“أغلى قهوة في حياتي”: ألف دولار لدخول السوري إلى مصر
منذ عام 2013، يتعين على السوريين الراغبين بدخول مصر التقدم بطلب للحصول على موافقة أمنية خاصة تتراوح تكلفتها بين 1,050 إلى 1,500 دولار في كل مرة. شكّل هذا الإجراء عائقاً أمام هجرة السوريين إلى مصر، وحال دون لم شمل الكثير من اللاجئين بعائلاتهم، كما أفضى إلى نشاط شبكات السمسرة.
29 أبريل 2024
6 أكتوبر/ القاهرة- بعد فرارها من سوريا، أعادت رهام* أعادت بناء حياتها في القاهرة، وخلال إقامتها منذ اثني عشر عاماً، حصلت على عمل ثابت في حمام سوري، واستأجرت شقة وفرشتها، وأطفالها يداومون في مدارس مصر، البلد الذي تعتبره “وطنها الثاني”.
تفتقد رهام لوالدتها هبة، ومن دون أمها لا تشعر بالسلام الداخلي والانسجام، كما قالت السيدة لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أن أمها جاءت إلى مصر في عام 2012، لكنها عادت إلى سوريا بعد فترة قصيرة لتعتني بأحفادها الثلاثة الموجودين هناك، بعد اعتقال والدهم -ابن هبة وشقيق رهام- في عام 2013، حاله حال أكثر من مئة ألف سوري تم إخفائهم قسرياً خلال الحرب، على يد النظام السوري بالدرجة الأولى.
عادت هبة إلى سوريا، وكان من المقرر أن تكون عودتها لوطنها عودة مؤقتة، لكن السياسة كان لها حكم آخر، إذ غيّرت مجرى حياة العائلة، وفرقت الأم عن ابنتها رهام.
في تموز/ يوليو 2013، بعد الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر بانقلاب عسكري، فرضت الحكومة المصرية المؤقتة شرطاً جديداً على السوريين الراغبين دخول مصر؛ وهو ضرورة التقدم بطلب “تصريح أمني” تتراوح تكلفته من 1,050 إلى 1,350 دولار، بحسب معلومات متقاطعة حصلت عليها “سوريا على طول” من عدة مصادر حصلت على التصريح مؤخراً.
يتعين على جميع اللاجئين السوريين، سواءً القادمين من سوريا مباشرةً أو العابرين لدول أخرى التقدم بطلب تصريح. نظراً للاستثناءات المحدودة، فحتى الذين عاشوا في مصر لسنوات طويلة، مثل روان، عليهم الحصول على التصريح ودفع تكاليفه ليدخلوا مصر من جديد بعد مغادرتها.
أصيبت هبة بسرطان الكبد، لكنها ابنتها رهام لا تستطيع تحمل تكاليف زيارتها، ولا تستطيع الأم القدوم إلى القاهرة للعلاج فيها أو زيارة ابنتها. “عندما تغادر مصر لا يمكنك أن تعود”، قالت رهام لـ”سوريا على طول”، متسائلة: “من أين لي بتأمين مبلغ 1,300 دولار للحصول على الموافقة الأمنية، وفوقها تذكرة الطائرة ؟”.
يشترك آلاف اللاجئين السوريين بمصر في المعاناة ذاتها، لأنهم غير قادرين على الالتقاء بأقاربهم خارج مصر، حتى لو لزيارة قصيرة، بسبب التكلفة الباهظة للتصريح الأمني، مقارنة الدخل المتدني الذي يحصلون عليه. ويُترك القادرون على دفع رسوم التصريح تحت رحمة شبكات سمسرة تتحكم بالعملية.
من اللحظة التي يتقدمون فيها للتأشيرة إلى الخطوة الأولى التي تطأ فيها أقدامهم التراب المصري، يمر السوريون في إجراءات يشوبها الغموض ومشبعة بالإذلال الذي لا ينتهي، في ظل عملية مصممة لانتزاع الحد الأقصى من الإيرادات واستخلاصها من بؤس اللاجئين والعائلات المشتتة.
تصريح أمني أو حاجز للحيلولة دون الهجرة؟
قبل عام 2013، كان السوريون يسافرون إلى مصر من دون قيود، ويحصلون على تأشيرة إبان وصولهم، وهذا ما دفع عشرات آلاف السوريين على اللجوء إليها خلال السنوات الأولى للحرب في بلادهم. بحلول تموز/ يونيو 2013، تضخمت الجالية السورية ليصل تعدادها من 250 إلى 300 ألف نسمة تقريباً.
