الحرب السورية تترك آثارا نفسية وذكريات لا تمحى في نفوس الأطفال
تجلس ليا في منزل تتقاسمه حاليا مع خالتها وجدتها في […]
24 نوفمبر 2016
تجلس ليا في منزل تتقاسمه حاليا مع خالتها وجدتها في الأردن. مرت ثلاث سنوات، منذ أن فقدت الطفلة التي تبلغ من العمر اثنا عشر عاما كل شيئ، وفرت مع أشقائها الصغار إلى الأردن.
ففي تموز 2013، قتلت أم ليا جراء قصف للنظام على ضواحي الغوطة الشرقية في دمشق، حيث كانت العائلة تعيش. وبعد وقت قصير، اعتقلت قوات الأمن التابعة للنظام والدها. في ذلك الوقت كانت ليا لاتزال في التاسعة من عمرها عندما ذهبت مع شقيقتها غنى ذات الثماني سنوات، وشقيقها سامي، البالغ من العمر أربع سنوات، للعيش مع جدهم المسن والمريض.
عاش الأطفال مع جدهم لفترة قصيرة قبل الهجوم بغاز السارين في آب 2013 على ضواحي الغوطة، التي يسيطر عليها الثوار، والذي أسفر عن مقتل مئات الأشخاص. وكان منزل جد ليا بالقرب من إحدى المناطق التي تعرضت للهجوم بالغاز.
بعد هجوم غاز السارين، دفع جد ليا لأحد السائقين مبلغا من المال لاصطحابها وأشقائها إلى بر الأمان في الأردن، حيث تعيش جدتها وخالتها. وعندما وصلوا إلى الحدود، لم يسمح للأطفال بالعبور.
بقيت ليا وإخوتها، لبعض الوقت، مع السائق وزوجته في محافظة درعا. وعندما لم يتمكن السائق من مساعدتهم، أمضى الأطفال قرابة الشهر يتنقلون بين منازل الغرباء قبل أن يتمكنوا في النهاية من عبور الحدود إلى الأردن والانضمام إلى أقاربهم، في أيلول 2013.
وكان الطريق إلى بر الأمان طويلا بالنسبة لليا. حاليا، تذهب ليا إلى المدرسة كأي طفل آخر في سنها، لكن الماضي يطاردها. الذكريات مؤلمة، وبينما تشتد الحرب في الجوار، تذكرها الأخبار القادمة من داخل سوريا بما فقدته وتركته وراءها.
وقالت ليا، وهي تقاوم البكاء، لسوريا على طول “اغتصبت الحرب طفولتي (…) كم تمنيت لو أنني مت بجانب أمي، الآن هم لا يتألمون، وحدي أنا وأخوتي ما زلنا نعيش الألم كل يوم”.
طفل في حي الوعر في حمص. تصوير: عدسة شاب حمصي.
ليا وإخوتها هم ثلاثة أطفال من أصل 15 ألف طفل، عبروا الحدود السورية دون ذويهم، منذ عام 2011، وفقا لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في آذار 2016.
ولا يمكن القول أن فرار الأطفال من منطقة الحرب، يعني أنهم تركوا الحرب وراءهم، فذكريات الماضي، والشعور بالذنب والاكتئاب والذعر الليلي وصعوبات في النطق ليست سوى عدد قليل من الطرق التي تترك فيها الصدمة أصداءها على حياتهم الحالية والمستقبلية.
وقالت جدة ليا لسوريا على طول “نحاول جاهدين مساعدتهم. ما تعرضوا له سبب لهم أمراضاً جسدية و نفسية”.
وبالإشارة إلى سامي، أخو ليا، قالت الجدة “سامي يقوم بضرب الأطفال بشدة، يستيقظ في الليل ويبكي لساعات طويلة”. وبعد مرور ثلاث سنوات على خروجهم من سوريا “أحياناً يتبولون بشكل لا إرداي عند سماع انفجارات أو أشياء قد تخيفهم”.
وأشار تقييم لمؤسسة ميرسي كور عن الأثر النفسي للحرب السورية على الأطفال أنه، بالإضافة إلى الخوف والشعور بالوحدة، فإن الأطفال الأكبر سنا أكثر عرضة للإصابة بـ”الإحباط والغضب والخجل”. ومن ناحية أخرى، يعاني الأطفال الأصغر سنا، من الكوابيس، ويتبولون بشكل لا إرادي، وقد يعانون من “التراجع في معدل نموهم الطبيعي”.
وتلقى كل من ليا، وغنى، وسامي العلاج النفسي على مدى السنوات الثلاث الماضية. ولكن بعد أن خسروا والديهم وعانوا من القصف والتشرد، لا يزالون يكافحون من أجل التعافي من جراحهم النفسية.
وبحسب ماقاله طبيب ليا النفسي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن “علاج مثل هذه الحالات النفسية يحتاج لفترات طويلة، ولا تظهر تحسنات جذرية ملحوظة، فالأمر يحتاج وقتا”.
