6 دقائق قراءة

“الأنفاس تختنق”: هل يترك السوريون وحدهم في مواجهة الزلزال؟

في شمال غرب سوريا المنكوب، لا يمكن الاستجابة الطارئة من دون تدخل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية. مصدر من الخوذ البيضاء قدّر نسبة العجز في الآليات بأكثر من 50%.


7 فبراير 2023

باريس- مع استمرار الهزات الارتدادية، وتزايد المخاوف من حدوث زلزال “مدمّر” آخر، وسط عجز فرق الإنقاذ عن الاستجابة الطارئة، يقضي العديد من سكان شمال غرب سوريا ليلتهم في الساحات العامة أو النوم بمركباتهم، أو النزوح إلى المخيمات ومراكز الإيواء المؤقتة.

وثقت إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” وقوع 312 هزة أرضية في أقل من 48 ساعة، أشدّها الزلزال، الذي ضرب تركيا وسوريا، عند الساعة الرابعة فجراً، من يوم أمس الإثنين، وكان مركزه منطقة كهرمان مرعش جنوب تركيا، بقوة 7.7 درجة بمقياس ريختر.

لطالما كانت البيوت الإسمنتية حلماً بالنسبة لآلاف المهجرين والنازحين في شمال غربي البلاد، حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، لكنها تحولت إلى “ملاذ غير آمن” بعد الزلزال المدمر، وهو ما دفع عبد المجيد القرح، 26 عاماً، إلى قضاء ليلة الثلاثاء رفقة زوجته وطفلته، التي تبلغ عاماً واحداً، في سيارته بإحدى ساحات مدينة إدلب، كما قال لـ”سوريا على طول”.

“حالة الهلع والخوف ومشاهد الدمار الواسعة”، أشْعَرَتْ القرح، المهجّر من مدينة داريا بريف دمشق، عام 2016، بأن القصف والبراميل المتفجرة، التي نجا منها في مسقط رأسه ومكان إقامته في إدلب،  أهون من الزلازل “لأن القصف يتركز على منطقة واحدة، ما قد يتيح للناس فرصة الهرب إلى مكان آمن، لكن عند حدوث زلزال يضرب مدناً بأكملها أين تذهب؟”.

يفسّر خوف المدنيين في شمال غرب سوريا، حالة العجز في الاستجابة الطارئة من فرق الدفاع المدني، وعدم دخول معدات وآليات أو فرق إنقاذ، إذ “ما تزال المساعدات مجرد موعود، ولكن أياً منها لم يدخل حتى الآن”، كما قال منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري، اليوم الثلاثاء، لـ”سوريا على طول”.

حتى الآن، تمكنت فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) من إنقاذ 2400 شخص مصاب، فيما بلغ عدد الوفيات الموثقة في سجلاتهم 1020 شخصاً، وفقاً لمصطفى، مشيراً إلى أن “الأعداد قابلة للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات العائلات تحت الأنقاض”.

وبلغ عدد الأبنية المدمرة أكثر من 360 بناءً مدمراً كلياً، وأكثر من ألف جزئياً، إضافة إلى تصدع آلاف الأبنية الأخرى، بحسب مصطفى، مشيراً إلى وجود “عشرات المناطق لم نستطع الاستجابة لها كما يجب، وعشرات الأبنية المهدمة لم نستطع الوصول إليها، بسبب عدم قدرتنا على نشر فرقنا في كل المناطق المتضررة”.

من جهتها، وثقت وزارة الصحة، التابعة للنظام السوري، اليوم الثلاثاء، وفاة 812 شخص، وإصابة 1449 آخرين، في خمسة محافظات: حلب، اللاذقية، حماة، طرطوس، وريف إدلب، وهي حصيلة غير نهائية، بحسب الوزارة.

متطوعون في الدفاع المدني أثناء عمليات البحث عن ناجين في قرية بسنيا بريف إدلب، 07/ 02/ 2023، (الدفاع المدني السوري)

هول الكارثة!

عند الساعة الرابعة فجراً تقريباً، من يوم الإثنين، السادس من شباط/ فبراير الحالي، استيقظ الصحفي محمود حمزة فزعاً، على “أصوات غريبة أسمعها لأول مرة، رافقها هزّة أرضية”.

