5 دقائق قراءة

“إمارة الهول”: بالقتل والرشى “داعش” يشدد قبضته على المخيم

تسع عمليات اغتيال في مخيم الهول، شمال شرق سوريا، خلال كانون الثاني/ يناير وحده، أودت في مجموعها بحياة 13 قتيلاً، من بينها حادثة ربما تكون الأبشع طالت مواطناً عراقياً عثر عليه مقطوع الرأس داخل المخيم.


25 يناير 2021

عمان- على نحو متزايد، يشهد مخيم الهول في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا حوادث أمنية وعمليات اغتيال تحمل دلالات على ضلوع تنظيم “داعش” في تنفيذها، والتي كان آخرها عملية اغتيال وقعت في 23 كانون الثاني/يناير الحالي، استهدفت مواطناً عراقياً وجد مقتولاً بطلق ناري من مسدس كاتم للصوت.

عملية اغتيال اللاجئ العراقي تلك هي التاسعة في مخيم الهول، خلال كانون الثاني/ يناير الحالي وحده، والتي أودت في مجموعها بحياة 13 قتيلاً، من بينها حادثة ربما تكون الأبشع طالت مواطناً عراقياً آخر عثر عليه، في 16 من الشهر الحالي، مقطوع الرأس داخل المخيم. فيما تعد أبرز العمليات داخل “الهول” اغتيال حمد صالح الحديد، الملقب بـ”أبو أحمد الشمري”، رئيس اللجنة الأمنية في المجلس السوري داخل المخيم، التابع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في 8 من الشهر الحالي، وأودت أيضاً بحياة ابنه وإصابة ابنته بجروح بالغة. ويعد المجلس السوري أعلى هيئة إدارية تدير شؤون السوريين في المخيم. 

لكن فيما تم التعرف على قاتل الشمري، وهو العراقي محمد أبو عائشة، من مواليد العام 1992، سجلت معظم الحوادث الأخرى ضد مجهول.

وعلى خلفية تكرار عمليات الاغتيال داخل المخيم المخصص لإيواء عائلات مقاتلي تنظيم “داعش”، شنّت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حملة مداهمات واسعة في “الهول”، انتهت بحصار يسمى “القطاع الثالث” ومقتل أبو عائشة العراقي، في مقابل مقتل أحد مقاتلي “قسد”، بحسب ما ذكر أحد سكان المخيم لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

ورغم حدوث عمليات الاغتيال بشكل مستمر في “الهول”، فإن كانون الثاني/يناير الحالي “هو الأكثر دموية قياساً بالأشهر الماضية”، بحسب موظف في إحدى المنظمات الإغاثية العاملة داخل “الهول”، تحدث إلى”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته. إذ وقعت ثلاث عمليات اغتيال في كانون الأول/ديسمبر الماضي، راح ضحيتها ثلاثة مدنيين، فيما شهد تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ست عمليات أودت بحياة ستة مدنيين. فيما كشف رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، شيخموس أحمد، عن مقتل “ما لا يقل عن 33 شخصاً على يد أنصار التنظيم الإرهابي خلال عام 2020”. 

داعش: السجين القاتل!

يتفرّد مخيم الهول عن غيره من مخيمات شمال شرق سوريا بكونه أشبه بسجن “يحيط به سياج عسكري، ويقع تحت حراسة مشددة من عناصر مدججين بالسلاح”، بحسب ما وصفته لـ”سوريا على طول” سيدة من دير الزور في وقت سابق، “الخيام فيه كالزنازين”.