استُقبِل اللاجئون في البداية بحفاوة ورحابة صدر، ولاسيما في فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي القصيرة، الذي انتُخِب رئيساً لمصر بعد الثورة المصرية عام 2011. كان لحزبه، الإخوان المسلمين، علاقات سياسية مع قطاعات من المعارضة السورية التي شاركت في قيادة الثورة السورية. أعرب مرسي عن دعمه المطلق للثوار السوريين، واصفاً إياهم بـ “أشقاء” الشعب المصري، ولم تتخذ حكومته أي إجراءات للحد من هجرة السوريين إلى بلاده.
في عام 2013، تغير الوضع بعد الانقلاب العسكري للجنرال عبد الفتاح السيسي على مرسي، أعقبه حملة قمع واسعة النطاق ضد الإخوان المسلمين ومؤيديهم المفترضين. وشمل ذلك الجالية السورية، التي قد تكون مصدراً للبلبلة من وجهة نظر السلطات المصرية الجديدة بقيادة السيسي.
في الأشهر الستة الأولى من عام 2013، واجه اللاجئون السوريون في مصر موجة ترهيب واعتقالات تعسفية، وللمرة الأولى بدأت السلطات المصرية اتخاذ إجراءات صارمة ضد المنتهية صلاحية تصاريح إقاماتهم وفرضت قيوداً على الهجرة.
عندما طرحت السلطات الجديدة شرط الموافقة الأمنية في عام 2013، عللت ذلك بوجود مخاوف أمنية، إذ ذكر مصدر أمني مجهول لجريدة الأهرام المصرية أن “نظام الرئيس محمد مرسي كان يسمح للمواطنين السوريين بدخول البلاد دون شروط، وهو الأمر الذي كان يسبب نوعاً من الضيق للأجهزة الأمنية في البلاد، خاصة مع محاولة بعض العناصر المتطرفة الدخول للبلاد تحت غطاء الهرب من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا”.
ولكن رغم مرور أحد عشر عاماً، ما تزال العملية مبهمة، فلا أحد يعلم كيف تُفحَص الطلبات على وجه التحديد، وما هي معايير تقييمها. عملياً، يُوافق على الغالبية العظمى للطلبات. “مستحيل أن يتم رفضك”، قال لـ”سوريا على طول” سمسار يعمل مع “شركة سياحة”، مقرها دمشق، تُسهِّل تقديم طلبات الموافقة الأمنية، مشيراً إلى أن شركته تقوم بهذه الإجراءات “منذ عشر سنوات، ولم أشهد رفض أي طلب”.
تواصلت مراسلة “سوريا على طول” مع السمسار بصفتها سورية تحاول التقديم على تأشيرة دخول لمصر، حتى تضمن أن يتعامل المصدر معها كما يتعامل مع أحد الزبائن العاديين، وعندما حاولت الحصول على تفاصيل أكثر عن العملية، أشار السمسار إلى أن أجهزة الأمن المصرية قلَّما يكون لديها سبب للرفض بما أن المتقدمين لا يدفعون ما لم يحصلوا على الموافقة.
“أنت تدفع لهذه الورقة، لذا لن يرفض أحد المال برفضه طلبك”، قال السمسار، المقيم في دمشق في تسجيل صوتي عبر الواتساب. أكدَّ سمسار آخر في مصر عبر محادثة عبر الواتساب أيضاً أنَّ “حالات الرفض نادرة، وإن حصلت، يتم تعويض المتقدمين”.
ظاهرياً، تعد التصاريح الأمنية آلية للتحقق والتفتيش، وهي أيضاً وسيلة قوية للحد من هجرة السوريين إلى مصر. ولعل الأهم من ذلك أنها توفر مصدر دخل للفروع الأمنية المصرية المسؤولة عن إصدارها.
لكن في الواقع، هو نظام ربحي لا يعامل الجميع على قدم المساواة، إذ يتعين على السوريين الذين يعيشون في مصر بإقامة سياحية استصدار موافقة جديدة كلما غادروا البلد وعادوا إليها، بينما يُعفى السوريون المستثمرون، لأنهم يحملون إقامة مستثمر، وكذلك الذين لديهم إقامة في دول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة و المملكة المتحدة و كندا، غير مطالبين بالتصريح ما لم يكونوا لاجئين في هذه البلدان.
