الأمل يتبدد: هل تقف دمشق مع العائدين إلى عفرين في معركة استعادة منازلهم؟
استبشر الكرد بدخول قوات الأمن العام، التابعة لحكومة دمشق الجديدة، إلى عفرين أملاً باستعادة ممتلكاتهم وانتهاء الانتهاكات التي ترتكبها فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) بحقهم منذ سبع سنوات تقريباً
11 فبراير 2025
أربيل- قبل أيام من دخول قوات إدارة الأمن العام، التابعة لحكومة دمشق الجديدة، إلى منطقة عفرين بريف حلب “لتعزيز الأمن فيها”، في السادس من شباط/ فبراير الحالي، استردّ رامي بهجت، 43 عاماً، منزله ومحله التجاري في بلدة راجو بريف عفرين، مقابل 600 دولار أميركي دفعها لعائلة مهجّرة كانت تسكنه منذ عدة سنوات.
عاد بهجت إلى بلدته في الرابع من كانون الثاني/ يناير، رفقة ابنه الأكبر، 13 عاماً، بينما بقيت زوجته وثلاثة أطفال في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، على أن تعود بعد انتهائه من ترتيب أمور السكن، إلا أن الرجل الأربعيني فوجئ بطلب العائلة دفع “مبلغ 700 دولار مقابل الإخلاء”، وهددوه بـ”أخذ أثاث المنزل وخلع الأبواب والنوافذ إذا لم أسدد المبلغ”، كما قال لـ”سوريا على طول”، وبعد مفاوضات “خفضوا المبلغ إلى 600”.
ترك بهجت بلدته أثناء عملية غصن الزيتون العسكرية، التي أطلقتها فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) بدعم من تركيا، في كانون الثاني/ يناير 2018، وبعدها تم الاستيلاء على منزله، الذي سكنه فيما بعد مهجرون من دون أن يحصل بهجت على أي مقابل مالي، حاله حال العديد من الكرد، الذين سُلبت أملاكهم العقارية وأراضيهم الزراعية.
استبشر الكرد بدخول قوات الأمن العام إلى عفرين أملاً بانتهاء الانتهاكات بحقهم، التي تمارسها فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) منذ سبع سنوات، لكن يبدو أن “استعراض الأمن العام الذي حصل في عفرين هو فقط لإقناع الناس أنها عادت للإدارة الجديدة ولكن الواقع عكس ذلك، وما زالت الفصائل ترتكب تجاوزات بحق المدنيين”، كما قال أحد وجهاء مدينة عفرين.

أشخاص من عفرين يستقبلون قوات الأمن العام التابعة للحكومة السورية الجديدة، 06/ 02/ 2025، (وكالة سانا)
وأضاف لـ”سوريا على طول” شريطة عدم ذكر اسمه لدواع أمنية: “بينما أحدثك الآن، يجلس معي شخص يشتكي على نازح سكن في منزله سبع سنوات وقبل عودته أجّر المنزل وهرب”، ناهيك عن الانتهاكات الموجودة أصلاً، التي يرتكبها عناصر الفصائل، وبعض هؤلاء “غيّروا علم العمشات [نسبة إلى فصيل السلطان سليمان شاه] ورفعوا علم الأمن العام”.
في البداية، ظن بهجت أنه دفع المبلغ للعائلة، التي حلّت في منزله، بلا داعي، متوقعاً أن تنتهي تلك الممارسات بعد دخول الأمن العام، لكن أحد معارفه طلب من عائلة مهجرة الخروج من منزله، مستغلاً دخول القوات التابعة لحكومة دمشق، لكن العائلة “طلبت 1200 دولار مقابل تسليم المنزل”.
بعد عمليتي “فجر الحرية” التي أطلقها فصائل الجيش الوطني في الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2024، و”ردع العدوان”، التي أطلقتها هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة، وانتهت بسقوط نظام الأسد في الثامن من ذاك الشهر، تلقى أهالي عفرين تطمينات رسمية من الإدارة السورية الجديدة، ورسائل من معارفهم في المنطقة تشجعهم على العودة، لكنهم اصطدموا عند عودتهم بصعوبة استرجاع منازلهم، التي استولى على بعضها قادة الفصائل وعناصرهم أو سكنها مهجرون نازحون من مناطق أخرى.
المال مقابل الإخلاء
يتعرض أهالي عفرين لانتهاكات وتجاوزات منذ سيطرة فصائل المعارضة على منطقة عفرين في عام 2018، وخلال هذه السنوات “كل العالم سمع بوضع عفرين، ومع ذلك لا يصلنا إلا تطمينات وتسويف، بينما الحلول الحاسمة غائبة”، بحسب أحد وجهاء عفرين، متسائلاً: “ماذا نفعل أكثر من ذلك؟”.
