التعذيب والموت في “فرع الخطيب” الأمني بدمشق
ويتهم رسلان بأنه أشرف على تعذيب معتقلين في الفترة بين نيسان/ أبريل 2011 وأيلول/ أكتوبر 2012، حين كان يشغل منصب رئيس قسم التحقيقات في الفرع 251 التابع لإدارة المخابرات العامة في دمشق، والمعروف بـ"فرع الخطيب".
28 أبريل 2020
عمّان – في مشهد ينتظره ملايين السوريين، إلتقى لأول مرة إثنان من جلادي أقبية التعذيب والقتل التابعة للنظام السوري، ببعض من ضحاياهما أو ذويهم في محكمة ألمانية، بما يمثل خطوة أولى على طريق إحقاق العدالة في مواجهة حكم أذاقهم أسوأ أنواع العذاب والإذلال لما يزيد على نصف قرن.
الضابطان المتهمان أنور رسلان رئيس قسم التحقيقات في “فرع الخطيب” بدمشق التابع للمخابرات العامة السورية أو أمن الدولة وزميله إياد الغريب، بديا هزيلين ضعيفين خلف قضبان المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز الألمانية يومي 23 و24 نيسان/ أبريل الحالي. في المقابل، كانت الصحافية السورية لونا وطفة، المعتقلة السابقة في الفرع ذاته، والمقيمة حالياً في ألمانيا، تعمل على تغطية هذا الحدث “التاريخي” بالنسبة لها شخصياً.
إذ قضت لونا 13 شهراً في معتقلات جهاز أمن الدولة، من بينها شهر في فرع الخطيب، منذ كانون الثاني/ يناير 2014 وحتى شباط/ فبراير 2015، بعد أن ضبط عناصر الأمن بحوزتها “أدلة توثق مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية [في آب/أغسطس 2013]”، بحسب ما قالت لـ”سوريا على طول”. ولم يطلق سراحها إلا بعد دفع ذويها مبلغاً مالياً كبيراً لإطلاق سراحها.
ويتهم رسلان بأنه أشرف على تعذيب معتقلين في الفترة بين نيسان/ أبريل 2011 وأيلول/ أكتوبر 2012، حين كان يشغل منصب رئيس قسم التحقيقات في الفرع 251 التابع لإدارة المخابرات العامة في دمشق، والمعروف بـ”فرع الخطيب”.
ما هو “فرع الخطيب”؟
يتبع الفرع 251 لجهاز أمن الدولة. وهو يعرف باسم “الفرع الداخلي”، أو الاسم الآخر الأشهر بين السوريين “فرع الخطيب”. وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى موقعه في منطقة الخطيب بشارع بغداد، بالقرب من الهلال الأحمر السوري وسط دمشق.
وبحسب شهادات ناجين من الفرع، فإنه يعد أحد أكثر الأفرع الأمنية “فظاعة” في أساليب التعذيب. كما لا توجد مدة محددة لبقاء المعتقل فيه، يخضع خلالها المعتقل للتحقيق عدة مرات.
أيضاً، وبحسب شهادات ناجين، سُجل الكثير من حالات الوفاة في الفرع، لاسيما في الأسابيع الأولى من الاعتقال، بسبب قسوة التعذيب الذي يتعرض المعتقل.
وفيما لم تشاهد لونا خلال فترة اعتقالها في فرع الخطيب موت معتقلين، كما قالت، فإنها تذكر بعض التفاصيل التي قد تدلل على موت معتقلين أثناء التعذيب. إذ “في إحدى المرات كنا نسمع صوت شخص يعذب بطريقة وحشية، قبل أن يصرخ فجأة ليتبع ذلك صمت. كان واضحاً أنه لفظ أنفاسه الأخيرة، لكني لا أعرف [على وجه اليقين] إذا كان قد مات أم لا”.
طرق تعذيب
بحسب شهادة الناشط ياسر عبد الصمد حسين كرمي، من مدينة عين العرب (كوباني) في شمال حلب، والتي أدلى بها لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، ونشرت في آب/ أغسطس 2013، فإن الفترة التي قضاها في فرع الخطيب هي الأقسى مقارنة بمراكز الاحتجاز الأخرى التي تنقل بينها منذ اعتقاله في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2012. إذ “كانت من بين أقسى جولات التعذيب والضرب التي تعرضت لها، فقد استمرت 12 يوماً متواصلة”.