عملية مبهمة
منذ بدء العمل بها، ما تزال عملية الحصول على موافقة أمنية من مصر مبهمة ومعقدة، فلا السفارة المصرية في دمشق تصدرها رغم أنَّها ظلت مفتوحة طيلة فترة الحرب، ولا حتى المكاتب القنصلية المصرية المنتشرة في الخارج. وإنما على المتقدمين في كل من سوريا ودول الشتات أن يتقدموا “لمكاتب السفر” المتخصصة، التي تراجع الأوراق وتفرض العمولة.
حالة الضبابية تخلق إرباكاً للاجئين السوريين الراغبين في السفر إلى مصر، كما قال “تشي*”، 37 عاماً، وهو لاجئ سوري يقيم في فرنسا، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أنَّه تقدَّم بطلب تأشيرة لثلاث مرات من خلال السفارة المصرية بين 2017 و2021، وكان يُرفض في كل مرة، قبل أن يعلم عن شرط الموافقة الأمنية، غير المذكور بوضوح على مواقع الحكومة المصرية.
ليس هناك قائمة بوكالات السفر المعتمدة لإجراء الموافقات الأمنية، لذا حينما علم “تشي” بها، بحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وكالة، وقدم عبرها في عام 2021، ليحصل على الموافقة من المرة الأولى، وتمكن من زيارة أمه المريضة، التي تعيش في مصر منذ ثماني سنوات.
معظم سماسرة الموافقات الأمنية يعملون عبر الانترنت، وهذا يزيد من صعوبة حصر عدد الشركات الوسيطة الموجودة في السوق، أو معرفة من يديرها أو التحقق من مكان وجودها فعلياً. يعلن السماسرة عن خدماتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وينشرون على مجموعات فيسبوك يديرها أشخاص من الجالية السورية في مصر.
يتواصل البعض مباشرة مع العملاء المحتملين الذين يطرحون أسئلة ذات صلة على هذه المجموعات. يستخدم البعض حسابات خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تشير إلى أي روابط لخدمات ووكالات السفر، في حين يملك البعض الآخر حسابات ذات أسماء أكثر رسمية مثل “تأشيرة لمصر/Visa for Egypt” أو “سفريات الشام/ Sham Travel” أو “تأشيرة سوريا/ Visa SY”.
في وسط الفوضى المنتشرة على الإنترنت، يُقدِّم بعض السمساسرة عروضاً أفضل من غيرهم. “هناك الكثير من الأشخاص الذين يقولون أنهم يستطيعون تأمين الموافقة. أبحث عنهم على الفيسبوك وأفتش عن أقل سعر. أحياناً احصل عليها أرخص بـ 100 دولار”، قالت سارة، 28 عاماً، مصورة سورية تعيش في غرب فرنسا لـ”سوريا على طول”. منذ وصولها إلى فرنسا في عام 2017، سافرت سارة إلى مصر ثلاث مرات للقاء عائلتها، وكانت رحلتها الأخيرة في حزيران/ يونيو 2023.
بصفة سوري ينوي السفر إلى مصر، تواصلت مراسلة “سوريا على طول” مع أربعة سماسرة لمعرفة الرسوم والوثائق المطلوبة لإتمام إجراءات الموافقة الأمنية. تتراوح الأسعار المذكورة من 1,050 إلى 1,500 دولار بحسب نوع الموافقة.
الأولى تُعرف بـ”الموافقة السريعة” أو “موافقة المخابرات”، لأن الطلب من المفترض أن يوافق عليه جهاز المخابرات العامة المصرية، وتصدر في غضون أسبوع بتكلفة مقدارها 20 مليون ليرة سورية أو 1,350 دولاراً، ويطلب بعض السماسرة 1,500 دولار.
والثانية “الموافقة البطيئة” أو “موافقة الأمن العام”، نسبة إلى الجهة التي تصدر عنها، وهو قطاع الأمن العام، فرع آخر للأجهزة الأمنية، وتستغرق من 10 إلى 25 يوماً، بتكلفة مقدارها 18 مليون ليرة سورية، أو ما يعادل من 1,050 إلى 1,200 دولار، بحسب السمسار.
