الاحتجاجات في السويداء: لمن الكلمة الأخيرة؟
لم تتبع الحكومة السورية أسلوب المواجهة المباشرة مع مناهضي سياساتها في محافظة السويداء، على عكس ما حصل في محافظات أخرى، لكن أسلوب الفوضى الأمنية الذي اتبعته عزز "خوف الأهالي من الرد المحتمل للنظام في السويداء"
4 فبراير 2020
عمان- في كانون الثاني/يناير الماضي وحده، شهدت محافظة السويداء في جنوب سوريا خمس عشرة وقفة احتجاجية في إطار حملة “بدنا نعيش”، تنديداً بالواقع المعيشي والاقتصادي الذي تعانيه المحافظة أسوة ببقية المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق. إضافة إلى مطالبة المحتجين بمكافحة الفساد.
وتعدّ احتجاجات السويداء ضد سياسات الحكومة الأولى من نوعها منذ سنوات، إذ اتخذت المحافظة التي تنتمي غالبية سكانها إلى الطائفة الدرزية، موقفاً محايداً من مجريات أحداث الثورة السورية بشكل عام، “لما لها من خصوصية”، برأي المواطن باسل رشيد (اسم مستعار) من بلدة الثعلة في ريف السويداء. مستدركاً في تصريح لـ”سوريا على طول”، بأنه “بعد جوع أهالي السويداء، وعجزهم عن تلبية الاحتياجات اليومية، بدأ الحراك عفوياً من دون أي أجندات خارجية”.
وفي آخر وقفة احتجاجية لأهالي مدينة السويداء، نُظّمت أمام مبنى المحافظة في 30 كانون الثاني/يناير الماضي، رد أحد المواطنين على اتهام المحتجين من أطراف موالية للحكومة السورية بتهديد الاستقرار، بيافطة حملت عبارة تهكمية: “يقبرني إلى عمل البلد سويسرا وخايف عليها تخرب”.
بل وتعلو في أوساط مقربة من الحكومة “لغة التخوين والزعم بأن الشباب [المحتجين] يتلقون تمويلاً خارجياً”، كما ذكرت لـ”سوريا على طول الناشطة الحقوقية هبة معروف، من السويداء، وهو ما أوجد “خوفاً في صفوف المحتجين، ودفعهم إلى التأكيد المستمر بأن حراكهم ليس له أبعاد سياسية، بل هو موجه ضد المؤسسات والمسؤولين الفاسدين في الحكومة وتجار الأزمة” بحسب قولها.
لكن الاحتجاجات التي بدأت بكتابة “بدنا نعيش” على رغيف خبز، رفعت سقف احتجاجاتها لتطال رموزاً مقربة من النظام السوري، من أمثال رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وابن عمة الأخير العميد ذو الهمة شاليش الذي يشغل منصب رئيس الأمن الرئاسي المسؤول عن حماية الرئيس. إذ هتف المحتجون في 17 كانون الثاني/يناير الماضي: “يا مخلوف ويا شاليش… هي دولتنا بدنا نعيش”.
وقد وثقت شبكة “السويداء 24″، وهي شبكة إعلامية محلية تغطي أحداث المحافظة، “11 وقفة احتجاجية في مدينة السويداء، و4 وقفات في مدينة شهبا”، منذ بدء الحراك في منتصف الشهر الماضي، بحسب الإداري في الشبكة ريان معروف. لكن الاحتجاج في مناطق أخرى في المحافظة، أخذ أشكالاً أخرى من قبيل الإضراب، كما ذكر المواطن زياد جوهر من مدينة صلخد في ريف السويداء الجنوبي، لـ”سوريا على طول”، ما استتبع إطلاق حملة “ليرتنا عزتنا”.
“ليرتنا عزتنا”
في 20 كانون الثاني/يناير الماضي، انطلقت حملة “ليرتنا عزتنا” من محافظة السويداء، وانتشرت في محافظات سورية عدة تقع تحت سيطرة الحكومة. وتقوم الحملة على إطلاق عروض تجارية على عدد من السلع بحيث يباع الكيلو أو العبوة منها مقابل ليرة واحدة، شريطة أن تكون معدنية. علماً أن الليرة المعدنية شحيحة التداول نتيجة فقدها قيمتها.
