الأراضي المتضررة من الزلزال شمال سوريا: استصلاح مؤجل حتى هدوء “الصفائح التكتونية”
استصلاح الأراضي المتضررة من الزلزال خطوة سابقة لأوانها، لأن "الصفائح التكتونية لم تستقر حتى اليوم". على المزارع أن يتريث حتى تهدأ الأرض وتعود الصفائح إلى ما كانت عليه.
17 أبريل 2023
إدلب- خسر أبو محمد نحو 80% من الأشجار المثمرة في أرضه، الواقعة على نهر العاصي في قرية العلاني بريف إدلب، بفعل زلزال السادس من شباط/ فبراير، الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا، نتيجة تعرض أرضه، التي تبلغ مساحتها عشرة دونمات، لتشققات أرضية.
تسببت التشققات بتضرر الأشجار وغرق جزء من الأرض بمياه النهر، وبالتالي خسارة كامل محصوله لهذا العام، كما قال المزارع، صاحب الـ57 عاماً، لـ”سوريا على طول، مشيراً إلى أن “عرض التشقق الواحد في الأرض يتراوح بين مترين وستة أمتار”.
ففي أعقاب الزلزال، تضررت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في شمال غرب سوريا، لاسيما تلك الواقعة على ضفاف نهر العاصي، مثل قرى: التلول، الجسر المكسور، المشرفية، العلاني، جكارة، دلبيا، الحمزية، الحمرة، وبتيا، بريف إدلب، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.
أدى الزلزال وما أعقبه من هزات ارتدادية إلى حدوث تشققات في الأراضي الزراعية، وحفر كبيرة، إضافة إلى خروج مواد رملية ذات طبيعة بركانية من جوف الأرض، إلى جانب فيضان نهر العاصي بعد أيام من الزلزال.
ويبلغ طول نهر العاصي 571 كيلومتراً، يمر 120 كيلومتراً منه في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام شمال غرب سوريا. تضررت الأراضي الواقعة على ضفاف النهر، بفعل الزلزال، على طول 55 كيلومتراً، كما قال لـ”سوريا على طول”، المهندس صالح الدريعي، مدير الموارد المائية في وزارة الزراعة والري التابعة لحكومة الإنقاذ، الواجهة المدنية لهيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي واللاذقية.
وفي هذا السياق، قال المهندس أحمد الكوان، معاون وزير الزراعة في حكومة الإنقاذ، أن التصدعات والتشققات تركزت في منطقة سرير النهر (جانبي النهر)، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “الأراضي المتضررة بلغت مساحتها 22 ألف دونم”.
“تغيير جغرافية المنطقة”
بعد مضي أكثر من شهرين على كارثة الزلزال، لا يستطيع أبو محمد الدخول إلى أرضه إلا سيراً على الأقدام، لأن الطريق الواصلة إليها تعرضت لتشققات أرضية وتغيّر في مستوى سطح التربة، إذ هبطت بعض أجزاء الأرض بعمق يصل إلى مترين، فيما ارتفع مستوى التربة في أجزاء أخرى قرابة متر واحد، وبالتالي لا يمكنه الاستفادة من أرضه “عبر حراثتها أو إدخال آليات إليها”، كما قال.
وألحقت هذه التغيرات البيئية أضراراً بالأشجار المثمرة في أرضه. “جف غالبيتها نتيجة تمزق جذورها بسبب اختلاف مستويات التربة، ما أدى إلى موتها”، وفقاً له.
أرجع الخبير الجيولوجي ثابت كسحة، هذه الظواهر البيئة إلى ما أسماه “الفوالق”، وهي “تشققات في الأرض ترافقها انزياحات بين كتلتين، تتسبب بخروج جذور الأشجار، ما يؤدي إلى جفافها”، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول”، إلى أن “الرمية الفلقية”، أي مسافة التباعد أو الانزياح بين الكتلتين على جانبي الفالق، التي تسبب بها الزلزال كانت بمتوسط 4 أمتار، نتج عنها “انخفاضات وارتفاعات في مستوى التربة، وهي مسافات كافية لإنهاء المحاصيل الزراعية لهذا الموسم” في الأراضي التي تضررت.
