11 دقائق قراءة

الإعلام في شمال شرق سوريا: هامش حرية يخفي وراءه انتهاكات وممارسات تقييدية

في شمال شرق سوريا، هناك "خطوط حمراء" لا يمكن تجاوزها أثناء التغطية الصحفية. تشهد مناطق الإدارة الذاتية تراجعاً في الحريات الصحفية منذ إقرار قانون الإعلام في أيار/ مايو 2021


2 يوليو 2024

باريس – خلف اسم مستعار، اشتكى مظلوم حسن من “تراجع هامش الحريات في مناطق الإدارة الذاتية” على عكس الصورة المشرقة، التي تحاول السلطات المحلية تسويقها عن مناطق نفوذها في شمال شرق سوريا، إذ يصون عقدها الاجتماعي لعام 2023 “حرية العقيدة والضمير والفكر والرأي”.

تعرض حسن، وهو إعلامي كردي من مدينة القامشلي بريف الحسكة للعديد من الانتهاكات خلال مسيرته المهنية في تغطية أحداث شمال شرق سوريا، وصلت حد الاعتداء الجسدي واللفظي والتوقيف، وحُرم من حقه في الحصول على بطاقة صحفية، تصدر عن اتحاد الإعلام الحر التابع للإدارة الذاتية، وبالتالي تقييد قدرته على العمل بحرية، كما قال لـ”سوريا على طول”.

يعزز رواية حسن، ما حصل في أواخر أيار/ مايو الماضي، عندما شهدت مناطق الإدارة الذاتية موجة احتجاجات ضد قرار تحديد سعر مادة القمح بمبلغ 310 دولار أميركي للطن الواحد، بعد أن كان 430 دولاراً في الموسم السابق، وأخذ الصحفيون والصحفيات دورهم في تغطية هذا الحراك.

على خلفية التغطية الصحفية، اعتدى عناصر “قسد” في مدينة الرقة على ثلاثة صحفيين، واعتقلت أحدهم، وهو الصحفي عبد الله الخلف، الذي تعرض للاعتداء الجسدي واللفظي، وأجبر على حذف جميع الصور والمقاطع المصورة والمقابلات التي أجراها مع فلاحين، قبل أن يتم الإفراج عنه. 

يتنافى ذلك مع المادة رقم 10 من قانون الإعلام الصادر عن الإدارة الذاتية، التي تنص فقرتها الأولى على أن “حرية الإعلامي مصانة في القانون، ولا يجوز أن تكون المعلومة أو الرأي الذي ينشره سبباً في اعتقاله أو المساس بحريته”.

ومع ذلك، “تسعى الإدارة الذاتية إلى تقديم تجربة أقل تضييقاً وانتهاكات بحق الصحفيين مقارنة بمناطق النظام والمعارضة، لكن هذه المقارنة قد لا تكون دقيقة إلى حدّ كبير”، قال حسن، مشيراً إلى أن “مراسلي الوكالات الإعلامية في مناطق المعارضة شمال غرب سوريا ينتجون مواداً إعلامية بزخم أكبر، ويستطيعون تصوير أحداث أمنية لحظة وقوعها على عكس منطقتنا، إذ لا يمكن تغطية القضايا الأمنية من دون موافقة”.

في المقابل “مناطق قسد لم تشهد عمليات اغتيال صحفيين في آخر عشر سنوات، على عكس المناطق الأخرى”، بحسب حسن، وهو مؤشر يمكن أن يكون إيجابياً مقارنة بالمناطق الأخرى. وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل أربعة صحفيين على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الفترة بين آذار / مارس 2011 والشهر ذاته من عام 2024، من أصل 717 صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام قتلوا خلال الفترة، 554 منهم على يد النظام السوري.