للوهلة الأولى، لم يفكر حمزة إلا بمكان آمن له ولزوجته وأطفاله، فخرج مسرعاً من منزلهم في منطقة أطمة الحدودية مع تركيا، قاصداً بيت والده القريب منه “كونه أقل خطراً من منزلي في حال حدوث هزّة أخرى، لأنه مشيّد من الطين ومسقوف بعازل بلاستيكي،” كما قال لـ”سوريا على طول”.

الساعة الرابعة فجراً لن تمحى من ذاكرة السوريين المنكوبين وذويهم، وكذلك الأتراك الذين فقدوا نحو 3432 شخصاً قضوا في الزلزال، إضافة إلى إصابة 21103 شخصاً، وفقاً لإدارة الكوارث “آفاد”. لكن عدد الوفيات قد يزيد ثمانية أضعاف، كما صرحت كاثرين سمولوود، كبيرة مسؤولي الطوارئ في منظمة الصحة العالمية في أوروبا لوكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب).

وصف عبد المجيد القرح اللحظات الأولى للزلزال بأنها “أشبه بيوم القيامة. جميع الناس في إدلب هرعوا من منازلهم”. وفي العادة، عند وقوع أي حدث في المنطقة يكون الشاب المصور أول الناس بهدف التغطية، لكنه لأول مرة يشعر بـ”التشنج”، وتأخر عدة ساعات قبل أن يخرج ليعاين الأضرار في المنطقة.

تتشارك عفاف جقمور، الصحفية المقيمة في مدينة إدلب، المشاعر ذاتها مع القرح، معبرة عن إحساسها بـ”العجز والتشتت بين المسؤولية التي تقع على عاتقنا في نقل مأساة الناس ومعاناتهم، وبين الخوف الذين نعيشه”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

تشعر جقمور، التي تتعاون مع “سوريا على طول”، بأنها أفضل حالاً من غيرها، كون البناء الذي تسكن فيه تعرض لأضرار بسيطة مقارنة بمشاهد الدمار، الذي حلّ في المنطقة، لكنه لم يعد آمناً بالنسبة لها، خاصة مع حدوث هزّات مستمرة، على حد قولها.

تضررت الأبنية الإسمنتية في عدد من المناطق شمال غرب سوريا، كما في إدلب المدينة، حيث تعيش جقمور والقرح، وأطمة حيث يعيش محمود حمزة. لكن على بعد 7 كيلومترات من مكان إقامة الأخير، كانت ناحية جنديرس بمنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي، هي من أكثر المناطق تضرراً بالزلزال الذي ضرب أجزاءً من سوريا وتركيا.

بعد شروق الشمس، توجه حمزة إلى جنديرس المجاورة، “وهنا كانت الصدمة. لا يخلو حيّ أو حارة من وجود بناء مهدم كلياً”، بينما الناس “يتتبعون الأصوات الصادرة من تحت الأنقاض من أجل تحديد أماكن العالقين”.

من جهته، لأول مرة يشعر فادي شباط، المقيم في مخيم المحمدية بريف عفرين، الذي يبعد  6 كيلومترات عن جنديرس، بأنه كأحد سكان المخيمات “أفضل حالاً من المنكوبين في جنديرس وأطمة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

يدوّن شباط تجربته في المخيم، ويتطلع إلى إصدارها بكتاب يحمل اسم “مدافن الأحياء”، يحاول إظهار المعاناة الإنسانية لسكان المخيمات شمال غرب سوريا، لكن بعد زيارته لجنديرس، حيث الأسقف المهدمة فوق رؤوس ساكنيها بفعل الزلزال “شعرت لأول مرة بإيجابية السكن في المخيم”.

بعد حدوث الزلزال، يبحث المنكوبون عن مراكز إيواء “لكنك في المخيم لست مضطراً لمغادرة خيمتك، فأنت آمن نسبياً، إلا إذا تسبب الزلزال بخسف في الأرض”، بحسب شباط، لافتاً إلى أن جميع الخيام في مخيم دير بلوط، البالغ عددها 1500 خيمة، “استقبلت عائلة أو عائلتين من المناطق المنكوبة، وتم تحويل مدرسة المخيم إلى مركز إيواء مؤقت”.