يُطلب من المتقدم نسخة عن وثيقة سفره، كما قال أحد السماسرة لـ”سوريا على طول” عبر صفحة فيسبوك اسمها “Visas to Egypt / تأشيرات إلى مصر”، مشترطاً من أجل الموافقة ألا يكون الشخص قد دخل إلى مصر سابقاً بطريقة غير قانونية. لكن سمساراً آخر لم يذكر هذا الشرط.
لا تشمل رسوم السماسرة تكلفة تذكرة الطائرة أو التأشيرة الفعلية، التي يتم الحصول عليها عند الوصول إلى مصر وتتراوح تكلفتها بين 25 و60 دولاراً، بحسب مدة التأشيرة ونوعها وما إذا كان مقدم الطلب قادم بجواز سفر سوري أو وثيقة سفر لاجئ.
ليس السوريون وحدهم من يخضعون لنظام الموافقة هذا. منذ بداية حرب إسرائيل على غزة، يدفع الفلسطينيون الذين يحاولون مغادرة القطاع رسوم “تنسيق” هائلة تصل إلى 10عشرة آلاف دولار للفرد، من أجل إضافتهم إلى قائمة المصرَّح لهم بالمغادرة.
عقب اندلاع الحرب الأهلية في السودان، أصبحت الموافقات الأمنية إلزامية أيضاً للمسافرين السودانيين القادمين إلى مصر. ومنذ عام 2019، يخضع العمال الليبيون لنظام الموافقات والتصاريح التي تصدرها الأجهزة الأمنية المصرية.
من الصعب تحديد مقدار إيرادات التي يجلبها جهاز أمن القاهرة من خلال هذا النظام، لكن بما أن عدد السوريين في مصر ارتفع من 300 ألف نسمة في تموز/ يوليو 2013 إلى 1.5 مليون نسمة حالياً، وعلى فرض أن جميع الموجودين في الوقت الراهن دفعوا 1,150 دولار على الأقل للحصول على الموافقة الأمنية ( السعر الأدنى الذي تردد على مسامع سوريا على طول)، فإن الدخل الناتج عن استصدار موافقات السوريين وحدهم سيصل إلى أكثر من 1.38 مليار دولار على مدى السنوات العشر الماضية. وسيذهب جزء من هذا المبلغ عمولات إلى السماسرة، ومن غير الواضح أين ستتدفق باقي الأموال داخل الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية.
يجدر بالذكر أنَّ السوريين في مصر لم يدخلوا جميعهم بشكل قانوني وبعضهم معفيون من الموافقة كالمستثمرين. ومع ذلك، من المرجح أن تكون هذه التقديرات منخفضة، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار جميع الزوار السوريين الذين تقدموا بطلبات للحصول على تصاريح زيارات مؤقتة أو لم يستقروا في مصر على المدى الطويل.
“يذلوننا ويستغلون شقاءنا”
الطبيعة المبهمة لشبكة السماسرة وحقيقة أنَّ كل شيء يحدث عن بُعد هما مصدر توتر وقلق للاجئين المعرضين جداً للوقوع بفخ الاحتيال والتزوير.
على سبيل المثال، طلب سمساران، تحدثت إليهما “سوريا على طول”، الدفع مقدماً، وهنا يبرز السؤال: ماذا سيحدث لو أنَّهما اختفيا ومعهما النقود. كما العديد من السوريين، تعاملنا مع هذين السمسارين (أحدهما في القاهرة، والآخر في دمشق) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون وجود أي طريقة تثبت هويتهما الحقيقية أو تمكنك من مساءلتهما قانونياً إن أخفقت العملية.
طلب سماسرة آخرون الدفع فقط بعد الحصول على الموافقة أو عند الوصول إلى مصر، شرط أن يكون لدى مقدم الطلب كفيل في مصر يمكنه الدفع بالنيابة عنهم في المطار.
ولكن حتى بعد إصدار الموافقة، تستمر الرحلة الشاقة، المليئة بالإذلال، إجراءات ومتطلبات مشوِّشة ورسوم ضمنية مخفية. مثلاً، يتعين على المسافرين شراء تذاكر سفرهم إلى مصر من خلال إحدى شركتين حكوميتين: السورية للطيران (SyrianAir) أو مصر للطيران (EgyptAir) إن كانوا قادمين من دولة ثالثة.
