“أهراء روما”: هل يصمد القمح الحوراني في مواجهة المناخ والحرب؟
تاريخياً، أطلق على حوران اسم "أهراء روما" أي مستودع غذاء الإمبراطورية البيزنطية، لأن ناتجها من القمح كان يكفي روما، ويرسل إلى مصر ودور العبادة آنذاك، وذاع صيت القمح الحوراني في عهد الدولة العثمانية. اليوم يكافح مزارعوها للحفاظ على هذه الزراعة التقليدية.
26 يونيو 2023
باريس- بعد ظهيرة كل يوم، يتفقد أبو محمد أرضه المزروعة بالقمح، في سهول مدينة إنخل بريف درعا الشمالي، خشية اندلاع حرائق فيها وخسارة محصوله، الذي لا يعرف جدواه “اقتصادياً”، وفق الأسعار التي حددتها الحكومة السورية مقارنة بتكاليف الإنتاج.
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حرث أبو محمد، 52 عاماً، أرضه ونثر بذور القمح فيها، على أمل أن يحمل شهري كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير أمطاراً تروي أرضه، لكن ضعف الأمطار وارتفاع درجات الحرارة أفشلت موسمه، ما اضطره إلى حراثة الأرض وزراعتها مرة أخرى في شباط/ فبراير 2023، كما قال لـ”سوريا على طول”.
يزرع أبو محمد أرضه بالقمح منذ 20 عاماً، وهو واحد من آلاف المزارعين في حوران، الذين تأثرت محاصيل قمحهم، هذا الموسم، بالتغيرات المناخية، وهو سبب يضاف إلى ما قبله من أسباب مرتبطة بتداعيات الحرب التي تشهدها البلاد منذ اندلاع ثورة آذار/ مارس 2011، من قبيل: أزمة المحروقات، الأسمدة، المبيدات الحشرية، ارتفاع الأسعار، وتدهور سعر صرف الليرة السورية.
حوران واحدة من المحافظات السورية التي تشتهر بزراعة القمح تاريخياً، رغم أن إنتاجه على صعيد البلاد يتركز في مناطق الجزيرة السورية، شمال شرق سوريا، التي تعد سلة القمح السوري. ومع ذلك للقمح رمزية في سهل حوران، الذي بدأت زراعته حول أنهار جنوب سوريا منذ الألف التاسع قبل الميلاد، كما جاء في كتاب “القمح الحوراني بين التاريخ والتراث“.
إلى جانب الأهمية الاقتصادية لموسم القمح بالنسبة لأبو محمد وعائلته، كونه يشكل إلى جانب الشعير وتربية المواشي مصدر رزقهم الأساسي، فإنه يعزز فيه ارتباطه بعراقة حوران، التي ذاع سيط قمحها الحوراني، كما قال.
تراجع الإنتاج
في مطلع حزيران/ يونيو الحالي، قال وزير الزراعة في حكومة النظام السوري، محمد حسان قطنا، أن دمشق سوف تستورد، هذا العام، نصف كمية القمح التي استوردتها العام الماضي، البالغة نحو 1.5 مليون طن، غالبيتها من روسيا، بسبب زيادة متوقعة في المحصول المحلي، وهو تصريح لا يعكس واقع موسم القمح الحالي، بحسب أربعة مزارعين تحدثوا إلى “سوريا على طول”.
خلال عقد من الزمن، تراجع إنتاج القمح المروي والبعلي بشكل ملحوظ لدى أربعة مزارعين في محافظة درعا. قال أبو عمر، 52 عاماً، أن إنتاج محصول الدونم الواحد في أرضه بمدينة جاسم في ريف درعا الشمالي “تراجع إلى النصف خلال آخر سنتين”.
يزرع أبو عمر من 120 إلى 140 دونم من أرضه بالقمح منذ أكثر من 25 عاماً، وكان معدل إنتاج الدونم الواحد من القمح البعلي (الذي يعتمد على الأمطار) يتراوح بين 250 و400 كيلوغرام، حتى عام 2017، لكنه انخفض خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 150 و250 كيلو غرام للدونم.
