6 دقائق قراءة

إدلب: من أكبر تجمع لمخيمات النازحين إلى مركز سياحة وتسوق للسوريين!

نظمت العديد من مكاتب السياحة والسفر في عموم المحافظات السورية رحلات يومية، أو ما يطلق عليها "رحلات تسوق" إلى إدلب، لمدة يوم واحد، ما أدى إلى انتعاش أسواقها


30 ديسمبر 2024

إدلب- تحولت محافظة إدلب في شمال غرب سوريا إلى وجهة سياحية للقادمين من محافظات سورية كانت تحت سيطرة النظام السوري قبل سقوطه، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، وسط حالة من الذهول بمناطقها الاقتصادية والتجارية والترفيهية، بعد أن كانت معروفة بالنسبة لهم بأنها أكبر مركز لتجمع النازحين. 

نظمت العديد من مكاتب السياحة والسفر في عموم المحافظات السورية رحلات يومية، أو ما يطلق عليها “رحلات تسوق” إلى إدلب، لمدة يوم واحد، ما أدى إلى انتعاش أسواق المنطقة، التي يقطنها أكثر من أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، خاصة مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، المعروفة أنها المنطقة الاقتصادية الأولى، وتتركز فيها غالبية الوكالات التجارية ومراكز التسوق والترفيه.

في 19 كانون الأول/ ديسمبر، قطعت غصون السقا مسافة 45 كيلومتراً بسيارتها، قادمة رفقة ابنتيها من مدينة حلب للتسوق من مدينة الدانا، حيث الأسعار “أقل بنسبة 25 بالمئة من أسواق حلب”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، معبرة عن دهشتها لما لاحظته من “نهضة عمرانية وتجارية”.

لسنوات، عاشت مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والمعارضة السورية في شمال غرب سوريا عزلة عن باقي المحافظات السورية إلى أن سقط الأسد، وبعد أن ألغيت خطوط التماس، وصارت إدلب مقصداً للسوريين، شهدت المحافظة “ازدحاماً مرورياً شديداً”، بحسب السقا، التي وجدت “صعوبة في التنقل بالسيارة أو ركنها”، ومع ذلك “سأعود إلى هنا باستمرار من أجل التسوق”.

بعد سقوط الأسد، زار العديد من صناع المحتوى المعروفين في مناطق سيطرة النظام محافظة إدلب، ونشروا صور وفيديوهات من أسواقها ومعالمها الرئيسية، ولعبوا دوراً في تشجيع الآخرين على زيارتها، ومن ثم نقل الزوار هذه الصورة لآخرين. 

في يوم إعلان سقوط الأسد، افتتح محمود الضاهر مطعم وكافيه أوليو في شارع المولات بمدينة الدانا، وقد بدأ ببنائه في شباط/ فبراير 2024، على أرض مساحتها أربعة دونمات، استأجرها مقابل 600 دولار شهرياً، وكانت خطته استيعاب أبناء إدلب أو زوارها من تركيا.

ولكن، مع الحركة التي شهدتها إدلب منذ الثامن من الشهر الحالي “اختلفت التوقعات كلياً”، كما قال الضاهر لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن مطعمه “استقبل في يوم واحد 1500 شخصاً”. 

استكشاف وتسوق

“بدافع الفضول”، قطع محمود خربطلي مسافة 290 كيلومتراً، قادماً من دمشق إلى إدلب، وعندما وصل وجد السيارات “تحمل لوحات كل المحافظات السورية، في مشهد يبعث الاطمئنان بالنسبة للقادمين”، ويعطي “صورة مغايرة” عن التي نقلها إعلام النظام عن المحافظة طيلة السنوات الماضية، كما قال لـ”سوريا على طول”.

عندما دخل خربطلي إلى مدينة الدانا شعر الأجواء كأنها “أجواء مهرجان أو أسواق أعياد من شدة الازدحام”، حيث الأسواق المفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل، والكهرباء متوفرة على مدار 24 ساعة بعكس الكثير من أحياء دمشق وأحيائها، التي كانت تعيش ساعات تقنين طويلة.

