5 دقائق قراءة

الإعلام وغربي حلب: ضباب الحرب يفرض غشاوة على المعلومات والأهالي يريدون الحقيقة فقط

مع غياب شمس يوم السبت الماضي، بدأ صوت المعارك الذي [...]


14 أغسطس 2016

مع غياب شمس يوم السبت الماضي، بدأ صوت المعارك الذي كان يتناهى من بعيد، في ريف حلب الغربي بالاقتراب أكثر فأكثر.

وكان الثوار شنوا، منذ اسبوع مضى، هجوما مفاجئا في جنوب غرب مدينة حلب، وبدلا من محاولة كسر حصار طريق الكاستيلو الذي فرضه النظام في شمال حلب، وجدت قوى الثوار، بما فيها اتحاد جيش الفتح الاسلامي وغرفة عمليات فتح حلب، ثغرة ممكنة في منطقة الراموسة، جنوب غرب المدينة.

وتقع منطقة الراموسة جنوب غرب محافظة حلب، إلى الغرب تماماً من الشيخ سعيد، شرقي حلب، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الثوار وتمكن النظام من حصارها الشهر الماضي.

ومع اشتداد الاقتتال في الراموسة، التي هي مقر لعدد من الكليات العسكرية، وامتداده إلى منطقة الحمدانية الخاضعة لسيطرة النظام، كانت الأسئلة التي تتردد في أذهان الأهالي: هل سيضطرون للهروب؟ هل ستصد قوات الحكومة وحلفائها تقدم الثوار؟ أو ما الذي يحدث فعلاً؟

وبحسب الإعلام الحكومي الرسمي، فالجواب كان: لا.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” عن مراسلها في حلب، السبت في 6 آب، ان لا صحة للشائعات التي تتداولها وسائل الإعلام، عن سيطرة المجموعات “الإرهابية” على دوار الراموسة. وأن سلاح الجو قطع ناريا جميع المحاور المؤدية إلى المدينة وعزل ناريا منطقة العمليات في محيط الكليات العسكرية بحلب.

تصاعد الدخان من الحمدانية الخاضعة لسيطرة الثوار، الأربعاء بعد هجوم صاروخي. حقوق نشر الصورة لـ شبكة أخبار الحمدانية

وذكر خالد الشامي، أحد أهالي دمشق، وهو حالياً غربي حلب، لسوريا على طول، أن “الإعلام الرسمي قال إن الإشتبكات على محيطها (الراموسة)”، مضيفاً “بعد يومين من سيطرة المعارضة كان الإعلام الرسمي للنظام يتحدث عن تعزيزات لقوات النظام لاستعادة بعض النقاط الصغيرة التي تراجعت عنها في وقت سابق”.  

وكان الشامي سافر إلى حلب قبيل المعارك الأخيرة، ووجد نفسه محتجزا فيها حين سيطر الثوار على الراموسة وقطعوا طريق العودة إلى العاصمة.

بدوره، ذكر محمد الحلبي، اسم مستعار لناشط إعلامي مدني موال للنظام، في غربي حلب، “بعد خمسة سنين من الأزمة في سوريا ما يهمنا هو معرفة الحقيقة ومجريات السيطرة الحقيقة لنعلم بُعد وقرب الخطر علينا؛ فالمدنيين هم الأكثر تضرراً بهذه الحرب”.

وتتابع جزئيات الحرب من زوايا مختلفة؛ فوكالة أنباء سانا، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية (ORTAS)، وقناة منار التابعة لحزب الله، وقناة الميادين اللبنانية، وقناة العالم الإيرانية الناطقة بالعربية وغيرها كثير، جميعها تنشر تغطية من جانب واحد استناداً على رواية النظام السوري للحرب في سورية.

وفي المقابل، تقدم مجموعة من المواقع الإعلامية المعارضة والتي تتراوح ما بين شبكات قوية مثل حلب اليوم، وسمارت نيوز وعنب بلدي وأورينت نيوز إلى الأجنحة الإعلامية التي تصدح باسم الفصائل الثورية، المناهضة للأسد، صورة مغايرة تماما.  