وانخفض إنتاج القمح المروي خلال المدة ذاتها، كما قال سعد، 50 عاماً، لـ”سوريا على طول”، الذي يزرع أرضه الواقعة بمدينة إنخل، منذ 25 عاماً، مشيراً إلى أن الدونم الواحد كان ينتج بين 350 و1100 كيلوغراماً، قبل عام 2011، لكن خلال العقد الأخير صار يتراوح الإنتاج بين 350 و750 كيلوغراماً للدونم.
يرجع التفاوت في إنتاج القمح المروي إلى مجموعة من العوامل المتعلقة باهتمام المزارع بأرضه، وتوفر المحروقات والمياه والأسمدة والمبيدات الحشرية، وعدد مرات الحراثة والسقاية، إضافة إلى العوامل مناخية، بحسب سعد.
قبل عام 2011، كان سعد يحرث أرضه “ثلاث مرات كل موسم، مقارنة بمرة واحدة خلال المواسم الأخيرة”، وفيما كان يسقي أرضه ثلاث مرات في العام، إضافة إلى تسميدها مع كل سقاية، يسقيها اليوم مرة واحدة.
بلغ إنتاج سوريا من القمح نحو مليون طن، العام الماضي، بانخفاض نسبته 75% عما كان عليه قبل عام 2011، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
تقدر احتياجات مناطق سيطرة النظام من القمح سنوياً، بنحو 3.2 مليون طن، منها مليوني طن للخبز، بينما تذهب الكميات المتبقية للبذار وإنتاج البرغل والفريكة والسميد وغيرها، بحسب تصريح وزير الزراعة محمد حسان قطنا، في تموز/ يوليو 2022، لوكالة سبوتنيك الروسية.
توضح الأرقام وشهادات المزارعين استمرار تدهور إنتاج القمح في درعا وعموم سوريا، لذلك لا يمكن البناء على تقديرات النظام الحالية بشأن تحسن الإنتاج، إذ سبق لبشار الأسد أن وصف عام 2021 بـ”عام القمح“، متوقعاً إنتاجاً جيداً، لكن تزامنت حملة الأسد مع أزمة خبز حادة اجتاحت مناطق سيطرته، واتضح أن إنتاج سوريا في “عام القمح” انخفض إلى مليون طن، وهو الأدنى منذ خمسين عاماً بحسب منظمة الفاو، بينما بلغ إنتاج القمح العام الذي سبقه 2.8 مليون طن، وما يزيد عن 4 مليون طن سنوياً قبل الحرب.
التغير المناخي
بلغت مساحة أراضي القمح المروي في محافظة درعا وفق خطة مديرية زراعة درعا التابعة للنظام، للموسم الحالي نحو 10500 هكتار، مقارنة بـ9257 في الموسم الماضي، وبلغت مساحة أراضي القمح البعلي، نحو 83 ألف هكتاراً، مقارنة بـ80 ألف هكتاراً في الموسم الماضي.
شهدت المساحات المزروعة في القمح ارتفاعاً طفيفاً، بنسبة 2 إلى 4%، مقارنة بالعام الماضي، نتيجة زيادة إقبال المزارعين على زراعة القمح على حساب محاصيل مروية أخرى بسبب ارتفاع تكاليف زراعتها، ومع ذلك انخفضت كميات الإنتاج بشكل واضح.
وقال مصدر مسؤول في مديرية الزراعة بدرعا التابعة للنظام لـ”سوريا على طول”، أن إنتاج دونم القمح البعلي في الفترة بين 2012 و2018 تراوح بين 150 و200 كيلوغرام، لكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة انخفض معدل إنتاج الدونم الواحد إلى 50 كيلوغرام تقريباً.
أرجع المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، تراجع الإنتاج إلى التغيرات المناخية المرتبطة بـ”تراجع معدل الهطولات المطرية السنوي، واحتباس الأمطار خلال الشهر الأول والثاني، [وهما الشهرين اللذين يعتمد عليهما أصحاب الأراضي المزروعة بالقمح]، وارتفاع درجات الحرارة”.
وفي هذا السياق، قال المهندس الزراعي يمان عبد الرحمن (اسم مستعار)، المقيم في مدينة إنخل، “يحتاج القمح حتى ينمو إلى درجات حرارة منخفضة جداً يتبعها مطر”، مضيفاً لـ”سوريا على طول”: “إلى ما قبل خمس سنوات، كنا نستهلّ موسم زراعة القمح بمطر خفيف، يليه برد قارص، ومن ثم هطول مطر كافٍ، وهذا يعطي البذرة مقومات النمو والإنتاج”.
