أملاك السوريين ضحية التزوير بتواطؤ حكومي
يتركز الاهتمام على محاولات نظام بشار الأسد الاستيلاء على ممتلكات المهجرين خارج سوريا وداخلها، تبرز أساليب نهب أخرى من أفراد خارج النظام أيضاً. لكن يشجعهم على ذلك طبيعة النظام التي تعني خشية المهجرين من الاعتقال في حال عودتهم
29 مارس 2021
عمان- رغم أن منزل مروة الكائن خلف بساتين الرازي بدمشق “مسجل باسم زوجي الذي قتل في العام 2012 بسبب القصف الذي تعرضت له المنطقة”، إلا أن شقيق زوجها، كما علمت مؤخراً النازحة المقيمة حالياً في مدينة إدلب شمال غرب سوريا، قام “ببيع المنزل لأحد عناصر حزب الله الذين يحيطون بمدينة داريا”، كما قالت لـ”سوريا على طول”. مضيفة: “لا أستطيع مراجعة دوائر الدولة في دمشق للمطالبة بحق عائلتي في العقار”.
إذ فيما يتركز الاهتمام على محاولات نظام بشار الأسد الاستيلاء على ممتلكات المهجرين خارج سوريا وداخلها، تبرز أساليب نهب أخرى من أفراد خارج النظام أيضاً. لكن يشجعهم على ذلك طبيعة النظام التي تعني خشية المهجرين من الاعتقال في حال عودتهم، متضافراً ذلك مع تفشي الفساد الذي يعد أحد السمات الراسخة للنظام.
إثبات الملكية
يعتبر “الطابو الأخضر”، أي سند الملكية المتحصل عليه بناء على تسجيل العقار باسم المالك في السجل العقاري الحكومي، أقوى وثيقة إثبات في سوريا.
لكن هناك أيضاً وثائق إثبات أخرى رسمية، تأتي في الدرجة الثانية، هي “سندات الكاتب بالعدل في المحكمة”، كما أوضح المحامي السوري حسام السرحان، عضو تجمع المحامين السوريين، ومقره تركيا، وتشمل “سند توكيل بيع عقار، وسند بيع عقار مع توكيل، وسند بيع عقار مع توكيل غير قابل للعزل. وتعتبر الأخيرة أقوى السندات”.
فسند توكيل بيع عقار “يلزم البائع والمشتري بالحضور إلى السجل العقاري، حتى وإن كان السند مكتوباً عند الكاتب بالعدل. وفي حال عدم حضور البائع، يلزم المشتري برفع دعوى على البائع في المحكمة ليثبت من خلالها دفعه ثمن العقار وملكيته له”، كما أضاف السرحان. أما سند بيع عقار مع توكيل، فهو “تفويض من المالك لشخص ما ببيع العقار لأي شخص آخر عدا نفسه من دون الرجوع للمالك، وهو ما يكون مدوّناً بشكل صريح في السند”. أما سند بيع عقار مع توكيل غير قابل للعزل، فهو “تصريح من المالك أمام الكاتب بالعدل أنه باع العقار وقبض ثمنه، وفوّض المشتري إجراء عملية نقل الملكية لنفسه في السجل العقاري من دون الرجوع للمالك الأساسي”.
إضافة إلى ذلك، هناك “سند بيع عادي”. وهو “سند بين البائع والمشتري للعقار تمت كتابته فيما بينهما أو عند محام من دون تثبيت عملية البيع ونقل الملكية في السجل العقاري”. وهذا “السند ضعيف”، وفقاً للسرحان، “ما لم يقم المشتري برفع دعوى يبرز فيها هذا السند ويثبت صحته أمام المحكمة، وبالتالي يحصل على قرار حكم بتثبيت شرائه للعقار، ومن ثم يسجله في السجل العقاري”.
سلب بالتزوير
الفساد المستشري في مؤسسات الحكومة السورية، وسلطة الاستبداد، مكّنا النظام ومؤيديه من الاستحواذ على عقارات السوريين المهجرين والغائبين بطرق غير قانونية، من خلال تقديم اعتراضات تتضمن ادعاءات الملكية من دون علم المالكين الحقيقيين.
وكانت وزارة الداخلية السورية أعلنت الشهر الحالي إلقاء إدارة الأمن الجنائي “القبض على ثمانية أشخاص، وإحباط عملية إتمام نقل ملكية عقارات عائدة لمواطنين من أهالي منطقتي (داريا والتجارة) في دمشق تقدر قيمتها بمئات الملايين من الليرة السورية”، عبر استخدامهم “وثائق ووكالات وبطاقات شخصية مزورة لأصحاب تلك العقارات مستغلين وجود بعضهم خارج القطر”. كما أعلنت الوزارة، في الشهر الحالي أيضاً، القبض على شخصين آخرين بنفس الجرم في محافظة اللاذقية.
