6 دقائق قراءة

أميركا وروسيا: صراع وتنافس على النفوذ في شرق الفرات

إن "افتقار الولايات المتحدة لاستراتيجية واضحة في سوريا، بعد فقدانها العديد من نقاط القوة في المنطقة لصالح روسيا وإيران"، جعلت "النفوذ الروسي حالياً أقوى في سوريا من النفوذ الأميركي. ".


13 فبراير 2020

عمان- سريعاً، يبدو موشكاً على التحقق فعلياً ما كان مبعث مخاوف وحتى فكاهة وتهكم فحسب، بشأن صدام القوات المتعددة المتواجدة في شمال شرق سوريا.

إذ شهد يوم الأربعاء الماضي، 12 شباط/ فبراير، اشتباكاً بين دورية أميركية وعناصر من مليشيات الدفاع الوطني الموالية للحكومة، في قرية “خربة عمو” الواقعة في الريف الجنوبي لمدينة القامشلي، أسفر عن مقتل عنصر من المليشيات، وتالياً قصف طيران قوات التحالف (لمحاربة داعش) حاجزاً للدفاع الوطني في القرية ذاتها. وكانت دورية روسية قد وصلت إلى مكان الحادثة دون أي تدخل في الاشتباك أو فضّه.

سبق ذلك، سلسلة أحداث وقعت بين دوريات أميركية وروسية في المنطقة، لم تسفر عن صدامات مسلحة، واقتصرت غالباً على اعتراض دوريات روسية ومنعها من التقدم، كما حصل في 4 شباط/فبراير الحالي، بمنع دورية روسية من التقدم باتجاه حقول رميلان في شرق القامشلي، وكذلك في 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، عندما اعترضت دورية أميركية مؤلفة من أربع مدرعات دورية روسية على طريق تل تمر-القامشلي الذي يشكل جزءاً من طريق اللاذقية-حلب الدولي (M4)، ومنعتها من العبور. 

ويأتي ذلك نتيجة “ارتباك السياسة الأميركية في المنطقة، ومحاولة الروس استغلال هذا الارتباك”، كما قال لـ”سوريا على طول” نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات، ومقره مدينة القامشلي. مضيفاً أن “الروس يحاولون توظيف الاحتلال التركي لصالحهم” أيضاً. 

فمنذ تشكيل ما سمي “التحالف الدولي ضد داعش” في أيلول/سبتمبر 2014، أصبحت منطقة شمال شرق سوريا الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) منطقة نفوذ أميركي، حيث توزعت فيها 10 قواعد عسكرية أميركية، 4 منها في محافظة الحسكة، إضافة إلى عدد من النقاط اللوجستية والاستخباراتية والأمنية. لكن إطلاق تركيا، بالاعتماد على الجيش الوطني السوري، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، عملية “نبع السلام” العسكرية ضد “قسد” بدعوى أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني (التركي) المدرج على قوائم الإرهاب التركية والأميركية، سمح للقوات الروسية بدخول مناطق النفوذ الأميركي. إذ لمواجهة العملية العسكرية التركية، سارعت “قسد” إلى إبرام تفاهم مع روسيا، يسمح بموجبه لقوات الأخيرة كما القوات الحكومية السورية، بالانتشار على الشريط الحدودي مع تركيا. وهو ما تعزز بالاتفاق الروسي-التركي المبرم في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في مدينة سوتشي الروسية، الذي علّقت أنقرة بموجبه عملية “نبع السلام”.

انسحاب وإعادة تموضع أميركيين

سبق عملية “نبع السلام” إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب قوات بلاده من القواعد والنقاط العسكرية في سوريا، ومع تراجعه عن قرار الانسحاب،  انسحبت القوات الأميركية في مدينتي منبج وعين العرب (كوباني) بريف حلب الشمالي الغربي، كذلك من عموم محافظة الرقة، بما في ذلك مطار الطبقة العسكري. واحتفظت بقواعدها في محافظة دير الزور والحسكة، باستثناء قاعدة “مبقرة” في ريف تل تمر غرب محافظة الحسكة، وهي مزرعة للأبقار حولتها القوات الأميركية إلى قاعدة عسكرية لها، وصارت تستخدمها روسيا حالياً للغاية ذاتها.