سيارات تحمل لوحات تعود لعدة محافظات حماة (يسار)، حلب (وسط)، إدلب (يمين)، 21/ 12/ 2024، (محمود الشمالي/ سوريا على طول)

سيارات تحمل لوحات تعود لعدة محافظات حماة (يسار)، حلب (وسط)، إدلب (يمين)، 21/ 12/ 2024، (محمود الشمالي/ سوريا على طول)

قرر خربطلي زيارة إدلب بناء على تجربة العديد من أصدقائه في دمشق، الذين “نقلوا حالة الازدهار والتطور مقارنة بالعاصمة، على صعيد المراكز التجارية والحركة الاقتصادية والمطاعم”، لافتاً إلى أن “الكثير من المعروضات في أسواق إدلب كنا محرومين منها”.

“ما رأيته أبهرني، الاعتماد الكبير على الطاقة الشمسية، تنوع البضائع، حركة الأسواق، والأهم من ذلك توفر الكهرباء والاعتماد عليها في ديكورات المحلات”، بحسب خربطلي. 

يتوافد غالبية الزبائن على شكل مجموعات سياحية، تنسق مع إدارة مول الحمرا بمدينة الدانا، والتي تخبر بدورها أصحاب المحلات التجارية بمواعيد وصول هذه المجموعات، كما قال محمد الرحمون، صاحب محل لبيع الأجهزة الإلكترونية والموبايلات في المول لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن حركة البيع تستمر حتى الساعة 11 ليلاً.

قدّر الرحمون ارتفاع مبيعات محله بنحو 90 بالمئة مقارنة عما كانت عليه قبل سقوط النظام، لافتاً إلى أن غالبية الزبائن من المحافظات الأخرى “يستغربون توفر الساعات الذكية في إدلب بأسعار منخفضة مقارنة بأسعارها عندهم”.

وفي هذا السياق، قال زياد أبو أحمد، مدير صالة عرض فيستيل  (VESTEL)، تركية المنشأ، في مول الحمراء بمدينة الدانا، أن مبيعات الأجهزة الكهربائية في صالته “شهدت زيادة بنسبة ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل سقوط النظام”.

لا تقتصر الحركة التجارية على بيع التجزئة، وإنما “هناك إقبال على بيع الجملة، حتى أن بعض التجار طلبوا منا افتتاح فروع لنا في المحافظات الأخرى، مثل طرطوس وحلب وحماة”، وفعلاً “نعمل حالياً على تجهيز ثلاث صالات في حلب”، كما أوضح أبو أحمد لـ”سوريا على طول”.

أثناء زيارة شارع المولات في مدينة الدانا، اشترى محمد المغربي، 27 عاماً، القادم من حي النيرب بمدينة حلب، خلاطاً كهربائياً بعشر دولارات، بينما “يبلغ سعر الخلاط ذو جودة أقل في حلب 15 دولاراً”، كما قال المغربي لـ”سوريا على طول”.

قد يصل فرق أسعار بعض الأجهزة الكهربائية بين إدلب والمحافظات السورية، قبل سقوط النظام، نحو أربعة أضعاف، بحسب أبو أحمد، الذي كان يشحن أجهزة كهربائية إلى حلب، مشيراً إلى أن سعر مكيف الهواء قدرة 1.5 طن من ماركة فيستل، الموفر للطاقة الكهربائية في صالة الدانا 350 دولاراً بينما يتجاوز سعره الألف دولار في حلب. 

وعدا عن فرق الأسعار، تتميز الأجهزة الكهربائية في أسواق إدلب بجودتها، حيث “تتوفر أجهزة من ماركات عالمية وتركية، هي ماركات ممنوعة في مناطق النظام المخلوق نتيجة العقوبات الأميركية والأوروبية”، بحسب أبو أحمد.

تأثير سريع حركة مؤقتة

بما أن التجارة تخضع لمبدأ “العرض والطلب”، انعكست الحركة التجارية في إدلب سلباً على سكانها، إذ ارتفع سعر لوح الطاقة الكهروشمسية ذو الجودة الممتازة من 70 دولاراً إلى 95 دولاراً، وهذا ينطبق على العديد من الأجهزة الكهربائية، وبعض المواد الغذائية التي شهدت ارتفاعاً أيضاً ولكنه طفيف، كما رصد مراسل “سوريا على طول” في إدلب.

