4 دقائق قراءة

الأسد يمعن في التنكيل بدوما: مهزلة إطلاق سراح المعتقلين تنكأ جراح ضحايا “الكيماوي”

ساعات من الترقب عاشتها نسوة دوما وأطفالها "أملاً بخروج المعتقلين من السجون، لكن الصدمة كانت بوصول حافلة واحدة"، وقد أفرج عن 26 معتقلاً فقط بحسب وسائل إعلام سورية رسمية، جميعهم أوقفوا بتهم جنائية.


6 يونيو 2021

عمان- بعد سنوات انتظار، استسلمت وفيقة الشامي (اسم مستعار) لليأس من معرفة مصير زوجها المختفي في معتقلات نظام بشار الأسد منذ شباط/ فبراير 2012، فاستصدرت له، بداية العام الحالي، “شهادة وفاة”. 

لكن يوم أمس السبت، كانت وفيقة، 35 عاماً والأم التي قضى أحد أطفالها في قصف للنظام على مدينة دوما في الغوطة الشرقية العام 2017، ضمن آلاف المتجمهرين من سكان المدينة لاستقبال المعتقلين المفرج عنهم من سجون النظام، ضمن “مبادرة الوفاء” التي أطلقها بشار الأسد، عسى أن يكون زوجها من بين المفرج عنهم. 

حتى صبيحة يوم إطلاق سراح المعتقلين، كان قرار وفيقة “عدم الخروج لاستقبال المعتقلين، كوني حصلت على شهادة وفاة لزوجي مطلع العام الحالي”، قالت لـ”سوريا على طول”. لكن “عزز آمالي بخروجه الأخبار المتداولة عن إمكانية وصول 10 حافلات تقلّ المفرج عنهم من أبناء المدينة، وخروج معتقلين كانوا في عداد الموتى قبل ذلك”.

ساعات من الترقب عاشتها نسوة دوما وأطفالها “أملاً بخروج المعتقلين من السجون، لكن الصدمة كانت بوصول حافلة واحدة”، كما قالت وفيقة. مرددة: “الله يكسر بخاطرهم، كسروا بخاطري وخاطر كتير نساء مثلي”. 

عشرات المواطنين يستقبلون الحافلة التي أقلت المعتقلين لحظة وصولها إلى مدينة دوما، وهي الحافلة الوحيدة، 5/ 6/ 2021 (فيسبوك)

صدمة ذوي المعتقلين وصلت حدّ “إغماء بعض النسوة نتيجة فقدانهن أمل خروج ذويهن بعد وصول حافلة واحدة فقط”، كما ذكر الناشط الحقوقي ثائر حجازي لـ”سوريا على طول”. مشيراً إلى أن “عدد المفرج عنهم الموثقين بالاسم نحو 13 سجيناً”، وقد ذكرت وكالة الأنباء الرسمية سانا أن عدد المفرج عنهم 26 موقوفاً، فيما يبلغ عدد المعتقلين “أكثر من 2,500 معتقلاً وثقتهم بنفسي خلال عملي مع مركز توثيق الانتهاكات في سوريا خلال وجودي في الغوطة الشرقية”، بحسب حجازي المقيم حالياً في فرنسا.

وكان الأسد وعد بإطلاق سراح الموقوفين “الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء”، خلال زيارته لمدينة دوما في 26 أيار/مايو الماضي، ليدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية بمبنى بلدية المدينة دوما.

الإفراج عن المعتقلين

بالتوازي مع بدء فعاليات الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، ودعم المؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية لبشار الأسد، تحرّك وجهاء دوما المحسوبين على نظام الأسد، يترأسهم عضو مجلس الشعب ورجل الأعمال المقرب من إيران، عامر خيتي، لدفع سكان المدينة إلى المشاركة في الانتخابات وإعلان الولاء للأسد.

وقد قطع هؤلاء “وعوداً لأبناء المدينة بخروج ذويهم من سجون النظام، لقاء مشاركتهم في الحفلات الانتخابية، وإظهار ولائهم لبشار الأسد، كما المشاركة في التصويت”، بحسب حجازي. موضحاً أن النظام، ومن ورائه الشخصيات الموالية له، “يعزفون على وتر عاطفة أهالي المعتقلين، كون ذوي المعتقل مستعدون لفعل أي شيء لأجل خروجه أو حتى الحصول على معلومات عنه”.

وفي مشهد قريب مما شهده يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، تجمهر “أكثر من 10 آلاف شخص في ساحة دوما وشوارعها” يوم أمس، بحسب ما ذكر أحد سكان المدينة لـ”سوريا على طول” طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، ورفعوا “صور بشار الأسد، كما هتفوا بشعارات مؤيدة له”.

ومع أن إجبار الناس على إظهار الولاء لا يعد غريباً على بلد مثل سوريا في ظل حكم آل الأسد، إلا أنه كان “غريباً ومؤلماً في الوقت نفسه في مدينة لها تاريخ طويل مع القصف والحصار”، قال حجازي، لاسيما وأن موقع بلدية دوما، حيث أدلى بشار الأسد بصوته وتجمع فيه أمس ذوو المعتقلين في سجون النظام “يبعد نحو 1.5 كيلو متر من [مكان حدوث] مجزرة الكيماوي في نيسان 2018 وراح ضحيتها 45 شهيداً وأكثر من 300 مصاب”.

مع أن هذه السياسة في التعامل مع ملف المعتقلين لم تتبدل، وصارت معروفة لدى الناس، إلا أن ذوي المعتقلين يتمسكون بأي بارقة أمل مع صدور كل مرسوم عفو أو إعلان بهذا الشأن

بيع الوهم

في الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة السورية، منتصف آذار/مارس الماضي، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً وثقت فيه اعتقال واختفاء 149,361 شخصاً، بينهم 4,924 طفلاً، و9,264 سيدة، منهم 131,106 أشخاص في سجون نظام الأسد وحده.

وقد أصدر الأسد عدة مراسيم “عفو عام”، آخرها المرسوم التشريعي رقم 13 للعام 2021. لكن معتقلي الرأي كانوا دوماً مستثنيين من تلك المراسيم. 

ذلك أن سياسة الأسد مع ملف المعتقلين “هي لعبة خبيثة، يستخدمها باستمرار”، بحسب حجازي. إذ “في أكثر من مناسبة وعد بإطلاق سراح المعتقلين. لكن بدلاً من إطلاق معتقلي الرأي والمشاركين في التظاهرات ضده، يفرج عن موقوفين بتهم جنائية”.

ومع أن هذه السياسة في التعامل مع ملف المعتقلين لم تتبدل، وصارت معروفة لدى الناس، إلا أن ذوي المعتقلين يتمسكون بأي بارقة أمل مع صدور كل مرسوم عفو أو إعلان بهذا الشأن، على نحو ما حصل مع زوجات المعتقلين وأمهاتهم وشقيقاتهم في دوما، كما قالت إحدى سكان المدينة لـ”سوريا على طول”، واصفة قلوبهن بـ”المتلهفة للقاء بعد سنوات من الاعتقال”، لكنهن “أصبن بخيبة أمل” كما في كل المرات السابقة.

بالنسبة لوفيقة الشامي، كانت ساعات الانتظار والترقب أمس السبت تعادل “سنوات اعتقال زوجي”، كما عبّرت. ومع أنها تأقلمت على حياتها “من دون زوج، ومع تحمل أعباء إعالة أطفالي”، إلا أن إحساس الفقد “عاد وكأنه وقع أمس”.

شارك هذا المقال