استجابة ضعيفة: أزمة النفايات والمياه تنذر بكارثة إنسانية في مخيمات شمال سوريا
لطالما حملت المنظمات الإنسانية عب تقديم الخدمات الأساسية لقاطني مخيمات شمال غرب سوريا، لكن توقف الدعم ألحق الضرر بـ320 مخيماً، بينما بلغ عدد المخيمات التي تحتاج إلى خدمات المياه والإصحاح 773 مخيماً، بحسب مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في إدلب
25 أبريل 2025
إدلب- تجلس أم نضال أمام خيمتها في مخيم النسيم بقرية حربنوش في ريف إدلب الشمالي، من أجل غسل كومة كبيرة من الملابس، وبجوارها دلو ماء كبير، تمكنت من تعبئته بعد رحلة شاقة إلى بئر تبعد 200 متر عنها.
تحّملت السيدة الثلاثينية والأم لثمانية أطفال عناء نقل المياه إلى خيمتها بعد توقف منظمة “تكافل الشام” عن دعم المخيم من المياه، ما جعل “أبسط المهام اليومية عملاً مرهقاً”، بالنسبة لأم نضال وغيرها من سكان المخيم، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
حال مخيم النسيم كحال المخيمات الممتدة على الشريط الحدودي مع تركيا، التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين، إذ ما تزال عمليات مغادرة المخيمات محدودة، وفق تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التابع للأمم المتحدة، الذي أشار في تقريره إلى أن 158 ألف شخص غادر مخيمات شمال غرب سوريا منذ كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وأشار التقرير إلى أن حركة السكان والنزوح مستمرة في سوريا، إذ نزح حوالي 674 ألف شخص منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، وعاد أكثر من 1.05 مليون شخص إلى ديارهم، منهم 444 ألف شخص كانوا نازحين داخلياً قبل تشرين الثاني/ نوفمبر، أي قبل انطلاق عملية “ردع العدوان” التي انتهت بسقوط الأسد.
لطالما حملت المنظمات الإنسانية عبء تقديم الخدمات الأساسية وتحسين البنى التحتية الخاصة لسكان مخيمات شمال غرب سوريا، المنطقة التي كانت تضم نحو ستة ملايين نسمة نصفهم نازحون داخلياً، بينما كانت حكومة الإنقاذ سابقاً تقدم جزءاً من هذه الخدمات بالإضافة إلى الإشراف على عمل المنظمات، قبل أن يسقط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024.
شعر سكان شمال غرب سوريا بالتهميش وتراجع الخدمات، وخاصة في المخيمات، بعد سقوط النظام وتكليف حكومة الإنقاذ، التابعة لهيئة تحرير الشام، بتشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة تدير شؤون البلاد، وزادت أزمة المخيمات في مطلع العام الحالي، نتيجة تعليق الولايات المتحدة برامج المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً، ومن ثم إلغاء 83 بالمئة من برامج التنمية الخارجية، كما جاء في تصريح وزير الخارجية في آذار/ مارس الماضي، وكانت سوريا من أبرز الدول المتضررة بهذه القرارات.
ومن تداعيات ذلك، توقفت العديد من مشاريع المياه والإصحاح وترحيل النفايات، ما أدى إلى وقوع سكان المخيمات بأزمة جديدة، لا سيما العاجزين عن العودة إلى مدنهم وبلداتهم بسبب الدمار، كما هو الحال في حمص وغيرها من المدن السورية.
بلغ عدد المخيمات المتضررة بسبب توقف الدعم في شمال غرب سوريا 320 مخيماً، بينما بلغ عدد المخيمات التي تحتاج إلى خدمات المياه والإصحاح 773 مخيماً، كما قال محمود قزيز، رئيس دائرة المياه والإصلاح في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بإدلب لـ”سوريا على طول”.
نتيجة لذلك، أصبح سكان المخيمات يضطرون إلى شراء المياه من صهاريج خاصة، بتكلفة أسبوعية مقدارها 600 ليرة تركية لكل عائلة (16 دولاراً أميركيا تقريباً، بحسب سعر الصرف البالغ 38.26 ليرة للدولار الواحد)، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم العائلات النازحة، بحسب نهاد فايز العلي، مدير مخيم النسيم، وهو أيضاً مهجّر من قرية خربة خوين بريف معرة النعمان الشرقي.
كان سكان المخيم، البالغ عددهم 1200 شخص (180 عائلة) يحصلون على مياه الشرب عبر منظمة “تكافل الشام”، التي تزود المخيم بالمياه بواقع أربعة لترات لكل شخص يومياً، كما أوضح العلي لـ”سوريا على طول”.
