احتجاجات دير الزور تكشف عمق الخلاف العربي الكردي
عمان- عقدت قبيلة العقيدات اجتماعاً عشائرياً، في بيت أحد الضحايا بمدينة الشحيل في ريف دير الزور، شرقي سوريا، يوم الإثنين، على خلفية عملية مداهمة نفذتها قوات سوريا الديمقراطية، تسببت بمقتل عدد من أبناء القبيلة.
15 مايو 2019
عمان- عقدت قبيلة العقيدات اجتماعاً عشائرياً، في بيت أحد الضحايا بمدينة الشحيل في ريف دير الزور، شرقي سوريا، يوم الإثنين، على خلفية عملية مداهمة نفذتها قوات سوريا الديمقراطية، تسببت بمقتل عدد من أبناء القبيلة.
وطالب الشيخ جميل الرشيد الهفل، شيخ عشيرة العقيدات، قوات التحالف الدولي، بتسليم إدارة المنطقة العربية لأبنائها، أسوة بإدارة الأكراد لمناطقهم، وإطلاق سراح المعتقلين بتقارير كيدية، وإسقاط التهم “المجهزة مسبقاً، كدرع الفرات وتنظيمات، وإيقاف الاعتقالات التعسفية فوراً”.
ونفّذت قوات سوريا الديمقراطية، بدعم من مروحيات تابعة للتحالف الدولي، عملية مداهمة، الخميس الماضي، قتل على إثرها 8 أشخاص، وأصيب آخرون، واعتقل اثنان.
تواصلت سوريا على طول مع المتحدث الرسمي باسم قسد “كينو غابرئيل”، لمعرفة تفاصيل عملية الشحيل، ولكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر التقرير، إلا أن مصدراً في المكتب الإعلامي لقسد، طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، قال لسوريا على طول “العملية كانت ضد خلايا نائمة لتنظيم داعش بمنطقة الشحيل، وتم إلقاء القبض على أمير داعشي، وقتل مجموعة من المسلحين”.
وتسببت حادثة “الشحيل” بارتفاع وتيرة الغضب الشعبي واتساع رقعة الاحتجاجات المناوئة لقسد في ريف دير الزور، وحرق متظاهرون مقرات لـ”قسد”، وقطعوا الطرق، وأطلقوا دعوات للعناصر العربية المنضوية في صفوف القوات الكردية للانشقاق.
وتشهد مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور احتجاجات مناوئة لها، منذ أسابيع، ولكن الاحتجاجات الأخيرة هي الأعلى صوتاً منذ سيطرة قسد على المنطقة عام 2017.
وكانت مناطق نفوذ الأكراد في شمالي شرق سوريا تشكّل لوحة فسيفسائية عرقية دينية، حيث يقطن في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور مكونات عربية وكردية وسريانية، وتسببت الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات بالكثير من الفوضى والتوترات بين هذه المكونات، وهو ما يسعى تنظيم الدولة وأطراف أخرى إلى استغلاله، لا سيما بعد طرد التنظيم من آخر معاقله.
وأطلقت قوات سوريا الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية والقوة الشريكة للولايات المتحدة، حملتها على المنطقة الأخيرة من الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، منذ منتصف أيلول من العام الماضي.
متظاهرون يرفعون شعارات مناهضة لقوات “قسد” في مدينة الشحيل بريف دير الزور.
وتسلط المظاهرات المستمرة الضوء على عمق تردي الأوضاع المعيشية للسكان المحليين في ريف دير الزور ذات الغالبية العربية، والتي تديرها إدارات محلية شكلتها قوات قسد، ويتهم الأهالي الإدارة المحلية بعدم الاهتمام بالجوانب المدنية والمعيشية للسكان.
وقال محمد خلف (اسم مستعار)، ناشط إعلامي من ريف دير الزور الشمالي، لسوريا على طول، طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، أن اهتمام “قسد بالجانب العسكري فقط، وتهمل الجانب المدني في المناطق العربية”.
وأضاف “من ناحية الخدمات هناك تمييز في: الكهرباء، المياه، التعليم، والمجالس المحلية، فغالبية مناطقنا لا يوجد فيها خدمات، لم تشغل قسد حتى الآن محطة مياه واحدة أو محطة كهرباء، وغالبية الأفران متوقفة عن الخدمة، واعتماد الأهالي على بعض المحطات التي قمنا بتشغيلها أو مولدات كهرباء خاصة”.
وخلال الأسبوعين الماضيين رفع المتظاهرون لافتات تنعت الإدارة الذاتية بـ”الاحتلال الكردي”، حيث يتهم أبناء المنطقة الإدارة الذاتية وجناحها العسكري “قسد” بـ”تهميش المكون العربي” في المناصب المدنية والعسكرية والسياسية بشكل متعمد.
