التجنيد في صفوف النظام وقسد يمنع عودة سوريين من الموت في لبنان
الشباب العائدون من لبنان إلى مناطق الإدارة الذاتية، شمال شرق سوريا، عرضة للسوق لأداء "واجب الدفاع الذاتي" أو للمخاطرة بالاعتقال على الحواجز.
8 أكتوبر 2024
أربيل، الحسكة- في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، وصل عبد الله محمد (اسم مستعار)، 50 عاماً، رفقة عائلته إلى محطة الحافلات بمدينة الرقة، شمال شرق سوريا، حيث افترشوا الأرض هناك لعدة ساعات في انتظار سيارة تنقلهم إلى ريف دير الزور الشمالي، بعد رحلة متعبة من لبنان، سبقها أيام رعب عاشتها العائلة جراء القصف الإسرائيلي.
“تشتت عائلتنا في مكانين مختلفين”، قال محمد لـ”سوريا على طول”، الذي فرّ مع زوجته وأربعة من أطفاله إلى سوريا، بينما بقي أكبر أبنائه، البالغ من العمر 24 عاماً، في بيروت، كونه مطلوب للتجنيد الإجباري.
نزح محمد، الذي ينحدر من بلدة الكبر بريف دير الزور الشمالي إلى لبنان، عام 2013، هرباً من الحرب الذي اجتاحت بلاده، ومنذ وصوله إلى لبنان استقر في إحدى القرى بمنطقة البقاع، وعمل هناك مزارعاً لكسب “لقمة العيش”، على حد قوله.
بعد أسبوع من القصف الإسرائيلي على المنطقة التي يسكن فيها محمد، في إطار الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله اللبناني، التي بدأتها في 23 أيلول/ سبتمبر، نزح الرجل الخمسيني إلى مدينة بيروت، لكن نظراً لعدم وجود مأوى وعمل في العاصمة اللبنانية وجد أن “العودة إلى سوريا هي الخيار الأنسب”، وفقاً له.
وبذات السيناريو، تشتت عائلة خاتون حمادة مصطفى، بعد أن لاذت بالفرار مع أطفالها من لبنان إلى مسقط رأسها في مدينة الرقة، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، بينما بقي زوجها هناك “خوفاً من سوقه للخدمة العسكرية الاحتياطية”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
لم تتردد مصطفى بالعودة إلى سوريا، ولم تفكر بأي ظروف أخرى أثناء عودتها، لأن ما كان يشغلها “إنقاذ أرواح أطفالي فقط”، بحسب الأم، التي كانت تقيم مع عائلتها في منطقة الهرمل شمال شرقي لبنان.
يبلغ عدد السوريين في لبنان 1.5 مليون نسمة. منذ 23 أيلول/ سبتمبر حتى الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر، عبر أكثر من 220 ألف مواطن سوري ولبناني إلى سوريا، 70 بالمئة منهم سوريين، بحسب تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،
وصل العدد الأكبر من العائدين إلى مناطق سيطرة النظام السوري، بينما وصل إلى مناطق المعارضة السورية في شمال غرب سوريا نحو 1700 نسمة بحسب الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء).
وعاد إلى مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، 18,351 شخصاً، من بينهم 58 لبنانياً، و”الأعداد تتزايد بشكل يومي”، بحسب مريم إبراهيم، عضوة في خلية الأزمة التي شكلتها الإدارة الذاتية في 29 أيلول/ سبتمبر لتسهيل وصول القادمين إلى المنطقة عبر المعابر.
آلية العودة إلى مناطق الإدارة الذاتية
في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، شكلت ممثلية الإدارة الذاتية في لبنان، لجنة لمتابعة شؤون الراغبين بالعودة إلى مناطق شمال شرق سوريا، وتم اتخاذ مقر “رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية” في بيروت، للتنسيق وتجميع العائلات ونقلهم عبر الحدود السورية اللبنانية، وهو مكان مخصص للمقيمين في بيروت والمناطق المحيطة بها، بينما تم تحديد ساحة شتورا كنقطة تجمع للمقيمين في البقاع، كما قال عبد السلام أحمد، ممثل الإدارة الذاتية في لبنان لـ”سوريا على طول”.
