أعياد الميلاد في دمشق: حضرت الزينة وغاب الفرح
عمان- قريباً من حي جوبر الدمشقي الذي تحول إلى أطلال نتيجة سنوات من قصف القوات الحكومية، وأفضى في النهاية إلى تهجير أهله، أضيئت في ساحة العباسيين، قبل أيام، شجرة عيد ميلاد بطول 30 متراً، باعتبار ذلك دليلاً، من وجهة نظر حكومة دمشق، على تعافي البلاد، عبر عودة "الأمن والأمان إلى كافة مدنها وبلداتها"، كما جاء في تصريح لمعاون وزير السياحة لشؤون الاستثمار، غياث المراح، عبر الفضائية السورية.
23 ديسمبر 2019
عمان- قريباً من حي جوبر الدمشقي الذي تحول إلى أطلال نتيجة سنوات من قصف القوات الحكومية، وأفضى في النهاية إلى تهجير أهله، أضيئت في ساحة العباسيين، قبل أيام، شجرة عيد ميلاد بطول 30 متراً، باعتبار ذلك دليلاً، من وجهة نظر حكومة دمشق، على تعافي البلاد، عبر عودة “الأمن والأمان إلى كافة مدنها وبلداتها”، كما جاء في تصريح لمعاون وزير السياحة لشؤون الاستثمار، غياث المراح، عبر الفضائية السورية.
لكن شجرة الميلاد ذاتها بدت من وجهة نظر سوريين دليلاً على الفجوة التي تفصل بين الحكومة ومواطنيها الذين يعانون أكثر من أي وقت مضى في تأمين سبل معيشتهم حتى في الأماكن التي انتهى فيها القتال بسيطرة القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها.
مبالغة وتناقض
تجاوزت تكلفة شجرة العباسيين “مليون ليرة سورية [1095 دولار أميركي، وفق سعر صرف يوم أمس البالغ 913 ليرة للدولار]”، بحسب مصدر مطلع في دمشق، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، فيما “كانت تكلفة تزيين الشوارع المجاورة 500 ألف ليرة سورية [548 دولار]”.
في المقابل، تقاضى كل واحد من العمال الذين شاركوا في نصب الشجرة وإضاءة الأحياء المجاورة، مبلغ “5 آلاف ليرة سورية [5.5 دولار] لقاء عمل متواصل لعشرة أيام”، بحسب المصدر ذاته. معتبراً أن الحكومة “بالغت في تخصيص أموال للشجرة، في ظل انخفاض رواتب العمال في دوائرها، و تفشي الجوع في العاصمة”.
ورأى الدكتور أيمن عبد النور، مدير منظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام، في حديث لـ”سوريا على طول”، أن مبالغة دمشق في حجم شجرة الميلاد في محافظات دمشق وحمص وحلب، كما الزينة في الشوارع، وإن اقتصرت على بعض منازل الأثرياء، وخاصة أثرياء الحرب، مؤشر على “رغبة لدى النظام في إرسال رسالة للغرب مفادها أن البلد تعيش حالة أمان، وأنه يحمي الأقليات ومتسامح دينياً والمسيحيون في خير”.
وعدا عن المبالغة، فإن انطفاء أضواء شجرة عيد الميلاد في ساحة العباسيين، بعد فترة وجيزة من إضاءتها، بسبب سياسة تقنين الكهرباء التي تتبعها دمشق، كشف جانباً مناقضاً لحياة السوريين اليومية التي تريد دمشق ترويجها. إذ إن مدة وصول الكهرباء إلى أحياء دمشق لا تتجاوز أربع ساعات في اليوم.
أضواء تزين شارع كنيسة السيدة في حي العباسيين بالعاصمة دمشق، 15/ 12/ 2019 (صوت العاصمة).
عجز في رأس السنة وأيامها
على الرغم من رغبته في الاحتفال “هرباً من واقع الألم والحرب”، يقف جورج حداد (اسم مستعار)، من مدينة دمشق، عاجزاً عن ذلك. نتيجة عدم قدرته المالية على “التحضير للعيد وشراء شجرة”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”.
