إلغاء “إجازة العيد” منعطف يكشف مستقبل السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين
جاء قرار الحكومة التركية بمنع "إجازة العيد" للسوريين بعد خطابات أحزاب المعارضة المناهضة لوجود اللاجئين السوريين، والرافضة لقضاء السوريين إجازة العيد في بلادهم، وهو ما دفع أنقرة إلى التماشي مع هذا الاتجاه.
26 أبريل 2022
باريس- كان صادماً قرار الحكومة التركية منع اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها قضاء إجازة عيد الفطر في بلادهم، بالنسبة لموفق النعال، المهجّر من الغوطة الشرقية إلى مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، الذي كان يتوق وزوجته “لقاء اثنين من أبنائي بعد فراق لثلاث سنوات”.
في نيسان/ أبريل 2018، غادر النعال، 60 عاماً، رفقة زوجته وأولاده الستة، مدينة دوما بريف دمشق، في إطار عملية “التهجير القسري” التي فرضها النظام على فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية والمدنيين الذين رفضوا “التسوية”. وبعد عام على إقامتهم في شمال غرب سوريا، خرج اثنان من أولاده إلى تركيا “نتيجة الواقع الأمني المتردي وانعدام فرص العمل”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
ومنذ وصولهما إلى تركيا، لم يتمكن عماد النعال وشقيقه زيارة والديهما، ففي عام 2019 “لم أكن أحمل بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)”، بحسب قوله، وهو شرط لحصول اللاجئ المقيم في تركيا على إجازة العيد. بعد ذلك أغلقت تركيا حدودها مع سوريا أمام عبور السوريين للحدود، في الفترة بين آذار/ مارس 2020 وتموز/ يوليو 2021، كأحد التدابير لمواجهة تفشي فيروس كوفيد-19، لكن عماد، 27 عاماً، لم يقدم على طلب الإجازة في عيد الأضحى الماضي “خشية إعادة فرض الحظر في تركيا وإغلاق المعابر مجدداً”.
ومع فتح تركيا باب “إجازة العيد” للسوريين، في أواخر آذار/ مارس الماضي، عزم عماد وأخوه على قضاء عيد الفطر مع العائلة المهجرة من الغوطة، لكن إعلان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 22 نيسان/ أبريل الحالي، إلغاء الإجازة للاجئين السوريين، واعتبار “الذاهبين إلى المناطق الآمنة يستطيعون البقاء هناك” بددت آمال العائلة باللقاء.
واستثنت وزارة الداخلية التركية من قرار زيارة السوريين لبلادهم فئتين، الأولى: من لديهم إذن بالذهاب لحضور جنازة تخصّهم، أو الذين يرغبون بعودة نهائية إلى سوريا.
ومنذ عام 2014، تسمح الحكومة التركية للاجئين السوريين المقيمين على أراضيها قضاء إجازة العيد في بلادهم، وفق شروط محددة تختلف بين عام وآخر، إذ حصرت الإجازة لهذا العام في الحاصلين على بطاقة “كملك” محدثة، واستثنت كل من وصلته رسالة بتحديث بياناته ما لم يحدثها، في إشارة إلى أزمة “الكملك” الأخيرة، حيث ألغت دائرة الهجرة التركية آلاف بطاقات “الكملك” لسوريين مشترطة تحديث بياناتهم لإعادة تفعيلها.
ومن جهته أعلن معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، التابع للمعارضة السورية، في 20 نيسان/ أبريل الحالي، إيقاف دخول اللاجئين حتى إشعار آخر، بعد أن دخل عبره 3150 لاجئاً إلى الأراضي السورية.
تجاذبات سياسية
جاء قرار الحكومة التركية بمنع “إجازة العيد” للسوريين تماشياً مع خطابات أحزاب المعارضة المناهضة لوجود اللاجئين السوريين، والرافضة لقضاء إجازتهم في بلادهم، خاصة “مع ردة الفعل الإيجابية لدى الشعب التركي وتأييده الكبير لخطابات أحزاب المعارضة التركية، مثل: حزب الظفر، حزب الخير، و حزب الحركة القومية”، وفقاً للكاتب والصحفي التركي هشام غوناي.
وبما أن هذه الأحزاب استخدمت ورقة اللاجئين السوريين في برامجها السياسية، وشددت على ضرورة إعادتهم إلى بلادهم في المرحلة المقبلة، اضطرت الأحزاب الكبيرة “مثل العدالة والتنمية والحزب الجمهوري لإطلاق تصريحات مشابهة بهدف طمأنة الرأي العام التركي”، كما قال غوناي لـ”سوريا على طول”.