لكن، اليوم “لم يعد هذا الترتيب المناخي موجود، فالمناخ متقلب، هناك تأخر كبير في البرد وهطول الأمطار”، بحسب عبد الرحمن، معتبراً أن الموسم الحالي “كاد يكون الأسوأ لولا هطول الأمطار في نهايته، ومع ذلك هذه الأمطار لا تعطي القمح والبذار القدرة على الإنتاج بشكل جيد”.
في إطار عمله، رصد عبد الرحمن تأثر طول القمح في سهول حوران، قائلاً: “قبل خمسة أعوام كان يصل طول القمح إلى نحو 1.5 متر، لكن أفضلها هذا الموسم لم يتجاوز 80 سنتمتر”.
وبذلك، هناك الكثير من الحقول “لن تستطيع الحصادات العمل فيها بسبب قصر طول القمح، إذ يجب أن يكون طول القمح 40 سنتمتر على الأقل، حتى تتمكن الحصادة من حصاده”، وفقاً لعبد الرحمن، ما يعني “تحمل المزارعين تكاليف إضافية في مقابل تردي جودة المحصول وانخفاض سعره بسبب احتوائه على الأتربة والتبن نتيجة الحصاد اليدوي”.
يعود تراجع إنتاج القمح ونموه إلى “احتباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في كانون الأول والثاني وشباط، وتأخر موجات الصقيع”، بحسب المهندس أبو حسن، المقيم في ريف درعا الشمالي، مستشهداً على ذلك بتأخر موسم الأمطار، العام الماضي، إذ “صادف الصقيع شهري آذار ونيسان، أي عندما كانت سنابل القمح في بداية تكوينها، ما أدى إلى ضمور حبات القمح داخل السنبلة”، لينعكس لاحقاً على “حجمها، الذي لم يصل لمعدله الطبيعي، وجودتها ووزنها”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
تضرر محصول القمح هذا العام، دفع العديد من المزارعين إلى إعادة حراثة أراضيهم وزرعها مرة أخرى، في شباط/ فبراير الماضي، وفقاً للمسؤول من مديرية زراعة درعا، كما حصل مع المزارع أبو محمد.
تظهر البيانات التي جمعتها “سوريا على طول”، تغير درجات الحرارة في سوريا بين عامي 2007 و2021، إذ ارتفعت بمعدل 1.02 في عموم سوريا، بينما في محافظة درعا كان الارتفاع بمعدل 1.20 درجة.
في المقابل، انخفضت الهطولات المطرية إلى 64% هذا الموسم، مقارنة بما كانت عليه في موسم 2018-2019. وتظهر البيانات التي حصلت عليها “سوريا على طول” من المصدر المسؤول في مديرية زراعة درعا، إضافة إلى البيانات التي جمعها مراسل “سوريا على طول”، تذبذب معدلات الهطولات المطرية السنوي. وتتباين هذه الأرقام مع النشرات الرسمية الصادرة عن المديرية العامة للأرصاد الجوية، التابعة للنظام.
على الرغم من أن معدل الهطولات المطرية ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية مقارنة بما هو عليه في الأعوام من 2007 وحتى 2017، إلا أن احتباس الأمطار حتى أوقات متأخرة من فصل الشتاء وارتفاع درجات الحرارة، تؤثر على كمية وجودة محاصيل القمح، بحسب المهندس أبو حسن.
أدى ذلك إلى تضرر أقماح البذار أيضاً، فبحسب المهندس سامر الزامل، مدير فرع إكثار البذار بمدينة إزرع في ريف درعا، من المتوقع شراء 11 ألف طناً من مختلف أصناف القمح المتعاقد عليها مع فلاحي درعا لغرض إكثار البذار، مقارنة بـ 14 ألف طناً كان المركز قد خطط لشرائها.
وتوقع الزامل شراء 300 طن من الشعير مقارنة بـ 900 طن، مرجعاً أسباب الانخفاض هذه إلى “خروج بعض المساحات نتيجة انحباس الأمطار وحالة الجفاف التي سادت أول الموسم، وعدم مطابقة بعض الحقول للمواصفات المقبولة”.