وقد عززت الولايات المتحدة من تواجدها في محافظة الحسكة، إذ حوّلت، في 8 شباط/فبراير الحالي، مقراً سابقاً لقوات الدفاع الذاتي التابعة لهيئة الداخلية في الإدارة الذاتية، في حي غويران جنوب مدينة الحسكة إلى قاعدة عسكرية لها. كما حولت نقطة استخباراتية لها في قرية هيمو عند المدخل الغربي لمدينة القامشلي إلى نقطة تجمع للدوريات العسكرية” بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” قيادي في “قسد” طلب عدم الكشف عن اسمه. مضيفاً أن القوات الأميركية “تعمل حالياً على بناء قاعدة جديدة في قرية “علي فرو” التابعة لتل براك، بعد مدينة قامشلو [القامشلي] بـ10 كيلومترات على طريق القامشلي- الحسكة”.

حالياً، تتوزع القواعد الأميركية في محافظة الحسكة، بحسب مصادر في شمال شرق سوريا، وكما تُظهر الخريطة المرفقة، على النحو التالي: قاعدة عسكرية في مدينة المالكية (ديريك)، ومطار زراعي في قرية “رميلان شيخ” بعد أن تمت توسعته وتحويله إلى مطار وقاعدة عسكريين، ونقطة عسكرية في قرية “سفاتة” شرقي مدينة المالكية، ونقطة عسكرية في قرية “دلافي كرا”، ومطار زراعي في قرية “روباريه” تستخدمه القوات الأميركية كمهبط للطيران، ونقطة عسكرية في ناحية “جل آغا- الجوادية” التي تتبع المالكية إدارياً، ونقطة عسكرية في قرية “قسروك” بمنطقة “تل بيدر” على طريق اللاذقية-حلب الدولي (M4) قبل مدينة “تل تمر”، وقاعدة عسكرية في استراحة الوزير بمدينة الشدادي جنوب محافظة الحسكة.

خريطة توضح مواقع تمركز النقاط العسكرية الأميركية والروسية في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا (Syria live map)

هذا الاهتمام بمحافظتي الحسكة ودير الزور يفسّره القيادي في “قسد” بأنه نتيجة سعي الولايات المتحدة إلى “الحفاظ على النفط” في الحسكة، الأمر الذي أكده ترامب في عدة خطابات. كذلك فإن ما حدث في شمال شرق سوريا يكشف عن “وجود اختلاف في رؤية ترامب والقادة العسكريين، فقرار ترامب بالانسحاب قوبل برفض قادة عسكريين لا يريدون ترك المنطقة لروسيا وإيران، إضافة إلى النفط” كما أضاف القيادي.

انتشار روسي

في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، سيّرت القوات الروسية والتركية، بموجب الاتفاق الثنائي بين البلدين، أول دورية مشتركة على الحدود السورية التركية، في المنطقة الواصلة بين قرية شيرك ومدينة الدرباسية بريف الحسكة، ما دشن دخول روسيا إلى شمال شرق سوريا للمرة الأولى، بعد أن كان تواجدها سابقاً مقتصراً على “بعض المستشارين العسكريين داخل  داخل مطار القامشلي، الذي أصبح [حالياً] أكبر قاعدة عسكرية للروس”، كما قال القيادي في “قسد”.

وإضافة إلى مطار القامشلي، تتواجد القوات الروسية في شمال شرق سوريا، بحسب مصادر ميدانية، وكما تُظهر الخريطة المرفقة: في مدرسة المهني عند المدخل الجنوبي لمدينة عامودا بريف الحسكة الشمالي، وعند مدخل حي الصناعة في مدينة الدرباسية شمال محافظة الحسكة، وفي قرية أبو راسين التابعة لمدينة رأس العين أقصى غرب محافظة الحسكة، إضافة إلى قاعدة “مبقرة”.

أما في المناطق التي انسحبت منها القوات الأميركية في محافظة الرقة، ومدينة عين العرب (كوباني)، ومدينة منبج في ريف حلب الشمالي، فتتواجد القوات الروسية في مطار الطبقة العسكري جنوب محافظة الرقة، والذي كان قاعدة للقوات الأميركية، وفي اللواء 93 الواقع في بلدة عين عيسى شمال الرقة، قاعدة “صرين” الجوية، وقاعدة في قرية “خراب عشك” في عين العرب (كوباني)، وقاعدة “السعيدية” في ريف منبج الغربي.