يتضح ذلك من إعلان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في 19 نيسان/ أبريل، نية أنقرة تقييد الزيارات “خلال هذا العيد والعيد المقبل”، الذي جاء عقب كلمة رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت باهتشلي، في اجتماع مجلس البرلمان التركي بأن “لا داعي لعودة اللاجئين السوريين، الذين يذهبون لقضاء إجازة العيد في سوريا، إلى تركيا”.
وبدوره، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، قليجدار أوغلو، أن حزبه سيعمل على إرسال اللاجئين إلى بلادهم، مع ضمان سلامة أرواحهم وممتلكاتهم، في حال وصوله إلى السلطة، وهو ما اعتبره صويلو “نهجاً استفزازياً لتأجيج معاداة الأجانب في تركيا”.
لكن تصريحات باهتشلي، الذي يقود الحزب الشريك لحزب العدالة والتنمية الحاكم ضمن تحالف الشعب، شكلت “منعطفاً كبيراً”، على حدّ تعبير الناشط الحقوقي في قضايا اللاجئين، طه الغازي، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن كلمته “أثرت على خطابات الأحزاب التركية هذا العام دوناً عن الأعوام السابقة”، وكان لها تأثير أيضاً على “قرار وزير الداخلية التركي بخصوص زيارة العيد”.
وأكثر من أي وقت مضى، تحمل خطابات الأحزاب التركية المعارضة “خطورة كبيرة على السوريين”، بحسب المحامي غزوان قرنفل، رئيس رابطة المحامين السوريين الأحرار في تركيا، كونها “تأتي ضمن سياقٍ محموم لاستثمار ملف اللاجئين، أملاً في كسب أصوات الناخبين في انتخابات 2023”.
أيضاً، ربما تدخل الأحزاب التركية المعارضة، التي تنادي بعودة السوريين إلى بلادهم، من مدخل أن “إجازة العيد ليست حقاً قانونياً للاجئين في تركيا”، وفقاً للمحامي قرنفل، مستنداً على ذلك “بأن القوانين الدولية الخاصة باللجوء لا تجيز للاجئ، أو من هو تحت الحماية، أن يذهب إلى البلد التي فرّ منها بحثاً عن مكان آمن”.
واعتبر المحامي قرنفل في حديثه لـ”سوريا على طول” أن السماح للاجئين السوريين بزيارة بلادهم “كان خطأ وتم التراجع عنه”، محذراً من أن منع عودة اللاجئين إلى تركيا، الذين دخلوا سوريا لقضاء عطلة العيد قبل إلغاء قرار إجازة العيد “لا تتعارض مع القانون، لأنهم اختاروا الذهاب إلى بلدهم، وهو بمثابة تنازل عن الحق بالحماية”.
وفي ذلك، شدد الكاتب والصحفي التركي هشام غوناي على ضرورة صياغة قانون يضمن بقاء السوريين في تركيا، مشيراً إلى أن بقاءهم تحت مسمى الحماية المؤقتة “لن يحميهم من إعادة محتملة”.
مستقبل اللجوء السوري
إلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية التركية في العام 2023 “سيتم ترحيل بين مليون ومليون ونصف لاجئ سوري من تركيا”، وفقاً للمحامي غزوان قرنفل، معتبراً أن ملف اللاجئين السوريين في تركيا يتجه في طريق واحد، وهو “إعادتهم إلى بلادهم”.
ورغم أن إعادة السوريين لن تأخذ شكل “الترحيل القسري” بحسب قرنفل، إلا أنه لا يمكن إخراجها من سياق “الترحيل بطبيعة الحال”، مشيراً إلى أن تركيا “بكل أطيافها، لن تسمح ببقاء 4 ملايين لاجئ على أراضيها، وقد تسمح خلال السنوات القادمة بمليون سوري في أحسن الأحوال”. وتستضيف تركيا ثلاثة ملايين و763 ألف لاجئ سوري، وفق آخر الأرقام الصادرة عن مفوضية شؤون اللاجئين.
وبدوره، قال هشام غوناي “إن الانتخابات الرئاسية التركية القادمة ستحدد مصير اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها”، لأن الناخبين “سينتظرون تنفيذ أحزاب المعارضة للوعود التي قطعوها بإعادة اللاجئين في حال حصدت تلك الأحزاب نسبة عالية من الأصوات”. وكانت الأحزاب السياسية التركية، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم استخدمت ملف اللاجئين كورقة في الانتخابات الرئاسية والبلدية الماضية.
