الإيجارات المرتفعة تنغص حياة النازحين من حلب الشرقية: تجار الحروب همهم ملء جيوبهم ولو على حساب المهجرين
في كانون الأول الماضي، أُجبِر ما يقدر بـ35 ألف مدني […]
12 يناير 2017
في كانون الأول الماضي، أُجبِر ما يقدر بـ35 ألف مدني ومقاتل وعائلاتهم على مغادرة شرقي حلب، باتجاه مناطق سيطرة المعارضة، خارج المدينة، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار بين قوات النظام والثوار.
وفي الشهر الماضي، أجرت سوريا على طول مقابلة مع اثنين من المدنيين، أم يزن (30 عاما) ممرضة، وعبد القادر أبو صلاح (29 عاما) ناشط إعلامي، بينما كانا يستعدان لمغادرة منزلهما في شرق حلب.
وفي الوقت الحالي، تواصلت مراسلة سوريا على طول، بهيرة الزرير، مع أم يزن وأبو صلاح لمعرفة المزيد عن تفاصيل حياتهم الجديدة في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة الثوار. كما تحدثت مع مهندس كهربائي فقد أحد أبنائه في قصف حلب.
وجميعهم تحدثوا عن الإيجارات المرتفعة وعدم الترحيب بهم.
وتتراوح الإيجارات بين 8 آلاف ليرة سورية (37 دولارا) و40 ألف ليرة سورية (187 دولارا) شهريا، وهي مبالغ تفوق قدرة الكثير من الناس الذين شردوا وفقدوا معظم ممتلكاتهم كما أنهم عاطلون عن العمل في الوقت الحالي.
ونتيجة لذلك، تتشارك العديد من العائلات شققا بغرفة نوم واحدة وحمام واحد.
وتقول أم يزن “نحن خارجون من تحت الموت، وهناك أشخاص مستغلون لاتهمهم سوى تعبئة جيوبهم بالمال”.
“الهجرة مجددا” لـ مصطفى جانو. تصوير: الذاكرة الإبداعية للثورة السورية.
وتضيف “نفوسنا مريضة وتحتاج لإعادة بناء على المحبة والصدق والإيثار”.
- أم يزن الحلبي، 30 عاما، عملت ممرضة في مشفى الحكيم التخصصي للأطفال، والذي أغلق نهاية شهر تشرين الثاني جراء غارات النظام والغارات الجوية الروسية. عندما أجريت مقابلة معها في كانون الأول، وصفت الشوارع والمنازل المدمرة وتساءلت ما إذا فقد أهالي المدينة الذين قتلوا بصمت أرواحهم “سدى”.
خرجت من حلب والدموع لم تفارقني، ولكن بعد وصولي إلى إدلب كانت الصدمة كبيرة عندما بحثت عن منزل للإيجار في إدلب المحافظة بسبب غلاء الإجارات ونحن خارجون من تحت الموت، وهناك أشخاص مستغلون لاتهمهم سوى تعبئة جيوبهم بالمال.
اخترت إدلب المحافظة لعلني أتمكن من إيجاد فرصة عمل لي ولزوجي كونها المدينة.
فكانت صدمتي كبيرة لأنني لم أكن أتوقع ان نستقبل هكذا من تجار باعوا ثورتهم من أجل المال.
ففي أحد المرات ذهبت لأرى أحد المنازل لأستأجره فكان عبارة عن غرفة وصالون وحمام فطلب أجاره 45 ألفا (210 دولارات) ونحن لانملك سوى 100 ألف (467 دولار)، وذلك بعد أن بعت كل حلي زفافي، فقلت لصاحب المنزل ارحمو عزيز قومٍ ذل، نحن ضيوفكم فأحسنوا ضيافتنا ولاتسعوا إلى إذلالنا. رد عليَ بكل برود إذا لم ترغبِ فهناك العديد ممن يستأجره بأكثر من هذا المبلغ.
بقيت أبكي طوال الطريق بعد كل الذي حصل لبلدي، إلا أننا لم نحب بعضنا البعض رغم كل الذي جرى في بلدنا وكل منا يركض وراء مكاسبه الشخصية.
وهؤلاء الأشخاص المستغلون هم الذين قضوا على الثورة، نفوسنا مريضة وتحتاج لإعادة بناء على المحبة والصدق والإيثار.
