أهالي قدسيا والهامة: بعد مرحلة الركوع أو الجوع نواجه الركوع أو الموت
اتخذت سياسة النظام المعلنة التي تنص على “الركوع أو الجوع” […]
6 أكتوبر 2016
اتخذت سياسة النظام المعلنة التي تنص على “الركوع أو الجوع” من أجل إجبار المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار على الاستسلام شكلا جديدا، وقفا لما قاله سكان مدينتين صغيرتين تبعدان 10 كم شمال غرب دمشق، لسوريا على طول، في ما يسمونه بخيار “الركوع أو الموت”.
ففي 27 أيلول، حاولت قوات النظام اقتحام مدينتي قدسيا والهامة، الواقعتان على جانب الطريق المؤدي من دمشق إلى بيروت. وقام مقاتلو الجيش الحر المسيطر على البلدتين، والذين يقل عددهم عن 200 مقاتل، بمنع الدبابات من التقدم، وعلى الفور، وافقوا على البدء في محادثات الهدنة مع ممثلي النظام.
وبينما كانت المفاوضات جارية في الأيام الأخيرة، واصل النظام وحليفه حزب الله قصف المدينتين بقذائف الهاون والدبابات وصواريخ أرض-أرض، ملمحا إلى إمكانية تنفيذ الغارات الجوية في أي وقت.
“نعم للسلام، لا للحرب”، عبارة مكتوبة على إحدى لافتات المتظاهرين في الهامة. تصوير: الثورة السورية في الهامة.
وأعرب مفاوضو المعارضة، لسوريا على طول، عن إحباطهم بشأن عدم وضوح مطالب النظام وتغيرها باستمرار. وطالب مفاوضو النظام في البداية بالاستسلام التام أو رحيل كل الثوار من المدينتين. الآن، وبالإضافة إلى ذلك، يطلب الممثلون أيضا أن يغادر ستة من قادات الثوار،من ضمنهم ضابطين منشقين،الى مناطق سيطرة الثوار في إدلب.
من جهتم، يقول مفاوضو المعارضة أن هذا الطلب لا يمكن أن يتحقق دون ضمانات كافية:
“ثوار المنطقة الذين يطالب النظام بهم هم من خيرة شبانها ومن أهل المنطقة وليسوا غرباء، ليسوا دواعش ولا نصرة، ليستغن عنهم أهلهم بسهولة، خصوصا أنهم لم يحصلوا على ضمانات من النظام بالحفاظ على حياتهم وفك الحصار في حال وافق الثوار على الخروج”.
وقال قيس الفروة، رئيس لجنة مفاوضات النظام، “لا نريد أن نتحدث عن توقف القصف على طاولة المفاوضات، ناهيك عن تقديم وعود لضمان سلامة المدنيين أو رفع الحصار”.
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، هذا الأسبوع، أن جماعات ثورية أطلقت النار على جموع المتظاهرين “الآلاف منهم يتظاهرون ضد مجموعات المسلحين، التي تعارض إنجاز مهمة فريق التفاوض المحلي”.
من جهته قال أحد المنشقين المطلوبين، الذين يطالب النظام بمغادرتهم، والذي طلب عدم ذكر اسمه، لسوريا على طول، يوم الأربعاء، أنه مستعد للقيام بذلك. وأضاف “اتفقنا مع الأهالي منذ البداية على خروجنا واهتمامنا بالمحافظة على سلامتهم قبل سلامتنا، لكن النظام هو الذي لا يعرف ما يريده، ففي كل مرة تذهب لجنة التفاوض إليه وتعود بمطالب جديدة تلغي سابقتها دون أي ضمانات للأهالي بفك الحصار، والحفاظ على سلامتهم إن نفذت مطالب النظام”.
آثار قصف النظام على قدسيا يوم الاثنين. تصوير: فريق قدسيا الإعلامي.
ويرفض الثوار تسليم أسلحتهم الثقيلة والسماح للنظام السوري بالسيطرة على المدينة، دون ضمانات بوجود ممر آمن للخروج من قدسيا والهامة.