لكن يبقى من المشكوك فيه قدرة أو حتى رغبة حكومة دمشق في ملاحقة التزوير الذي يمارسه أو يستفيد منه المتنفذون، لاسيما من المليشيات الإيرانية، كما في حالة منزل عائلة سلوى اليوسف (اسم مستعار) من مدينة حلب.
إذ باع أخوها، كما قالت، منزل العائلة المسجل باسم أبيها المعتقل منذ العام 2014، لقائد في ميليشيا إيرانية كان قد انتسب إليها الأخ في حلب. وقد عرفت ذلك بعد أن ذهبت لزيارة المنزل، فوجدت عائلة إيرانية تقيم فيه. وبعد نقاش طويل حول ملكية المنزل، عرفت أن أخي من باعهم العقار ولديهم سند ملكية رسمي بذلك”.
على إثر ذلك وكلت اليوسف “محام للمضي بإجراءات استرداد الملكية منذ عام”، كما روت لـ”سوريا على طول”، لكن “هناك مماطلة من قبل القضاء ولم أستطع استرداد حقي وحق إخوتي الخمسة الآخرين” حتى الآن.
أما في حالة محمد الزعبي الذي ينحدر من مدينة إزرع بريف درعا الشمالي، والمقيم حالياً في ألمانيا، فقد نقل طليق أخته ملكية منزل عائلته الكائن في مدينة إزرع إلى نفسه، كما قال لـ”سوريا على طول”، بعد أن “انفرد بوالدي الضرير وأخذ توقيعه وبصمته على سند بيع ملكية المنزل له، ومن ثم قام ببيعه وقبض ثمنه من دون أن نعلم، ومنذ شهرين جاء المشتري إلى أبي وأظهر سند الملكية الذي يثبت صحة شرائه المنزل”. مضيفاً أن شقيقته رفعت دعوى وتوكيل محام، ولا زلنا ننتظر إتمام الإجراءات”.
وقد يتخذ التصرف بالعقار المستحوذ عليه بوثائق مزورة جانباً أكثر تعقيداً “حين تنتقل ملكية العقار إلى شخص حسن النية، لا علم له بحادثة التزوير”، كما لفت المحامي السرحان. إذ “يصطدم طلب رد الملكية العقارية بمبدأ حسن النية في إبرام التعاملات القانونية، فلا يستطيع المالك الحقيقي للعقار المباع أن يسترد عقاره، إذا انتقل إلى شخص حسن النية، إلا في حال أثبت أن من ابتاع العقار سيء النية، وهذا ليس من السهل إثباته، وبناء عليه يفقد صاحب العقار ملكيته، ويبقى حقه مقتصراً على الثمن بمواجهة البائع أو البائعين بالوكالة المزورة”.
تورط قضاة ومحامين
تتمثل أشكال التزوير التي يتم ضبطها في دمشق، بحسب محام مقيم في العاصمة طلب عدم الكشف عن هويته، في “تزوير الهوية الشخصية لمالك العقار عن طريق ترك معلومات الشخص المالك ووضع صورة الشخص المزور المنتحل لشخصية الأول، وتزوير أختام وتواقيع كاتب العدل والقضاة عبر طباعة سندات ملكية أخرى وتغيير اسم المالك والمعلومات الشخصية عنه، وتزوير الشخص المنتحل لشخصية المالك لوكالة بيع عامة على أنه موكّل من صاحب العقار الأساسي ببيع هذا العقار”.
فوق ذلك فإن “القضاء السوري ليس نزيهاً بالقدر الكافي”، كما أضاف المحامي، متهماً القضاة وكتاب العدل بـ”تواطؤ كبير” في عمليات التزوير، “عبر التساهل في الإجراءات من دون التأكد من صحة أقوال الشخص البائع للعقار”. كما إن هناك “محامون كثراً لهم يد في عمليات التزوير، ونقل ممتلكات أشخاص غادروا منازلهم إلى أشخاص آخرين منهم إيرانيون، كما أن غالبيتهم يعرفون مفاتيح القضاة والمبالغ التي يتقاضونها مقابل كل قضية نقل عقار بسندات مزورة”.
وكان أحمد السيد، وزير العدل في حكومة دمشق، أقر في تصريح لجريدة “الوطن” الموالية، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بصدور أحكام قضائية عن بعض القضاة “بنقل ملكية عقارات إلى أشخاص آخرين بناء على وكالات مزورة”. زاعماً أن أولئك القضاة “تحت المحاكمة في مجلس القضاء الأعلى”.
