إدلب بعد سقوط النظام: ارتباك حكومي وأزمات معيشية في انتظار الحل
بعد سقوط النظام، تراجعت الخدمات في إدلب بعد أن كانت وجهة سياحية واقتصادية للقادمين من محافظات سورية كانت تحت حكم الأسد، ما دفع سكانها إلى التخوف من تهميش المحافظة كما كانت قبل 2011
18 فبراير 2025
إدلب- بعد نحو شهرين على سقوط نظام الأسد، وتكليف حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام بتشكيل حكومة تصريف الأعمال، تراجع الاهتمام الحكومي بمحافظة إدلب لصالح العاصمة دمشق، ما انعكس على الظروف المعيشية لسكان شمال غرب سوريا، المنطقة التي تضم أكبر تجمع للنازحين داخلياً.
في الثالث من شباط/ فبراير الحالي، بالكاد تمكنت أصالة العلي، المقيمة مع عائلتها في مخيم الإخاء ببلدة كللي شمال إدلب، من الحصول على ثلاثة كيلوغرامات من الغاز المنزلي، كحلّ إسعافي إلى أن استطاعت تبديل الأسطوانة، بعد ثلاثة أيام، بمساعدة أخيها المقيم في مخيمات أطمة، كما قالت لـ”سوريا على طول”، علماً أنها كانت تستبدل الأسطوانة بسهولة.
البحث عن الغاز والانتظار لأيام من أجل الحصول على اسطوانة، أو الوقوف في طوابير من أجل ذلك، مشهد يمكن أن تراه في مناطق سيطرة النظام البائد، لكن لم تتوقع العلي أن تعيشه في إدلب، وفقاً لها.
في الأيام الأولى لسقوط النظام، تحولت إدلب -التي شهدت انتعاشاً اقتصادياً ونهضة عمرانية في السنوات الأخيرة- إلى وجهة سياحية واقتصادية للقادمين من محافظات سورية أخرى كانت تحت حكم الأسد قبل هروبه، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، وتدريجياً تراجعت الخدمات فيها ما دفع سكانها إلى التخوف من “تهميشها” كما كانت قبل اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011.
أعلنت القيادة العامة لإدارة العمليات العسكرية، خلال المؤتمر الموسع الذي عقد في 30 كانون الأول/ يناير 2025، عن حل جميع الكيانات الثورية والسياسية والمدنية ودمجها ضمن مؤسسات الدولة، ما يعني -نظرياً- تحسن الخدمات في المحافظات الأخرى وليس تراجعها في إدلب.
وبعد انفتاح أسواق إدلب على باقي المحافظات السورية، وتوحيد التعرفة الجمركية في جميع المعابر، بموجب قرار الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية الصادر في 11 كانون الثاني 2025، ارتفعت الأسعار عما كانت عليه قبل سقوط النظام، مقابل انخفاضها في باقي المحافظات.
تباين الأسعار بين المحافظات
منذ سقوط النظام، يعمل علاء (اسم مستعار)، وهو معتمد توزيع غاز في مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي، على نقل 30 أسطوانة أسبوعياً إلى العاصمة دمشق، ويكتفي بتخصيص خمس أسطوانات فقط لزبائنه في أطمة، يوزعها وفق تسجيل مسبق، كما قال لـ”سوريا على طول”، لأن “بيع الغاز في دمشق يحقق ربحاً إضافياً يتراوح بين 3 و5 دولارات لكل أسطوانة”.
حددت الحكومة السورية سعر أسطوانة الغاز المنزلي بـ 11.8 دولار أميركي (121 ألف ليرة سورية بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء البالغ 10,300 ليرة للدولار)، بينما تباع في الأسواق بأسعار تصل إلى 190 ألف ليرة.
يتفاوت سعر الغاز داخل المحافظة الواحدة أو مقارنة بالمحافظات الأخرى، كما اشتكى عدد من المصادر لـ”سوريا على طول”، معللين ذلك بـ”استغلال الموزعين لنقص الغاز”.