وعلى صعيد القيادات العربية، هناك اتهامات لقسد بتهميش المكون العربي، حيث قال قيادي عسكري من مجلس دير الزور العسكري، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، في مقابلة لم تُنشر، في حزيران 2018، لسوريا على طول “غالبية المناصب التي حصلنا عليها كانت شكلية، فيما يتمتع الكرد بالسلطة أكثر من العرب، وهناك محاولة لتهميش المجتمع والشخصيات العربية من قبل الإدارة الذاتية لتحقيق هدفها ومشروعها”.
ومجلس دير الزور العسكري، كيان عسكري، شكلته قسد في عام 2016، بهدف طرد تنظيم الدولة من دير الزور، ويرأس المجلس قيادة مشتركة كردية – عربية، ولكن غالبية عناصره من عشائر الشعيطات في محافظة دير الزور.
وأضاف القيادي “انضمامي وانضمام عشرات الشباب إلى مجلس دير الزور العسكري كان من أجل تحرير المدينة. التطمينات الكردية كانت حينها بأن أهالي دير الزور سيحكمون المدينة وريفها، وحصلنا على مناصب عسكرية في المجلس العسكري فور تشكيله، وهو ما شجع الكثير بالانضمام”.
ولكن “مع بدء عمليات دير الزور العسكرية وتحرير المدينة بدأت نظرة الإدارة الذاتية وقوات قسد تتغير تجاه المدينة وأبنائها”، بحسب القيادي.
وبعد طرد تنظيم الدولة من ريف دير الزور، سارعت الإدارة الذاتية إلى تشكيل مجالس محليّة تدير شؤون المناطق الجديدة، وتنظم الخدمات فيها.
وتُشرف الإدارة الذاتية على تشكيل النواة الأولى للمجالس، من خلال الاجتماع مع الأهالي، ومناقشة أهداف المجلس، ومن ثم إخضاعهم لورشات عمل للتعرف على آلية عمل المجالس تحت حكم الإدارة الذاتية.
وقالت فوزة اليوسف، الرئيسة المشتركة للجنة التنفيذية لفيدرالية شمال سوريا، لسوريا على طول، “المجالس تشكلت في وضع طوارئ، وفقط من النازحين عن مناطق التنظيم، لذلك هناك حاجة لإعادة النظر في نسبة التمثيل، والكفاءة”.
وأضافت “المبدأ الأساسي الذي نعتمده، أن يكون هناك تمثيل لكل الفئات، علاوة عن الكفاءة والخبرة السابقة، وبعد أن تتحرر المنطقة بالكامل يتم توسيع المجلس أو يتم إعادة هيكلته”.
ونفت اليوسف الاتهامات حول تهميش المكون العربي، مشيرة إلى أنه “لا يمكن للمجالس الناشئة أن تكتفي ذاتياً دون مساعدة المناطق الأخرى، وهذا الأمر ليس مقتصراً على المناطق العربية وكوباني خير مثال”.
ونوّهت اليوسف إلى أن مساعدة مجلس القامشلي لمجلس الرقة لا يعني أن مجلس الرقة شكلياً، وهو تطور منذ تحرير الرقة إلى الآن، ولكن “باعتبار المناطق الكردية تحررت في البداية، يمكنها أن تساعد المناطق الأخرى”.
“هناك قوى تريد أن ترسخ الحساسية بين المكونات ، هذا أمر غير صحيح، إننا كمكونات نكمل بعضنا البعض” بحسب قول اليوسف.
“نزع السلاح”
ما يحصل اليوم في ريف دير الزور الشرقي، أعاد إلى الأذهان الخلافات التي نشبت بين قوات قسد وأطراف عربية أخرى، خلال الأعوام الماضية، ومنها قوات النخبة التي كانت تشكل جزءاً من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في الرقة.
وتتبع قوات النخبة لحزب الغد السوري الذي يترأسه أحمد الجربا، أحد شيوخ العشائر العربية في الجزيرة السورية، ورئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السابق، وشاركت قوات النخبة في عمليات تحرير مدينة الرقة وريف دير الزور إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية.
وفي حزيران/ يونيو 2018، وقع اشتباك بين قوة عسكرية من قوات سوريا الديمقراطية مع قوات النخبة في منطقة أبوحمام بريف دير الزور، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف الطرفين، وكان الاشتباك على خلفية محاولة “قسد” اعتقال قيادي وعناصره من قوات النخبة، انتهى الخلاف حينها على أثر تدخل التحالف الدولي لحل المشكلة.
