أصوات من العاصمة دمشق: سعادة يشوبها خوف وذهول
مع التطورات السريعة في دمشق وريفها، يوم السبت، روى ثلاثة مدنيين لـ"سوريا على طول" ما يرونه ويسمعونه، وعبروا عن مشاعرهم تجاه ما يجري من تغيرات غير متوقعة
7 ديسمبر 2024
بينما يضيق الخناق على العاصمة دمشق، في تطور من المستحيل تصوره قبل أسبوع واحد فقط، يبدو أن أكثر من خمسين عاماً من حكم عائلة الأسد لسوريا شارف على الانتهاء.
من الجنوب، تقدمت قوات المعارضة بسرعة نحو دمشق، اليوم السبت، وسيطرت على أجزاء من ضواحيها الجنوبية. ومن الشمال، وصلت الفصائل المشاركة في عملية “ردع العدوان”، التي تقودها هيئة تحرير الشام، إلى مدينة حمص، التي تجري اشتباكات داخل أحيائها، بعد السيطرة على حماة وحلب في الأيام الأخيرة.
ومن جهة الشرق، تقدمت قوات الجيش السوري الحر، حتى وصلت إلى سجن عدرا المركزي، على بعد 16 كيلومتراً من وسط العاصمة دمشق.
في المقابل، يبدو أن حلفاء بشار الأسد القدامى -روسيا وإيران وحزب الله- مشتتون أو متخاذلون وتخلوا عنه.
ومع سرعة التطورات ميدانياً، تحدثت “سوريا على طول” مع ثلاثة مدنيين من العاصمة دمشق ومحيطها، جميعهم طلبوا التعريف عن أنفسهم بأسماء مستعارة، لمعرفة آرائهم بما يجري في العاصمة ويعبرون عن آرائهم ومشاعرهم.
بين مزيج من الأمل والخوف والارتباك، اتفق جميعهم على أن التغيير قادم لا محالة.
سهام العلي (اسم مستعار)، 35 عاماً، معلمة، ومقيمة في حي المزرعة بدمشق:
عندما كنت أمشي في حي البرامكة بدمشق، عصر اليوم، وجدت عمال النظافة يقومون بإزالة صور الرئيس من أعمدة الشوارع، بالبداية لم أصدق ما يحدث، وعندما صرت قريبة منهم كانوا يجمعونها في سيارات من أجل نقله.
اليوم، في البرامكة والفحامة وساحة عرنوس لا توجد أي صورة للرئيس، وترى مشاعر الخوف والفرح عند الناس بنفس الوقت، لا أعرف إذا أنا شعرت بذلك لأنني أعبر عمّا بداخلي، ولكن صدقاً كأن الجميع يترقب بفرح ما يحدث.
ولاحظت أيضاً مواكب سيارات دفع رباعي مظللة، هي غالباً سيارات مسؤولين أو شبيحة محملة بالناس وتسير بسرعة عالية على شكل أرتال، غالباً الوجهة خارج دمشق، والغريب أنهم يسيرون في أرتال متواصلة، شعرت أنهم لا يريدون أو يخشون الخروج بشكل فردي لهذه السيارات.
من ناحية أخرى، بالعادة نرى دوريات الشرطة العسكرية والأمن أثناء البحث عن مطلوبين للتجنيد، من يومين لم ألاحظ أي مظهر من مظاهر السوق للتجنيد بدمشق.
وكنا نصادف كثير من الأشخاص مهمّتهم إيذاء الناس، واحد منهم في ركن الدين دائماً يهدد الناس ويشتمها، ولكن منذ بداية معارك الشمال السوري لا نعرف أين هو ولم نعد نسمع صوته. وفي جاري كان يعمل موظف لدى النظام، أصله من جبال القلمون، ومعروف أنه شبيح، أيضاً الأسبوع الماضي ذهب إلى ضيعته ولا يريد العودة، سألته قبل يومين متى سترجع قال الأمور خالصة، سيتم تسليم البلد.
تلقيت اتصالاً من صديقتي [اليوم]، تقيم عند المدخل الجنوبي لمدينة دمشق، قالت لي: انتبهوا على حالكم والتزموا البيوت لأنه [الفصائل] وصلت إلى مدينة الكسوة، واقتربت من الدخول إلى دمشق. لكن بالنسبة لي لم أر أي وجود للمعارضة داخل العاصمة.
