5 دقائق قراءة

اغتيال مرهج الجرماني: “كرة ثلج” تهدد الحراك الشعبي في السويداء

اغتيال الجرماني في السويداء تم عبر "عملية دقيقة وأمنية بامتياز"، يتهم النظام السوري بتدبيرها، في وقت تشهد فيه المحافظة حراكاً مستمراً ضد النظام السوري


18 يوليو 2024

 

 

باريس- اغتيل قائد لواء الجبل في السويداء، مرهج الجرماني، فجر أمس الأربعاء، في منزله بمدينة السويداء جنوبي سوريا، برصاصة أطلقت من مكان قريب عبر نافذة منزله، استقرت في رأسه أثناء نومه.

“كانت عملية الاغتيال دقيقة وأمنية بامتياز، وقعت عند الساعة 5:45 فجر الأربعاء، عندما كان الشهيد نائماً، باستخدام مسدس من عيار 7.5 مم، مزود بكاتم صوت”، كما قال مصدر من لواء الجبل لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية.

وبما أن حادثة الاغتيال وقعت في وقت تشهد السويداء حراكاً ضد النظام السوري، الذي حاول مراراً القضاء عليه، بإثارة الفوضى الأمنية، ولأن الجرماني أحد ناشطي الحراك المستمر منذ عام تقريباً، وجهت أصابع الاتهام للنظام وأجهزته الأمنية.

من هو الجرماني؟

مرهج حسين الجرماني، الملقب بـ”أبو غيث”، 52 عاماً، قائد لواء الجبل، أحد أبرز الفصائل المحلية العاملة في محافظة السويداء. شارك الجرماني وفصيله في التصدي للعديد من الهجمات، التي شنها تنظيم الدولة (داعش) على محافظة السويداء، كما لعب فصيله دوراً في محاربة نشاط الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، بما في ذلك عمليات تهريب وتجارة المخدرات التي يرعاها حزب الله وإيران.

وشارك الفصيل أيضاً في القضاء على المجموعات المحلية المتهمة بالضلوع في تجارة المخدرات، التي كانت تتبع للأمن العسكري السوري، من قبيل مجموعة راجي فلحوط، التي تم القضاء عليها في تموز/ يوليو 2022، بعد عملية عسكرية نفذتها فصائل محلية منها لواء الجبل.

في عام 2014، تشكل لواء الجبل بقيادة الجرماني من عشرات العناصر من أبناء محافظة السويداء، مزودين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، بهدف حماية الموحدين الدروز في جبل العرب.

وصف سامر سلوم، أحد ناشطي الحراك الشعبي في محافظة السويداء، الجرماني بأنه “أحد مناصري الثورة السورية”، ومن أوائل الأشخاص الذين اعتصموا في “ساحة الكرامة” (السير سابقاً)، الساحة الرئيسية لحراك السويداء، الذي بدأ في منتصف آب/ أغسطس 2023.

شارك الجرماني بـ”التظاهرات والاحتجاجات، ولعب دوراً في استمرارها”، ناهيك عن دوره في “حماية الساحة والمتظاهرين من أي اعتداء محتمل”، كما قال سلوم لـ”سوريا على طول”.

النظام هو المتهم!

خلال السنوات الأربع الماضية “تلقى الجرماني العديد من التهديدات بالقتل من شخصيات تابعة للأجهزة الأمنية، وصفحات حقيقة ووهمية”، بحسب سلوم.

واتفق المصدر من لواء الجبل مع الرواية التي تتهم النظام وأجهزته الأمنية في تدبير عملية الاغتيال، لأن “أجهزة النظام الأمنية هي الوحيدة التي تمتلك تقنية الاغتيال بكاتم صوت”، على حد قوله.

الجرماني أحد ألد خصوم النظام في السويداء، لذا “سعى النظام لاغتياله بعملية يملؤها الحقد والغدر على شهيد الكرامة أبو غيث لمواقفه المشرفه لكرامة كل سوري”، بحسب المصدر، مشيراً إلى أن الجرماني “لم يقبل أن يرافقه أو يحرسه أحد في بيته أو في أي مكان آخر”، رغم المخاطر التي تحدق به.

“القتل بكاتم صوت، حدث جديد لم تشهده المحافظة من قبل”، بحسب أبو تيمور، الناطق باسم حركة رجال الكرامة، معتبراً أن “النظام السوري هو الجهة التي تنفذ اغتيالات سياسية بشكل مستمر، ولا أحد يمتلك القدرة والتقنية والمعلومات في السويداء لتنفيذ مثل هذه العملية سوى الأفرع الأمنية للنظام”.

بعد حادثة الاغتيال اجتمعت حركة رجال الكرامة مع فصائل الجبل “للبحث عن معلومات تقودنا إلى المنفذين”، كما أوضح أبو تيمور لـ”سوريا على طول”.

“تأتي هذه الجريمة في السياق الطبيعي لجرائم الأسد ضد الشعب السوري عموماً، والحراك في السويداء، خاصة أن المغدور جزء من هذا الحراك”، قال الكاتب حافظ قرقوط، ابن محافظة السويداء، معلقاً على اغتيال الجرماني.