يقتصر دور الإدارة الذاتية على تأمين وسائط النقل “بأجور مقبولة يدفعها الراكب، منعاً لاستغلال أصحاب الحافلات”، وبعد دخول العائدين إلى الأراضي السورية، تنسق الإدارة الذاتية نقلهم إلى معبري الطبقة والتايهة (أبو كهف) في منبج، ومن ثم يكملون طريقهم بأنفسهم إلى مدن وبلدات شمال شرق سوريا، وفقاً لأحمد، مشيراً إلى أن الإدارة الذاتية لا تتحمل تكاليف النقل لأن ذلك “يتطلب وجود طاقم إداري، وميزانية مالية كبيرة لا نستطيع تأمينها في ظل ازدياد أعداد العائدين”، إضافة إلى أن “أعداداً كبيرة من غير مناطق الإدارة الذاتية ستطلب منا المعونة والمساعدة”.
لا يمتلك العديد من العائدين إلى شمال شرق سوريا منازلاً يعودون إليها، لذلك يحلّ بعضهم ضيوفاً عند أقاربهم، كما فعلت خاتون مصطفى، التي حلّت عند خالها، وفهيمة إبراهيم، 27 عاماًً التي عادت إلى مدينة القامشلي وسكنت عند عمها.
وبدورها، خصصت الإدارة الذاتية مراكز إيواء مؤقتة للعائدين من لبنان، ويُخطط نقلهم خلال الفترة القادمة إلى ثلاثة مخيمات في المنطقة: مخيم نوروز بريف مدينة المالكية (ديرك)، مخيم العريشة بريف الحسكة، ومخيم العدنانية بريف الرقة، بعد تسجيل بياناتهم وتوثيق أعدادهم، بحسب مريم إبراهيم، العضوة في خلية الأزمة.
وخصصت الإدارة الذاتية عدة مراكز لتسجيل بيانات العائدين، بما في ذلك مركز الرعاية الاجتماعية في الرقة، الذي كان يُعنى بتنظيم العائدين من مخيم الهول إلى الرقة.
بينما كانت تنتظر لتسجيل اسمها في مركز الرعاية الاجتماعية، عبّرت خاتون مصطفى عن حاجتها الماسة للمساعدات ورغبتها بالانتقال “في أسرع وقت إلى أحد المخيمات، لأن منزل خالي لا يتسع لعائلتين”.
حتى الآن، تستمر الإدارة الذاتية باستقبال العائدين من لبنان، وتوثق أعدادهم من دون تقديم مساعدات إنسانية لهم، كما أن المنظمات الإنسانية المحلية والدولية العاملة في المنطقة لم تقدم هي الأخرى المساعدات، كما اشتكى عدد من العائدين لـ”سوريا على طول”.
تعليقاً على ذلك، قالت إبراهيم، العضوة في خلية الأزمة أن الدعم من قبلهم “يتلخص حالياً بتأمين مراكز الإيواء، ومن ثم نقلهم إلى المخيمات، بالإضافة إلى تسهيل أمورهم”.
مخاطر العودة
مع استمرار القصف الإسرائيلي على لبنان وارتفاع وتيرته، وجد عبد الله محمد أن ابنه أمام طريقين محفوفَين بالمخاطر، فإما أن يبقى عالقاً في بيروت تحت تهديد القصف أو أن يعود إلى سوريا متحملاً خطر السوق إلى التجنيد.
لذلك، يبحث أحمد عن عودة ابنه “عبر التهريب”، ولكن “طلب أحد المهربين 800 دولار أميركي، وليس بحوزتي هذا المبلغ”، لذلك يبحث مع ابنه عن مهرب آخر، كما قال.
تعليقاً على ذلك، قال عبد السلام أحمد، ممثل الإدارة الذاتية في لبنان، أن النظام “لا يعتقل المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية أثناء العودة إلى سوريا من المعابر الرسمية”، مشيراً إلى أنه “يتم منحهم مهلة 15 يوماً لمراجعة شعب التجنيد”، وبالتالي فإن ابن عبد الله محمد وزوج خاتون لن يتم اعتقالهم أو سوقهم للتجنيد مباشرة.
أما المطلوبون لقضايا سياسية أو عسكرية “لا نملك أية حلول لهم”، بحسب أحمد، ما يعني أن هؤلاء قد يواجهون خطر الاعتقال أثناء عودتهم.
يعرف كانيزار محمد، سوري مقيم في بيروت، شخصين تعرضا للاعتقال من قبل قوات النظام أثناء عودتهما إلى سوريا، قبل أيام، مشيراً أن الشخصين هما أب وابنه، “ربما كان عليهما فيش أمني”، وفي هذه الحالة لا يمكن لمثل هؤلاء إلا “العودة عبر طرق التهريب”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، اعتقال النظام السوري ما لا يقل عن 9 أشخاص من العائدين من لبنان واقتيادهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظتي حمص ودمشق.
