كان مصطفى المبارك، 35 عاما، يغادر المخبز الذي يعمل فيه، صبيحة يوم السبت، عندما بدأ القصف.
وعلى بعد عدة أمتار، شاهد مصطفى الصواريخ تضرب مكان عمله، مما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الذين كانوا في الداخل. ووصلت إحدى شظايا القصف إلى ساقه، وبدأ الدم يقطر منها، بينما كان يحاول الوصول إلى عائلته.
يقول مصطفى إن الـ 24 ساعة التي تلت القصف، كانت لاتشبه “أي شيء رأيناه من قبل”.
مصطفى هو واحد من أهالي بلدة كفر زيتا، شمال حماة. وفي يوم السبت، استهدف النظام والقوات الروسية الحليفة المستشفيات وأفران الخبز والمساجد وثلاثة مراكز للدفاع المدني فى المدينة. وأسفرت عشرات الغارات الجوية والقنابل العنقودية وقذائف المدفعية، في نهاية ذلك اليوم، عن مقتل عشرات المدنيين وعناصر الدفاع المدني.
ويقول المبارك لمراسلي سوريا على طول آلاء نصار ويزن توركو، “هذا كان أعنف قصف تشهده المدينة منذ بداية الثورة”.
ويشكل القصف جزءا من هجوم واسع النطاق، يشنه النظام بهدف السيطرة على محافظة حماة، وذلك بعد أسابيع من استعادة النظام لجميع الأراضي التي سيطر عليها الثوار في المنطقة، في آذار الماضي.
موقع الغارة الروسية الذي قتل فيه ثمانية من متطوعي الدفاع المدني في كفر زيتا، السبت. حقوق نشر الصورة لـ الدفاع المدني في حماة.
وقال المبارك، والذي نزح وعائلته من كفر زيتا ليعيش في مخيمات إدلب شمالاً على طول الحدود التركية إن قصف السبت جعل مدينته تفتقد لـ”مقومات الحياة” وتركها خراباً مهجوراً، ولا يفصلها سوى 10 كم عن جبهات المعارك المشتعلة.
في نفس السياق، يقول أحمد طلفاح، 25 عاماً، عنصر في الدفاع المدني بمدينة كفر زيتا لسوريا على طول أن كفر زيتا”مدينة منكوبة بشكل كامل”، لافتاً إلى أنه “منذ ست سنوات لم يمر علينا يوم كهذا اليوم”.
- مصطفى المبارك، 35عاماً، وكان يعمل في فرن آلي في كفرزيتا، مدينة حماة شمالاً، في يوم السبت مع زوجه وأطفاله الخمسة وهو يعيش الآن في مخيم في شمالي إدلب، بالقرب من الحدود التركية.
لماذا غادرت كفر زيتا؟
خرجنا من كفرزيتا، يوم السبت بسبب كثرة القصف الذي لم يرحمنا ولا لحظة، فقد عشت أنا وعائلتي يوماً مميتاً نفسياً وجسدياً رغم أن منزلي عبارة عن مغارة تحت الأرض، ولكن بعد استخدام الروس للصواريخ الارتجاجية، والقصف المكثف على مدار يوم كامل، قتل الشجر والحجر والبشر، ودمر المشافي والأفران ودور العبادة ومراكز الدفاع المدني، فلم يتبق لنا أيّ خيار سوى النزوح إلى مخيمات الشمال (مخيم أبي عمارة في سرمدا بإدلب)، التي نجد فيها الأمان من القصف نوعا ما، على الرغم من أن معيشة المخيم لا تناسبني ولا أستطع التأقلم معها، ولكنها أفضل من المعيشة تحت القصف والخوف الدائم على عائلتي وأطفالي.
هل هذه هي المرة الأولى التي تنزح بها من بلدتك؟ ولماذا؟
هذه هي المرة الأولى التي أنزح بها خارج كفرزيتا، لأنها المرة الأولى التي تفتقد بها المدينة لمقومات الحياة بشكل كامل، لدرجة أنه لم تعد تنفع الإقامة بها ولا حتى تحت أرضها في مغارة أو ملجأ.
ففي الأيام السابقة كنت اتحمل القصف وأنا في مغارتي، ولكنّ الحملة الأخيرة التي تعرضنا لها غير طبيعية، إنها أشرس حملة يقوم بها النظام على المدينة منذ بداية الثورة، خصوصاً مع استخدام النظام للصواريخ الارتجاجية التي تخترق الأقبية والمغارات.
