“الأمعاء الخاوية” لمواجهة “المحرقة الكبرى” في إدلب
عمان - من أحد المشافي السويسرية، يصف بريتا، في تسجيلات صوتية عبر تطبيق "واتساب"، وضعه الصحي بكونه "غير مستقر". وهو ما يبدو واضحاً أيضاً من صوته الخافت الذي تبدو فيه علامات الإعياء الشديد بعد 26 يوماً متواصلة من إضرابه عن الطعام.
6 يوليو 2019
عمان – من أحد المشافي السويسرية، يصف بريتا، في تسجيلات صوتية عبر تطبيق “واتساب”، وضعه الصحي بكونه “غير مستقر”. وهو ما يبدو واضحاً أيضاً من صوته الخافت الذي تبدو فيه علامات الإعياء الشديد بعد 26 يوماً متواصلة من إضرابه عن الطعام.
بريتا حاجي حسن الذي عمل سابقاً رئيساً لمجلس محافظة حلب التابع للمعارضة، كان قد أعلن الإضراب عن الطعام أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف، بدوافع “إنسانية بحتة”، كما يؤكد في التسجيلات الصوتية التي أرسلها إلى “سوريا على طول”، تتمثل في “تحريك الشعوب والضغط على حكوماتها لتسليط الضوء بشكل حقيقي على معاناة المدنيين في إدلب وحماة” الذين يتعرضون، منذ نيسان/أبريل الماضي، لهجمات وقصف متواصلين من قوات الحكومة السورية وحليفتها روسيا.
مبادرة بريتا التي بدأت فردية، سرعان ما أخذت تتحول إلى حملة دولية تُعرف باسم “الأمعاء الخاوية”. إذ بلغ عدد المضربين عن الطعام، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، 48 شخصاً، يتوزعون على بلجيكا، وسويسرا، وتركيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، والأردن، ومصر، وقطر، وغيرها، كما يؤكد لـ”سوريا على طول” الناشط عبد القادر بكار، أحد أعضاء الحملة في تركيا، والذي أعلن إضرابه عن الطعام يوم الإثنين الماضي. مبيناً أن “ما نقوم به هو صرخة لإيصال الصوت إلى المجتمع الدولي لوقف القتل والدمار الممنهج في حماة وإدلب ومناطق سورية أخرى”.
كما يشارك في الحملة داخل سوريا الناشطان جمعة موسى ومصعب الخلف، من ريف إدلب، اللذين بدءا إضرابهما عن الطعام يوم الإثنين الماضي.
وقال موسى لـ”سوريا على طول”: “أرى كل يوم المجازر بعيني، وانتشل الجثث من تحت الأنقاض. [وقد] قررت محاربة النظام بأسلوب آخر [غير السلاح] حتى وقف إجرامه بحق المدنيين”.
أما الخلف فقال إنه “عندما أرى أي ثائر يتحرك لصالحنا من أجل إيقاف آلة القتل، فلا مانع من التفاعل معه، وأن أنضم إليه وأضم صوتي [إلى صوته] وتقديم كل ما يلزم”.
غير أن “الأمعاء الخاوية” لا تتسم بطابع دولي بحكم انتشارها فقط بين ناشطين سوريين يتوزعون على دول مختلفة، وإنما نتيجة أيضاً لمشاركة غير سوريين فيها. إذ انضمت إلى الحملة ثلاث شخصيات أجنبية من بينها الناشطة والشاعرة الإيطالية فرانشيسكا سكالينشي.
صمت دولي وعجز معارضة
بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أدى التصعيد الحالي في شمال غرب سوريا إلى مقتل ما يزيد عن ألفي شخص، من بينهم 145 طفلاً. يضاف إلى ذلك موجة نزوح كبيرة في صفوف المدنيين من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي إلى المناطق الأكثر أمناً على الشريط الحدودي مع تركيا. كما خرج العديد من المنشآت الطبية والحيوية عن الخدمة نتيجة القصف الروسي والسوري.
الصمت الدولي على آلة القتل والدمار، كما عجز المعارضة السياسية السورية عن تقديم حلول، دفعا بالسوريين للاحتجاج بشتى الوسائل.
وفيما رأى بريتا أن “الأمم المتحدة قدمت إجراءات على الصعيد الإنساني الإغاثي لأهلنا، لكن هذا لا يكفي”، معتبراً أن المنظمة الدولية “لا تملك قراراً، لكنها تملك القدرة على التأثير على أصحاب القرار”، ذهبت ندى الخش، في المقابل، إلى أن “الأمم المتحدة مسؤولة وشريكة فيما يحدث. عمليات التهجير تمت بإشراف الأمم المتحدة. وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع خرجت باصات التهجير، وتم تجميع الناس في مكان واحد وخرج المسلحون بسلاحهم”.