ورقة الموافقة غالية الثمن هذه لا تملي العين، فهي “تبدو كوصل تأخذه بعد شراء خضراواتك”، قال تشي، مشيراً إلى أنه حصل على قسيمته “من خلال رقم مجهول عبر الواتساب”. وتحتوي القسيمة (الإيصال) على رقم تعريف فريد “يمثل إثباتاً على الموافقة الأمنية الممنوحة لهم”، بحسب أحد السماسرة، من خلال هذا الرقم يتسنى للمستلمين عبور قسم مراقبة الجوازات المصرية في عملية تتطلب ساعات من الانتظار.
عندما يحط المسافرون في مطار مصر، يتعين عليهم الاصطفاف في طابور من جديد لشراء التأشيرة الفعلية. “كان عليَّ الانتظار أمام النافذة كما الآخرين للحصول على التأشيرة الفعلية مقابل 25 يورو، بالإضافة إلى كل ما دفعته من قبل”، قالت سارة، ويفترض أن “تُلصق الفيزا على جوازك، ولكن المكاتب المصرية أخذوها وجعلونا ننتظر. انتظرت لثلاث ساعات، وقابلت سوريين آخرين كانوا هناك منذ ست ساعات”.
“في كل مرة، أشعر أني مهانة جداً”، أضافت سارة، وهي تستذكر زيارتها الأخيرة إلى مصر، قائلة: “غادرت بيتي 12 ساعة قبل أن أهبط وابنتي ذات الخمسة أعوام، التي كانت مرهقة وتبكي طوال الوقت. ثم انتظرنا لساعات في المطار إلى أن وافق الضابط أن يختم جوازاتنا”. وفي ذلك الوقت، “كانت عائلتي تنتظر لساعات في الحر خارج المطار، وعندما خرجنا فقدنا جميعنا لهفتنا للزيارة”.
تملَّك تشي الإحساس بالإحباط أيضاً، واختزل هو وسارة تجربتهما مع مسؤولي الهجرة المصريين بالعبارة ذاتها تقريباً “يذلوننا ويستغلون شقاءنا”.
“شريكتي، بريطانية، استلمت تأشيرتها ذات 25 يورو وعبرت إلى الجانب الآخر”، قال تشي. بينما اضطر هو للوقوف في طابور في قسم آخر، إلى جانب الجنسيات الأخرى. “سألت شخصاً ماليزياً عن المدة التي انتظرها وقال ثلاث ساعات”، بحسب تشي.
“أخبرت شرطياً أني لم أر أمي التي تحتضر منذ ثماني سنوات، وإن شاء أعطيه خلسة بعض اليوروهات”، بحسب تشي، وفعلاً وافق الشرطي على الرشوة ومن ثم تراجع خشية أن يلفت مزيداً من الانتباه إليه.
“في نهاية المطاف، أخذني إلى غرفة الانتظار”، وهي نسخة مصغرة عن مكتب الخدمات الأمنية النظامية في مصر. وهناك، تعامل ضابط مع موافقة تشي الأمنية وتمكن أخيراً من الخروج. “حينما رأيت أمي، واحتسيت معها القهوة، قلت لها “أمي هذه أغلى قهوة أرتشفها مع امرأة في حياتي”، مشيراً إلى أنه دفع “ثلاثة آلاف دولار”.
رغم التكلفة الكبيرة، إلا أن الحظ حالف تشي أكثر من رهام، التي تعلق آمالها بإعادة لم شملها مع والدتها قبل أن تفارق الحياة، قائلة: “آمل أن يرأف الرئيس السيسي بحالنا ويفتح الأبواب بين البلدين”، وأضافت والدموع تملأ عينيها “كل ما آمله أن أجمع ما يكفي من المال لأحضر أمي إلى هنا”.
تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور، وهو التقرير الثاني من سلسلة من ثلاثة أجزاء تسلط الضوء على تجارب السوريين في مصر. اقرأ التقرير الأول، والتقرير الثاني.
*نظراً للقيود المفروضة على حرية التعبير في مصر، إذ يتم اعتقال الأشخاص ومحاكمتهم بناءً على منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي يُرى أن فيها انتقاداً للسلطات، استخدمت “سوريا على طول” أسماءً مستعارة لجميع المصادر في هذا التقرير، من أجل التعبير عن آرائهم من دون خوف.