ومن بين الأساليب الأكثر إيلاماً بحسب ياسر: “وضع رأس المعتقل على الأرض ثم البدء بركله وضربه على منطقة الأنف والفم إلى أن تدمى تلك المنطقة بشكل كامل. ثم كان هناك عنصران يتناوبان بالضرب بالأيدي على منطقة الوجه والرأس، وكانوا يطلبون مني الجلوس بوضعية جاثياً حوالي خمس ساعات متواصلة”.
ويحوي الفرع مهجعاً خاصاً للنساء المعتقلات يحمل الرقم 28، إلى جانب المهجع 29 الذي كان يوجد فيه ياسر. وقد ضم حينها ما يقارب 50-60 معتقلة، كن يتعرضن للتعذيب “الشديد”، وفقاً لياسر.
في هذا السياق، أشارت لونا إلى العديد من أساليب التعذيب في الفرع، منها “الدولاب، والأخضر الإبراهيمي [أنبوب صلب يستخدم في مد مياه الشرب داخل جدران المنازل، لونه أخضر. وقد أطلق عليه عناصر الأجهزة الأمنية هذا الاسم من باب السخرية بالمبعوث الدولي السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي]، والكوشوك الأسود [وسيلة للضرب مصنوعة من إطار السيارات، تقطع بشكل طولي، ويبلغ عرضها 10 سنتيمترات]”. كذلك، “كانت هناك سطول [دلاء] ماء يتم وضع رأس المعتقل في أحدها حتى يصل مرحلة الاختناق. وهذا كنت أشاهده بعيني”.
يضاف إلى ذلك “الإهانات اللفظية والجسدية والضرب الكثير”، بحسب لونا. مشيرة إلى أنه في الفترة التي كانت موجودة فيها في الفرع، شاهدت “المعتقلين الشباب بالملابس الداخلية فقط، ومعصوبي الأعين دائماً، وتتم معاملتهم بشكل أسوأ مقارنة بالمعتقلات، مع وجود بعض الحالات الاستثنائية لبعض المعتقلات التي تعرف أيضاً الضرب الشديد والتعذيب”.
أيضاً، كان في الفرع ساحة مسماه “ساحة الشبح” مخصصة لتعذيب المعتقلين وتعليقهم من أطرافهم، أو ما يسمى “شبحهم”.
“الخطيب” من الداخل
فيما لا تعرف لونا شكل فرع الخطيب من الخارج، كونها دخلته وخرجت منه وهي “معصوبة العينين”، إلا أنها تذكر جيداً الكثير من التفاصيل داخله.
فمع الدخول إلى الفرع، يخضع المعتقلون لتفتيش “مهين شخصي جدا”. وفي حالة النساء، كانت هناك مجندة تقوم بتفتيش المعتقلات القادمات لأول مرة. إذ يتوجب أن تخلع المعتقلة كامل ثيابها، ومن ثم القيام بحركة القرفصاء والجلوس والوقوف عدة مرات حتى يتم التأكد من أنها لم تخف شيئاً داخل جسمها.
لاحقاً، كما روت لونا، تنزل عدة درجات إلى الطابق الذي يحوي مهاجع المعتقلين والمعتقلات. باتجاه اليمين ستذهب إلى مهجع النساء، أما اليسار فكان اتجاه الزنازين المنفردة (المنفردات)، وإلى جانبها ساحة صغيرة “خرجنا إليها مرة واحدة لمدة 10 دقائق، بسبب دخول جرذ إلى مهجع المعتقلات. إذ صرنا نصرخ، فأخرجونا إلى الساحة لحين خروج الجرذ من المهجع”.
وقد استغل بعض المعتقلين الحادثة لمعرفة ما يجري حولهم. إذ بدأ بعضهم بالحديث من خلف الباب مع لونا، “لكن، بخوف شديد”، كما قالت. وقد “أخبرني أحدهم أنه في الفرع منذ خمسة أشهر، وآخر قال إنه هناك منذ أربعة أشهر”.
كذلك، كان المهجع المخصص للمعتقلات مطلاً على الممر الذي يعذب فيه المعتقلون. وعلى يسار باب المهجع كانت توجد مراحيض مخصصة لمعتقلي المنفردات.