لكن في مقابل الطوق الأمني المفروض على المخيم الذي يكتسب خصوصية من كونه مأوى لعائلات أعضاء تنظيم “داعش” من حملة الجنسية السورية أو غيرها من الجنسيات، يمتلك التنظيم “راصدين ضمن المخيم ينقلون الأخبار ويتتبعون التحركات فيه، خصوصاً بشأن أولئك العاملين مع “قسد”، أو من يروج أفكارها من القاطنين فيه”، كما قال المصدر المقيم في المخيم. مضيفاً أن “عمليات الاغتيالات التي نُفذت في المخيم استهدفت العاملين مع “قسد” أو المتعاونين مع هيئاتها المدنية سراً أو علانية”. وهو ما يشير إلى “دقة التنظيم في تحديد أهدافه وعدم عشوائية هذه الاغتيالات”. لكن الأهم، كما رأى المصدر، أن التنظيم يهدف إلى إيصال رسالة مفادها “أنه متواجد وقادر على فعل ما يريد”.

كذلك، يخترق “داعش” الطوق الأمني المفروض على المخيم من خلال “دفع رشاوى كبيرة لعناصر الأسايش [الشرطة الكردية] مقابل إيصال مبالغ مالية إلى خلايا التنظيم من النساء داخل المخيم”، بحسب ما ذكر عامل إغاثة آخر في المخيم لـ”سوريا على طول”. لافتاً إلى أن “نساء التنظيم داخل المخيم لديهن قدرة مالية كبيرة تمكنهن من دفع رشاوى لتوفير اتصال لهن مع الخارج، كما شراء أسلحة لتنفيذ العمليات”. وقد تم، في هذا السياق، “اعتقال أحد عناصر الأسايش الشهر الماضي، على خلفية إدخال هاتف محمول لإحدى المهاجرات [اللواتي لا يحملن الجنسية السورية]، بعد ضبط الأخيرة واعترافها [بتعاونه معها]”، كما أضاف المصدر ذاته. 

حسبة داعش في المخيم!

تعود نشأة مخيم الهول الذي يبعد نحو 45 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة الحسكة، إلى فترة حرب الخليج في العام 1991؛ إذ كان ملاذاً لآلاف العراقيين والفلسطينيين الذين فروا إبان الحرب. لكن في العام 2014، وبعد معارك بين وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)- الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي- وتنظيم “داعش”، سيطر الأخير على المخيم الذي صار أحد مقراته العسكرية في المنطقة، إلى حين سيطرة “قسد”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمودها الفقري، على المخيم في تشرين الأول/أكتوبر 2015، وليعاد افتتاحه مرة أخرى كمخيم للنازحين في نيسان/أبريل 2016.

ويقع “الهول” على مساحة 50 هكتاراً (500 دونم)، ويتألف من تسعة قطاعات -أو “فيوزات” كما يطلق عليها محلياً- ثمانية منها مخصصة لمدنيين سوريين وعراقيين، مع فصل حملة الجنسيتين عن بعضهم. أما القطاع التاسع فمخصص لعائلات أعضاء تنظيم “داعش” المنحدرين من كل الجنسيات، غالبيتهم نساء وأطفال دون سن الثامنة عشرة، مع وجود أعداد قليلة من الرجال كبار السن. ويفصل بين القطاعات التسعة سياج معدني، ولكل منها مدخل رئيس خاص به.

وتشير آخر التقديرات الأمميّة إلى وجود 55 ألف نسمة في مخيم الهول، 21 ألفاً من حملة الجنسية العراقية، و23 ألفاً من الجنسية السورية، يضاف إليهم عائلات أعضاء التنظيم أو المنتسبين له والمقدر عددهم بنحو 11 ألف نسمة، منهم ألفا سوري، والباقي من حملة جنسيات أخرى عربية وأوروبية.

ومع أن “داعش” يبدو قادراً على الوصول إلى قطاعات المخيم كافة، كما يظهر من عمليات الاغتيال التي يعتقد بمسؤوليته عنها، فإن التنظيم أكثر وجوداً وعلانية في القطاع التاسع، حيث أنشأ جهاز “حسبة”، أي شرطة تابعة للتنظيم. كما إنه يفرض داخل هذا القطاع أحكاماً بحق مخالفيه في الرأي.