وبذلك، وجد اللاجئ السوري نفسه “بين مطرقة خطاب الكراهية والعنصرية من بعض أحزاب المعارضة التركية وسندان القرارات التعسفية التي تفرضها الحكومة التركية”، بحسب الناشط طه الغازي، معتبراً أن المرحلة الحالية هي الأكثر حرجاً على السوريين في تركيا، خاصة أن كل الأحزاب تعمل جاهدة “للاحتفاظ بالحاضنة الشعبية قبل الانتخابات”.
وعليه، “قد يضحي تحالف السلطة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية بملف اللاجئين السوريين، حتى لو بنسبة جزئية، في سبيل الحفاظ على نسبة الأصوات في المرحلة القادمة”، وفقاً للغازي.
لكن، ملامح السياسة التركية الأخيرة تجاه السوريين لا تخرج عن الإطار الإقليمي، فهناك “إعادة تموضع بالنسبة لتركيا والعراق والأردن ولبنان، وتعيد هذه الدول صياغة سياساتهم الجديدة من منظور أن النظام السوري باقٍ ويجب إعادة دمجه ضمن المجموعة العربية ومحيطه الإقليمي”، إلى أن يتم تقديمه للمجتمع الدولي “الذي ليس لديه مشكلة فيما يجري”، بحسب المحامي قرنفل.
يتوافق ذلك مع تصريحات وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، في 22 نيسان/ أبريل الحالي، الذي قال فيها إن بلاده بدأت بمشروع إعادة السوريين في الفترة المقبلة بالاشتراك مع أربع دول أخرى، مع ضمان سلامة السوريين أولاً.
توجس وخيبة
في 19 نيسان/ أبريل الحالي، دخل هيثم النجار، 27 عاماً، إلى سوريا عبر معبر باب السلامة الحدودي، لقضاء إجازة العيد، بعد أن حُرم من “زيارة قبر والديّ وأخي لمدة عامين بسبب جائحة كورونا”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
ومنذ وصوله إلى تركيا، في العام 2017، اعتاد النجار، الذي ينحدر من مدينة مارع بريف حلب الشمالي، قضاء إجازات العيد في سوريا، لكن بعد عبور الحدود أثيرت قضية زيارة السوريين لبلادهم في تركيا.
ويتخوف النجار، طالب السنة الثانية في جامعة سيرت التركية، قسم معلم صف، من عدم السماح للسوريين الذين دخلوا سوريا بالعودة إلى تركيا، ما يعني “خسارة دراستي بعد أن قطعت شوطاً فيها”، بحسب قوله، لكن دون ذلك لا يوجد ما يجعله يتمسك بالبلد “فكل شيء في تركيا ليس لنا، حتى الهواء الذي نتنفسه”، قال النجار.
وبدوره، عبّر عبد الرحمن أبو عبادة، 22 عاماً، عن خيبته بقرار إلغاء “إجازة العيد”، إذ كان يخطط زيارة عائلته المهجرة من حي جوبر الدمشقي إلى عفرين، في العام 2018، وأن يكون “بالقرب من والدي أثناء إجراء عملية جراحية لاستخراج شظايا قذيفة أصيب بها في قصف سابق على الغوطة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
ولطالما كان يشعر أبو عبادة بالقرب من أهله المقيمين شمال سوريا، وقد زارهم في إجازة عيد الأضحى، العام الماضي، لكن مع إلغاء أذونات الزيارة للسوريين، وتشديد تركيا من إجراءاتها تجاه السوريين المقيمين على أراضيها “صار التفكير بالهجرة منطقياً”، بحسب قوله.
التفكير ذاته، يراود عماد النعال، الذي يرى العودة إلى سوريا والاستقرار فيها “غير ممكن في الظروف الحالية”، مع صعوبة زيارة أهله بعد القرارات الأخيرة، لذلك “صرت أفكر بالهجرة”.
وسط تغيّر السياسة التركية، الذي ينبئ بمستقبل أسوأ للاجئين السوريين على أراضيها، دعا الناشط الحقوقي طه الغازي “لتضافر جهود الهيئات والمنظمات والنخب الثقافية السورية للحد من نتائج ما سيحدث للسوريين في المرحلة القادمة”.