في إدلب، التي ما تزال تتعامل بالعملة التركية، يبلغ سعر الأسطوانة 450 ليرة تركية (126 ألف ليرة سورية)، أي سعرها قريب من التسعيرة الحكومية، بينما يرتفع سعرها في ريف حلب الشمالي إلى 140 ألف ليرة، وفي دمشق بين 180 و200 ألف ليرة.
على مدى سنوات، كان الغاز القادم من تركيا يغطي احتياجات محافظة إدلب، وتباع الأسطوانات “وفق السعر الرسمي، لأن الأهالي اعتادوا على تقديم الشكاوى عند حدوث أي مخالفة تموينية على عكس المحافظات الأخرى”، بحسب علاء.
تعليقاً على ذلك، نفى أحمد سليمان، مسؤول العلاقات العامة في مكتب المشتقات النفطية بوزارة النفط، تراجع تزويد إدلب بالغاز، لافتاً لـ”سوريا على طول” إلى أن الوزارة زودت المراكز المعتمدة في المحافظة، يوم الخميس، بـ 56 ألف أسطوانة.
لكن، مع تراجع الرقابة الحكومية في إدلب وغيرها من المحافظات السورية، استغل العديد من أصحاب المراكز المعتمدة لتوريد الغاز حجم الطلب عليها، وحوّلوا جزءاً من مخصصات مراكزهم إلى محافظات أخرى، كما يفعل علاء.
إلى جانب أزمة الغاز، يعاني سكان إدلب من ارتفاع أسعار العديد من المواد الأخرى، من قبيل لحوم الدجاج، إذ يبلغ سعر الطن 2,100 دولار، بينما كان قبل سقوط النظام 1,300 دولار، ويعود هذا الارتفاع إلى “الطلب الكبير على الدجاج من المحافظات الأخرى”، كما قال أبو مصطفى، صاحب محل لبيع الدجاج لـ”سوريا على طول”.
انعكس ارتفاع الأسعار على حركة الأسواق، بحسب أبو مصطفى، الذي لا تتجاوز مبيعاته أكثر من قفص دجاج واحد بوزن 25 كيلوغراماً، بينما كان معدل مبيعاته قبل سقوط النظام أكثر من عشرة أقفاص، على حد قوله.
أدى انفتاح الأسواق السورية على بعضها من جهة، وتوحيد التعرفة الجمركية على المعابر الحدودية في سوريا من جهة أخرى إلى “حالة من التشويش بين مناطق المعارضة والمناطق التي كانت خاضعة للنظام السابق”، بحسب الخبير الاقتصادي د.كرم شعار، وعزز هذا التشويش “تعدد العملات المستخدمة داخل سوريا”.
ورغم أن “السماح بحرية تداول أي عملة دون قيود تعدّ حلاً عملياً على المدى القصير، إلا أن الاعتماد على الليرة السورية وحدها يضلّ ضرورة على المدى البعيد”، كما قال شعار لـ”سوريا على طول، إضافة إلى ضرورة “معالجة التباين [بين المحافظات] في أسرع وقت”.
إهمال أم ارتباك حكومي؟
في الثاني من شباط/ فبراير 2025، تعرض منزل أحمد غريب، 34 عاماً، الواقع في في مخيمات أطمة للسرقة، وفور وقوع الحادثة توجه إلى مخفر الشرطة في القاطع الجنوبي للإبلاغ عنها.
أثناء تقديم إفادته للمحقق، علم غريب، الأب لأربعة أطفل، أن المخفر يعاني من نقص العناصر، إذ انخفض العدد بعد سقوط النظام من عشرة عناصر إلى أربعة، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن المخفر كان فيه عنصرين فقط أثناء زيارته، بينما كان اثنين في مهمة لمعاينة موقع تعرض للسرقة وتحرير الضبط اللازم.