وأضاف: “أهالي عفرين يبحثون عن الخلاص من سطوة الفصائل، ويبنون الأمل بدخول ممثلي الحكومة السورية إلى عفرين”، مشيراً إلى العديد من المهام التي يتعين على الإدارة الجديدة القيام بها في عفرين، من قبيل “هيكلة المؤسسات، حل أمنيات واقتصاديات الفصائل، والحد من سيطرة الفصائل على الممتلكات العقارية والزراعية وإعادتها لأصحابها”، إضافة إلى “إزالة الحواجز العسكرية غير الضرورية وتعيين عناصر محترفين يتعاملون مع المدنيين باحترام من دون تمييز أو اعتداء على خصوصياتهم الشخصية”.
ورغم الوعود المقدمة لأهالي عفرين تشجيعاً لعودتهم، لم تستلم 15 عائلة من أصل 250 عائلة عادت حديثاً إلى ناحية راجو منازلها، بحسب إحصائية شاركها خليل بكر، رئيس المجلس المحلي في الناحية لـ”سوريا على طول”، في أواخر كانون الثاني/ يناير، مؤكداً أن النازحين المقيمين في المنازل يطلبون من أصحابها مبالغ “تتراوح بين مئتي وألف دولار مقابل إخلاء المنازل”.
“يتذرع هؤلاء بأنهم أنفقوا مصاريف على المنازل التي سكنوها خلال السنوات السبع الماضية، مثل توصيل الكهرباء، حفر بئر مياه، أو تركيب نوافذ وأبواب”، ناهيك عن أن بعضهم “اشتروا المنازل من عناصر تابعة للفصائل ويطالبون بتلك المبالغ مقابل الإخلاء”، بحسب بكر.
في السنوات الماضية، انتشرت ظاهرة بيع منازل السكان الأصليين في عفرين بأسعار لا تعادل قيمة العقار الحقيقية تحت اسم “بيوت حزبية” أو “بيت تكلفة” أو “فروغ”، وتورط في عمليات البيع هذه فصائل عسكرية ومدنيون وضعوا أيديهم على العقارات أو اشتروها من الفصائل.
تسعى المجالس المحلية في عفرين من أجل استعادة المهجرين العائدين لممتلكاتهم العقارية، وتتواصل لأجل ذلك مع بعض قادة الفصائل “الذين وعدوا بإخلاء المنازل، لكن ما زال الموضوع في إطار الوعود ولا ندري مدى إمكانية تنفيذها”، بحسب بكر.
وفي ناحية شران (شرا)، عاد نحو ألف عائلة، لكن أكثر من 60 بالمئة منهم لم يستطيعوا استرداد منازلهم، وكما هو الحال في راجو، بعض هذه المنازل بيد فصائل الجيش الوطني “وهؤلاء يطالبون مبالغ بين 500 و2500 دولار من أجل تسليمها لأصحابها”، كما قال محمد عثمان جلوسي، رئيس المكتب الإغاثي في المجلس المحلي لشرّان لـ”سوريا على طول”.
في المقابل، هناك عائلات أخلت المنازل وعادت إلى الأماكن التي هُجرت منها من دون أن تطلب أموالاً من أصحاب العقارات الأصليين، بحسب آزاد عثمان، عضو المجلس المحلي في عفرين.
أما في ناحية المعبطلي، عاد نحو مئة عائلة منذ سقوط النظام السوري، لكن لا يوجد لدى المجلس المحلي معلومات إن كان العائدون قد دفعوا مبالغ لقاء استرداد ممتلكاتهم، كما قالت نازليه شيخ حسن، رئيسة المجلس لـ”سوريا على طول”.
تعليقاً على ذلك، قال عثمان أن هناك “عشرات المنازل في شيخ حديد ومعبطلي ترفض الفصائل أو الأشخاص الذين وضعوا يدهم على المنازل تسليمها من دون الحصول على مبلغ مالي، قد يصل إلى 1500 دولار”.
وفي حال “خرج النازح من المنزل دون المطالبة بالمال، يتعين على صاحب المنزل دفع المبلغ للفصيل في حال أراد السكن في منزله”، بحسب عثمان.