“الأنفاس تختنق”

سارعت عدة دول للإعلان عن تضامنها مع المنكوبين في تركيا وجارتها سوريا. وفي هذا الإطار، تحركت فرق إنقاذ من أكثر من دولة، مثل: إيطاليا، هولندا، تايوان، فرنسا، وقطر، للمشاركة بالعمليات في المناطق المنكوبة بتركيا.

وفي هذه الأثناء، تداول ناشطون سوريون وصول فرق إنقاذ قطرية إلى شمال غرب سوريا، تزامن ذلك مع إعلان جمعية قطر الخيرية إنشاء جسر جوي تابع للقوات الأميرية القطرية، لإرسال مساعدات عاجلة لإغاثة ضحايا زلزال سوريا-تركيا.

لكن، مصادر نفت لـ”سوريا على طول” حتى اللحظة عبور أي فرق إنقاذ أو معدات إلى داخل سوريا، وبحسب أحد العاملين في المجال الإنساني السوري، طلب عدم الكشف عن اسمه، “لا صحة للأنباء عن وصول فرق إنقاذ قطرية وفرنسية إلى سوريا حتى الآن”.

بجهود محلية، تحاول فرق الدفاع المدني الاستجابة بأقصى إمكانياتها للتعامل مع آثار الزلزال، لكن “الآليات غير كافية للتعامل مع هذا الحجم الهائل من الدمار”، بحسب منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني، مقدراً نسبة العجز في الآليات بأكثر من 50%.

“الأنفاس تختنق”، والفرق المحلية عاجزة عن الاستجابة الطارئة، لذلك يتعين على المجتمع الدولي التحرك بسرعة، فـ”كل ثانية هي إنقاذ روح، ولا يمكن أن يُترك المدنيون لمواجهة مصيرهم”، قال مصطفى.

وإلى أن يستجيب المجتمع الدولي، دولاً ومنظمات، “يتكافل السوريون بين بعضهم”، على حدّ قول مصطفى، وهو ما أكدته مصادر عدّة لـ”سوريا على طول”.

زلزال يضرب المساعدات العابرة للحدود

تنطلق معظم العمليات الإنسانية، التي تستهدف شمال غرب سوريا، من جنوب تركيا، وهي المنطقة الأشد تأثراً بالزلزال في الجانب التركي، لذلك تسبب الزلزال بـ”ارتباك المنظمات الإنسانية وفرق الاستجابة الإنسانية لأنهم متضررون”، كما قال الدكتور محمد كتوب، خبير في مجال المناصرة للاستجابة الإنسانية وحماية عمال الإغاثة في سوريا.

وأضاف كتوب في حديثه لـ”سوريا على طول”: “شكلت تركيا ومشافيها وقدراتها اللوجستية الخطوط الخلفية لشمال غرب سوريا، عندما كان يتعرض للكوارث نتيجة العمليات العسكرية، لكنها اليوم متضررة”. وبالتالي، “لن تستطيع دعم الجهود في سوريا، ناهيك عن مشكلة خطوط الإمداد بين البلدين”.

حتى الآن، لا يوجد تقييم أضرار دقيق، وكل الجهود منصبّة على الاستجابة الطارئة، لكن أياً يكن، فـ”المشهد أوسع من خيالاتنا وأكثر تعقيداً”، قال كتوب، مؤكداً استحالة الاستجابة للكارثة “من دون التدخل العاجل للأمم المتحدة”، هذا التدخل “يجب أن يكون على شكل فرق استجابة، وليس تقديم المساعدات فقط”.

عجز السوريين عن مواجهة تداعيات الزلزال “دفعت المدنيين إلى المساهمة في عمليات الإنقاذ والبحث عن ناجين”، لكن “إذا كانت الدول [مثل تركيا] تحتاج المساعدة لإزالة الأنقاض، فكيف بمنطقة منكوبة مدمرة، مثل شمال غرب سوريا، تعاني من ضعف الإمكانات؟”، تساءل محمود حمزة.

شارك هذا المقال