وفيما نشر الإعلام الرسمي أن هدف الحملة هو “دعم الليرة السورية”، كما ظهر في عدد من المحافظات، أكد جوهر أن “ليرتنا عزتنا” بدأت باعتبارها شكلاً من أشكال “التضامن مع أهالي السويداء المنددين بسوء الأوضاع المعيشية، أطلقها أصحاب محال تجارية بهدف دعم المواطنين”. لافتاً إلى أن “متوسط رواتب العاملين في السويداء هو 50 ألف ليرة شهريا [50 دولار أميركي تقريباً]، ما يعني أنك تشتري براتبك 50 كيلو سكر، أو 50 علبة متة [وهو مشروب عشبي يكثر استخدامه في سوريا]”.
بدوره، قدّر ابن بلدة الثعلة باسل رشيد “متوسط مصروف العائلة في السويداء بـ200 ألف ليرة سورية [200 دولار]”. معتبراً أن “الدولة هي سبب الفساد، وكل ما وصلت إليه الأمور في السويداء”.
وفيما يُفترض أن تساهم حكومة دمشق في دعم المواطنين المشاركين في مناطق نفوذها في حملة “ليرتنا عزتنا”، فإن مصرف سورية المركزي- فرع السويداء استغل الحملة لصالح دعم الليرة على حساب المواطنين. إذ “يحصل المواطن من البنك على 10 ليرات سورية معدنية مقابل 50 ليرة سورية ورقية”، بحسب جوهر.
الخوف من الرد
في ضوء التدهور المستمر للأوضاع المعيشية والاقتصادية في محافظة السويداء، يرجّح ريان معروف استمرار الاحتجاجات، لكن “بأعداد مشاركين محدودة”. معللاً ذلك “باستدعاء فرع الأمن السياسي في المحافظة لعدد من النشطاء المشاركين في الاحتجاجات، ومحاولة الإعلام الرسمي تشويه صورة الحراك”.
وفيما لم تتبع الحكومة السورية أسلوب المواجهة المباشرة مع مناهضي سياساتها في محافظة السويداء، على عكس ما حصل في محافظات أخرى بداية اندلاع الثورة السورية، فإن أسلوب الفوضى الأمنية الذي اتبعته عزز “خوف الأهالي من الرد المحتمل للنظام في السويداء”، كما ذكرت الناشطة الحقوقية هبة معروف، كاشفة عما “يتناقله بعض [الأهالي] عن عمليات نقل سلاح إلى السويداء من منطقة اللجاة [بريف درعا الشرقي]، ووجود تحركات لخلايا [تنظيم الدولة] “داعش” في بادية السويداء بعد الاحتجاجات الأخيرة”.
يشار في هذا السياق إلى أن دمشق كانت قد نقلت في أيار/مايو 2018 مجموعة صغيرة من مقاتلي “داعش” من مخيم اليرموك إلى البادية، بموجب صفقة إجلاء بين الطرفين. وقد قُتل عدد من هؤلاء في هجوم التنظيم على السويداء، في تموز/يوليو 2019، والذي راح ضحيته نحو 200 شخص من المحافظة.
كذلك، يخشى أهالي السويداء عمليات الخطف التي تُتهم أذرع تابعة للحكومة بالضلوع فيها، بحيث ذهب رشيد إلى القول: “نتعرض لخطط ممنهجة من قبل الأفرع الأمنية وأزلامها المستأجرين من أبناء المحافظة، الذين يقومون بعمليات سلب وخطف وترويج للمخدرات، بهدف شلّ حركة المحافظة وإرغامها على الخضوع لهيمنتهم”. مستدلاً على ذلك بأن “بعض عمليات الخطف تتم بعد اجتياز المخطوف حاجزاً للأمن يكون على اتصال مع الخاطفين”.
بدورها، قالت الناشطة الإعلامية نورا الباشا، من محافظة السويداء، لـ”سوريا على طول” بأن كفّ النظام عن ملاحقة المطلوبين وخصوصاً للتجنيد الإجباري “قد يكون إيجابياً” كونه قد يحقق مطالب أهالي السويداء بتحييدهم عما يجري في سوريا، لكن ذلك، من ناحية أخرى “أطلق يد عصابات في المدينة”، بحيث “صرت أخاف من اعتقالي أو اختطافي، كوني مطلوبة، ويقال بأن المسؤول عن الخطف عصابة”.
