5 دقائق قراءة

إهانة الشيخ الهجري رأس جبل جليد احتجاجات السويداء المتجددة 

تأييد الهجري لبشار الأسد، في العديد من البيانات والخطابات. تسبب في تراجع شعبيته بشكل كبير، على الرغم من امتلاكه وأسلافه من آل الهجري شعبية واسعة في السويداء


31 يناير 2021

عمّان – أشعلت إهانات وجهها رئيس فرع الأمن العسكري في جنوب سوريا، العميد لؤي العلي، لزعيم الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، حكمت الهجري، موجة من الغضب الشعبي في محافظة السويداء جنوب البلاد، قبل أن يضطر النظام للاعتذار، خشية اتساع رقعة الاحتجاجات في المحافظة.

إذ يوم الأحد الماضي، وفي اتصال هاتفي جمعه بالهجري، تلفظ العلي بإهانات للأخير على خلفية مطالبته الإفراج عن فتى (17 عاماً) من أبناء السويداء يعتقد أنه معتقل في سجون المخابرات السورية. وقد طالت إهانات العلي إضافة إلى الشيخ الهجري، “الطائفة الدرزية وأهالي السويداء عموماً”، بحسب ما ذكر ريان معروف، مدير تحرير موقع السويداء 24، لـ”سوريا على طول”.

في اليوم التالي، بدأت الأنباء تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي المحلية في المحافظة، متسببة في موجة غضب شعبي كبيرة، لاسيما وأن الهجري واحد من ثلاثة مراجع دينية للطائفة الدرزية، أو كما يطلق عليه أنصاره، ويفضله هو شخصياً: “زعيم الرئاسة الروحية للموحدين الدروز”.

وقد وصلت موجة الغضب حد تمزيق صور بشار الأسد وإحراقها، وكذلك التهديد باقتحام فرع الأمن العسكري، مع المطالبة بتقديم اعتذار من أعلى مستويات النظام.

لماذا أُهين الهجري؟

موجة الغضب العارمة التي أشعلتها حادثة الشيخ حكمت الهجري لا تعني بالضرورة أنها المرة الأولى التي يوجه فيها لؤي العلي الإهانة لرجل بشار الأسد في السويداء، بقدر ما أنها المرة الأولى التي تخرج فيها هذه الإهانات إلى العلن. يعزز هذا الطرح أن حالة الغضب الشعبي جاءت بعد يومين من الحادثة، بعد نشر وسيلة إعلام محلية للخبر، ما يعني أن الهجري حاول بداية إخفاء الموضوع وعدم التصعيد، الامر الذي دعا إليه الرجل فعلا مع تصاعد الغضب الشعبي.

وهذا أيضاً ما أكده ابن محافظة السويداء، عضو هيئة المفاوضات السورية المعارضة واللجنة الدستورية، الدكتور يحيى العريضي. كاشفاً عن أنه “جرت محاولات لملمة الموضوع من قبل السلطات الأعلى، إلا أن انكشاف الإهانة أمام جماهير تغلي بسبب أوضاع مأساوية غير مسبوقة، لم ينه الموضوع، وليستمر الغليان والرفض لهذه المنظومة الاستبدادية وأعوانها”.

مع ذلك، يظل مستغرباً تطاول النظام على شخصية بوزن الهجري؛ إذ إن “النظام يعلم أن توجيه الإهانة لمثل هذه الشخصية سوف تحدث مشاكل”، بحسب ريان معروف الذي تساءل عن دوافع النظام من وراء ذلك؛ “هل يحاول الاستفادة من أي حالة تمرد لصالحه؟ هل سيتعامل بقسوة مع السويداء؟”.

