أي خيارات للاجئين السوريين إلى الأردن مع انحسار المساعدات الدولية؟
تمنح أولوية الدعم للأسر التي تعيلها نساء، والأسر الأكثر عرضة لعمالة الأطفال والزواج المبكر، والعائلات التي تضم بين أفرادها أشخاصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة
21 يونيو 2021
عمان- “يريدون أن يقطعوا عنا النّفس والحياة”، تصف اللاجئة السورية أم طارق، قرار برنامج الأغذية العالمي وقف المساعدات الشهرية المقدمة لعائلتها، اعتباراً من بداية الشهر المقبل، والبالغة قيمتها 90 ديناراً، تمثّل الدخل الوحيد للأسرة المكونة من ثلاثة أفراد.
وكان “الأغذية العالمي” أعلن، في الثالث من حزيران/يونيو الحالي، وقف المساعدات لـ21 ألف لاجئ سوري في الأردن اعتباراً من يوليو/تموز المقبل، بسبب نقص التمويل الذي أجبر “البرنامج” على إعطاء الأولوية للأكثر احتياجاً. علماً أن مساعدات “البرنامج” تتراوح بين 10 و15 و23 ديناراً للفرد شهرياً.
معايير وقف المساعدات
بحسب بيان برنامج الغذاء العالمي المتعلق بإيقاف المساعدات، يحتاج “البرنامج” بشكل عاجل إلى 58 مليون دولار لمواصلة تقديم المساعدات الغذائية الشهرية لنصف مليون لاجئ سوري حتى نهاية العام الحالي.
وكانت منظمات الأمم المتحدة المعنية باللاجئين ذكرت، في آذار/مارس الماضي، أنه من ضمن قرابة 660 ألف لاجئ سوري مسجلين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يقبع أكثر من 80% من هؤلاء تحت خط الفقر، فيما يعاني نحو الربع انعدام الأمن الغذائي (الجوع)، و65% على حافة الجوع.
ومع التراجع الحاد في التمويل الدولي الخاص باللاجئين السوريين، اتجه “الأغذية العالمي” إلى “توسيع نطاق عملية إعادة التقييم الدورية لأوضاع اللاجئين السوريين، من المستفيدين وغير المستفيدين من خدماته”، كما تقول مسؤولة الإعلام والاتصال في “البرنامج”، دارا المصري، بهدف “توجيه التمويل المتوفر نحو الفئات الأكثر حاجة”. وهو ما نتج عنه “قطع المساعدات عن بعض العائلات وزيادتها لعائلات أخرى”.
وعلى نحو طبيعي، تعتقد عشرات الأسر المشمولة بقرار وقف المساعدات، والتي تواصلت مع “سوريا على طول”، أنها من الفئات الأكثر حاجة. لكن “البرنامج”، وفق المصري، استند في تحديده الفئات الأوْلى بالدعم إلى معايير: جنس المُعيل، ومستوى الحماية الاجتماعية، ومستوى الاحتياجات الخاصة، وعدد المعالين نسبة إلى عدد القادرين على العمل لكل أسرة.
بناء عليه، “تمنح أولوية الدعم للأسر التي تعيلها نساء، والأسر الأكثر عرضة لعمالة الأطفال والزواج المبكر، والعائلات التي تضم بين أفرادها أشخاصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة”، بحسب المصري، كونها عوامل “تنعكس على مستوى الأمن الغذائي على تلك الأسر”.
وبما أن غالبية شروط استحقاق الدعم متوفرة في عائلة السيدة أم طارق، فإنه “يحق لها الاعتراض على قرار عدم شمولها بالدعم”، وفقاً للمصري، من خلال طلب استئناف عبر الموقع الخاص بـ”الأغذية العالمي”، والذي يتم بموجبه “مراجعة المعلومات الواردة في الطلب وإعادة التقييم لتحديد إن كان ملف العائلة مؤهلاً للحصول على المساعدة”، وفقاً لما ورد في نموذج الاستئناف.
“حل” عمالة الأطفال
منذ وصولها إلى الأردن العام 2012، كان على أم طارق التعايش مع الأعباء الجديدة التي فرضها اللجوء، لاسيما مسؤولية إعالة أسرتها وحدها بعد انفصالها عن زوجها المقيم في سوريا، وذلك من خلال “الكوبون” المقدم من “الأغذية العالمي”، إلى جانب “مساعدات الجيران والأقارب”، كما تقول لـ”سوريا على طول”.
