ازدهار السوق السوداء للآثار في سوريا بانهيار مؤسسات الدولة والمجتمع
في الربيع الماضي، سافر خبراء الآثار السوريين والنشطاء من معرة […]
22 ديسمبر 2016
في الربيع الماضي، سافر خبراء الآثار السوريين والنشطاء من معرة النعمان في جنوب محافظة إدلب، إلى تركيا ليتعلموا كيف يحصّنون متحفاً من التفجيرات.
وجمع التدريب الذي نسقته منظمة اليوم التالي، التي يقودها فريق عمل سوري، في غازي عنتاب، شخصيات من مبادرة حماية التراث، وهي مجموعة عالمية من الأفراد المعنيين والذين يحاربون لحماية ما تبقى من التراث الثقافي لسوريا.
وتعلم النشطاء الذين يقيمون في إدلب وخبراء الآثار قدر استطاعتهم، ومن ثم عادوا للعمل في الوطن.
ويضم متحف معرة النعمان بين جوانحه نحو 2000 متر مربع من الفسيفساء الأثرية. وهو من الأهداف العديدة لطائرات النظام السوري. وتضرر المتحف بشدة في وقت سابق من هذه السنة، وتقف مجموعة الآثار التي مازال يضمها، أمام تهديد اللصوص أو الدمار بغارة جوية أخرى.
ونقل النشطاء بعض القطع الثمينة إلى مكان آمن، ومن ثم وضعوا الأكياس الرملية في وجه فسيفساء المتحف الصامدة بعد تلبيسها بخليط كيميائي خاص، مثل ماتم إرشادهم في التدريب.
وعلى بعد آلاف الأميال، في مدينة أثينس الجامعية الصغيرة، في ولاية أوهايو، كان الدكتور عمر العظم، أحد المؤسسين لمبادرة حماية التراث، في انتظار وقوع الانفجار التالي.
وحين ضرب صاروخ معرة النعمان في أيار الماضي، شق واجهة المبنى، ولكن معظم لوحات الفسيفساء صمدت.
مالذي تقوم به مبادرة حماية الآثار في منظمة اليوم التالي، بالضبط؟
نحاول متابعة ومراقبة الآثار. تذكر، نحن لسنا في محل يخولنا تنفيذ القانون؛ فليس لدينا سلطة أو هيئة قضائية. ليس لدينا حماية، لذا لا يمكننا فعل الكثير. كل مايمكننا فعله هو أن نتقصى ما تمر به الآثار ومسار تنقُلها. وإذا سمعنا عن أي شيء، نحاول الوصول إليه وتصويره وتتبع مساره. وكل ماهو غير ذلك، فهو خارج نطاق عملنا.
منذ عام 2012 وإلى الآن، أنا وزملائي سواء داخل سوريا أو خارجها، نرى ما تنطوي عليه هذه المجازر، فيما يتعلق بالتراث الثقافي، والرعب الإنساني، والكوارث وكل شيء آخر. بدأت شبكات الناس هذه من خبراء آثار، ونشطاء وأمناء متاحف بالتحرك ببطء.
ما نقوم به مع مبادرة حماية التراث هو المساعدة في تنسيق أنشطة العديد من هؤلاء الأفراد داخل سوريا، وهم ممثلون غير حكوميين. فالمصادر التي عادة ما تتدفق إلى حماية المواقع تتجه مباشرة إلى المؤسسات الحكومية مثل دائرة الآثار، وهذا أمر جيد بما إنهم يؤدون دوراً ويحاولون إمساك زمام الأمور في مناطق سيطرتهم.
ولكن بالنسبة للنظام، حتى ولو سيطروا على كامل حلب، فهم يسيطرون فقط على 30-40% من البلد. هذا يعني أن نحو 70% خارج سيطرته. فالأمر منوط بهؤلاء النشطاء المحليين والممثلين الحكوميين ليذهبوا ويحموا هذه الآثار، وإلا فلن يبقى شيء.
ماهو تاريخ تجارة الآثار غير المشروعة في سوريا؟ هل كان يحدث قبل الحرب في سوريا؟
قبل الحرب، كانت تجارة الآثار غير القانونية تتدفق عادة عبر لبنان. و في بعض الأحيان كان لكبار أعضاء النظام يد في ذلك. فأشخاص مثل غازي كنعان، على سبيل المثال، كان لديه ولع ليس فقط في امتلاك الآثار وبيعها أحياناً، إنما كان يستخدمها لمكافأة الموالين اللبنايين المقربين له. وأعرف هذا من تجربة شخصية.
