إعلامي يهرب من أحياء دمشق عبر النفق الآخير إلى إدلب
يوم الجمعة الماضي، اغتنم المصور الإعلامي يوسف حُمُص، 24عاماً، ما […]
18 مايو 2017
يوم الجمعة الماضي، اغتنم المصور الإعلامي يوسف حُمُص، 24عاماً، ما يبدو أنه فرصته الآخيرة ليخرج من موطنه في الأحياء الثورية المحاصرة التي تقاسي الجوع والقصف في الغوطة الشرقية لدمشق.
ولم يتبق سوى نفق واحد، ليكون مخرجاً له من أصل شبكة أنفاق تهريب واسعة كانت حتى وقت قريب تدخل الغذاء والدواء والمقاتلين إلى الغوطة الشرقية المطوقة.وكانت قوات النظام أغلقت عشرات الأنفاق التي تربط الضواحي المحاصرة بالعالم الخارجي منذ أن شنت معارك على نطاق واسع لتضييق الخناق على الغوطة في أذار.
ولم تكن الحكومة السورية اكتشفت بعد النفق الذي سيخرج منه يوسف؛فمن جهة كان هناك منزل يوسف، داخل الغوطة الشرقية، حيث الغارات الجوية ووطأة الحصار التي جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة له. ومن جهة أخرى، كانت قافلة الباصات بانتظار إخلاء آلاف الأهالي والمقاتلين المعارضين. في حيين بدمشق يحكمهما الثوار.
وكانت القافلة متجهة شمالاً إلى محافظة إدلب، معقل المعارضة في سورية، بموجب بنود اتفاق هدنة توستطه روسيا، وأُبرم في وقت سابق من هذا الشهر. وسيخلي المقاتلون والأهالي منازلهم في حيي برزة وتشرين بعد أن استعاد النظام سيطرته على الحيين. وكان قد تم التوصل، في الأسبوع الماضي إلى اتفاق مماثل في حي القابون المجاور.
نفق في حي القابون بدمشق، الثلاثاء. حقوق نشر الصورة لـLOUAI BESHARA/AFP/Getty Images.
وكانت الأحياء الثلاثة: برزة وتشرين والقابون تشكل جيباً محاصراً منفصلا عن الغوطة الشرقية، ولكنها كانت ترتبط بمجاورتها الأكبر عبر سلسلة من الأنفاق.
واستغل يوسف وأخوه الفرصة في يوم الجمعة وتسللوا عبر النفق ومعهم مئات الأشخاص الآخرين من الغوطة الشرقية. وركبوا الباصات ووصلوا إلى إدلب السبت.
وقال يوسف لـ نورا الحوراني، مراسلة في سوريا على طول “هذا النفق كان بصيص الأمل الأخير بالنسبة لي قبل أن أعلق في الجحيم الذي يجتاح الغوطة”.
لماذا قررت الخروج من الغوطة؟
لا يوجد سبب واحد يجعلني أٌفضل البقاء في الغوطة، كل شيء يقتلعني منها، سئمت والكثير من الشباب، من الواقع المأساوي الذي تعانيه الغوطة.
لقد مللنا الحصار والقصف والجوع والاقتتال الذي لا ينتهي بين الفصائل، أريد أن أهرب من الواقع الذي وصلنا إليه وإن كان للمجهول.
الاقتتال الداخلي قطع أوصالها وكان أشد وطأةً وقسوة من النظام بالنسبة للأهالي فالغوطة تعيش منذ ست سنوات أسوأ وضع، مجازر تلي مجازر. وبرغم ذلك، كان الأهالي يصبرون على كل شيء.
لكن الاقتتال الداخلي الأخير وتسليم معظم المناطق في ريف دمشق سبب انكساراً بمعنويات الأهالي وانعدام الثقة بالفصائل وإمكانية خروجها من هذا المأزق، وتخوفات بأن يحدث بالغوطة ما حدث بباقي المناطق بالريف.
فاختاروا الخروج من الآن قبل أن تتعرض الغوطة لحملة من القصف والمجازر والتشريد وإعادة سيناريو حلب.