فعدا عن أن السيدة الخمسينية غير قادرة على العمل، كونها تعاني أمراض ضغط الدم والسكري وآلام الظهر، كما ذكرت، فإن “أكبر أبنائي لا يستطيع العمل لفترات طويلة، بسبب مشكلة صحية في أطرافه السفلية جرّاء إصابته بعيار ناري خلال الحرب”. وهذا يعني مع قطع المساعدات “أني سأضطر لإجبار ابني الأصغر، وعمره 16 عاماً، على ترك المدرسة والبحث عن عمل”.
لكن إضافة إلى كونه قاصراً، وقبل ذلك حرمانه من حقه في التعلم في حال انخراطه في سوق العمل، تواجه ابن السيدة أم طارق أسوة بغيره من اللاجئين السوريين في الأردن، حقيقة تصاعد نسبة البطالة في الأردن، خصوصاً بين فئة الشباب بنسبة قدرها البنك الدولي مؤخراً بنحو 50% من هذه الفئة.
في هذا السياق، أعلن وزير العمل الأردني، يوسف الشمالي، عن اتخاذ عدة تدابير جديدة لتنظيم سوق العمل الأردنية، من ضمنها إحلال فئة حملة شهادة الثانوية العامة فما دون محل العمالة الوافدة بنسبة 50%.
لكن هكذا تدابير قد لا تؤثر سلباً على فرصة اللاجئين السوريين في الحصول على عمل، كما قال الناطق الرسمي باسم وزارة العمل، محمد الزيود، لـ”سوريا على طول”؛ إذ “تعتبر المهن المتاحة لهم من أقل المهن التي يُقبل عليها الأردنيون”.
في المقابل، يرى وزير الصناعة والتجارة الأسبق، الرئيس التنفيذي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، الدكتور محمد الحلايقة، أن الأردن “لن يستطيع تحمل المزيد من أعباء اللجوء السوري والجنسيات الأخرى، خصوصاً في ظل الارتفاع الكبير في أعداد البطالة، والوضع الصعب الذي يمر به الاقتصاد الأردني”. يضاف إلى ذلك، كما يقول لـ”سوريا على طول”، أن “نسبة المساعدات المقدمة للأردن لم تصل إلى نسبة 30% من التي وعد به في مؤتمرات بروكسل ومؤتمر لندن” الخاصة بأزمة اللجوء السوري إلى الأردن ودول الجوار عموماً.
خيار العودة إلى سوريا
فيما يُخشى وقف المساعدات الغذائية عن ربع مليون لاجئ آخرين يقيمون خارج المخيمات بنهاية أيلول/سبتمبر المقبل، إذا لم يحصل برنامج الأغذية العالمي على التمويل الكافي، فإن مشاعر القلق باتت تتنامى لدى اللاجئين السوريين من أن تجبرهم ظروف الحياة الصعبة، والتي عمقت جائحة كورونا قسوتها، على العودة إلى سوريا، كما يقول اللاجئ السوري محمد حسن لـ”سوريا على طول”.
فمع بداية تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، تضاعفت أعباء محمد حسن، اللاجئ من الرقة من العام 2011، والأب لطفلين. إذ “أعمل بنظام المياومة، وفقدت عملي بسبب إغلاق المنشآت الاقتصادية” نتيجة الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء، و”لم يتبق لدي سوى 45 ديناراً بدل مساعدات غذائية يقدمها برنامج [الأغذية العالمي]، أؤمن بها حاجيات أسرتي الأساسية”، كما يقول لـ”سوريا على طول”.
ومع شمول أسرته بقرار وقف المساعدات الأخير، فإنه لن يستطيع “تأمين رغيف خبز أو علبة حليب لطفلي الرضيع الذي يعاني مشاكل صحية في الأعصاب”، كما يذكر. مضيفاً: “صرت عاجزاً عن دفع تكاليف علاجه التي تفوق قدرتي المالية”. وهو ما قد يعني اضطرار محمد للعودة إلى سوريا، إذ “أصبحتُ بلا عمل ولا مساعدات، وتراكمت ديوني ولم أعد قادراً على سدادها” كما يقول.
وبحسب الناطق باسم مفوضية اللاجئين، محمد الحواري، فقد عاد نحو 2,250 لاجئاً إلى سوريا، منذ بداية العام الحالي، من أصل ما مجموعه نحو 40 ألفاً عادوا منذ إعادة فتح الحدود الأردنية-السورية في تشرين الأول/أكتوبر 2018.
لكن هذا الخيار لا يبدو متاحاً لكثيرين. فالعودة إلى سوريا في هذا الوقت مغامرة غير محسوبة النتائج، على حد وصف سوريين تحدثوا إلى “سوريا على طول”، لاسيما وأن بعضهم يعاني مشاكل أمنية مع النظام.
في النهاية فإن “مبلغ 45 ديناراً قد لا يعني شيئاً لمعظم الناس، لكنه يعني لي الكثير”، على حد تعبير محمد.