وأصبحت الحرب في سوريا أكثر عنفا وطالت جميع أنحاء البلاد في السنوات التي تلت مغادرة الأطفال باتجاه الأردن. وأصبح القصف اليومي للمستشفيات والمدارس والمناطق السكنية أمرا معتادا. وبالنسبة لليا، فإن أخبار العنف المستمر هي تذكير دائم من الماضي الذي تكافح من أجل نسيانه.
وقالت ليا “البارحة شاهدت كيف قصفوا المدرسة في الغوطة، استشهدت طفلة بعمري، هم يعرفون أنها مدرسة للأطفال ومع هذا قصفوها، كلما رأيت الأطفال يموتون والمدارس تقصف أتذكر القصف على مدرستي وقتها، اختبأنا تحت مقاعد الدراسة مع حالة رعب هستيرية من البكاء والصراخ”.
بعد ذلك “خرجنا مهرولين مع معلمة تطوعت بإيصالنا لمنزل جدي، فليس هناك من يصطحبنا”.
“أتمنى أن يمحى كل شيء من ذاكرته”.
يعيش محمد البالغ من العمر سبع سنوات، من مدينة حمص، مع والدته وأخته الأصغر في الأردن. قبل أربع سنوات، اعتقل محمد مع والده من قبل قوات النظام السوري.
ففي عام 2012، قررت عائلة محمد مغادرة حمص المحاصرة، والتوجه إلى الأردن. وأثناء الرحلة من حمص باتجاه الجنوب اعتقل والد محمد عند حاجز تابع للنظام، واعتقل محمد مع والده، في حين نجت والدته وشقيقته.
إعداد: الشبكة السورية لحقوق الإنسان
واحتجز الطفل، الذي كان عمره حينها ثلاث سنوات، بعيدا عن والده، في أحد مراكز الاعتقال التابعة للحكومة السورية، في زنزانة مع المعتقلات، حيث مكث لمدة شهر واحد.
ومحمد ليس الطفل الوحيد الذي تعرض للاعتقال من قبل القوات الحكومية في سوريا. ففي حزيران الماضي، ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تم اعتقال 10891 طفلا دون سنة الثامنة عشر، في مراكز الاعتقال التابعة للحكومة السورية.
وفي التقرير، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلقاء القبض على طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات إلى جانب والدتها، من قبل قوات النظام، في مدينة حلب، في كانون الثاني الماضي. ولا تزال الطفلة ووالدتها في عداد المفقودين. كما وثقت المنظمة أيضا وجود عشرات الأطفال تحت الإقامة الجبرية من قبل جبهة فتح الشام وغيرها من الجماعات المعارضة.
وأشارت المنظمة إلى “الأثر النفسي العميق والمعقد” الذي يتركه الاعتقال على الأطفال حيث “يصعب التنبؤ بآثاره في المستقبل القريب أو البعيد”.
وللمصادفة، كانت إحدى النساء، في الزنزانة التي وضع فيها الطفل محمد عام 2012، تعرف والدته. اعتنت بالطفل، وبعد إطلاق سراحها أخذته عبر الحدود إلى أمه في الأردن.
ولكن بعد شهر واحد أمضاه الطفل في المعتقل، تغير محمد تماما، حسب ما قالت والدته لسوريا على طول، “ابني خرج من المعتقل أخرس تماماً (…) لم يقترب مني، كان متسمراً وكأنه يرى بشراً لأول مرة، كنت أكتفي بالبكاء كلما نظرت إليه، وفكرت بالأشياء التي قد تعرض لها”.
ووفقا لوالدته، كان محمد البالغ من العمر آنذاك ثلاث سنوات، طفلا طبيعيا، قبل أن ينفصل عن عائلته أثناء توجههم إلى الأردن.
وبعد أن وصل محمد إلى الأردن، تلقى العلاج لمدة عامين، وفي سن الخامسة “بدأ ينطق بعض الكلمات”. كما بدأ التفاعل مع أقرانه واللعب معهم في نفس الوقت.
وقالت الأم، الآن، يبلغ محمد من العمر سبع سنوات، ولا يزال “يجلس في زوايا الغرف وحيداً متسمراً، لا يعرف اسمه ولا حتى اسمي”.
في السياق، قال محمد السيد، مدير مركز للدعم النفسي للأطفال السوريين في تركيا، لسوريا على طول، في مقابلة عبر الهاتف أن الصدمة معقدة، ولا يمكن التنبؤ بالعلاج.
ووفقا للسيد “تختلف مدة تلقي العلاج تبعا للطبيب والمريض والمشكلة (…) فكلما كان الطفل أصغر، بشكل عام، كان أكثر مرونة”.
وتتساءل أم محمد عما إذا كان زوجها لا يزال على قيد الحياة. حيث لم تتلق أي خبر عنه. وقالت “بقي ما جرى مع ولدي سراً مفقوداً، لكن أتمنى أن يمحى كل شيء من ذاكرته، ويتعلم مثل أصدقائه”.
ترجمة: سما محمد