وكان النظام يشدد حصاره على المخيم بين فترة وأخرى، ويمنع عبور المواد المهربة إلى المخيم، لكن “كانت مدة المنع لا تتجاوز أسبوعين”، كما قال غالي لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “أهالي المخيم صاروا يعتمدون على استهلاك مواد أخرى في ظل فقدان مادة الطحين”.

ومنذ بدء دخول المخيم في أزمة جديدة، يعتمد، الناشط غالي، وهو متزوج وعنده ثلاثة أطفال، على أصناف أخرى، “مثل اللبن، والرز والبرغل وبعض المواد الأخرى التي أدّخرها”، مشيراً إلى أنها “قد لا تكفي لأسبوع قادم”.

ومع أن كثيراً من أهالي المخيم يعانون من سوء الأوضاع الاقتصادية أيضاً، نتيجة غياب فرص العمل، فإن المشكلة عند غالي ليست في المال، إذ “لو كنت أملك مليون دولار، ولا يوجد كيلو طحين، فما فائدة الورق [المال] بين يديّ؟”.

ومن جهتها لم تتأثر أسماء الخالدي بانقطاع الطحين، كونها خزنت كميات قليلة من الطحين معتمدة “على ما يرسله لي أقاربي من مال شهري لشرائه”، لكن غالبية أهالي المخيم “غير قادرين على تخزين الطحين واستخدامه وقت الحاجة”، مشيرة إلى أن غالبيتهم “يشترون الخبز يوماً بيوم”.

وحذّرت الخالدي من “مجاعة حقيقية” في حال بقي المخيم محاصراً، إذ استمرار منع دخول الطحين إلى المخيم، يعني أن “المقتدرين مالياً لن يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم”.

لا تحرك دولي

في أكثر من مناسبة، نظم أهالي الركبان اعتصامات تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه نحو عشرة آلاف نازح عالقين على الحدود السورية-الأردنية. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلن المحاصرون عن اعتصام مفتوح مطالبين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بحقهم في تلقي العلاج.

واستجابة للاعتصام المفتوح، قدم فريق طبي أميركي بدعم من التحالف العلاج لعشرات المرضى، في شباط/ فبراير الماضي، لكن غالبية مطالبات الأهالي واعتصاماتهم تنتهي من دون استجابة حقيقة.

وجاء الاعتصام النسائي الأخير، وهو الأول من نوعه في الركبان، دلالة “على سوء الوضع المعيشي على نحو غير مسبوق، وأظهر عمق المعاناة”، كما قال أحمد الزرير، لـ”سوريا على طول”، وكانت زوجته من بين المشاركات في الاعتصام.

من جهته، قال عبد الرزاق المحيا، مسؤول المكتب الإعلامي في جيش “مغاوير الثورة”، المدعوم من التحالف الدولي في منطقة الـ55، والمسؤول عن حماية المخيم، أن “مطالب المدنيين واضحة، وهي تأمين المواد الغذائية، وإدراج المخيم على قوائم المخيمات المعترف بها من الأمم المتحدة، والسماح للمنظمات الإنسانية للدخول بشكل دوري”.

وأكد المحيا لـ” سوريا على طول” أن فصيله مستعد لتقديم أي مساعدات لأهالي الركبان ضمن حدود إمكانياته، لافتاً إلى أن “المخيم بحاجة إلى تحرك دولي تفوق إمكانياتنا”، مشدداً على أن الأهالي حالياً “بحاجة إدخال مساعدات إنسانية عاجلة، وفتح ممر إنساني مع دول الجوار”، وهذا من شأنه أن “يضع حداً للحصار والتجويع الذي ينتهجه النظام بشكل دوري”.

وتتزامن أزمة الخبز الحالية في مخيم الركبان مع أزمة قمح عالمية، بفعل الغزو الروسي على أوكرانيا، وفيما يعدّ النظام أكثر المتأثرين بالأزمة العالمية مقارنة بمناطق النفوذ الاخرى، كونه يعتمد على استيراد القمح من روسيا، فإن المناطق الهشة، من قبيل مخيم الركبان، قد تتأثر بشدة، لأنها تعتمد في تأمين احتياجاتها من السوق السوداء بمناطق النظام عبر المهربين.

واستنكر الناشط عالي “عدم استجابة قوات التحالف الدولي لمطالب المعتصمين قبل شهر ونصف، والذي كان موجهاً لها، ولم تقدم أي معونات للأهالي”، وإذ يحمل غالي “نظام الأسد مسؤولية تجويع أهالي الركبان”، لكن هذا “ليس بغريب عن النظام، فسياسة التجويع استخدمها ضد معارضيه في مناطق سورية عدة”.

لكن، “صمت المجتمع الدولي تجاه الانتهاكات بحقنا بمثابة تأييد للنظام”، لذلك “عارٌ على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الدولية إذا لم يتحركوا لإنقاذ المخيم”. 

شارك هذا المقال