أين كنت عندما بدأت الحملة على المدينة، في يوم السبت؟
عندما بدأ القصف على كفرزيتا يوم السبت، كنت خارجاً مشياً على الأقدام من الفرن الذي أعمل به والذي يخدم كفرزيتا وما حولها بمادة الخبز، بعد أن كنت قد أنهيت عملي، لأننا نخبز ليلاً ونرتاح نهاراً، سقط صاروخ على الفرن أدى لقتل من فيه وأصابتني شظية في قدمي حيث إنه لم تفصلني عن خروجي من الفرن سوى دقائق، وقد نجوت من الموت بأعجوبة. كنا متخوفين جداً عندما تم نقلنا بسيارات النزوح إلى إدلب حيث إننا عشنا لحظات من الخوف والرعب، بسبب القصف العشوائي أو من صاروخٍ مفاجئ ينهي حياتنا بأي لحظة، ومن كثرة الطيران الذي كان يحلق في سماء المنطقة، كنا كلما تمر الطائرة ننطق الشهادتين، وشعرنا بتلك اللحظات أن نهايتنا ستكون وشيكة.
مع تدمير المنشأت الحيوية بشكل كامل في مدينة كفر زيتا انقطعت كافة أشكال الحياة فيها، فهذا كان أعنف قصف تشهده المدينة منذ بداية الثورة.
فكل خمس دقائق كان ينفذ الطيران غارة علينا، وبين كل غارة جوية وغارة، قذيفة مدفعية، حتى أن الطيران لم يكن تحليقه لطائرة أو طائرتان فقط، فكل أربع طائرات تحلق معاً، وتنفذ جميعها الهجوم بنفس المكان تقريباً.
إلى أين كانت وجهتك بعد أن خرجت من المدينة؟
في البداية نزحت إلى أرضٍ كنت قد زرعتها شمال كفرزيتا اسمها منطقة السواس، وتحتوي على غرفة واحدة أقمنا فيها لليوم الثاني حيث ضرب الطيران المروحي صواريخ عنقودية نزلت على بعد 500 متر منا، كما أنه قد تضرر كل ما كنت قد زرعته في أرضي وحرق ثلث المحصول بعد أن أزهر، فقد سبب القصف الضرر فيه فلم يعد ينتج.
ومنذ رأيت أن طيران النظام يستهدف حتى المزارع والبيوت بداخلها شددت الرحال إلى المخيم وقلت لعائلتي أرضنا لم تعد صالحة للسكن فإذا على أراضينا يلاحقوننا ليقتلولوننا فأين سنذهب بأنفسنا.
صف لنا شعورك وأنت خارج من مدينتك، السبت؟ وما رأيك بالمعارك التي شنها الثوار في أذار، هل تحملهم مسؤولية رد النظام؟
مهما تكلمت لا أستطع وصف شعوري وحالتي النفسية وأنا خارج إلى المخيم، ومن الصعب جداً على الإنسان أن يرى أرضه وبلده تقصف بكافة أنواع الأسلحة، ويقتل أهلها ويشردون باسم الإرهاب، على الرغم من أن النظام هو الذي يقتل ويرهب المدنيين بطيرانه.
أنا ضد الحملة العسكرية التي شنها الثوار على مناطق النظام في حماة، لأنهم لم يخططوا بشكل صحيح ، ولم يتم إخبارنا بتلك الحملة لنأخذ احتياطنا خصوصاً أن النظام ينتقم من المدنيين عقب أي حملة عسكرية تشن ضده.
ونحن كمدنيين ليس لدينا سلطة أو رأي لنطبقه أو نقوله على الأرض، وأنا لست ضد شن أي عمل عسكري ضد النظام، ولكن بتخطيط وتحضير مسبق ودراسة النتائج قبل شن أي معركة.
وأنا لست مع تسليم مناطقنا للنظام، حتى وإن متنا كلنا، وكل ما نعانيه الآن أفضل من قبوعنا تحت جرح النظام. نار الثوار ولا جنة بشار؛ فثورتنا بحاجة إلى إنصاف فقط لا غير.
هل تشعر بالأمان في مكان إقامتك الحالي؟ وكيف هو الوضع المعيشي كونك تنزح للمرة الأولى؟ وهل تعتقد أنك ستعود إلى منزلك في وقت قريب؟
بالتأكيد منذ وصلت إلى المخيم شعرت بالأمان وبراحة نفسية، ولكنني لست فرحاً بإقامتي خارج بيتي ومدينتي، والفرق شتان بين الإقامة في منزلك أو أن تقيم في خيمة؟، وما زلت أجد صعوبة في التأقلم مع الوضع المعيشي في المخيم.