بريتا حاجي حسن، من أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف، 1/7/2019
وقالت الخش (63 عاماً)، اللاجئة سورية المقيمة في مدينة إربد شمال الأردن، لـ”سوريا على طول”، إنها مضربة عن عن الطعام لليوم الرابع “رغم مرضي بالسرطان وكبر سني من أجل وقف المحرقة الكبرى؛ المحرقة التي شاركت فيها الأمم المتحدة بتجميع الناس ونقلهم”. متسائلة: “لماذا سمح بحمل السلاح الخفيف ونقل [المهجرين] إلى مناطق غير آمنة؟”.
في كانون الأول/ديسمبر 2016، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإجماع، على قرار نشر مراقبين دوليين للإشراف على إجلاء عشرات الآلاف من أحياء شرق حلب الخاضعة لسيطرة الثوار إلى مناطق المعارضة القريبة. إلا أن عجلة التهجير والإجلاء لم تتوقف، بل استمرت لتشمل سكان العديد من مناطق ريفي دمشق وحمص، كما إجلاء معارضي النظام في درعا والقنيطرة إلى شمال غرب سوريا في تموز/يوليو 2018.
في السياق ذاته، يوجه ناشطون سهام نقدهم للمعارضة السورية. وبحسب الخلف، فإنه “عندما رأينا المعارضة السياسية عاجزة عن أي دور في إيقاف آلة القتل الإجرامية اليومية التي يتعرض لها أهلنا، أصبحنا نتحرك بشكل منفرد”. وهو ما أيده مطلق الحملة بريتا، بقوله إن “المعارضة السياسية لا تمثل الشعب السوري وتمثل نفسها، مع احترامي للبعض منهم. ولم تقدم شيئا للشعب السوري. وكل المؤتمرات التي شاركت فيها كانت نتائجها سلبية على الشعب السوري، كـ[مفاوضات] أستانة”.
تعاطف دولي لا يكفي
منذ انطلاق الثورة السورية العام 2011، نفذ معارضو النظام السوري العديد من حملات الاعتصام والتظاهر والاحتجاج داخل سوريا وخارجها. ويعتبر العديد من أعضاء حملة “الأمعاء الخاوية” الذين تحدثت إليهم “سوريا على طول” أن الإضراب عن الطعام “فكرة جديدة للحراك السلمي الذي لم يستخدمه السوريين سابقاً في نضالهم السلمي ضد الأسد”.
وأكد بريتا أن “الحملة في تزايد، وأصبح لدينا فرق كاملة على الصعيد الإعلامي والإداري والتنظيمي، والترجمة للغات أخرى”. لكن رغم تزايد التعاطف الشعبي مع “الأمعاء الخاوية”، إلا أن المضربين عن الطعام لم يتلقوا حتى اللحظة رداً إيجابياً على مطالبهم. إذ، كما يقر بريتا “لم نتلق أي رد إيجابي بالمعنى الحقيقي. تلقيت آلاف رسائل التضامن، وهذا لا يكفي. نحن نحتاج إلى أفعال لا أقوال، نريد حماية الإنسان”.
على الرغم من ذلك، دعا بريتا اللاجئين السوريين في كل أنحاء العالم للتعاطف مع الحملة والانضمام إليها، وقال: “يجب أن نبدأ بأنفسنا ونتكاتف لنضغط على الآخرين للوقوف معنا، كلٌ بالوسائل المتاحة [له] و[على قدر] استطاعته. يجب أن نحول الأمر إلى رأي عام عالمي وشعبي عنوانه حماية الإنسان”. مضيفاً أن “الكثير من دول العالم تحررت بالاحتجاجات السلمية. وهناك أمثلة للإضراب عن الطعام حصلت على نتائج إيجابية”
وأكد بكار أن “بريتا ما يزال مستمراً [في الإضراب] لليوم السابع والعشرين، ونسعى جاهدين لوقف إضرابه إلا أنه يرفض ذلك، [رغم أن] الطبيب أخبرنا أنه سيدخل في مرحلة الخطر إذا ما استمر في [ذلك]“.
وكان بريتا أخبر “سوريا على طول” صباح الخميس الماضي، أنه أجرى فحوصات شاملة أظهرت وجود نقص كبير لديه في الشوارد وحاجته للمعادن، إذ “خسرت 18 كيلوغراماً من وزني خلال 26 يوماً من الإضراب”. مضيفاً: “كانت لدي عدة اجتماعات، لكنني ممنوع من السفر حالياً لأسباب صحية. وكانت الخطة السفر بعد جنيف للاعتصام في لوكسمبورغ وبروكسل”.
وختم بريتا: “نحن نعول على الشعوب للضغط على حكوماتهم ولا نعول على أي حكومة للمساعدة في هذا الأمر”.