“ارتفعت أسعار بعض المواد بين 20 و30 بالمئة، نتيجة الطلب الهائل والاستغلال”، بحسب أبو أحمد، لافتاً إلى أن أسواق إدلب شهدت في الأيام الأخيرة نقصاً في بعض البضائع قبل أن يُستأنف استيرادها من تركيا.

وكذلك، ارتفعت أسعار السيارات الأوروبية إلى أكثر من الضعف، خاصة السيارات المصنعة من عام 2010 وما بعده، وتسمى محلياً “كرتها عالي”، إذ بينما كانت السيارة من نوع هونداي توسان موديل 2012 تباع بخمسة إلى ستة آلاف دولار أميركي في إدلب، ارتفع سعرها بعد سقوط النظام إلى الضعف 13 ألف دولار، ومن ثم انخفض سعرها قليلاً ليستقر بين تسعة وعشرة آلاف دولار، بحسب أحمد غريبي، تاجر سيارات في إدلب، لافتاً إلى أن هذه السيارة بذات المواصفات وتاريخ الصنع كانت تباع في مناطق النظام بنحو 35 دولار.

“لم تصل الأسعار قبل ذلك في أسواق إدلب لهذا المستوى”، قال غريبي لـ”سوريا على طول”، لكن الطلب الكبير، الذي يصل إلى “بيع مئ سيارة يومياً”، مع وجود “تجار وزبائن تدفع بكل أريحية، نظراً لانخفاض الأسعار بشكل كبير مقارنة بأسعار السيارات في باقي المحافظات” أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.

ربما تستمر الحركة التجارية والسياحية في إدلب “من ستة إلى تسعة أشهر، لكن بعدها ستتراجع الحركة تدريجياً، خاصة مع تلاشي فارق الأسعار في المستقبل بعد ضبط الأسعار في عموم سوريا”، بحسب أبو أحمد، إذ إن “تشكيل الحكومة السورية الجديدة وتعميم النهضة الاقتصادية على باقي المحافظات” من شأنه أن يعيد سوق إدلب إلى حجمه.

ومع ذلك، “تبقى إدلب هي صاحبة البوصلة التجارية، ومن يريد أن ينافسها من المناطق الأخرى عليه أن يمتلك ذات التنوع وذات الأسعار”، بحسب الخبير الاقتصادي، مناف قومان، قائلاً: “إذا افتتحت مراكز تجارية بذات التنوع وذات الأسعار سينخفض الإقبال على المولات التجارية في الدانا، مع افتراض أن الأخيرة لن تقوم بحوافز وتخفيضات ومنافسات لاستمرار جذب الزوار والزبائن”.

ومن وجهة نظر قوام، ” على المدى القصير، أي من سنة إلى ثلاث سنوات ستبقى إدلب وجهة مفضلة للتسوق، وعلى المدى الطويل من ثلاث إلى خمس سنوات قد نشهد منافسة محتدمة”، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “إدلب وتجارها لديهم من الخبرة والتمويل ما يسمح لهم بالبقاء في سلم المنافسة على المدى البعيد”.

شهدت محافظة إدلب، مدينة الدانا على وجه الخصوص، نهضة عمرانية وتجارية كبيرة منذ عام 2021، إذ انتشرت المراكز التجارية الكبير، وخلقت هذه النهضة بنية تحتية للاستثمار التجاري لا يستهان بها على مستوى سوريا.

كانت محافظة إدلب من المحافظات المهمشة قبل اندلاع الثورة السورية في ربيع عام 2011، لكنها اليوم رائدة اقتصادياً، بحسب محمود خربطلي، متوقعاً أن “تنتقل تجربتها إلى باقي المحافظات، خاصة حلب نظراً لأنها العاصمة الصناعية لسوريا ولقربها من إدلب وأسواقها”.

ومن جهته، توقع محمود الضاهر أن تبقى إدلب وجهة للسوريين “سياحياً واقتصادياً”، نظراً للبنية التحتية “المناسبة والمتينة”، وما يتوفر فيها من “حدائق ومطاعم ومراكز ترفيه”.

شارك هذا المقال