تنافس وصراع

في شباط/فبراير 2018 حاولت القوات الحكومية مدعومة بميليشيات إيرانية وروسية (فاغنر) التقدم إلى مناطق شرق الفرات، الواقعة تحت النفوذ الأميركي، ما دفع الأخيرة إلى قصف هذه القوات، موقعة عشرات القتلى في صفوفها، في ما اعتبرته وسائل إعلام دولية أول مواجهة عسكرية بين واشنطن وموسكو منذ الحرب الباردة.

فيما بعد، وجدت روسيا في الإعلان الأميركي عن الانسحاب من شمال شرق سوريا، ومن بعده اتفاقها مع كل من “قسد” وتركيا فرصة لبسط نفوذها في المنطقة. إلا أن اكتفاء الولايات المتحدة بإعادة تموضع لقواتها في محافظة الحسكة والريف الشمالي والشرقي في محافظة دير الزور أحبط مطامح موسكو، ولو إلى حين، وخلق فرصة للصدام بين القوتين.

إذ رغم أن خريطة النفوذ الجديدة المعمول بها في المنطقة، تحدد السيطرة الأميركية من “مدينة القامشلي باتجاه الشرق نحو الحدود مع كردستان العراق، وجنوباً إلى محافظة الحسكة” بحسب القيادي في “قسد”، فيما يشمل النفوذ الروسي المنطقة الواقعة بين “غرب مدينة القامشلي إلى ناحية تل تمر في أقصى غرب محافظة الحسكة، وجنوباً باتجاه مدينة الحسكة”، فإن ذلك لم يمنع من تجاوز القوتين المتنافستين لتلك الحدود. مثال ذلك، كما روى القيادي، ما حدث في معبر سيمالكا مع كردستان العراق، حين “توجهت دورية روسية نحو المعبر، الواقع ضمن منطقة النفوذ الأميركية، ولم تتمكن قواتنا من منعها، ما استدعى إبلاغ القيادة العسكرية الأميركية في ريف مدينة ديرك [المالكية] أقصى شرق سوريا، والتي أرسلت دورية أميركية وقطعت الطريق على الروس”.

هذه الحادثة وشبيهاتها “لا تشير إلى غياب التنسيق بين روسيا والولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، بل تدلل [أيضاً] على وجود خلاف بينهما”، برأي الكاتب والمحلل السياسي نور الدين عمر، من مدينة القامشلي. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن “الولايات المتحدة تحاول الحد من النفوذ الروسي في المنطقة، بعد أن فشلت في تحقيق ذلك من خلال خلق تناقضات بين موسكو وأنقرة”.

وكان رئيس القيادة المركزية للجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي قد زار شرق سوريا، في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، وتفقد النقاط والقواعد العسكرية الاميركية في محافظة الحسكة، في ما يُفهم بأن “أميركا تحاول تدارك خطئها السابق بإعلان الانسحاب من سوريا”، بحسب عمر.

في السياق ذاته، اعتبر الباحث نواف خليل أن هذه الزيارة “تأتي على خلفية تداعيات مقتل قاسم سليماني [قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني]، والتي ربما تؤدي إلى تقوية الوجود الأميركي في سوريا”. مستدلاً على ذلك بمواصلة الولايات المتحدة “إرسال الأسلحة والمواد اللوجستية لبناء قواعد جديدة في القامشلي ومناطق أخرى”.

وأضاف خليل: “زيارة الجنرال ماكينزي هي رسائل لعدة أطراف. الأولى لـ”قسد” بأننا مستمرون في العلاقة ومحاربة “داعش”، وأخرى للروس والإيرانيين والنظام السوري بأن [الأميركيين] لن يتخلوا عن هذه المنطقة. كما إنها رسالة للدواعش ومن يقف خلفهم”.

على النقيض من ذلك، رأى الكاتب والمحلل السياسي عمر أنه نتيجة “افتقار الولايات المتحدة لاستراتيجية واضحة في سوريا، بحيث فقدت في ظل إدارة ترامب العديد من نقاط القوة في المنطقة لصالح روسيا وإيران”، فقد صار “النفوذ الروسي حالياً أقوى في سوريا من النفوذ الأميركي. لذلك قد تضطر واشنطن فعلاً الانسحاب من سوريا لصالح الروس”.

شارك هذا المقال