أدت التشققات والانزياحات إلى تغيير جغرافية المنطقة، ومن نتائجها ارتفاع منسوب مياه نهر العاصي في بعض المناطق وانحساره في مناطق أخرى، الأمر الذي ترك آثاراً بالغة على الأراضي الزراعية المجاورة للنهر. في بعض المناطق أصبح مستوى التربة مساوٍ لمستوى مياه النهر العاصي، ما تسبب في غرق الأرض والمحاصيل الزراعية، ومن ثم تلفها، كما حصل مع أبو محمد، الذي ما تزال المياه تغمر جزءاً من أرضه حتى اليوم.
اقرأ المزيد: ما مدى تأثير الزلزال على السدود والأنهار في سوريا وتأثره بها؟
وفي ذلك، قال المهندس الكوان أن الأضرار في الأراضي الزراعية كانت بفعل الزلزال وتداعياته، المتمثلة بفيضان نهر العاصي، مشيراً إلى أن “المحاصيل الشتوية تضررت بشكل كامل”، ناهيك عن “خروج محطات الري في المنطقة عن الخدمة بسبب تهدمها وتغير مجرى النهر”، لافتاً إلى “تغيّر أماكن تموضع المضخات الحكومية والخاصة بسبب تغير مجرى النهر”.
وفي إطار الاستجابة، عملت وزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ، على “إصلاح سد التلول الترابي، الذي انهار بسبب الزلزال”، بحسب الكوان، لكن على مستوى الأشجار المتاخمة لمجرى النهر “صارت بعض المناطق بحاجة إلى إنشاء مصاطب ليتمكن المزارعون من حرث أرضهم”.
وبما أن الزلزال ضرب أجزاءً من الجدار الإسمنتي العازل بين سوريا وتركيا، الذي أقامته الأخيرة قبل سنوات لمنع عمليات التهريب إلى أراضيها، “تشكلت نقاط تهريب جديدة عبر الحدود”، كما أوضح أبو محمد، مبدياً تخوفه على أرضه من أن “يضمها الأتراك لأراضيهم لسد ثغرات التهريب عبر الحدود”، على حد قوله، معززاً مخاوفه بـ”أحداث سابقة مشابهة”.
رمال بركانية
في بعض الأراضي الزراعية المتضررة، قذفت الأرض عبر الشقوق والتصدعات الكبيرة رمالاً بركانية مالحة إلى سطح التربة، تسببت في ضرر النباتات، كما قال المزارع مهند الأسود، الذي شهدت أرضه خروج هذه الرمال البركانية المالحة.
وأضاف في حديثه لـ”سوريا على طول”: “تمنع هذه الرمال الأشجار من امتصاص المواد التي تحتاجها من التربة، ما يؤدي إلى يباس الشجرة ومن ثم موتها”. “حتى الأعشاب الضارة في إرضي جفت وماتت بسبب الرمال”.
تعليقاً على ذلك، قال الخبير الجيولوجي، ثابت كسحة، أن “الرمال البركانية التي قذفتها الأرض، جاءت من أعماق تتراوح بين 200 و300 متر”، وشدد على ضرورة “فحص التربة في المناطق المتضررة من هذه الرمال للتأكد من صلاحيتها للزراعة أم لا، لأن هذه الرمال تتسبب في تفكيك التربة وإفسادها”.
وفي حال “ثبت وجود رمال كوارتزية [قوامها صخري]، ستكون الأرض غير صالحة للزراعة نهائياً، ما يعني أن على المزارع استبدال تربة أرضه بشكل كامل لاستصلاحها”، كما أوضح كسحة في حديثه لـ”سوريا على طول”.
خسارة المحاصيل
تعد الزراعة مصدر الدخل الأول للعديد من سكان محافظة إدلب، بما فيهم أبو محمد، الذي تضمّ أرضه أصنافاً مختلفة من المحاصيل والأشجار المثمرة، من قبيل: الجانرك (الخوخ الأخضر) والخوخ، والدراق وغيرها.
الزراعة “مصدر رزقي الوحيد”، قال أبو محمد، لافتاً إلى أنهم يعتمدون طوال العام على المواسم، “لكن هذا الموسم خسرنا محاصيلنا بشكل كامل”.