يعبّر هذا النقص عن أزمة أكبر تعاني منها المؤسسات الحكومية في إدلب بعد تحرير دمشق، نتيجة نقل العديد منهم إلى المحافظات الأخرى، كما رصد مراسل “سوريا على طول” في إدلب، أثناء زيارته لمؤسسات حكومية بالمحافظة، ناهيك عن اعتماد الأوراق الرسمية الخاصة بحكومة الإنقاذ حتى الآن.
تعليقاً على ذلك، قال محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، لـ”سوريا على طول” أن “انتقال بعض الكوادر من حكومة الإنقاذ إلى المحافظات الأخرى أمر ضروري لتسيير أمور العمل وخدمة المواطنين هناك”، مستبعداً أن يخلق نقل هذه الكوادر فراغاً كاملاً في إدلب، إذ “بقي عدد من الموظفين في جميع المديريات على رأس عملهم وخاصة في المديريات التي تقدم خدمات مستعجلة”.
وبعد تكليفه، عقد عبد الرحمن “عدة اجتماعات مع السادة الوزراء في دمشق، ناقشنا خلالها عمليات إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في محافظة إدلب”، وتم “تعزيز المديريات بكوادر من أجل تقديم الخدمات للمواطنين بأفضل صورة”، وفقاً له.
وبينما تحاول الحكومة السورية الجديدة إعادة تشغيل مؤسسات الدولة المتهالكة، أعلنت الولايات المتحدة، الشهر الماضي، تجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً، ورغم أن قرار واشنطن يستثني “المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة”، إلا أن القطاع الطبي في شمال غرب سوريا، الذي يقطنه نحو ستة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، يعاني من نقص التمويل في وقت ما تزال الدولة عاجزة عن التعويض.
اقرأ المزيد: تجميد التمويل الأمريكي يعطل المساعدات العالمية ويشل المجتمع المدني السوري
في العاشر من شباط/ فبراير 2025، أعلنت إدارة مستشفى باب الهوى عن توقف الدعم المقدم من الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، ما دفع موظفي المستشفى إلى تنظيم وقفة رفعوا خلالها لافتات تحذر من أن توقف الدعم يهدد حياة أكثر من 300 مريض يعانون من أمراض سرطانية، بالإضافة إلى تعطل خدمات جراحة شبكية العين، وطالبوا الحكومة بتحمل مسؤولياتها والضغط على المنظمات الإنسانية لإعادة التمويل.
وأيضاً، توقف الدعم عن مركز أطمة للرعاية الصحية الأولية منذ بداية العام الحالي، وفق الدكتور محمد غريبي، المدير الطبي للمركز، وهو “واحد من ضمن أكثر من 100 مركز توقف الدعم عنه، و30 مركز علاج تخصصي، وتسعة مستشفيات مركزية وما يزيد عن 25 مستشفى تخصصي، بحسب بيانات حصلت عليها “سوريا على طول” من مديرية صحة إدلب.
وشدد د.غريبي على ضرورة “توفير الدعم لهذه المراكز الطبية”، خاصة أن غالبية المهجرين من المحافظات الأخرى إلى شمال غرب سوريا لم يعودوا، وفقاً له.
بينما يبحث سكان إدلب عن حلول للأزمات المعيشية الطارئة، تسعى المحافظة لإيجاد حلول مستدامة، من قبيل “إعادة الأهالي المهجرين إلى مدنهم وقراهم في ريف إدلب، عبر تسريع إيصال الخدمات الأساسية للمواطنين من كهرباء ومياه وصحة وتعليم، وهو ما نقوم به عبر المديريات المختصة وضمن الإمكانيات”، بحسب المحافظ محمد عبد الرحمن.
وكذلك، تجري المحافظة “اجتماعات مع المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية بالإضافة إلى استقبال الوفود الخارجية لبحث ومناقشة سبل إعادة إعمار تلك المناطق المدمرة حتى إزالة آخر خيمة في إدلب”، وفقاً لعبد الرحمن.