من جهتها أكدت المحامية السورية نبيهة الريس، المقيمة في لبنان، أنه “كان للقانون رقم 10 للعام 2018، دور كبير في عمليات التزوير والتغيير الديمغرافي التي يقودها النظام السوري”، إذ أدى ذلك، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”، إلى “جعل مرتكبي جرم التزوير للملكيات العقارية ينتشرون بشكل كبير، لعلمهم بعدم قدرة أصحاب الممتلكات من المهجرين على إثبات ملكياتهم لدى الدولة، بعد أن أمهلتهم الحكومة شهراً واحداً فقط لتقديم إثباتات الملكية”.
لكن الريس رأت أنه “مستقبلا وبعد الخلاص من حكم العصابة الحاكمة، يمكن إبطال الملكيات المزورة بسهولة، لأنه من خلال التوقيع أو البصمة نستطيع كشف المالك الحقيقي للعقار، خاصة وإن ثبتت إقامة هذا المالك خارج سوريا بتاريخ بيع العقار”.
الأمر ذاته أكد عليه السرحان. إذ رغم عدم وجود “حلول آنية”، كما قال، فإنه “عندما تصبح سوريا دولة قانون وفيها قضاء مستقل ونزيه، سيتيح ذلك للمالك أن يطالب باسترداد عقاره، وتعويضه عن الفترة التي تم فيها وضع اليد على العقار”. منبهاً إلى أن النظام لا يستطيع حذف ملكية المالك الأساسي للعقار من السجل العقاري لأن “كل عقار موجود في سوريا له رقم عقاري بصفحة من قياس كبير، تسجل عليه الوقوعات، بحيث لا يمكن حذف أو محو اسم المالك الرئيسي لهذا العقار ووضع اسم شخص آخر مكانه، بل تسجل الوقوعات على هذا العقار في نفس صفحة المالك الأساسي له مع كل عملية بيع ورقي أو حتى حجز على العقار”.
مبادرات لحفظ الحقوق العقارية
في 4 شباط/ فبراير 2018، أطلق “تجمع المحامين السوريين” مشروع “رد المساكن والممتلكات العقارية” الذي يهدف إلى تجهيز معلومات عن عقارات المدنيين المصادرة من جهة ما، أو العقارات المدمّرة، ومن ثم تقديمها للجهة المسؤولة في سوريا ما بعد الحرب.
ويستند المشروع كما أوضح السرحان، أحد الشخصيات القائمة عليه، إلى “وثيقة الأمم المتحدة الصادرة العام 2005، التي أقرت المبادئ المتعلقة برد المساكن والممتلكات إلى اللاجئين والنازحين، والتي أعلنها المقرر الخاص باولو سيرجيو بنهيرو”. مشيراً إلى أنه “بناء على هذه الوثيقة عملنا على مشروع التوثيق الوطني منذ العام 2013، واستطعنا حفظ نسخ من السجلات العقارية في بعض المحافظات السورية التي كانت خارج سيطرة النظام، كحمص وإدلب وريف حلب وريف حماة”.
كما وفر المشروع منصة الكترونية يستطيع من خلالها السوريون خارج سوريا وداخلها، توثيق عقاراتهم التي فقدوها سواء كانت مصادرة أو مدمرة، بالمعلومات المتوفرة ولو كانت ناقصة. علماً أن “جميع المعلومات التي تضاف في المنصة سرية لا يطلع عليها سوى إدارة التجمع الذي مهمته ليست فض النزاعات العقارية وإنما تشكيل قاعدة بيانات موثقة تقدم للجهة المسؤولة عن فض النزاعات الخاصة بالملكيات العقارية في مرحلة مابعد الصراع في سوريا، ومن ثم لصاحب العلاقة لمتابعة حال عقاره ومقاضاة منتهكي حقوق الملكيات”، بحسب السرحان.
لكن على الرغم من “ترويجنا لأهمية حفظ تلك التوثيقات على المنصة، ونشر فيديوهات توعوية أسبوعية بقضايا حقوق الملكية وحمايتها، عبر صفحة التجمع في فيسبوك، إلا أن الإقبال على التسجيل أقل من المستوى المأمول، إذ لم يصل عدد المسجلين إلى 5000 شخص حتى الآن، ونسبة المسجلين ممن لا يملكون أي وثائق ملكية، أو يحملون سند ملكية عادي فقط، لا تقل عن 50% من العدد الكلي”.