أزمة المياه واحدة من الأزمات التي يعاني منها سكان مخيمات الشمال نتيجة انقطاع التمويل، إلى جانب أزمة النفايات والصرف الصحي، إذ لم تعد تُرحّل القمامة بشكل منتظم، ما أدى إلى تراكمها داخل المخيم، وكذلك فاضت الجور الفنية، ما أدى إلى وصول مياه الصرف الصحي لبعض الخيام، كما اشتكى العديد من سكان المخيم لـ”سوريا على طول”.
أدت أزمة ترحيل القمامة ونقص المياه إلى “انتشار الأوبئة والأمراض الجلدية، مثل اللشمانيا، إضافة إلى التهابات الجهاز التنفسي بسبب الروائح الكريهة وانتشار الحشرات كالذباب والبعوض”، بحسب العلي، الذي أبدى تخوفه من “تفاقم الأزمة مع ارتفاع درجات الحرارة في الأشهر المقبلة”.
النساء هن الأكثر تضرراً
“قبل تحرير سوريا كنا نحصل على ما يكفي من الماء للاستحمام والغسيل وأعمال التنظيف داخل الخيمة وما حولها، لكننا الآن نحسب استهلاك كل قطرة ماء بعد توقف المنظمة عن تعبئة الخزانات في المخيم”، قالت أم نضال لـ”سوريا على طول” متذمرة من الحال التي وصلت إليه.
يستحمّ أطفال أم نضال مرة واحدة في الأسبوع وأحياناً تضطر إلى استخدام قطعة قماش مبللة لتنظيف أيديهم وأرجلهم توفيراً للمياه، كما أنها تتقشف في استخدام المياه لتنظيف الخيمة، بحسب قولها، لأن “الحصول على الماء صار صعباً ومكلفاً”.
وتعيش المعلمة خديجة عوض اليوسف، التي تقيم في مخيم المجد 3 بمنطقة أطمة، المعاناة ذاتها، معبرة عن تخوفها من تفاقم أزمة المياه وانتشار الأوبئة، لا سيما مع اقتراب دخول فصل الصيف، كما قالت لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أن عائلتها المكونة من 11 فرداً تقتصد في التنظيف وغسيل الملابس والاستحمام “بهدف التوفير قدر الإمكان”.
أشار تقرير للأمم المتحدة، نشر عام 2023، إلى أن النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر لأزمة المياه، إذ أن “النساء والفتيات هن المسؤولات -بصورة رئيسية- عن جمع المياه في 7 من كل 10 أسر تفتقر إلى إمدادات المياه”.
النفايات تنذر بخطر بيئي
مع تراجع دعم مشاريع الإصحاح في المخيمات، تحولت أطراف المخيمات والطرق المحيطة بها إلى مكبات عشوائية للنفايات، حيث تتراكم أكوام النفايات على طول العديد من الطرق المحيطة بالمخيمات في “مشاهد غير اعتيادية لسكان المخيمات”، كما قال العديد منهم لـ”سوريا على طول”.
“تتراكم أكوام القمامة يوماً بعد يوم، وهو أكثر ما يقلقنا في الوقت الراهن، خاصة مع تزايد انتشار حالات الإسهال بين سكان المخيمات”، بحسب المعلمة خديجة اليوسف، التي اشتكت من “انتشار الروائح الكريهة وتجمع الحشرات والقوارض، ما ينذر بكارثة صحية قد تضر بآلاف العائلات”.
واشتكت اليوسف من “غياب آليات بديلة من قبل الجهات المعنية للتعامل مع هذه المخلفات”، لذا نظم بعض شباب المخيم مبادرة “لإزالة النفايات قبل عيد الفطر”، بدعم من السكان أنفسهم “إذ ترتب على العائلة الواحدة مبلغ 100 ليرة تركية”، لكن لا يمكن الاستمرار بمثل هذه المبادرات “نظراً لعجز العديد من السكان عن تأمين المبلغ المترتب عليهم”.
وفي هذا السياق، حذر الطبيب حسين عليوي، أخصائي الأمراض الهضمية في مستشفى إدلب المركزي، من انتشار أمراض خطيرة في المخيمات “نتيجة شح المياه النظيفة وتراكم النفايات”، لافتاً إلى أن “تردي الواقع الصحي يهدد حياة السكان، وخاصة الأطفال”.
وقال عليوي لـ”سوريا على طول”: “إن أغلب الحالات التي نستقبلها هي لأطفال يعانون من الإسهال الحاد والجفاف بسبب عدم توفر المياه النظيفة وقلة النظافة الشخصية”، مشيراً إلى أن “المياه الملوثة تسببت في تفشي أمراض معوية خطيرة، أبرزها الكوليرا، الإسهال الحاد، والتهاب الكبد الفيروسي من النوع (A)”، ناهيك عن “ارتفاع ملحوظ في حالات الالتهابات الجلدية، وعلى رأسها الجرب والدمامل”.