تحوّل قرب الأراضي الزراعية من مجرى النهر من نعمة بالنسبة للمزارعين إلى نقمة، لأن “الأضرار تركزت في المناطق المتاخمة للنهر، فيما لم تشهد الأراضي البعيدة تصدعات مماثلة، وإنما كان الضرر مرحلياً، تمثل في ارتفاع منسوب المياه”، كما أوضح المهندس كيوان، معاون وزير الزراعة في حكومة الإنقاذ.
وفي إطار دعم المزارعين المتضررين، وجهت حكومة الإنقاذ أصحاب الأراضي غير المشجرة إلى “زراعتها بالقطن، على أن يتم تقديم البذار والمستلزمات الزراعية بموجب القرض العيني الذي تقدمه حكومة الإنقاذ”، بحسب الكوان، عازياً تحديد هذا الصنف “كون القطن من المحاصيل الاستراتيجية ذات الجدوى الاقتصادية”، التي “أدخلتها الحكومة وزارة الزراعة والري ضمن خططها لتحسين دخل المزارعين وتنويع الزراعات في المنطقة”.
وأضاف الكوان: “هناك توجه من قبل الحكومة للاستفادة من مادة القطن، التي يمكن أن تسهم مستقبلاً في إنشاء مصانع للغزل بما يخلق فرص عمل، وكذلك الاستفادة من بذورها في استخراج الزيت”، مشيراً إلى أن “تأهيل مشروع ري عين الزرقا يمكن أن يسهم بشكل كبير في نجاح هذه الزراعات”.
من جهته، توقع الخبير الجيولوجي ثابت كسحة، بأن “لن يكون تأثير للعوامل البيئية في المواسم القادمة، ويمكن أن تستعيد الأراضي وضعها الطبيعي في العام القادم، إذا تم حراثة الأرض”، لكن قبل حراثتها، يتعين على المزارع “فحص التربة” للتأكد من خلوّها من الرمال البركانية.
استصلاح مؤجل!
على الرغم من وجود طرق لاستصلاح أرضه، إلا أن مهند الأسود، لن يستصلح أرضه “بسبب التكلفة الباهظة”، لذا قرر ترك أرضه كما هي، وهو ما سيترتب عليه “تكاليف إضافية في استجرار المياه، نظراً لتغير منسوب مياه نهر العاصي”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
فيما كان ريّ أرض الأسود يقتصر على “فتح القناة المائية المغذية لأرضه، وهي على مستوى مياه النهر، سأضطر حالياً إلى استجرار المياه عبر مضخات مائية تعمل على الطاقة الشمسية”، وفقاً له.
وقدر أبو محمد تكلفة تركيب وتشغيل منظومة الطاقة الشمسية بما يتراوح بين 1200 إلى 1500 دولار أميركي، ناهيك عن حاجته إلى “نقل تراب جديد إلى أرضي من أجل تسوية الأرض بمستوى واحد، قائلاً: “أحتاج من ألف إلى ألفي شاحنة من التراب الأحمر الصالح للزراعة، من أجل أن تعود أرضي إلى وضعها قبل الزلزال، وتبلغ تكلفة ذلك بحدود ثلاثة آلاف دولار”.
يبدو استصلاح الأراضي المتضررة من الزلزال خطوة سابقة لأوانها، لأن “الصفائح التكتونية لم تستقر حتى اليوم”، بحسب المهندس ثابت الكسحة، مشيراً إلى ضرورة أن “يتريث المزارع حتى تهدأ الأرض وتعود الصفائح إلى ما كانت عليه، وبعد استقرارها يتم تسوية الأرض على مستوى واحد”. الصفائح التكتونية، هي الطبقة الصخرية الصلبة التي تحيط بالكرقة الأرضية، وتتكون من القشرة الأرضية والطبقة العليا لوشاح الأرض.
على أي حال، يتمنى أبو محمد استصلاح أرضه بأسرع وقت، ولكن أمام التكاليف الكبيرة، لن يستطيع إصلاح أرضه هذا العام، نظراً “لعدم وجود المال الكافي”.