[غازي كنعان، وزير داخلية سابق في سورية، ورئيس شعبة المخابرات الأمنية المرعبة خلال غزو سوريا للبنان، حتى عام 2002. ومات في ظروف غامضة في عام 2005].
هناك سجلات لشخصيات كرفعت الأسد وأبو شعر، من كبار المسؤولين في النظام، وهم ينغمسون في اقتناء الأثريات أو المتاجرة بها مع أتباعهم والمقربين إليهم. فشخصية مثل جورج أنطاكي، رجل أعمال بارز في حلب، منزله متحف حقيقي. لوحات فسيفساء كبيرة وقطع أثرية نفيسة. وأنا دخلت منزله ورأيتهم. وهو لا يتكتم على هذا.
ولكن في النهاية من غير القانوني لأي شخص أن يكون له ملكية خاصة بالآثار. إذن، فهذا الوضع كان قبل بدء الحرب، وكان لبنان المعبر التقليدي للآثار.
كان هناك عقوبات شديدة لصيد الآثار وتهريبها قبل الحرب. هل طُبقت هذه العقوبات؟
مثل أي شيء آخر، لم يكن باستطاعة أي فرد من عامة الناس القيام بذلك. هناك مافيات محلية، عُرفوا بأنهم لصوص، ولديهم شبكة من العلاقات والنفوذ وبإمكانهم تقديم الرشاوى للسلطات المحلية.
عادة، يكون الشخص الذي ينتهي به الأمر إلى السجن هو الشخص الفقير غير المحظوظ، الذي كان يمشي في الحقول ويرعى أغنامه، ثم وجد فانوساً أو أي شيء مشابه، وضعه في جيبه، وتم توقيفه على الحاجز، وفجأة يصبح هذا الشخص المسكين “اللص الكبير”.
أتذكر عندما عملت مع الحكومة، كمدير للمخابر العلمية والصيانة في المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، في الفترة من 1999 حتى 2004. وكان يطلب مني بين الحين والآخر الذهاب إلى المحكمة كشاهد خبير في مثل هذه القضايا.
جميعها كانت حالات سخيفة، لم أواجه قضية فعلية أثناء عملي، أتذكر واحدة من أواخر الحالات التي عرضت في المحكمة. كانت حالة مؤسفة. أب وابنه سيُلقيان في السجن – لمدة لا يعلمها إلا الله – بتهمة سرقة التحف القديمة لأنه ألقي القبض عليهما ومعهما كاشف معادن.
كانا راعيي أغنام. قالا إنهما يحتفظان بالكاشف لأن أغنامهما تأكل كل شيء. وأحيانا تأكل قطعاً من المعادن- أسلاك شائكة، وأشياء من هذا القبيل – لذلك فهما يستخدمان الكاشف في حال مرضت الأغنام، حيث يمرران الكاشف على معدة الأغنام لمعرفة فيما إذا أكلت أي شيء معدني- إنه مُجدٍ لذلك، أتعرف لماذا؟ لأن أقصى عمق لعمل كاشف المعادن هو 1,5- 3 سم.
لن تكون بطل زمانك إذا كنت تملك فقط كاشف يعمل لعمق 3 سم !!!
فماذا حل بهما؟
لا أعلم. حقيقة كان هناك مشاكل بيني وبين المحكمة بسبب تلك القضية. قالو لي “أحضرناك إلى هنا لتكون شاهداً خبيراً”، وحاولت توضيح أن “كاشف المعادن هذا ليس كما تظنون. كاشف المعادن لايصل إلى مستوى ما تتهمون به هؤلاء الأشخاص من صيد للآثار”.
قلت “انظروا، إذا لم تصدقوني، هذه المعلومة مكتوبة على جانب الجهاز بأحرف بارزة، أن العمق الأقصى لعمله هو 1,5- 3 سم”.
لم يرضوا بما قلته.
مثل هؤلاء الأشخاص هم كبش الفداء. هؤلاء من سيتحملون اللوم، بينما اللصوص الحقيقيون تجار الآثار لديهم وسائل خاصة يواصلون عملهم من خلالها. يتواصلون مع أشخاص يقدمون لهم رشاوي وفي حال دخلوا السجن يدفعون مبالغ مالية لكي يخرجوا. هو باب دوار يدخلون منه ويخرجون.