إلى ذلك، قتل اثنين من المدنيين وأصيب العشرات جراء القصف اليومي للنظام ومحاولاته المتزامنة لاقتحام البلدتين. ويلجأ غالبية السكان في المدينتين للبقاء في الأقبية تحت الأرض تفاديا للقصف. ويقول أحد مفاوضي المعارضة أن هذه التكتيكات، تصل إلى الدبلوماسية تحت تهديد السلاح، أو التفاوض عن طريق الإكراه والخوف من الموت.
في السياق، قال أحد المفاوضين، أن “الطريقة التي يفاوض بها النظام طريقة الموت أو الركوع، بعدما حاول مع أهالي البلدة بطريقة الجوع أو الركوع طيلة سنة وأربعة أشهر مضت”.
وعلى عكس بقية المدن المعارضة في سوريا مثل الوعر، مضايا أو داريا، عاشت كل من قدسيا والهامة ظروف حصار أقل حدة من بقية المدن.
وتقع المدينتان على السفح الغربي لجبل قاسيون في ريف دمشق، وتعرضتا للحصار عدة مرات منذ بداية الحرب. حيث أنهت المفاوضات الحصارين الماضيين في عام 2013، بينما لم تنجح المحادثات بكسر الحصار الحالي والثالث، والذي يعود إلى تموز عام 2015، بعدما اختطف فصيل في الجيش الحر أحد عناصر الجيش السوري.
وعلى الرغم من انقطاع الكهرباء ونقص المياه، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 95 بالمئة على مدى السنة والنصف الماضية، حافظ ربع مليون من سكان قدسيا والهامة على سلام هش مع دمشق. وفي أيار الماضي، وصلت 54 شاحنة مساعدات إنسانية، تابعة للهلال الأحمر العربي السوري والأمم المتحدة، إلى المدينتين، عقب أنباء عن التوصل إلى هدنة دائمة مع النظام، وفقا لما أوردته سوريا على طول.
وبدأت جولة أخرى من القتال الفعلي، في آب بعد أن أطلق الثوار النار على نقطة تفتيش تابعة للنظام في قدسيا.
وأدى ذلك إلى انقسام الأهالي، غير المعتادين على القصف المستمر الذي يطال بقية المدن، إلى مؤيد للمفاوضات مع النظام ومعارض لها.
وخرج الآلاف من السكان إلى الشوارع في الأيام الأخيرة، احتجاجا على المفاوضات، ومن أجلها على حد سواء.
ففي يوم الثلاثاء، خرج 3000 من السكان في مسيرة صامتة، من الساحة المركزية في قدسيا في قلب مدينة الهامة، احتجاجا على القصف المستمر من قبل النظام، وعدم رغبة الثوار بالإذعان لمطالبه. وتحولت المسيرة إلى اعتصام تفرق في وقت متأخر من المساء، بعد سقوط برميلين متفجرين على بعد 50 مترا فقط من مكان الاعتصام.
وطالبت مظاهرة أخرى في وقت سابق، من هذا الأسبوع، المفاوضين بعدم التنازل عن أي أرض للنظام، في حين دعا آخرون للرضوخ بالكامل في سبيل التوصل إلى حل سلمي.
وقال محمود، وهو من سكان الهامة، لسوريا على طول، يوم الأربعاء، “أنا لست مع أن يفصلنا النظام عن أبناءنا ليحقق مبتغاه، ولكن لحقن الدماء وإيقاف هذه المذبحة كنت مع الموافقة على شروط النظام، تخوفا من اقتحام النظام للمنطقة وتطويقنا، عندها سيكون حالنا حال بقية المناطق المحاصرة”.
وكما رفع النظام علمه في داريا، وجرد الوعر من مقاتليها، وتوغل في معاقل الثوار في حلب والغوطة الشرقية، فإنه أثبت أنه لا يمكن لأي أحد التنبؤ بمسار المفاوضات مع المناطق المحاصرة.
ويبدو أن القصف اليومي على قدسيا والهامة إلى جانب المفاوضات، ماهو إلا محاولة لإجبار السكان للضغط على الثوار.
وقال أحد المفاوضين، لسوريا على طول، “آثر النظام قصف المدينة يوميا بكافة أنواع الأسلحة، كنوع من الضغط على الثوار لإخراجهم من البلدة، فضلا عن محاولات الاقتحام اليومية التي يتصدى لها الثوار يوميا، بغية السيطرة على المنطقة وإخضاع الثوار للشروط”.
ترجمة: سما محمد