وبذلك، وقع العائدون من الكرد في أزمتين، أزمة استعادة حقوقهم وأزمة تأمين سكن، كما قالت العديد من هؤلاء لـ”سوريا على طول”. استقرت عائشة عبدو (اسم مستعار) مع زوجها وأطفالها الثلاثة في منزل والديها في ناحية بلبل بعد عودتها من الشهباء قبل نحو شهرين، بينما استأجر آخرون منازل في المدينة أو حلّوا عند أقاربهم بشكل مؤقت.
نزحت عبدو من عفرين إلى تل رفعت عام 2018، في الأول من كانون الأول/ ديسمبر نزحت منها إلى شمال شرق سوريا، بعد سيطرة فصائل الجيش الوطني المنضوية ضمن عملية “فجر الحرية” على المنطقة، لكنها اضطرت إلى العودة إلى عفرين بعد عدم قدرتها على تأمين سكن.
عندما عادت عبدو إلى عفرين وجدت عائلة مهجّرة من الغوطة الشرقية تسكن منزلها، ورفضت العائلة تسليم المنزل إلا بعد “الحصول على 400 دولار”، وهو “بدل تكاليف إصلاح النوافذ والأبواب”، بحسب ادعائهم، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
ما هي الحلول؟
عندما يكون الفصيل العسكري متعاوناً، يمكن للمجالس المحلية في عفرين مساعدة أصحاب المنازل في استردادها، خاصة إذا كان لدى هؤلاء “مستندات تثبت ملكيتهم للبيوت”، وإذا تعذر ذلك “يمكن تقديم دعاوى قضائية، إما عبر محاكم مدنية أو عسكرية، إذا كان الحائز على المنزل عسكرياً”، بحسب عثمان، وفي حالات لا تجدي هذه الطرق نفعاً فيضطر أصحاب المنازل إلى دفع مبالغ مالية.
بالمعنى القانوني، “يمكن لكل متضرر اللجوء إلى القضاء، ونزع اليد الغاصبة للعقار العائد للمدّعي عن عقاره وتسليمه له خال من الشواغل والشاغلين”، كما قال المحامي غزوان قرنفل، مدير تجمع المحامين السوريين، ومقيم في تركيا.
لكن في عفرين، لا يوجد قضاء مستقل “يجرؤ على فعل ذلك”، وبالتالي يمكن اللجوء إلى حلول غير تقليدية ربما تساعد في تصعيد القضية وإثارتها في الرأي العام وأمام الحكومة المؤقتة والسلطات التركية، من قبيل “توافق الأهالي المتضررين على تشكيل لجنة” مهمتها التواصل مع الحكومة ووالي هاتاي الذي تتبع لسلطته تلك المنطقة، و”الطلب إليه اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية [لردّ الممتلكات”، ودون ذلك “لا أتوقع حلول قريبة لأن قوى الأمر الواقع المسيطرة هي نفسها الغاصبة لتلك العقارات”، بحسب قرنفل.
تعليقاً على ذلك، أكد عثمان وجود “دعاوى كثيرة وصلت للمحاكم، والقاضي يستدعي الساكن وينذره بإخلاء المنزل في غضون مهلة يتم الاتفاق عليها”، لكن “الإجراءات القضائية طويلة، والقرارات لا تكون إلزامية إذا استنجد النازح بالفصيل العسكري” المسؤول على المنطقة.
وأضاف عثمان: “عانينا كثيراً حتى استطعنا إقناع الأهالي بضرورة تقديم شكاوى، ورغم كل محاولاتنا لجأت أعداد قليلة جداً للقضاء”، ويعود ذلك إلى “خوف صاحب المنزل من الشخص الذي سكن في بيته، وعدم الثقة بعدالة القضاء عندما يكون أحد طرفي القضية كردي”.
ومع إعلان الحكومة الجديدة دخولها إلى عفرين، عبر جهازها الأمني، تقع عليها مسؤولية وقف حد للانتهاكات في عفرين، والبدء بإعادة الأراضي المسلوبة إلى أصحابها. قال جلوسي: “ننتظر من الحكومة الجديدة إخراجهم بموجب القانون”.
تواصلت “سوريا على طول” مع الحكومة السورية الجديدة للحصول على تصريح رسمي بشأن إعادة حقوق أهالي عفرين لكنها لم تحصل على رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.
لم يفكر رامي بهجت بتقديم دعوى في محكمة راجو لاسترداد منزله لأن العملية “قد تستغرق عدة أشهر والنتيجة غير مضمونة”، لذا كانت أسرع طريقة أن يدفع للعائلة التي حلّت في منزله، مستبعداً أن تتحسن الظروف إلا “إذا استلمت الحكومة منطقة عفرين [بشكل حقيقي] وخرجت الفصائل منها”.