ومن ثم هناك الوسائل الإعلامية الشعبية؛ فللبدات والمدن والمناطق والقرى صفحات إخبارية على الفيسبوك وحسابات على التويتر، ويدير أغلبها ناشطون إعلاميون مدنيون. ولبعض البلدات حسابات تابعة للنظام وحسابات تابعة للمعارضة. وبعض الصفحات يشرف عليها أهال يقيمون الآن في أوروبا.

وفي الوقت نفسه، ينشر الدفاع المدني تحديثات عن القصف باستمرار. ويكتب الصحفيون المنخرطون في المعارك باسم فصيل معين، والمراسلون الموكلون لشبكاتهم، وأولئك الذين يغطون ما يحصل أمام عتبات منازلهم جميعهم ينشرون صوراً وفيديوهات في وسائل التواصل الإجتماعي على حساباتهم الشخصية.   

وفي خضم ضباب الحرب، تأتيك غشاوة من المعلومات المشوشة، فكل تقرير أو منشور يُحدَث، يُكتب بلغة قومه وهواهم: صد الإرهابيين باستمرار، والمجاهدون يتقدمون. ومن كلا الطرفين يتساقط المدنيين شهداء. سواء كان بالقصف أو بالغارات الجوية أو المرض والحصار.

ولكن السؤال ضخ المعلومات الكثيف هذا، أهو مفيد أم لا؟

أما بالنسبة للمدنيين على الأرض، وفي عين العاصفة الإعلامية، فالحصول على المعلومات الموثوقة عن التطورات العسكرية الجارية قد يكون مسألة حياة أو موت. فالمعلومات تعني لهم متى يهربون ومتى يبقون. ومتى يخزنون الغذاء أو الوقود إن استطاعوا.

والمعلومات كانت كل يشغل أهالي أحياء غربي حلب وهم يترقبون وينتظرون طيلة الأسبوع الماضي، والمعارك تشتعل إلى الجنوب بينما يقاتل الثوار النظام لكسر الحصار الذي طال لشهرٍ عن شرقي حلب، الواقع تحت سيطرة المعارضة وتمكنوا من ذلك في يوم السبت الماضي.

وذكر الحلبي لسوريا على طول، “نريد أن نعرف من يسيطر حالياً، لنعلم مدى بعد وقرب الخطر علينا”.

وأشار الحلبي، عضو في إحدى الشبكات الإخبارية على الفيسبوك، إلى أن “ابتعاد الإعلام الرسمي والقنوات الشريكة كالمنار والميادين عن الحقيقة، دفعنا لهجرها والتوجه لصفحات التواصل الاجتماعي  ليعلم أهلنا التفاصيل التي تهمهم والتي تؤثر على مصيرهم”.

وفي السياق، بين خالد الشامي، الدمشقي العالق غربي حلب، أنه مع استمرار المعارك ولمعرفة واقع الإشتباكات لجأ البعض إلى متابعة الصفحات والقنوات التلفزيونية التابعة للمعارضة التي تنشر الفيديو والصور لواقع المعارك مأخوذة من ناشطين على الأرض.

وتابع “أغلب اصدقائي في حلب يتابعون صفحة قناة حلب اليوم على الفيسبوك (المعارضة) وشبكة شام لمعرفة التفاصيل؛ فصفحات النظام تسعى دائما لبث المعنويات لمؤيديها وتتجنب أخبار الخسائر”.

وقال أحد أبناء حي الحمدانية، طالبا عدم نشر اسمه لسوريا على طول، “نحن في حي الحمدانية أقرب نقطة تماس مع المسلحين، يجب أن نعرف ما يحدث من إعلامنا وليس بأن ننزل للشوارع ونخاطر بأنفسنا لنعرف الحقيقة”.

وأضاف “لا نريد أن نكون ضحية كذب الإعلام”.

 

قيود الإعلاميين

 

ذكرت المواقع الإعلامية العالمية بما فيها رويترز، أسوشيتد برس،سبوتنيك، أن الثوار كسروا طوق الحصار الذي فرضه النظام جنوب مدينة حلب، السبت الماضي.