اقرأ المزيد: بذور سوريا: كيف فقدت مهد الزراعة كنزها الثمين، ولماذا يجب علينا دق ناقوس الخطر؟
دور النظام؟
لا يمكن حصر تراجع مواسم القمح بالظروف المناخية، التي صارت “كبش فداء” لطالما تذرع بها بشار الأسد ومسؤولين في نظامه. تلعب التغيرات المناخية دوراً رئيسياً، لكن لا يمكن إغفال السياسات الحكومية وعقود من الفساد المتجذر في مؤسسات الدولة، وتوزيع الدعم على الفلاحين والتعديات البشرية على البيئة.
لعقود طويلة تباهى النظام السوري بالاكتفاء الذاتي، لاسيما من القمح، لكن في الحقيقة، حتى خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي سبقت الثورة السورية، عام 2011، تحولت سوريا إلى دولة مستوردة للقمح.
حتى اليوم، لم تعلن حكومة دمشق عن أي خطة لمواجهة التغيرات المناخية. على العكس من ذلك، اشتكى المزارعون الذين تحدثوا لـ”سريا على طول” من السياسات والإجراءات الحكومية في عمليات توزيع الدعم والحصول عليها وشراء الإنتاج منهم.
تعليقاً على ذلك، قال المزارع أبو محمد، المزارع من مدينة إنخل، أنه يعاني من “ارتفاع أجور العمال، وأسعار محروقات الجرارات والحصادات الزراعية، وتدهور الوضع الأمني والخوف من احتراق المحاصيل”، إضافة إلى “عدم قدرتي على ري القمح لأسباب تتعلق بغلاء المحروقات وانخفاض منسوب المياه الجوفية”.
وفي ظل “غياب خطة وطنية شاملة” لمكافحة تأثير التغيرات المناخية، “يتوجب على كل فلاح أن يقوم بنفسه بالحد من هذه التغيرات، على الرغم من أن ذلك مكلف، خاصة للأراضي البعيدة عن الآبار الارتوازية ومصادر المياه”، وفقاً للمهندس الزراعي يمان عبد الرحمن.
وأشار المهندس عبد الرحمن إلى أنه في حالة احتباس الأمطار خلال شهري كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير “يحتاج القمح إلى الري لتعويض مياه الأمطار”، وفي حالة ضمور الحبوب بسبب تأخر موجات البرد والصقيع، أيضاً ” يجب ري الأرض لضمان النمو”.
يؤثر توفر مصادر الطاقة، المحروقات، والكهرباء بنوعيه النظامي أو البديل (ألواح الطاقة الشمسية) على المحاصيل الزراعية المروية في درعا، نظراً لاعتماد مضخات الري عليها. تقدم حكومة دمشق المازوت الزراعي (الديزل) بسعر مدعوم وبكميات محددة ومتفاوتة وفقاً لنوع المزروعات ومساحة زراعتها.
لكن الكميات الحكومية المخصصة للمزارعين لا تغطي سوى 10 إلى 15% من احتياجات المزارعين، كما اشتكى المزارعون الأربعة لـ”سوريا على طول”، وغالباً لا تفي حكومة النظام بالتزاماتها من الكميات، بحسب قولهم.
الجدوى الاقتصادية لزراعة القمح!
كما كل عام، تشهد سوريا تنافساً في شراء القمح بين أطراف الصراع. هذا العام، حددت حكومة النظام السوري سعر شراء القمح من المزارعين بواقع 2300 ليرة للكيلو غرام الواحد (0.26 دولاراً أميركياً، بحسب سعر الصرف في السوق الموازية البالغ 8850 ليرة للدولار الواحد)، وقال مجلس الوزراء أن “تحديد هذا السعر جاء نتيجة حساب دقيق لتكلفة الإنتاج الحقيقية في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة، وبما يضمن هامش ربح للفلاح بنسبة 35 بالمئة لكل كيلوغرام”، بهدف “التشجيع على تسليم المحصول واستجرار أكبر كمية ممكنة من الإنتاج”.