وكذلك، “تسببت الروائح الكريهة والغازات السامة المنبعثة من النفايات المتراكمة بزيادة ملحوظة في الأمراض التنفسية، لا سيما لدى المصابين بالربو وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة”، وفقاً لعليوي.
وحذّر عليوي من أن “بيئة المخيمات، التي تعاني من سوء الصرف الصحي وانتشار الحشرات، تشكّل أرضاً خصبة لظهور أمراض طفيلية مثل داء الليشمانيا والديدان المعوية”، داعياً الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية إلى “التدخل العاجل لتحسين خدمات المياه والصرف الصحي، والحد من التلوث البيئي، حفاظاً على صحة السكان في هذه المخيمات”.
استجابة ضعيفة
يطالب سكان المخيمات الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية بحل مشكلة النفايات وبتوفير إمدادات مياه مستدامة للمخيمات، إما عبر استئناف مشاريع الدعم السابقة أو حفر آبار توفر المياه بشكل دائم، مع ضرورة إنشاء شبكات مياه داخل المخيمات لضمان وصول المياه بطريقة منظمة وآمنة.
وبدورهم، تواصل مدراء المخيمات مع مسؤولين في الإدارة السورية الجديدة، التي وعدت بدورها في التحرك إلا أن المشكلة ما زالت قائمة، كما قال أحد مدراء المخيمات لـ”سوريا على طول”.
قبل ثلاثة أيام، أعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) عن ترحيل القمامة من مخيمات أطمة وفتح عبّارة لتصريف مياه الصرف الصحي في مخيم الأمل ببلدة كفرلوسين شمالي إدلب.
وبعد منتصف الشهر الحالي، أعلنت بعض المنظمات استئناف مشروع النظافة في مخيمات أطمة بعد توقف دام نحو شهر ونصف، تعليقاً على ذلك، قال مرهف جدوع، صحفي ومصور في مخيم أطمة، أن الاستجابة شملت مخيمات أطمة فقط وما تزال مخيمات الكرامة تعاني من أزمة المياه والنفايات، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
الاستجابة الحالية لأزمة المياه والنفايات في المخيمات لا تتناسب مع “حجم الكارثة التي تهدد حياة آلاف النازحين، خصوصاً الأطفال وكبار السن”، بحسب علي سعيد الوردان، وهو نازح من جبل شحشبو بريف حماة الشمالي الغربي إلى مخيمات أطمة.
تكيّف سكان المخيمات مع “تراجع الدعم الإغاثي منذ سنتين بسبب تقليص التمويل”، لكن لا يمكنهم التكيف مع “توقف القطاع الخدمي، الذي يشمل المياه والنظافة والصرف الصحي”، كما قال الوردان لـ”سوريا على طول”.
تعليقاً على ذلك، قال محمود قزيز، رئيس دائرة المياه والإصلاح، أن الحكومة السورية الحالية “تنسق مع الجهات الإنسانية المحلية والدولية لتأمين الدعم اللازم”، كما أنها “تقدم التسهيلات اللازمة للعمل وتزوّدهم بالاحتياجات الإنسانية والإحصاءات اللازمة لقياس الدعم اللازم، إضافة إلى تحديد الأماكن الأكثر احتياجاً”.
وفي إطار الاستجابة لأزمة “الإصحاح” في المخيمات، بدأت منظمة إحسان العمل على مشروع توفير مياه الشرب للمخيمات في شمال غرب سوريا، الشهر الماضي، معتمدة على طريقتين: الأولى، نقل المياه عبر صهاريج خاصة من آبار تم فحص جودة مياهها ومن ثم تعقيمها قبل التوزيع، والثانية، مد شبكات المياه إلى المخيمات التي تحتوي على محطات مياه، كما أوضح عثمان المنصور، قائد فريق في المنظمة، لـ”سوريا على طول”.
وأشار المنصور إلى أن منظمته “توفر مياه الشرب لحوالي 30 مخيماً في منطقة إدلب، و20 مخيماً وحياً سكنياً في منطقة الباب بريف حلب الشمالي”، مقدراً كمية المياه التي يتم توفيرها بنحو 3500 متر مكعب يومياً.
وشدد المنصور على أهمية دور المجتمع الدولي والمنظمات الدولية الفاعلة في استمرارية مشاريع الإصحاح لسكان المخيمات، عبر “توفير الدعم اللازم للمنظمات العاملة في هذا القطاع، لضمان استمرارية حصول المستفيدين على المياه النظيفة، ريثما يتمكنوا من العودة إلى منازلهم”.