تحتل سوريا المعروفة بـ”مملكة الصمت” المركز قبل الأخير في حرية الصحافة لعام 2024، ورغم تفاوت الحريات في البلد الذي مزقته الحرب بين منطقة نفوذ وأخرى، إلا أن تقييد الحريات سمة مشتركة بين الجميع، بما في ذلك مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

تشهد مناطق الإدارة الذاتية تراجعاً في الحريات الصحفية منذ إقرار قانون الإعلام في أيار/ مايو 2021، الذي يُفترض أنه يضمن حرية الرأي والتعبير في شمال شرق سوريا. بعد شهر من المصادقة على القانون الجديد أغلقت الإدارة الذاتية مكتب قناة “كردستان 24” بذريعة “نشر خطاب الكراهية، وتأجيج الفتنة بين أبناء الشعب الكردي”، وواجهت “شبكة رووداو” المصير ذاته، إذ منعت الإدارة الذاتية الشبكة من العمل بمناطق نفوذها، في شباط/ فبراير 2022، بذريعة “إثارة النعرات، وتشويه صورة المؤسسات العاملة في شمال شرق سوريا”.

وفي شباط/ فبراير 2024، بلغ التشديد ذروته بفرض الإدارة الذاتية على وسائل الإعلام العاملة في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، تزويدها بمعلومات عن الموظفين والعاملين فيها، والكشف عن خلفية الموظفين عند الطلب، وهذا يثير مخاوف الصحفيين والصحفيات في المنطقة من تهديد أمنهم أو منعهم من مزاولة المهنة، كما في حالة الصحفي آرام سالم (اسم مستعار)، صحفي كردي مقيم في الحسكة.

“أحد الأدلة على عملية التضييق على الإعلاميين وقمع الحريات، ما تقوم به دائرة الإعلام التابعة للإدارة الذاتية من خلال المماطلة في تجديد مهمّات الإعلاميين وتراخيص وسائل إعلام غير تابعة لها بشكل أو بآخر”، قال سالم لـ”سوريا على طول”، مستدلاً على ذلك بعدم منحه المهمة الصحفية، التي طلبها منذ عدة أشهر، “والمماطلة في تسوية وضعي بداعي أنني أنتجت تقارير اجتماعية وقصص نجاح  لمؤسسة إعلامية غير حاصلة على ترخيص من الإدارة الذاتية”.

تأكيداً على ذلك، قالت منظمة أوروبية تعمل في مجال تطوير الإعلام لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن التحديات زادت بشكل ملحوظ هذا العام، مشيرة إلى القيود التي تواجهها في العبور من إقليم كردستان العراق إلى شمال سوريا والحصول على تراخيص من أجل تنظيم الأحداث المتعلقة بحرية الصحافة. 

تعليقاً على ذلك، نفى جوان ملا ابراهيم، الرئيس المشترك لدائرة الإعلام في الإدارة الذاتية، أن يكون الهدف من قانون الإعلام تقييد الحريات الصحفية، معتبراً أنه “يساعد الصحفيين على تأدية مهامهم من جهة، ويمنع حالة الفوضى التي كانت تعاني منها منطقة شمال شرق سوريا”.

وأوضح ابراهيم في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “الجهات غير المرخصة لا يحق لها العمل في المجال الصحفي”، ولكن من أجل تسهيل عمل المؤسسات الصحفية غير المرخصة “يمكنها الحصول على تفويض أو إذن عمل، سواء عبر إرسال بريد رسمي، أو عبر تفويض أحد الصحفيين في شمال شرق سوريا”.

ترهيب الكوادر الصحفية

في الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية، هاجمت قوى الأمن الداخلي (الأسايش) وقفة نظمها ناشطون في مدينة الرقة، واعتدوا على الصحفية مروة ناصيف، التي كانت تغطي الوقفة، وصادروا معداتها.

تقدمت ناصيف بشكوى رسمية، لكنها “أجبرت على التنازل عنها، ولم تُحاسب إدارة الأسايش العنصر الذي اعتدى عليها”، قال سامر الرشيد (اسم مستعار)، صحفي مستقل من الرقة لـ”سوريا على طول”، وهو أحد الشهود على حادثة الاعتداء. حاولت “سوريا على طول” التواصل مع ناصيف لكنها رفضت التعليق على الحادثة.