من المستفيد من تجارة الآثار الآن؟
إذا نظرت إلى الطريقة التي تطور بها الصراع، عام 2012، حيث تحول إلى اقتتال مسلح بين المقاومة والنظام السوري. مما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وانهيار المجتمع الذي تقوم عليه هذه المؤسسات جميعها.
عقب حالة الخواء تلك، سيصبح كل شيء متاحاً للجميع. المواقع الأثرية الرئيسية مثل أفاميا ستتم سرقتها كلياً. إنه سوق مفتوح، متاح للجميع، ولا يقتصر الأمر على المعارضة أو مجموعات معينة فقط، فالنظام مشارك بهذا العمل أيضاً.
في أفاميا، قام النظام والمقاومة بوضع الترتيبات مع بعضهم البعض. على سبيل المثال، يكون هناك وقف إطلاق نار لمدة ست ساعات، ويقول أحد الأطراف للآخر “دوركم الآن، اذهبوا وابدأوا بالحفر”. ثم: “سندفع لكم الكثير في حال لم تقصفوا المنطقة بحيث نتمكن من الحفر والبحث عن الآثار”، كان الأمر غريباً، كل يعمل لمصلحته.
عندما يجد أحدهم أي قطعة أثرية، إلى أين يتم تهريبها؟
بعد أن بدأت الحرب، وأصبح هناك انفلات أمني، أصبحت الحدود الشمالية مع تركيا سوقاً جديدة لبيع الآثار. قبل ذلك، كان الأكراد فقط هم من يمررون أشياءهم عبر تركيا.
وبحلول عام 2014- 2015 بدأ الأتراك بإغلاق حدودهم وتشديد الإجراءات الأمنية، بالتالي أصبح من الصعب تمرير البضائع على هذا النحو. في الوقت ذاته، انحلت المشاكل على الحدود اللبنانية، وعادت تجارة الآثار إلى طريقها القديم، قبل اندلاع الحرب.
لكن الآن، هناك جماعات فردية في هذه المناطق قادرة على عقد صفقات خاصة بها لتهريب التحف- والالتفاف على الدولة. لذلك، اليوم، تستطيع الحكومة أن تقول ما يحلو لها ولكن في نهاية المطاف إنهم السكان المحليون على الأرض- النظام أو غيره – هم من يعقدون هذه الصفقات وينقلون بضائعهم. لذا ستجد أن الكثير من الآثار تهرب عن طريق لبنان طالما أن الأتراك أغلقوا حدودهم.
عندما تسمع عن أشخاص يحصلون على دخل جيد من خلال صيد الآثار، هل توجه اللوم لهم؟
لا، نحن نسمي هذا “سرقة بهدف تأمين موارد العيش”. هناك شبكات نهب مؤسسة بشكل جيد، هؤلاء هم الناس الذين لن تحصل على فرصة للتحدث معهم. إنهم يمارسون عملهم هذا باحتراف منذ زمن طويل.
ولكن يوجد الكثير من منتهزي الفرص، ولصوص من أجل موارد الرزق. هؤلاء هم من تحتاج الوصول إليهم. إنهم لا يفعلون ذلك لأنهم ولدوا للقيام بذلك أو أن آباءهم أو أجدادهم قاموا بذلك. إنما يفعلون ذلك لأنها وسيلة سهلة لكسب المال. أمّا إذا وفرت لهم فرص عمل بديلة، فسوف يزاولون عملا آخر.
لذلك، عندما قدمت واحدا من مشاريعي، قلت لهم، “بدلاً من الخروج كل يوم مع جهاز الكشف عن المعادن آملين بإيجاد قطعة صغيرة هنا أو هناك، لماذا لا تأتون للعمل معي. سيكون الوضع أفضل، وستحصلون على مبلغ مماثل من المال. ربما لا يكون 500 دولارا، بل 200 إلى 300 دولار كل شهر”.
ثم جاءوا للعمل معنا. تلك واحدة من الطرق، واحدة من الفوائد الإيجابية لهذه المشاريع. لا يأخذون الكثير من المال. وأستطيع أن أوفر فرص عمل للكثير من الناس وأحمي متحفا بكامله لمدة 6- 11 شهر، بمبلغ أقل من 5 آلاف دولار. وبطاقم يزيد عن عشرة أشخاص.
بالقليل يمكنك أن تفعل الكثير.
ترجمة: سما محمد وفاطمة عاشور