وفيما لم يتسن الحصول على رد من الإدارة الذاتية، كان شيخموس أحمد حذر أيضاً من أن داعش “أنشأ دويلة إسلامية في مخيم الهول، ولهم محاكماتهم الخاصة، ولديهم قوات خاصة داخل المخيم تمارس القتل بحق من تعتبره يحيد عن مبادئ التنظيم الإرهابي”. كذلك، ورداً على دعوة المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يانس لاركيه، يوم الجمعة الماضي، “السلطات التي تتحكم في الأمن في المخيم إلى ضمان سلامة سكان المخيم، أولاً وقبل كل شيء، ولكن أيضاً العاملين في المجال الإنساني”، اعتبر مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، في بيان نشر أمس الأحد، أن هناك “من يحاول إعادة تنشيط دور داعش”.

أطفال على طريق التطرف

يبلغ عدد الأطفال في القطاع التاسع بين سن الثانية عشرة والثامنة عشرة نحو 3,100 طفل، بحسب تقديرات أحد العاملين في منظمة تُعنى بأمور الأطفال في المخيم، فيما يبلغ عدد الأطفال دون سن الخامسة في القطاع ذاته المخصص لعائلات التنظيم نحو 3,500 طفل.

وعدا عن أن معظم الآباء “قيد الاحتجاز في سجون قسد أو لقوا حتفهم في معارك التنظيم”، كما أضاف المصدر لـ”سوريا على طول”، فإن عدداً كبيراً منهم “لم يخضعوا لبرامج إعادة تأهيل، كما لم يحصلوا على فرص تعليم في المخيم، بسبب رفض أهاليهم إرسالهم إلى المراكز التعليمية”.

فوق ذلك، يعاني الأطفال في المخيم، حتى أولئك الذين يحملون جنسيات أوروبية، الحرمان “كلياً من أبسط حقوقهم”، كما قالت نائبة رئيس البرلمان الأوروبي ومنسقة حقوق الطفل، إيفا كوباتش، في بيان صدر عن اللجنة الفرعية للاتحاد الأوروبي المعنية بحقوق الإنسان في 26 حزيران/يونيو 2020، معتبرة أنه “لا ينبغي تحميل طفل وزر والديه أو أن يرث ذنباً وعقوبة على أفعالهما”. 

لذلك، ومع هذه الظروف الإنسانية الصعبة التي تحيط بأطفال الهول من جهة، وزيادة نشاط التنظيم داخل المخيم من جهة أخرى، فإن ذلك قد يؤدي إلى “ترسيخ الفكر المتطرف لدى الأطفال، خاصة وأنهم في بيئة وظروف تشجّعهم على ذلك” بحسب العامل في المنظمة.

بالنتيجة، وعدا عن أن عمليات “داعش”، كما حركة عناصره في قطاعات “الهول” تنذر بتصعيد أكبر للتنظيم، وتكشف أيضاً ضعف الوجود الأمني لـ”قسد”، فإنها تنعكس سلباً على حياة المدنيين المتردية أصلا في المخيم. وإن كان خيار مغادرة المخيم قد يبدو حلاً لسكانه من السوريين خصوصاً، فإنهم لا يملكون قرار المغادرة. إذ رغم إعلان الإدارة الذاتية، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي نيتها إفراغ المخيم من السوريين وإعادتهم إلى مناطقهم، بعد أن كانت عمليات الإخلاء تتم بكفالات عشائرية، فإنه منذ بدء العمل بسياسة الإخلاء، خرجت ثماني دفعات فقط، آخرها في 19 كانون الثاني/يناير الحالي، وضمت 100 عائلة.

في الوقت ذاته، دفعت عمليات “داعش” داخل “الهول” عدداً من قاطني المخيم إلى “صرف النظر عن العمل مع المنظمات الموجودة هناك أو مع قوات سوريا الديمقراطية خشية الاستهداف من التنظيم”، كما ذكر أحد قاطني المخيم.

شارك هذا المقال