وأضاف الرشيد: “بعد الاعتداء على الصحفية جرى استجوابنا [من الأسايش]، وطلبوا منا عدم الإدلاء بأي معلومات عن الحادثة لأي جهة إعلامية أو حقوقية”، وهذا دليل واضح على “تراجع الحريات في شمال شرق سوريا”، وفقاً له.

في الشهر الماضي، أجرت السلطات المحلية “دراسة أمنية عني، وهو إجراء تقوم به بين فترة وأخرى حولنا كصحفيين”، بحسب الرشيد، وأيضاً “أينما نذهب للتغطية تتوقف سيارة تابعة للأمن [الأسايش] ويسألوننا عن مهماتنا الصحفية، والجهة التي نعمل معها، وموضوع التقرير”.

استذكر جيكرخون علي (اسم مستعار)، المدير السابق لوسيلة إعلام كردية محلية، عندما تعرض لـ”الترهيب” بعد نشر تقرير عن المعارك بين “قسد” وتنظيم “داعش” بعام 2022، وبدلاً من استدعائه من جهة حكومية تابعة للإدارة الذاتية، كاتحاد الإعلام الحر أو القضاء، تم استجوابه من مجهولين، ورغم طلبه منهم “إبراز هوياتهم، إلا أنهم رفضوا تقديمها واستجوبوني لأكثر من خمس ساعات”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وفي مواقف أخرى، تلقى علي مكالمات من أرقام غير معروفة وتعرض للتهديد من المتصلين، واصفاً ما حدث بأنه أسلوب من أساليب “الترهيب الفعال”، لأنها “تضعك تحت ضغط مستمر من الخوف، ودائما تفكر في النتائج، وهذا بدوره يؤثر على تفكيرك ومهنتك”.

“نحن نعمل في أرض مليئة بالألغام، عليك أن تكون حذراً من ارتكاب أي خطأ، وهذا يتطلب الكثير من الطاقة، والتفكير الدائم بعدم الوقوع في الخطأ”، قال سيروان حج حسين، مدير إذاعة آرتا إف إم، وهي وسيلة إعلام محلية مستقلة تغطي شمال شرق سوريا.

في نيسان/ أبريل 2016، تعرض مقر الإذاعة في مدينة عامودا بمحافظة الحسكة، وقد اتُهمت الإدارة الذاتية بالوقوف وراء الحادثة، رغم عدم تبنيها الحادثة.

من الجهات غير الحكومية الفاعلة في شمال شرق سوريا حركة الشبيبة الثورية (جوانن شورشكر)، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهي متهمة بالضلوع في العديد من الانتهاكات، مثل: حرق مكاتب المجلس الوطني الكردي، الذي تعرضت مكاتبه للحرق أكثر من مرة، آخرها حرق مكتبين له بمدينة القامشلي، في أيار/ مايو الماضي. اتهم المجلس الإدارة الذاتية بالوقوف وراء هذه الحوادث، لكن الأخيرة نفت مسؤوليتها عن الحادثة الأخيرة.

رداً على ذلك، قال إبراهيم، الرئيس المشترك لدائرة الإعلام، “في سوريا سابقاً كانت الحريات الصحفية غير موجودة، ولهذا تعد تجربتنا بعد عام 2011 جديدة، وما زلنا نحاول تطوير أنفسنا وصحفيينا”. ومع ذلك “نحن ضد أي انتهاك أو مساس بحرية أي شخص إعلامي وأي شخص يعمل ضمن نطاق حرية التعبير”.

خطوط حمراء

اتفقت جميع المصادر الصحفية التي تحدثت لـ”سوريا على طول” على وجود “خطوط حمراء” لا يمكن تجاوزها أثناء التغطية الصحفية في شمال شرق سوريا، وإلا سيعرضون أنفسهم للاعتقال والاحتجاز.

“لا توجد حرية رأي وتعبير في شمال شرق سوريا”، قال سامر الرشيد، معتبراً أن “الحرية تكون بتغطية القضايا الخدمية”، ومع ذلك “قد تتعرض للمساءلة إذا كنت تريد الحديث عن تراجع الخدمات في الرقة”، على حد قوله.