لكن بالنسبة للدكتور العريضي فالعلي “حتماً لم يكن يدرك ما ستؤول إليه الأمور؛ خاصة أن الناس تغلي على صفيح من نار بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعبث النظام ومليشيات حزب الله وإيران بالمحافظة في نشر المخدرات وتشجيع وحماية عصابات الخطف”. مضيفاً: “تعوّدت فروع الأمن على تعاون هذا الشيخ بالذات معها، إلا أن الأوضاع العامة جعلته يكشف الطريقة المهينة التي تحدث بها معه ممثل السلطة القمعية. وهنا ثارت ثائرة المحافظة”. ورغم أن العريضي لم يستبعد تماماً أن يكون النظام من خلال هذه الحادثة يحاول خلق فوضى أمنية، فإنه رأى أن

من له مصلحة فعلية في هكذا وضع هي ايران ومليشياتها، وكذلك الروس”، لاسيما وأن “الإيرانيين يزورونه [الشيخ الهجري] كثيراً”.

من هو الهجري؟

ولد الشيخ حكمت سلمان الهجري في 9 تموز/يونيو 1965، بفنزويلا حيث كان والده الشيخ سلمان أحمد الهجري يعمل هناك. لاحقاً عاد الشيخ حكمت إلى سوريا، بحسب موقع العمامة الذي يعنى بشؤون الطائفة الدرزية، حيث أتم المراحل الدراسية كافة فيها، كما درس الحقوق في جامعة دمشق بين العامين 1985 و 1990.

لاحقاً، بعد العام 1993، انتقل الشيخ حكمت مرة أخرى إلى فنزويلا ليستقر هناك بقصد العمل، قبل أن يعود في العام 1998 مجدداً إلى السويداء، وتحديداً إلى بلدته قنوات شمال شرق السويداء. وقد تسلم منصب الرئاسة الروحية للموحدين الدروز خلفاً لشقيقه الشيخ أحمد الذي قضى في حادث سير العام 2012، كون المنصب تتوارثه العائلة منذ عشرات السنين. 

وقد أعلن الشيخ حكمت منذ تسلمه السلطة تأييده لبشار الأسد، في العديد من البيانات والخطابات. ما تسبب في “تراجع شعبيته بشكل كبير، على الرغم من امتلاكه وأسلافه من آل الهجري شعبية واسعة في المحافظة، فيما مضى”، بحسب ريان معروف.

كذلك، فإنه مع وصوله إلى سدة الرئاسة الروحية للطائفة، سرعان ما بدأت تطفو إلى السطح الخلافات مع المرجعين الدينيين الآخرين في السويداء الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، وبدأت الانقسامات داخل الهيئة الروحية للطائفة بالوضوح بشكل أكبر، كما أضاف معروف.

وبحسب معروف، فإن أصل الانقسام هو “خلاف على الزعامة، وعلى تصدر المشهد في الجبل [جبل العرب]، ما أدى لاحقاً إلى انقسام الهيئة الروحية، بحيث أصبحت لدينا هيئتان”. الأولى تتمثل في ما يعرف بـ”الرئاسة الروحية بالقنوات، ويقودها الهجري”، والثانية، “مشيخة العقل بعين الزمان في السويداء، والتي يمثلها الشيخان جربوع والحناوي”.

الغضب للمكانة الدينية لا للهجري

يفسر ريان معروف انضمام الأطياف السياسية والعسكرية كافة في محافظة السويداء للاحتجاجات الشعبية التي جاءت رداً على إهانة الشيخ الهجري، إلى “مكانة الهيئة الروحية لدى الدروز، والتي ترمز لهم بشرائحهم كافة، لذلك شاهدنا حالة واسعة من الغليان”. مضيفاً: “كل الفصائل والعائلات شكلت وفوداً وذهبت إلى مضافة الهجري وأعلنت تضامنها معه، الناس اعتبرت الحادثة اعتداء على المكانة وليس شخص الرجل”. كذلك، فإن “لؤي العلي لم يوجه الإهانات للشيخ الهجري فقط، وإنما وجهها لأهالي السويداء والدروز عموماً”. موضحاً: “كان يقوم بتوجيه مسبات [شتائم] للجميع خلال الإتصال الهاتفي”.