اشتباكات حزيران، جاءت بعد سلسلة من الخلافات، ولكن تيار الغد أو قوات النخبة التابعة له لم تعلن عنها، بحسب ما ذكر مصدر عسكري من قوات النخبة، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لسوريا على طول.
ورغم الاتفاقيات السياسية والعسكرية مع قسد، لا سيما بعد اعتراف التحالف بـ”النخبة” كفصيل مستقل يعمل بدعم من التحالف الدولي، وبالتنسيق مع قسد دون الانضواء تحت رايتها، كانت “قسد تحاول الضغط علينا للانضمام” بحسب المصدر.
وقوات النخبة هي أول قوة عسكرية تدخل حيي المشلب والصناعة بمدينة الرقة، ولكن بعدّ دخول المدينة نشب خلاف مع قسد، فطلبت الأخيرة من النخبة “الخروج من الرقة والمعركة”، وحصل خلاف مشابه مع بدء حملة “عاصفة الجزيرة”، وهي حملة عسكرية أطلقتها قسد لطرد تنظيم الدولة من محافظة دير الزور.
وفي حادثة منفصلة، اندلعت اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية، ولواء ثوار الرقة، في حزيران/ يونيو 2018، وقال لواء ثوار الرقة، في بيان نشره عبر حسابه الرسمي على تويتر، أن القوات المدعومة من جانب الولايات المتحدة حاصرت مقرّاته في المدينة بالمقاتلين والمدرعات فيما سماه بـ”عملية غادرة”.
ولواء ثوار الرقة، هو فصيل عربي من أبناء محافظة الرقة، وحليفٌ سابق لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكل القوة الأساسية بقوات سوريا الديمقراطية حالياً، وتحالفت القوتان في غرفة عمليات “بركان الفرات” مطلع عام 2016 لطرد التنظيم من ريف الرقة الشمالي.
“ربما قسد لديهم تخوف من عودة العنصر العربي لإدارة المنطقة، فأرادوا نزع السلاح من أبناء المنطقة” بحسب ما ذكر القيادي السابق في قوات النخبة لسوريا على طول.
التيار العربي المستقل
بعد منتصف نيسان/ أبريل الماضي، وُلد حزبٌ جديد في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، شرقي سوريا، تحت مسمى “التيار العربي المستقل”، يرأسه محمد خالد الشاكر، الناطق السابق لقوات النخبة، وهي قوة عربية تحالفت مع قوات سوريا الديمقراطية في معارك القضاء على تنظيم الدولة الأخيرة.
وينطلق التيار – بحسب رؤيته السياسية – التي نشر نصها المرصد السوري لحقوق الإنسان “من الوقوف على الواقع المزري لأبناء المكون العربي في منطقة تشكل خزاناً بشرياً من الطاقات والخبرات”.
ويتخوف التيار من تأجيج – جهات مستفيدة – لحالة الاحتقان في شرقي الفرات، من خلال تكريس الخطابات “الشيفونية”، مما يؤدي إلى “إعادة تدوير الإرهاب والعنف”.
وولد التيار الجديد في ظل حالة من الفوضى وغياب الخدمات عن منطقة شرقي الفرات، ذات الغالبية العربية، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية في المنطقة، و”الأداء الذي همش المكون العربي في المنطقة”.
وقال الدكتور محمد خالد الشاكر، أستاذ القانون الدولي، وأحد مؤسسي التيار، لسوريا على طول، أن التشكيل السياسي الجديد يهدف إلى “عدم الإبقاء على أهالي المناطق العربية في المخيمات، وترك أطفالها دون مدارس منذ سبع سنوات”، مشيراً إلى أن أولوية عملهم هو “البعد الإنساني والوقوف على حاجة الناس الخدمية والتنموية”.
وينادي التيار في رؤيته السياسية إلى “اللامركزية”، وهو مبدأ يشترك فيه مع الإدارة الذاتية، التي تطمح إلى حكم فيدرالي في سوريا، ويوجد تفاهمات بين مؤسسي التيار وقيادات الإدارة الذاتية بحسب الدكتور شاكر.
ورغم أن تحسين واقع المكون العربي في شرقي سوريا، هو أحد مطالب المحتجين في شرقي الفرات، وأحد أولويات التيار الجديد، إلا أن هناك تحفظاً على دور التيار وعمله.
وقال محامٍ من دير الزور مقيم في تركيا، رفض الكشف عن اسمه، لسوريا على طول “يجب التفريق بين المشاريع الوطنية الحقيقية وبين المشاريع التي تستغل الأزمات”.
وختم المحامي “اليوم هناك مشاريع تلامس مطالب الناس في شرقي دير الزور يتم منعها، وتجفيف منابع دعمها المادي والمعنوي واللوجستي”.