أما المبنى بحد ذاته، فيشبه من الداخل أي بناء قديم من أبنية المنطقة التي يتواجد فيها الفرع؛ سقف عالٍ وطلاء تآكل غالبيته، فيما الأرضية سيئة ومتسخة.
وكان المهجع الذي اعتقلت فيه لونا “عبارة عن غرفة صغيرة بعرض مترين وطول ثلاثة أمتار، وهي الوحيدة المخصصة للنساء. وقد يرتفع عدد المعتقلات فيها في بعض الأحيان إلى 23 معتقلة، وقد ينخفض إلى سبع معتقلات”.
الحياة داخل الخطيب
في داخل الغرفة التي خصصت للنساء، يوجد مرحاض صغير. وهو ما كان يقي المعتقلات، بحسب لونا، من “إزعاجات العناصر أثناء الخروج إلى الحمام والعودة منه، كما هي الحال في فرع فلسطين مثلاً”. أما مهجع الرجال المجاور، فهو غرفة بطول خمسة أمتار وعرض ثلاثة أمتار، بحسب الكرمي، ويتراوح عدد المعتقلين فيه بين 130-150 معتقلا.
وتستذكر لونا التي كانت تحاول النظر من أسفل باب المهجع إلى ساحة التعذيب أن “مناظر الشباب المعتقلين كانت مزرية؛ نحيفين جداً، وعلامات الضرب والتعذيب واضحة على أجسامهم”.
كما لم يكن الفرع نظيفاً. ففيما كان عناصر الأمن يقومون بتنظيف الممر بشكل يومي، فإن المهاجع التي يقيم فيها المعتقلون لم تكن كذلك. “كنا نتعب للحصول على صابونة، أو فوط نسائية لنا كمعتقلات”، بحسب لونا، إضافة إلى أن عناصر الفرع يرفضون تبدل البطانيات التي كان فيها “الجرب والقمل”. كما أن الفترة التي “كنت فيها بالخطيب كانت شهر شباط، وكان الجو بارداً ولا توجد تدفئة، والغرفة مليانة رطوبة. ومع ذلك كان مخصصاً لي بطانية وحدة. وعندما يخف عدد المعتقلات في الغرفة، كان من الممكن أن أحصل على بطانتين، واحدة فوقي والثانية تحتي”.
كذلك، “لم يكن بمقدورنا غسل ثيابنا أو تغييرها بسبب رطوبة الغرفة”. كما كان على المعتقلات “النوم والاستيقاظ على ضوء “البروجيكتور” (كشاف) الساطع جداً في غرفة صغيرة، وهو ما كان يتسبب بأذى للعين، إذ يخصص هذا المصباح بالعادة لإنارة الساحات والحفلات”.
وبالنسبة للطعام، فكان غالباً عبارة عن رز “نصف مسلوق، وبكمية قليلة”. مع ذلك، فإن هذه الكمية “أفضل من تلك المخصصة للرجال، والذين اضطروا في بعض الأحيان لتقاسم الطعام. فمثلاً، البيضة الواحدة كانت تقسم بين 2 أو 4 معتقلين حسب العدد في المهجع”، بحسب لونا، معتبرة أن “سياسية التجويع كانت واضحة في فرع الخطيب”.
منفردات الخطيب
في الجزء المقابل لمهجع السيدات، كانت توجد مجموعة من الزنازين الفردية الصغيرة التي قد يسجن فيها المعتقل لفترات طويلة منفرداً. وإلى اليسار من مهاجع المعتقلات كانت المراحيض المخصصة لمعتقلي المنفردات، والذين كان يخرجون مرة واحدة في اليوم، كما تستذكر لونا. “لأجل إفراغ العبوة المخصصة للتبول، والدخول إلى المرحاض غائط، لكن لمدة قصيرة جداً أقل من دقيقة”.
وفيما كانت لونا تحاول مراقبة ما يحدث في الخارج من أسفل باب المهجع، فقد لاحظت أن “نحول معتقلي المنفردات كان أسوأ بكثير من المعتقلين في المهجع المجاور لنا. أسوأ مما كنت أراه بكثير. العلامات على أجسادهم من تعذيب وجرب شيء أمر لم أره بمكان ثان أو على أشخاص آخرين”.
ويخرج هؤلاء المعتقلون من المنفردات بالضرب، ثم يعدون بالضرب، مكبلين بشكل دائماً. إذ كبلت أرجلهم بالجنازير المعدنية، وأيديهم مقيدة أيضاً.