وفي هذا السياق، قالت نور الخطيب، مديرة قسم الاعتقال والإخفاء القسري في الشبكة السورية، أن الاعتقالات طالت أشخاص عادوا إلى سوريا عبر المعابر الرسمية وآخرون عادوا عبر طرق التهريب، مشيرة إلى النظام كثّف من دورياته وحواجزه بالتزامن مع ارتفاع أعداد العائدين في لبنان، كما فعل في ريف دمشق وعلى طريق حمص-حماة.
وكذلك، رصدت الشبكة السورية زيارة دوريات النظام لمراكز الإيواء الجماعية التابعة له في حمص وحماة، حيث يتم استجواب العائدين عن كيفية مغادرة سوريا، وإذا غادروها بطريقة غير نظامية يتم استدعاؤهم إلى الأفرع الأمنية، بحسب الخطيب، ويبدو أن هذا الإجراء بديل التسوية أو الاستجواب الذي يتم عادة في مكاتب الهجرة والجوازات بالحدود السورية تم تأجيله بسبب “الضغط”.
وأوضحت الخطيب في حديثها لـ”سوريا على طول” أن الأعداد التي تم توثيقها في تقرير الشبكة ليس العدد الفعلي للمعتقلين، وإنما عدد الحالات الموثقة فقط، متوقعة أن يصل عدد المعتقلين العائدين إلى مئة شخص.
الخوف من التجنيد أو الاعتقال لا يقتصر على مناطق النظام السوري، وإنما الشباب في سن التجنيد عرضة للسوق إلى “واجب الدفاع الذاتي” في مناطق الإدارة الذاتية بشمال شرق سوريا، كما قال فواز حسين إبراهيم، 57 عاماً، الذي ينحدر من مدينة القامشلي.
“حتى لو لم يعتقل النظام ولديّ الاثنين على المعابر، فإن الإدارة ستجبرهما على أداء الخدمة في مناطقها”، على حد قول إبراهيم، الذي ما زال في لبنان مع عائلته، باستثناء ابنته فهيمة، التي عادت إلى القامشلي في 30 أيلول/ سبتمبر.
تعليقاً على ذلك، قالت مريم إبراهيم، عضوة خلية الأزمة الخاصة بالعائدين من لبنان، أن الشباب العائدين سيتم سوقهم لأداء “واجب الدفاع الذاتي” بعد فترة من وصولهم إلى مناطق الإدارة الذاتية، مشيرة إلى أن “التعامل معهم سيكون كما يتم التعامل مع المقيمين في مناطقنا”، أي بعد مدة من عودتهم “يمكن أن تسوق الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية الشباب العائدين لأداء الخدمة، لكن لن نعترض أحد على المعابر”.
وتعرف الإدارة الذاتية واجب الدفاع الذاتي أنه “خدمة إلزامية يخضع لها الذكور من أبناء مناطق الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا ممن أتم الثامنة عشرة من العمر”، والمكلف هو “كل من بلغ السن القانوني لأداء واجب الدفاع الذاتي من سكان المنطقة والمقيمين فيها لأكثر من خمس سنوات من خارج شمال شرق سوريا من حاملي الجنسية السورية ومن في حكمهم من الأجانب ومكتومي القيد”. وتبلغ مدة الخدمة 12 شهراً تبدأ من تاريخ التحاق المكلف.
بينما يخشى إبراهيم على ولديه من التجنيد في صفوف الإدارة الذاتية حال عودة العائلة إلى سوريا، كان يفترش الأرض مع عائلته في ساحة الشهداء وسط بيروت، عندما تواصل مع “سوريا على طول” في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، لأنهم لم يجدوا مكاناً يلجؤون إليه هناك.
كان إبراهيم يسكن في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية ببيروت، ولكن اضطرت العائلة إلى النزوح إلى ساحة الشهداء، مساء يوم الجمعة 27 أيلول/ سبتمبر، بعد استهداف نقاط قريبة من منزله.
تكمن معاناة السوريين العائدين في وجود مخاطر تهدد حياتهم في كلا البلدين الجارتين، “ناهيك عن أننا خرجنا من سوريا قبل أحد عشر عاماً كلاجئين، وها نحن نعود إليها كلاجئين”، ختم عبد الله أحمد كلامه، قبل أن يركب مع عائلته في سيارة تقلّهم من كراج الرقة إلى بلدته في دير الزور.