في مقابل ذلك، أكد محمد مجدي الجزائري، رئيس اتحاد الفلاحين في درعا، عدم رضا الفلاحين عن تسعيرة القمح، إضافة إلى وجود شكاوى واردة من الفلاحين حول “تقاضي أصحاب الحصادات مبالغ مالية أكبر من التسعيرة التي حددها المكتب التنفيذي في محافظة درعا”.
وكانت محافظة درعا، حددت أجور حصاد الدونم الواحد من القمح المروي بـ 60 ألف ليرة (6.7 دولار)، والقمح البعل بـ40 ألف ليرة (4.5 دولار)، لكن في الواقع تراوحت الأسعار بين 100 و150 ألف ليرة (11.2 و 16.9 دولار)، وفقاً لما أكده اثنان من المزارعين.
ووفق البيانات التي حصلت عليها “سوريا على طول” من مزارعين اثنين، أحدهما زرع القمح البعلي والآخر المروي: تتضمن تكاليف زراعة الدونم الواحد من القمح، وتقديرات أولية لإنتاج الدونم الواحد من أرضهما لهذا العام، وسعر الكيلوغرام الواحد من القمح الذي حددته حكومة النظام، تبين أن الدونم الواحد من القمح البعلي معرض لخسارة بواقع 58 ألف ليرة (6.6 دولار)، بينما هامش الربح لدونم القمح المروي بلغ 408 ألف ليرة (46 دولاراً).
بهدف تحسين مردود محصوله، ينوي أبو محمد، المزارع من إنخل، بيع محصوله إلى تجار في السوق السوداء، بواقع ثلاثة آلاف ليرة للكيلوغرام، لأن “سعر الدولة غير مجدي”، على حد قوله.
سعر السوق السوداء ربما يجعل من “زراعة القمح مجدية بنسبة قليلة للقمح البعلي”، بحسب أبو عمر، المزارع من مدينة جاسم، مشيراً إلى عزمه زراعة القسم الأكبر من أرضه العام القادم بمحصول الشعير، نظراً لأن “إنتاجه أعلى ويتحمل العطش والحرارة”.
إنتاج الموسم الحالي سيحدد ما إذا كان سعيد الحوراني، مزارع في مدينة جاسم، سيزرع أرضه بالقمح العام القادم، قائلاً: “إذا كان إنتاج القمح المروي قليل هذا العام سأزرع الموسم القادم نصف أرضي بالشعير أو الحمص أو الفول”.
تعليقاً على ذلك، حذر المهندس أبو حسن، من أن “مستقبل زراعة القمح في خطر ويتوجب على الحكومة التدخل بأسرع وقت ممكن، وتقديم المازوت والأسمدة للفلاح، خصوصاً مع تغير المناخ للوقاية من الأمراض واختلاف درجات الحرارة”.
وأضاف أبو حسن: “يجب رفع سعر القمح لترغيب الناس بالاستمرار في زراعته”، مؤكداً أن “زراعته مجدية لكن ليس كما يجب”، وبالتالي إذا استمرت الظروف المحيطة بزراعة القمح على حالها “سينخفض إنتاج القمح لـ 30% خلال الأعوام الخمسة القادمة”.
يتفق المهندس يمان عبد الرحمن مع ذلك، محذراً من أن “حوران تستعد لموسم صفري إذا استمر تقلب المناخ وانخفاض الأمطار”، لذا يتوجب على الفلاحين “الاهتمام بالأرض أكثر، وتبريدها من خلال حراثتها 3 مرات على الأقل في العام، وتزويدها بالسماد، واستخدام المبيدات الحشرية لتجنب الآفات والأضرار”.
كانت حوران تكنى بـ”أهراء روما” أي مستودع الغذاء لروما، بسبب ناتجها من القمح الذي كان يكفي روما، ويرسل إلى مصر ودور العبادة، في زمان الإمبراطورية الرومانية. كذلك كانت أحد مصادر القمح الرئيسية أيام الدولة العثمانية، التي كانت تنقل القمح الحوراني إلى الأناضول وأستانة ودمشق. لكن اليوم، يكافح مزارِعوها للحفاظ على هذه الزراعة التقليدية، التي كانت مصدر رزقهم لآلاف السنين.
لا يريد أبو عمر أن يستثني القمح كلياً من زراعته، لأن زراعته “مهنة توارثناها أباً عن جد، ولا يمكن التخلي عنها، فهي كانت مصدر رزقنا الوحيد”.