نحن نشعر بالقهر والأسى لوضعنا الآن والذي يزيد من حزننا عندما نرى أشخاصا غير مهتمين لكل مايجري ببلدهم.
الآن أنا أسكن مع أربع عائلات بغرفة واحدة مع زوجي والحمام مشترك بسعر 8 آلاف ليرة (37 دولارا).
- عبد القادر أبو صلاح، 29 عاما، ناشط من حي المشهد. متزوج، ولديه ثلاثة أطفال، قتل واحد منهم في القصف الأخير على شرق حلب، مع والديه. في مقابلته في كانون الأول ، تحدث أبو صلاح عن منزله وسيارته التي احترقت، وممتلكاته التي لم يتمكن من إخراجها، بينما كان يستعد لمغادرة حلب. “في هذه اللحظات، أتمنى أن أموت على أن أغادر مدينتي”.
عندما تبحث عن منزل في إدلب للإيجار وتجده تكون من المحظوظين، وذلك بسبب (التهجير) الذي يمارسه النظام وتجميع الأهالي في إدلب.
فأنا اخترت أن أستقر في معرة النعمان، أي بريف إدلب لأن الإجارات مرتفعة جداً في المدينة.
وأهم أولوياتنا بعد قدومنا إلى إدلب هو إيجاد منزل لنعيش فيه، وبعد طول عناء وجدت منزلا صغيرا أقطنه أنا مع عائلة أخي ونتقاسم أجاره البالغ 10 آلاف ليرة (47 دولارا).
ماذا نفعل الظروف تحكمنا فالعديد من العائلات تقطن مع بعضها، لأنه ليس باستطاعتهم تحمل أعباء الإيجار وخاصة في ظل ظروف الحرب وعدم توفر عمل لتلبية احتياجاتنا.
وضعنا في إدلب صعب وهناك أناس تستغل وضعنا لمصالحها، وليس لنا حيلة سوى القبول بالدفع ريثما نجد حلولا بديلة، ومن ليس له معيل أو لايملك المال ذهب إلى المخيمات الحدودية لعدم قدرته على استئجار منزل. (مخيمات إدلب الحدودية تتضمن: أطمة، قاح، عقربات، ومنطقة جبل حارم).
- أنس الدبس، 30 عاما، مهندس كهرباء، قبل خروجه من حلب كان يعمل ضمن اختصاصه مع إحدى المنظمات الطبية. متزوج ولديه طفل واحد.
بعد خروجنا من حلب أول ما واجهنا هو قرار الاستقرار، فنسبة كبيرة من الذين تم تهجيرهم من حلب لم يكن لديهم قرار في الاستقرار، وأين ستكون وجهتهم القادمة، خصوصاً وأن المناطق المحررة في إدلب ليست بمأمن عما جرى في حلب.
الأمر الآخر، فإن عددا من الذين تم تهجيرهم قرر الاستقرار في إدلب. وبسبب التهجير الذي طال كل مدنيي حلب فإن مشكلة تأمين مسكن آمن تعد ثاني أهم مشكلة يعاني منها المواطن المهجر.
فأول الصعوبات التي واجهتنا هي تأمين السكن، وغلاء الإيجار.
فأسعار الإيجارات تبدأ من 8 آلاف ليرة (37 دولارا) كحد أدنى، وقد تصل إلى 35 ألفا (164 دولارا) أو 40 ألفا (187 دولارا) في الشهر.
السعر متفاوت ما بين الريف ومراكز المدن الرئيسية مثل إدلب المدينة أو معرة النعمان أو سراقب.
فأهالي حلب ليس لديهم قدرة على دفع إيجارات بهذه الأسعار المرتفعة بعد معاناتهم مع الحصار والقصف ودمار ممتلكاتهم، وتجار الحرب موجودون أينما ذهبتِ في سوريا ويستغلون حاجة المهجرين لمأوى لعوائلهم، في ظل غياب كامل للرقابة على هذا الموضوع.
نحن نشعر بالقهر بداخلنا لما يجري، فهناك العديد من العوائل التي ليس لها معيل، كيف سيتدبرون أمورهم بتأمين مسكن.
الرحمة غابت عن الضمائر ولن ننتصر في ثورتنا بسبب وجود تجار الحرب.
ترجمة: سما محمد