وقال جيكرخون علي أن مؤسسته أُجبرت على حذف بعض محتواها الإعلامي الذي اعتبرته السلطات المحلية “تحريضياً”، وفي إحدى المرات أحالت الإدارة الذاتية مؤسسته إلى المحكمة بسبب تقرير يكشف عن حادثة فساد في قطاع خدمي، ورغم ثبوت براءتهم إلا أن القضية كانت بمثابة “رسالة واضحة” لهم.

“التضييق حتماً مرفوض” ولا يمكن تبريره، لكن لا بد من معرفة “مجموعة من العوامل التي تسهم في التضييق، من قبيل: استهداف البنية التحتية من قبل تركيا”، ومن جانب آخر “إشارة التقارير الدولية إلى الانتهاكات المرتكبة من الإدارة الذاتية، لذلك تعتقد الإدارة الذاتية أن الجهات المحلية هي من ترسل المعلومات للجهات الدولية، وهذا يدفعها إلى التضييق عليها”، كما قالت سيماف حسن، مديرة المناصرة والتواصل في منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، لـ”سوريا على طول”.

في نيسان/ أبريل 2024، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً يتناول الانتهاكات بحق المحتجزين في سجون الإدارة الذاتية في أعقاب هزيمة تنظيم داعش.

تعليقاً على ذلك، قال إبراهيم، الرئيس المشترك لدائرة الإعلام، أن “التهديدات التركية والتهديدات الأخرى التي تتعرض لها منطقة شمال شرق سوريا من شأنها أن تتسبب بوضع حواجز وحدود على حرية الصحفيين”، ولذلك “نحن مضطرون أن نحمي مؤسساتنا وزملائنا”.

لكن من حيث الأرقام، واقع الإعلام في شمال شرق سوريا أفضل من شمالها الغربي، إذ ارتكبت مجموعات محسوبة على الإدارة الذاتية انتهاكَين من أصل ثمانية وقعت في عموم سوريا خلال الربع الأول من عام 2024، مقابل خمسة انتهاكات على يد هيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا، وانتهاك على يد النظام السوري، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من مركز الحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين.

بالنسبة للانتهاكات في شمال شرق سوريا، وثق المركز خلال المدة التي ذكرها، حادثة الاعتداء على مروة ناصيف في مدينة الرقة، وكذلك احتجاز مجموعة مسلحة تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) الإعلامي راكان أحمد، بعيد مداهمة منزله في بلدة المعبدة (كركي لكي) بريف محافظة الحسكة، واقتياده إلى مكان مجهول.

وجود انتهاكات أقل في شمال شرق سوريا مقارنة بشمالها الغربي لا يعني وجود حرية أكبر، لأن الانتهاكات قد تأخذ شكل “فرض قيود، بعضها مقونن، للحد من العمل بشكل حر”، وفقاً للقاضي إبراهيم حسين، مدير المركز.

مقارنة الانتهاكات بالسنوات السابقة يتضح أن “مستوى الانتهاكات الأشد فتكاً كالقتل والإصابة انخفض نظراً لتراجع حدة العمليات العسكرية”، لكن هذا “لا يعني أن مستوى الحريات الصحفية في تحسن”، كما قال القاضي حسين لـ”سوريا على طول” لافتاً إلى أن “التضييق على العمل الصحفي مستمر في كل المناطق بما فيها مناطق الإدارة الذاتية”.

واقع الإعلام في شمال شرق سوريا دفع المؤسسات الإعلامية إلى ممارسة رقابة ذاتية، لذلك وضعت مؤسسة سيروان حج حسين “خطوطاً حمراء” فيما يتعلق ببعض التطورات السياسية والعسكرية، التي لا تتجاوزها.

وأضاف حج حسين: “نحن لا نرى أنفسنا في شمال شرق سوريا كهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، لأنها لا يمكن أن توجد لولا القانون الذي تضمنه له بريطانيا. يمكنهم انتقاد أي شخص والقانون يحميهم”، أما في سوريا عموماً “لا يوجد سوى قانون السلاح، لذا عليك أن تكون حذراً  مما تكتبه”.