ورغم أنني لست مرتاحاً لمعيشتي في المخيم فأنا لا أفكر بالهجرة إلى تركيا، وخروجي من كفر زيتا كان نتيجة أن الوضع لم يعد يطاق فيها، ويفتقد لكل مقومات الحياة.
أتمنى العودة إلى منزلي، وأنا أفكر بذلك ولكن بعد أن يهدأ القصف الهمجي، الذي طال المدينة خلال الأيام السابقة.
طبعا أشعر بالعجز خصوصاً أني خرجت من أرضي مجبراً لأحافظ على حياة عائلتي وأطفالي، والحمد لله شعرت بالأمان عليهم، بعد أن وصلت المخيم، وهم معي بخير وهذا أكثر ما يهمني في الوقت الحالي.
- أحمد طلفاح، أحد عناصر الدفاع المدني العاملة في مدينة كفر زيتا، (25 عاما).
واجه الدفاع المدني خسائر فادحة في يوم السبت. فما الذي حدث في هذا اليوم، وكيف أثر عليكم، وكيف يستجمع المرء قواه ويمضي في أعقاب حدث كهذا؟
يوجد ستة مراكز دفاع مدني تخدم ريف حماة الشمالي ككل، وخلال الهجمة الشرسة خرج ثلاث منها عن الخدمة بشكل كامل، وقمنا بإخلاء ما تبقى من المراكز خوفاً عليها من القصف.
واستهدف القصف مركز 107 وكان بداخله ثمانية عناصر للدفاع المدني، كانوا قد نزلوا إلى قبو المركز من شدة القصف، وقد استشهدو جميعاً نتيجة الغارات بالصواريخ الارتجاجية التي خرقت التحصينات، ودمرت المركز بشكل كامل، وعندما خرجنا لإنقاذ رفاقنا داخل المركز انهالت علينا القذائف الصاروخية، ولم يغادر الطيران سماء المنطقة طيلة النهار، وكان ينفذ غاراته بالصواريخ العنقودية والفراغية، ولم تهدأ ولا لحظة، وتم استشهاد أحد عناصر فرق الإسعاف الذي جاء لمساعدتنا لإنقاذ وإسعاف المصابين.
وحتى مساء أمس (الاثنين)، ونحن نعمل على انتشال جثث الشهداء من تحت الركام، لأننا يوم السبت لم نستطع أن نخرج سوى خمس جثث، فبعد الآن لم يعد هناك شيء اسمه تحصين أو مكان آمن في كفر زيتا.
وبنفس الوقت تم استهداف قيادة قطاع كفر زيتا بعدة صواريخ، نزل على قبو تحت الأرض ولكن الأضرار كانت مادية فقط.
وحتى الآن لم نضع خطة جديدة لمتابعة سير العمل، وننتظر لتهدأ الحالة النفسية لعناصر الدفاع لأننا ذقنا يوماً تاريخياً، بعد أن استشهد عدد من عناصرنا، وخصوصاً مع استهداف النظام المتكرر لنا ونحن نحاول انتشال جثث شهدائنا.
كفر زيتا باتت خالية، من سكانها بشكل كامل، لم يعد هناك أي محلات أو أفران أو أي شيء من مقومات الحياة الطبيعية.
القصف والاستهداف المتكرر على مدن ريف حماة الشمالي أتعبنا كثيراً، وخاصة في الفترة الأخيرة وكان هناك استهداف لفرقنا أكثر من مرة وإصابات في الآليات، فالدمار الذي يخلفه القصف هائل جداً، وقد أعاق عملنا كثيراً في هذه الفترة.
فالبناء يكون مكون من قبو وعدة طوابق، والقصف بالصواريخ الارتجاجية يحدث دمار هائلاً، يؤدي إلى غلق الطرقات وبالتالي لا يسمح لمرور آليات الدفاع المدني، ناهيك عن وجود شهداء تحت الأنقاض، نستغرق وقتاً طويلاً جداً لإنقاذهم علماً بأن الطيران لايهدأ فوقنا طالما نقوم بعمليات الانتشال.
حاليا كفر زيتا خارج الخدمة نهائياً من كافة النواحي، المنشآت الخدمية مدمرة بشكل كامل (لأفران، المشافي، مراكز الدفاع المدني) والمدينة منكوبة بشكل كامل.
فمراكز الدفاع المدني في ريف حماة الشمالي متوقفة بشكل كامل عن العمل، بسبب استهدافها.
كان يوماً عصيباً جداً من أصعب الأيام التي قضيتها في كفر زيتا، فمنذ ست سنوات لم يمر علينا يوم كهذا اليوم ولا حتى على جبهات القتال.
ترجمة: فاطمة عاشور