أخاف أن أعيش أمل التغيير، وأتمنى في الوقت ذاته أن يتغير الحال بين لحظة وضحاها، وأن يتم تسليم الحكم من دون معارك.
أثناء حديثي معكم وصلتني رسالة من شركة اتصالات محلية تحذر المواطنين من التهويل والضخ الإعلامي الذي يهدف إلى نشر الفوضى والذعر.
عبد الإله عثمان (اسم مستعار)، 50 عاماً، مقيم في دمشق، ويعمل في مجال التجارة
لا أحد يعلم ما يحدث في دمشق، والناس حتى الآن عندها خوف تستفسر عمّا يجري بشكل واضح، نحن نعيش حالة ترقب وذهول.
تجار دمشق حالياً يتأهبون لمرحلة مقبلة، حالياً يحاولون جمع أموالهم وتقليص تجارتهم، مع الأسف اليوم غلاء الأسعار كبير جداً لأنه الليرة هبطت بشكل غير معقول. بحكم شغلي بالتجارة، برأيي الحركة الاقتصادية بدمشق ومحاولة التجار تخفيف عملهم وتقليص تجارتهم في هذه الأيام مؤشر على تغيير قادم، لا نعرف ما هو.
اليوم لم أخرج من البيت، أظن هناك كثير من الأشخاص مثلي فضلوا عدم الخروج، ولكن أمس ليلاً زرت صديق في أطراف دمشق، وضع الحواجز العسكرية غير طبيعي، في استنفار لهذه الحواجز وأعداد كبيرة من العناصر، لكن المعاملة مختلفة تماماً عن قبل. مع بداية العمل العسكري في شمال سوريا لاحظنا التشديد على الحواجز والاستنفار داخل دمشق، لكن أمس على الحاجز العناصر لا تتحدث مع المارين ولا تشيك عليهم أمنياً، إذا كنت أريد أن أكون دقيق الوصف عناصر النظام على حواجزه يعيشون حالة ذل غير مسبوق.
لا أستطيع أن أعطيك جواباً، الصراحة أنا دخلت في نوبة بكاء اليوم، بكاء فرح طبعاً لأنني أعيش لحظات لم أتوقعها، وخاصة أنه قبل سنوات استعاد النظام السيطرة على الغوطة الشرقية وجنوب دمشق ودرعا، وتوقعنا أنه النظام طوى صفحة أي تغيير، وبعد إعادة العلاقات مع النظام من دول الجوار ترسخت عنا هذه القناعة أكثر.
كما قلت لك، لم أتوقع يوماً أن نعيش مثل هذه اللحظات، ولكن أملنا أن يسقط النظام من أجل دموع الأرامل، ودماء الشهداء، وعذاب المعتقلين، وآلام الجرحى. من أجكل كل هؤلاء أتمنى أن يتحول حلمنا إلى حقيقة ونرى سوريا بحلة جديدة.
ماري خوري (اسم مستعار)، 65 عاماً، موظفة حكومية متقاعدة من مدينة دمشق، لكنها تسكن حالياً في ريف دمشق على بعد 20 كيلومتراً من العاصمة.
أتمنى أن أعرف حقيقة ما يجري في بلدي الحبيب، لكنني لا أصدق أحداً. كل وسائل الإعلام تكذب، والإعلام الأجنبي هو الأسوأ. ما يؤلمني أن يتسلّون بآلام الآخرين، لذا أنا أحتقر الإعلام بكل أشكاله، بعد أن فقد مصداقيته ومهمته الأساسية.
الجميع يدّعي الدفاع عن المواطنين السوريين، وفي الحقيقة الجميع ظلمنا. سوريا هي الأهم بالنسبة لي وأنا مع كل من يحميها ويبنيها.
كوني مسيحية، مشكلتي مع [الفصائل العسكرية] أنني لا أعرف حقيقتهم، وهناك آراء متضاربة حولهم، وهذا يعزز عندي الخوف من الفوضى وغياب وجود نظام، لأن هناك أشخاص سوف يستغلون هذه الفوضى.
أتمنى الأفضل لبلدي، خاصة من الشباب الذين سافروا إلى خارج البلاد وتعلموا هناك، ربما إذا عادوا بإمكانهم بناء سوريا الحديثة. سوريا تستحق أن تكون جميلة وأن يتمتع بها شعبها. السوريون شعب حي وذكي، لكن العالم اجتمع على تدميرهم.