سياسة تمييزية

تشهد مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا تزايداً في الإجراءات البيروقراطية واللوائح الناظمة للإعلام في شمال شرق سوريا، وتتحمل الصحافة المستقلة -أفراداً وكيانات- النصيب الأكبر من التحديات الناتجة عن هذه الإجراءات.

“إذا كنت مستقلاً، فإنك تواجه الكثير من التحديات، لأنك لا تنتمي إلى أي حزب في السلطة”، قال سيروان حج حسين، مدير آرتا إف إم.

تأكيداً على ذلك، أشار الصحفي مظلوم حسن إلى وجود تمييز في التعامل مع المؤسسات الإعلامية وكوادرها في شمال شرق سوريا، لكن هذا التمييز “لم يكن يوماً متعلق بمكون أو قومية، وإنما مرتبط بموقف المؤسسات الإعلامية أو إداراتها من الإدارة الذاتية والمؤسسات التابعة لها”.

واتفق سامر الرشيد مع حسن، عربي ينحدر من الرقة، في أن الانتهاكات “تستهدف جميع الصحفيين بغض النظر عن عرقهم أو طائفتهم”، لكن “العرب أكثر تضرراً، لأن الأقليات لديها جهات تحميها وتدافع عنها على عكس العرب، والكرد ربما يستفيدون من أقاربهم العاملين مع السلطات”.

وأضاف الرشيد: “المؤسسات المستقلة أو المناهضة للإدارة الذاتية هي الأكثر عرضة للانتهاكات والتضييق، وهذه الانتهاكات تكون على صعيد المؤسسة، من قبيل الاعتداء على مكاتبها، أو على صعيد التضييق على مراسليها”.  

من أجل مزاولة العمل الصحفي في شمال شرق سوريا، يحتاج الصحفي إلى بطاقة صحفية من اتحاد الإعلام الحر ومهمة صحفية، وموافقة أمنية لتغطية القضايا الحساسة أو الدخول إلى بعض الأماكن، من قبيل مخيم الهول الذي يضم عائلات تنظيم داعش، كما يترتب عليه دفع رسوم سنوية وتختلف هذه الرسوم بحسب الوثيقة، علماً أن المهمة والبطاقة لا تعطى إلا بعد التأكد من خلفية الوسيلة الإعلامية التي تنوي الصحفية أو الصحفي العمل بها.

لكن “الإدارة الذاتية لا تمنح التصاريح إلا لوسائل الإعلام العربية والدولية التي تدعم توجهاتها السياسية، من خلال إعلاميين محليين يعملون مع تلك الوسائل، وسبق أن كانوا في مؤسسات الإدارة الذاتية”، بحسب آرام سالم.

وكذلك، يُحرم الصحفيون غير المُتماشين مع سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) من تغطية بعض الأحداث، كما هو الحال بالنسبة لمخيم الهول، بينما يُسمح للأشخاص ووسائل الإعلام القريبة من الإدارة الذاتية تغطية المخيم وزيارته.

اشتكى مظلوم حسن من “الانتقائية” التي تمارسها الإدارة الذاتية في السماح لبعض الصحفيين تغطية أحداث أمنية وإقصاء آخرين”، وكذلك “إيقاف البعض عن العمل بحجة تصوير تقارير لقنوات غير مرخصة، وقد يصل الأمر إلى الاعتقال، وتهديدهم بالاعتقال لفترات أطول في حال تحدثهم إلى الإعلام عن تعرضهم للاعتقال”.

الأخطر من ذلك، أن تسيطر الإدارة الذاتية “على الإعلام المحلي والدولي عبر عشرات وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة له، أو عبر تعيين مراسلين موالين لها في قنوات ووكالات عربية وكردية ودولية، مقابل عدم توفير مساحة عمل آمنة لغيرهم، والضغط عليهم أمنياً من أجل تبني خطاب إعلامي متوافق لأجنداتها”، بحسب حسن.