إذ إن واقع المعيشة في دمشق اليوم، نتيجة هبوط سعر صرف العملة الوطنية إلى ما يزيد عن 900 ليرة مقابل الدولار الواحد، حرم أصحاب الدخل المحدود من مسيحيي دمشق ممارسة طقوسهم وتقاليدهم في مثل هذا الأيام. وعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار زينة الأعياد بنسبة 100% عما كانت عليه العام الماضي، وفق ما أكد لـ”سوريا على طول” مواطنون مسيحيون مقيمون في دمشق.
فالشاب حداد يتقاضى راتباً شهرياً مقداره 30 ألف ليرة سورية (33 دولاراً) لقاء عمله في “سوبر ماركت” بأحد أحياء دمشق، بينما “يبلغ سعر أرخص شجرة عيد ميلاد بطول مترين، نحو 40 ألف ليرة [44 دولاراً]”. لافتاً إلى أن سعر الشجرة في العام الماضي “لم يتجاوز 20 ألف ليرة [22 دولاراً]”.
ولأن اقتناء الشجرة وزينتها من قبل موظف مثل حداد يعني “إنفاق راتب شهرين كاملين”، فإنه قرر عدم شرائها هذا العام، مكتفياً باقتناء “زيّ بابا نويل من محلات الألبسة المستعملة” كما قال. وأيضاً “اشتريت بعض الهدايا لأقدمها لابني، وهو الوحيد، حتى لا أحرمه بهجة العيد”.
فوق ذلك، فإن مائدة الطعام في يوم العيد تشكل تحدياً إضافياً في أعياد هذا العام بالنسبة لكثير من الأسر المسيحية.
فربّ الأسرة لم يعد قادراً على شراء الخضراوات واللحوم وسواها بالكمية ذاتها، بحسب حداد، كون” تكلفة الموائد المعتاد وضعها في الأعياد تبلغ قيمتها 100 ألف ليرة [110 دولارات]”. لذلك، فإن حجم الموائد هذا العام ستكون أصغر من ذي قبل حتى تتناسب مع الأوضاع الراهنة، معبراً عن ذلك بقوله “رح نحتفل على قدنا هي السنة”.
أوضاع اقتصادية مشابهة، دفعت ريتا خوري (اسم مستعار) إلى الاشتراك مع أخواتها الثلاث “في شراء شجرة واحدة، وإقامة الحفل في بيت العائلة”، بحسب ما ذكرت لـ”سوريا على طول”.
إيقاظ الفتنة
ثمة شعور في أوساط كثير من المسيحيين السوريين باستخدام قوى الصراع في سوريا، بما في ذلك حكومة دمشق، ملف المسيحيين في سبيل تحقيق مصالحها. إذ رغم نأيهم عن الصراع، استخدمت دمشق المسيحيين ورقة في الصراع الدائر منذ قرابة تسع سنوات، مدعية حمايتهم، فيما الحقيقة أن “النظام استخدمهم للاحتماء بهم والبقاء في الحكم”، برأي الدكتورة سميرة مبيض، نائبة رئيس منظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام.
عدا عن ذلك، فإن اهتمام حكومة دمشق بأعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة، وقبل ذلك أعياد الطائفة الشيعية، لا يبدو، برأي خوري، مساوياً لاهتمام هذه الحكومة بأعياد إسلامية، من قبيل عيد المولد النبوي الشريف والسنة الهجرية، والتي “مرّت من دون اهتمام”.
لذا، تتخوف خوري، كما قالت، من أن يؤدي “تمييز النظام في الاهتمام بين مكونات الشعب السوري إلى خلق نوع من الفتنة بين سكان العاصمة”. وهو ما يمثل سبباً آخر بالنسبة لها، يضاف إلى عدم توفر الإمكانات المالية، وانتشار المظاهر الأمنية التي “تأسر حريتنا في التنقل بدمشق”، إلى الاحتفال مع عائلتها في المنزل.