دوافع الاحتجاج الشعبي السابقة اتفق معها العريضي، معتبراً أن “نسبة لا تكاد تُذكر نزلت إلى الشارع لشخصه [الهجري]، ونسبة أكبر للأمر الديني”. مضيفاً أن “الكثيرين أيضاً خرجوا بسبب الحال الذي أوصل النظام سوريا والمحافظة إليه”.

ويوم الخميس الماضي، وصل وفد من النظام السوري، هو الثاني، إلى مضافة الهجري لتقديم الاعتذار، بعد يوم واحد من رفض الوجهاء والزعماء الدروز في مضافة الهجري اعتذار وفد آخر مكون من محافظ السويداء وأمين فرع حزب البعث وقائد الشرطة في المحافظة، على اعتبار أن “هذا الاعتذار غير كافٍ”، بحسب معروف،

“مطالبين بأن يكون من بشار الأسد شخصياً، إضافة إلى نقل لؤي العلي من المنطقة الجنوبية”. وقد جاء رد النظام على ذلك بأنه “سيرسل وفداً من القصر الجمهوري للاعتذار وتهدئة الحال”.

وقد نقل الوفد الثاني الذي ترأسه ابن محافظة السويداء، عضو القيادية المركزية في حزب البعث، اللواء ياسر الشوفي، مع شخصيات أخرى من حزب البعث وأمينه في السويداء، ومجلس الشعب، ومحافظ السويداء وغيرهم، اعتذار الأمين العام لحزب البعث، هلال هلال، للشيخ الهجري. كما قدم هلال اعتذاره مباشرة للشيخ في اتصال هاتفي أثناء حضور الوفد. مع ذلك، فقد عاد الوفد بالمطالب السابقة ذاتها، مع تحذيرات من عدد من الحضور من ممثلي الفصائل المحلية والعائلات في مضافة الهجري، من أن “سقف مطالبهم سيرتفع في حال لم تتم الاستجابة”، متهمين العلي بـ”دعم العصابات التي أساءت للمحافظة، وتسهيل تجارة وترويج المخدرات، والمساهمة بزيادة حالة الفلتان الأمني”.

هل انتهت الأزمة؟

رغم عودة الهدوء إلى السويداء، لاسيما مع محاولات النظام التهدئة من خلال إرسال وفدين مكونين من شخصيات مدنية وعسكرية إلى الشيخ الهجري، والإفراج يوم الثلاثاء الماضي عن الفتى المعتقل الذي أنكر النظام سابقاً وجوده في سجونه، إذ أرسله إلى مضافة الهجري، إلا أن “القصة لم تنتهِ بعد” برأي معروف، وما تزال “كل الاحتمالات مفتوحة حتى اللحظة”. مبدياً خشيته من إمكانية أن “يتفرد النظام بالسويداء فيما لو حدث تصعيد”. موضحاً أن المحافظة “لو قامت ستكون وحدها، كون كل المحافظات السورية منهكة، وكل محافظة لديها الآن الكثير من المشاكل والتعقيدات الدولية”. 

ورغم عدم توقع اتجاه الشيخ الهجري نحو التصعيد، إذ “من الممكن أن يتراجع في أي لحظة”، كما إن “الزعامات الدينية لا يمكن أن تضمن موقفها، وقد يكونون ميالين لحالة التهدئة، لاسيما مشايخ العقل”، حذر معروف من أنه “في حال لم يتخذ النظام خطوات جدية لتهدئة الرأي العام، لا أعتقد أن الأمور فعلاً ستتجه نحو التهدئة”.

في السياق ذاته، رأى العريضي أن

“الأمور ستتجه إلى المزيد من توتر النظام وضعفه، وأيضاً المزيد من غليان الناس وتردي  أوضاعهم، وكذلك المزيد من التوتر الإيراني-الروسي”.

شارك هذا المقال