“الأقل استبداداً”

رغم تقييد الحريات الصحفية في شمال شرق سوريا، أقر آرام سالم بأن مناطق الإدارة الذاتية “الأقل استبداداً”، مقارنة بمناطق المعارضة في شمال غربي البلاد، ومناطق النظام السوري.

لا يمكن مقارنة ظروف الصحافة في شمال شرق سوريا حالياً بما كان عليه واقع الصحافة قبل ثورة آذار/ مارس 2011، لا سيما بالنسبة لفاعلي الإعلام من الكرد مثل سيروان حج حسين، الذي أسس أول موقع إخباري كردي سوري في عام 2000، وكان ذلك غير قانوني، قائلاً: “رغم أننا لسنا راضين عن كل شيء، ولدينا مشاكل مع الإدارة الذاتية، لكن الوضع أفضل بكثير مقارنة بوجود النظام السوري أو داعش أو جبهة النصرة أو الاحتلال التركي”، وأشار إلى أنه “لم يُسمح لي بدخول سوريا قبل عام 2013، قبل أن تأتي الإدارة الذاتية إلى السلطة”.

“آرتا كانت أول إذاعة مستقلة، ولن يكون ذلك ممكنًا إذا كان النظام السوري في السلطة [شمال شرق سوريا]. بالطبع، لسنا سعداء بكل شيء، لدينا الكثير من المشاكل على الأرض مع الإدارة الذاتية، ولكن لا يزال الأمر أفضل من وجود النظام السوري أو داعش أو جبهة النصرة”، وفقاً لحج حسين.

غالباً ما تقارن الإدارة الذاتية نفسها بالسلطات الأخرى، لتصدير صورة أفضل عن واقع الإعلام في مناطقها مقارنة بمناطق المعارضة والنظام، لكن من وجهة نظر جيكرخون علي “يجب مقارنة الأمور بالمعايير الديمقراطية التي حددتها لنفسها وليس مع معايير خارجية”.

تحظى الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا دعماً غربياً، بما في ذلك دعم المؤسسات الإعلامية العاملة في حدودها، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن دور الجهات المانحة في تحسين واقع الحريات في المنطقة.

رداً على ذلك، قال ممثل في وزارة الخارجية الأميركية لـ”سوريا على طول” أن بلاده “تطرح دائما قضايا حرية الصحافة مع السلطات المحلية في شمال شرق سوريا، وتؤكد على الدور الأساسي للكوادر الصحفية”.

ومع أن “المنظمات الدولية والجهات المانحة تستطيع لعب دور في الضغط على السلطات المحلية، وخصوصا الدول الغربية المتواجدة في المنطقة، مثل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة”، إلا أن “الضغط يجب أن يكون من المنظمات المدنية المحلية لا من الجهات الخارجية”، بحسب سيماف حسن، مديرة المناصرة والتواصل في منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.

وأضافت حسن في حديثها لـ”سوريا على طول”: “يمكننا تذكيرها [الإدارة الذاتية] بالالتزامات الدولية الملقاة على عاتقها في حماية المساحة المدنية وعدم ارتكاب الانتهاكات، والضغط باتجاه تنفيذ التزاماتها الموضحة في العقد الاجتماعي الذي صاغته وأعلنت عنه”.

وحذرت حسن على أنه “من غير المسموح علينا كمنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان والإعلاميين والإعلاميات التأقلم مع التضييق مهما كان هامشه وأياً كان تفسيره”.

ومع ذلك، لا ينفي الحديث عن تقييد الحريات “وجود هامش حريات أفضل” في شمال شرق سوريا، لكن أيضاً “يتعين علينا أن نتأمل ونسعى أن يكون هامش الحريات أوسع، وعلى السلطات المحلية حمايته”، بحسب حسن.

لطالما فكر سامر الرشيد في “تعزيز قدراتي الصحفية، وتعلم مهارات جديدة تخولني العمل مع جهات إعلامية كبيرة وعالمية”، لكن مع صدمته بواقع الحريات “تراجع طموحي، وصرت أفكر عن طريقة في الخروج من البلد لعلّي أصل إلى مكان أستطيع التعبير عن رأيي بحرية”.

شارك هذا المقال