وقد وثقت شبكة “السويداء 24” اختطاف واعتقال 22 شخصاً من محافظة السويداء في كانون الثاني/يناير الماضي، بينهم 17 مدنياً و 5 عناصر تابعين للقوات الحكومية وأجهزتها الأمنية. وقد تم “إطلاق سراح قسم من المخطوفين مقابل فديات مالية، أو تعرض الخاطفين لضغوط من فصائل محلية”، بحسب الشبكة. في المقابل، بلغ عدد المختطفين في العام 2019، بحسب “السويداء 24” أيضاً، 267 شخصاً، بينهم 228 مدنياً، و39 عنصراً من القوات الحكومية وأجهزتها الأمنية. وتتحمل عصابات وجهات مجهولة الهوية المسؤولية عن اختطاف 151 مدنياً منهم، بحسب الشبكة.
تدابير حكومية
في أحدث الإجراءات الحكومية لمواجهة تدهور سعر صرف الليرة، والذي فاقم سوء الأوضاع المعيشية، باشرت “المؤسسة السورية للتجارة”، منذ مطلع شباط/فبراير الحالي، بيع السكر والرز والشاي بأسعار مدعومة، عبر “البطاقة الذكية”، في فروعها المنتشرة في المحافظات السورية وبعض مراكز البيع الخاصة وعبر سيارات جوالة.
وتأتي هذه الخطوة، بحسب معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك لشؤون الإدارة المركزية رفعت سليمان، “في إطار الجهود الحكومية لاستمرار توفير هذه المواد، ومنع الاحتكار، والحد من تداعيات الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية”، في إشارة إلى العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية خصوصاً، وآخرها “قانون قيصر” الأميركي لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا.
وبموجب إجراءات حكومة دمشق الأخيرة، يحق للشخص الواحد الحصول على كيلو غرام واحد من السكر شهرياً، بسعر 350 ليرة (0.35 دولار تقريباً)، على ألا تتجاوز حصة الأسرة 4 كيلو غرامات بغض النظر عن عدد أفرادها. كما يحصل الفرد على 1 كيلوغرام رز بسعر 425 ليرة (0.42 دولار تقريباً)، بسقف 3 كيلو غرامات للأسرة، فيما خصص 200 غرام من الشاي للشخص، وكيلو غرام واحد للأسرة.
لكن توسعة تغطية “البطاقة الذكية” لتشمل مواد أساسية، بعد أن كانت مستخدمة للحصول على الغاز والمحروقات، هي “حكي فاضي [ليست ذات جدوى]” بحسب ما ذكر مالك مركز توزيع أسطوانات غاز معتمد في السويداء لـ”سوريا على طول”. موضحا أنه عدا عن أن “قيمة التوفير شهرياً لا تحلّ أزمة المواطن، الذي سيضطر إلى الوقوف في طوابير طويلة، فإن من شأن ذلك إحداث فوضى في عمليات التوزيع بين قطاعي الغاز والمواد الأساسية”. ذلك أن “الناس يتركون بطاقاتهم عدة لدى موزعي الغاز للحصول على دور مبكر في قائمة الدور الطويلة. ومع إدخال توزيع السكر والرز على البطاقة، فإن كل الناس تريد سحب بطاقاتها من أجل ذلك”.
سوري يرفع لافتة احتجاجية في وقفة بمدينة السويداء، 30/ 1/ 2020 (السويداء 24)
وبحسب النشرة الاقتصادية لأسعار المواد الغذائية في السويداء، والتي نشرتها شبكة “السويداء 24” في 31 كانون الثاني/يناير الماضي، تراوح سعر كيلو السكر في أسواق المحافظة بين 550 و750 ليرة (0.55 و0.75 دولار)، أي إن متوسط توفير العائلة شهرياً من الحصول على السكر عبر البطاقة بدلاً من السوق نحو 1200 ليرة سورية (1.2 دولار أمريكي) فقط، إذ لا يمكن للعائلة شراء أكثر من 4 كيلوغرامات شهرياً.
لذلك، بحسب مالك مركز توزيع أسطوانات الغاز فإن “الدولة تضحك علينا، والناس تصدق الحكومة. ومع أي تقصير أو خلل، يتهم الناس الموزعين المعتمدين وكأن هؤلاء من يقطع عن المواطنين الحصص، وليست المشكلة من الحكومة”.