وذكّر قرقوط في حديثه لـ”سوريا على طول”، بـ”عمليات الاغتيال داخل سوريا وخارجها، في لبنان وفلسطين ودول عربية أخرى”، مشيراً إلى أن هذه الجرائم “بدأت منذ وصوله إلى السلطة، ويكررها بعد الثورة بشكل أكبر”، واصفاً إياه بـ”الخبير والمتمرس في جرائم الاغتيال”.

اغتيال الجرماني يعيد إلى الأذهان حادثة اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، أحد شيوخ الطائفة الدرزية، ومؤسس حركة رجال الكرامة، الفصيل الأكبر في السويداء، الذي اغتيل عام 2015، ويتهم النظام بأنه وراء قتله.

على مدار عقد من الزمن، تعامل النظام مع السويداء بمبدأ “التجاهل”، أو عدم استخدام العنف المفرط، الذي استخدمه في بقية المحافظات السورية لقمع الاحتجاجات التي خرجت ضده، ولم تشهد المحافظة منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 أي عمليات قمع واسعة وممنهجة، كالتي عرفتها المحافظات الأخرى.

لكن في الأشهر الأخيرة، يبدو أن النظام يحاول رفع وتيرة العنف في إطار مواجهة الاحتجاجات الشعبية الرافضة له في المحافظة، واتضحت هذه السياسة بشكل أكبر مع وصول محافظ جديد للسويداء من خلفية أمنية، كما أكد الكاتب قرقوط.

في أيار/ مايو الماضي، عين بشار الأسد، اللواء المتقاعد أكرم علي محمد، محافظاً للسويداء، بموجب المرسوم 102 لعام 2024، وهو أحد أبرز ضباط إدارة المخابرات السورية العامة (أمن الدولة)، المتهم بارتكاب جرائم حرب. وقبل ذلك بأيام، استقدمَ النظام تعزيزات عسكرية إلى المحافظة الجنوبية.

وفي السابع من حزيران/ يونيو الماضي، قالت اللجنة المسؤولة عن تنظيم المظاهرات في ساحة الكرامة بالسويداء، أنها عثرت على قنبلتين معدتين للتفجير عن بعد في الساحة، كانتا مركونتين بالقرب من منصة  يستخدمها الإعلاميون والمصورون.

وفي 23 حزيران/ يونيو، اندلعت اشتباكات بين مجموعات محلية وقوات تابعة للنظام في مدينة السويداء على خلفية نصب قوات النظام حاجزاً عسكرياً على المدخل الشمالي للمدينة، وانتهى التوتر الأمني والشعبي، بعد أيام، عندما تم التوصل إلى اتفاق يقضي بإزالة الحاجز.

رأى الكاتب قرقوط أن “المحافظ الجديد جاء بعقلية الجريمة، التي كان يرتكبها في أماكن سابقة عمل بها، وبعقلية أمنية ليواجه انتفاضة السويداء، ولا شك أن لديه خطة أمنية متكاملة”.

بعد وصول المحافظ الجديد “لاحظنا وجود دعم لقوات النظام لبعض القطع العسكرية وإنشاء حواجز جديدة وإطلاق للرصاص وإرهاب لسكان المدينة، كل ذلك لترهيب المواطنين”، بحسب قرقوط، معتبراً أن  “المحافظ الجديد جاء بمهمة أمنية وليس إدارية هدفها رعاية شؤون الناس. جاء فقط لمواجهة الاحتجاجات الشعبية بشكل أمني وعبر جرائم منظمة”.

ربما “جريمة [اغتيال الجرماني] إحدى جرائمه المباشرة الآن”، قال قرقوط.

“نقطة تحول”!

“اغتيال الجرماني قد تكون نقطة تحول في حراك السويداء، إما أن يتعاضد الأهالي ويكونون على قلب رجل واحد، وإما أن يتلاشى الحراك بعد مرور عدة أيام”، قال الناشط سامر سلوم.

وأبدى سلوم تخوفه من تلاشي الحراك “لأن العنف والعسكرة ينهيان الحراك السلمي”، محذراً من أن النظام “بدأ بتنفيذ سياسة عمليات الاغتيال في السويداء منتهجاً سياسته في درعا التي اتبعها منذ عدة سنوات”.

“خطة النظام غير منفصلة عن بعضها في كل المحافظات، ومن الواضح أن النظام يتخذ من الاغتيالات خطة استراتيجية في كامل الجنوب السوري الآن، عبر تصفية الشخصيات المهمة بعد انهيار قواه العسكرية والسياسة”، قال قرقوط. 

واتفق أبو تيمور، الناطق باسم رجال الكرامة، مع الطرح السابق، مشيراً إلى أن “حادثة اغتيال مرهج تهدف إلى تحويل السويداء لساحة اغتيالات مثل بقية المحافظات السورية الأخرى”، لكن “نحاول بدورنا منع تحول الأمر لكرة ثلج، ونسعى بكل جهد منع تكرار هذه العمليات، من خلال التصعيد [ضده]، ومعرفة الفاعلين ومحاسبتهم”. 

رغم “خطورة الرسالة التي حملتها حادثة اغتيال الجرماني”، فإن “السويداء سوف تزداد تماسكاً على الصعيد الاجتماعي والأمني والفصائلي، فهناك جهود لتوحيد العمل السياسي والأمني في المحافظة”، بحسب قرقوط”.

شارك هذا المقال