مع إطباق النظام الحصار على الغوطة وسيطرته خلال الحملة الآخيرة على غالبية الأنفاق وقطع أوصال الغوطة وفصلها عن القابون وبرزة، كيف استطعت الخروج من الغوطة؟
سيطر النظام على جميع الأنفاق ولم يتبق إلا نفق وحيدة يربط بين عربين والقابون (الحي الذي استعاد النظام مؤخراً السيطرة عليه).
(من المحتمل أن يكون هناك بضعة أنفاق أخرى لم تكتشفها قوات النظام بعد وتغلقها).
وجدت أن هذه فرصتي الأخيرة للخروج والخلاص من معاناتي وهذا النفق كان بصيص الأمل الأخير بالنسبة لي قبل أن أعلق في الجحيم الذي يجتاح الغوطة.
كان هذا النفق مخصصاً فقط للعسكريين ولكن عندما أبرم النظام اتفاقاً في حي برزة وتشرين وبعدها القابون، فضلت بعض العائلات والمقاتلين أن يدخلوا الغوطة.
ركوب الباصات في حي برزة بدمشق، الجمعة الماضية. حقوق نشر الصورة لـ مكتب برزة الإعلامي.
لذلك قام فيلق الرحمن المسيطر على هذا النفق بالسماح للمدنيين والعسكريين بالتنقل خلال هذه الفترة الوجيزة ومنه خرجت عائلات كثيرة من الغوطة وبالمقابل دخلت عائلات إليها.
الآن، وبعد دخول النظام للقابون وإعلانه السيطرة على الحي بالكامل تم اغلاق النفق نهائياً.
كانت التسوية تشمل أهالي برزة والقابون ولم تكن الغوطة مشمولة بذلك، كيف استطعت الصعود للباصات وأنت من أبناء الغوطة دون أن تتعرض لخطر الاعتقال؟
كان الاتفاق خاص بالمنطقة ولا يعير اهتماماً للمناطق التي ينتمي إليها الأهالي وخصوصاً إن حركة النزوح الداخلي للأهالي لم تتوقف وكانت كبيرة فلا يمكن حصر أبناء المناطق.
حتى تستطيع الخروج، المهم أن تكون موجوداً ضمن حدود المكان الذي حدثت فيه التسوية، وبالنسبة لتسجيل الأسماء فتتم عند الصعود للباص وليس قبل ذلك.
وعندما صعدت إلى الباص أدليت بمعلومات وهمية للنظام وأعطيتهم اسم وهمي ولكني أخبرتهم أنني من الغوطة.
على اعتبار أن الموضوع لا يشكل خطورة فكثيرٌ من مقاتلي فصائل القابون هم من أبناء الغوطة. وخرجوا مع القوافل، ولكني لم أخبرهم باسمي الصريح من باب الحذر فقط.
غير أخيك؟ من خرج معك من عائلتك عبر النفق إلى باصات الإخلاء، وما كانت أسبابهم؟
عائلتي ضد الخروج من الغوطة منذ البداية مهما كانت الظروف، فهم متمسكون بمنزلهم ومناطقهم ويفضلون الموت في المكان الذي قضوا فيه حياتهم.
وكنت أقنعتهم بخروجي بصعوبة وأكثر ما يؤلمني أنني لا أعلم ان كنت سأراهم بعد الآن أم لا، فلا أعرف ما هو مقدر لهم والنظام لن يرحمهم بالقصف وها هو اليوم منذ الصباح يمطر المنطقة بالصواريخ.
لقد تشتتنا ومصيري أنا وأخي معلق بالمجهول وفراقهم يدمي قلبي وللأسف إن لم يكن هناك حل في الغوطة بين الفصائل فالغوطة باتجاه الجحيم وستشتعل نيران الثأر بين أبنائها.
خرجت مع أخي الأكبر بعد ان استطعت إقناع عائلتي بالخروج بصعوبة بالغة، وهو ما كانت ترفضه نهائيا ومهما حدث، وبقيت عائلتي المكونة من 7 أشخاص داخل الغوطة لمصير مجهول.
ترجمة: فاطمة عاشور