وفي اليوم ذاته، في الساعة السابعة تقريباً في التوقيت المحلي، رسم التلفزيون السوري صورة خطيرة ولكن متفائلة لـ”المعارك العنيفة” مع “الجماعات الإرهابية”، واعترف بهجوم كبير على الكليات العسكرية في الراموسة.

فيما ذكرت الهيئة أن “تكثيف الضربات الجوية على خطوط ومحاور تحرك وإمداد المجموعات الإرهابية أدى إلى شل حركتها في جنوب غرب حلب”، وفقاً لمصدر عسكري لم تسمه.

وبعد أربعة ساعات تلت في يوم السبت، ذكرت صفحة شبكة أخبار نبل والزهراء الرسمية سيطرة “العدو” على الكليات العسكرية وغيرها من المواقع في الراموسة

“كلية المدفعية عدو، كلية التسليح عدو، الفنية الجوية اشتباكات، المقلع عدو، كراجات الراموسة عدو، فرن الراموسة عدو، معمل الإسمنت صديق، العامرية لم تتغير خارطة السيطرة فيها، الطريق لحلب مقطوع وغير سالك”. وهذا لم يكن مذكوراً في الإعلام الحكومي الرسمي آنذاك.

من جهته، ذكر رضا الباشا، مراسل لقناة الميادين اللبنانية، وحالياً في حلب يغطي المعارك فيها، أن هناك قيود ملازمة لعمله، ولكنه أشار إلى أنه وزملائه يقومون بكل ما بوسعهم لتجاوزها.  

وقال الباشا “ليست القنوات بهذا السوء ونعمل نحن كمراسلين للقنوات على نقل الوقائع ضمن تقارير لنشرات الأخبار”، مستدركا “ولكن يبقى هناك قيود معينة ضمن القنوات لا يمكن تجاوزها مثل الوقت ودقائق التغطية. وبحكم التزام الإعلامي والمراسل بسياسة القناة التي يعمل بها”.

وأضاف الباشا، بعيداً عن القنوات الرسمية “نثابر على نشر الأخبار عبر صفحاتنا في التواصل الاجتماعي أنا وزملائي من المعركة ليعلم الجميع الحقيقة الكاملة وهذا مبدأنا الحقيقة أولاً، وبالنهاية نحن ضمن حرب كبيرة إعلامياً وعسكرياً وفيها من المتغيرات الكثير”.

وبالنسبة للأهالي، المتغيرات التي تعنيهم بسيطة وبعيدة عن التعقيدات.

إلى ذلك، قال منير الحلبي، أحد الموالين في حي النبلاء غربي حلب، لسوريا على طول، “نحن قريبون من الحدث وما يهمنا حقيقة ما يجري”.

ولفت إلى أن “الإعلام يجب أن يميز أنه يقدم الأخبار للمدنيين والمتابعين وليس للعسكريين الذين هم على أرض المعركة، فإن كان يقصد بالترويج الخاطئ رفع المعنويات فالعسكري يكتسب معنوياته من أرض المعركة وليس من الإعلام”.

وفي يوم الخميس، شن النظام عدة غارات جوية على المواقع الثورية في جنوب غرب حلب في محاولة لطرد الثوار من المناطق التي سيطروا عليها مؤخراً.

وقال خالد الشامي لسوريا على طول “الاحاديث والتخوف دائم عند الناس هنا عن اقتراب المعارك منهم والخوف ناتج عن وصول الإشتباكات إلى مناطقهم، وكلما اقتربت المعارك أكثر ألاحظ أفكار وأحاديث السفر إلى خارج سوريا تتردد أكثر بين الناس”.

وختم ساكن حي الحمدانية، “لا يهمنا الآن سوى الحقيقة لنعرف مصيرنا وكيف نتعامل مع الوضع كمدنيين، فأهلنا همنا الأول و لا نريد بأن يتفاجئوا بالمسلحين، لا سمح الله، داخل بيوتهم”.

 

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال