الحسكة: اهتمام دولي بمخيمات عائلات “داعش” على حساب المخيمات العشوائية
يشعر العديد من النازحين السوريين، القاطنين في مخيمات الحسكة العشوائية، بمناطق الإدارة الذاتية بوجود تمييز في الخدمات والمساعدات مقارنة بالخدمات المخصصة لعائلات تنظيم داعش.
20 يونيو 2023
الحسكة- “لسنا دواعش حتى نحظى بالاهتمام والمساعدة”، بهذه الكلمات عبّر عطا الوكاع عن استيائه مما وصفه “ازدواجية عمل المنظمات الدولية” العاملة في مجال الإغاثة بمناطق سيطرة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، متهماً إياها بتقديم المساعدات لمخيمات عائلات تنظيم داعش على حساب المخيمات الأخرى.
نزح الوكاع، 37 عاماً، والأب لسبعة أطفال، من مدينة رأس العين، إبان عملية نبع السلام التركية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، واستأجر منزلاً في مدينة الحسكة قبل أن يغادره إلى مخيم “سري كانيه” بالحسكة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، نظراً لعجزه عن تأمين الإيجار الشهري.
تعرضت العديد من المدن الحدودية مع تركيا للقصف في العملية العسكرية التركية، من قبيل: رأس العين، تل أبيض، القامشلي، وعين عيسى، ما أدى إلى نزوح نحو 200 ألف شخص، فرّ غالبيتهم إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كما هو حال الوكاع.
وفي 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أي بعد أحد عشر يوماً من عملية نبع السلام، توصلت روسيا إلى اتفاق مع أنقرة، سيطرت بموجبه الفصائل السورية المدعومة من الأخيرة على مدينتي رأس العين بريف الحسكة، وتل أبيض بريف الرقة. رغم توقف العملية لم يتمكن نحو 44 إلى 60 ألف شخص من العودة حتى الآن.
يتوزع العديد من هؤلاء على مخيمات عشوائية بالحسكة وضواحيها، مثل: مخيم واشوكاني وسري كانيه. أنشأت الإدارة الذاتية المخيم الأول على بعد 15 كيلومتراً غرب الحسكة، إبان عملية نبع السلام، ويبلغ عدد قاطنيه حالياً 16,562 نسمة، فيما افتتحت سري كانيه في آب/ أغسطس 2020، ويبلغ عدد قاطنيه 15,430 نسمة، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من مصدر في الإدارة الذاتية، معني بشؤون المخيمات.
قبل ذلك، أنشأت الإدارة الذاتية مخيم العريشة، المعروف باسم مخيم “السد”، على بعد 30 كيلومتراً جنوبي مدينة الحسكة، عام 2016، وخُصص لاستقبال نازحي دير الزور والرقة الفارّين من تنظيم “داعش”. و”السد” أيضاً من المخيمات العشوائية التي تعاني من نقص الخدمات أسوة بالمخيمين السابقين.
يشعر العديد من النازحين، الذين تحدثوا إلى “سوريا على طول” بوجود تمييز في الخدمات والمساعدات بينهم وبين المخيمات المخصصة لعائلات تنظيم داعش. قال الوكاع: “لا نتلقى الرعاية التي تتلقاها عائلات تنظيم داعش، بينما تتوفر في مخيماتهم كافة متطلبات الحياة على عكس مخيماتنا”.
وبينما تحظى مخيمات عائلات تنظيم داعش، من قبيل مخيم الهول، باهتمام المنظمات الإنسانية والطبية الدولية، يعاني سكان المخيمات العشوائية من “إهمال” إلا من بعض الخدمات التي تقدمها مؤسسات الإدارة الذاتية، وفقاً للوكاع.
تشدد “قسد” قبضتها الأمنية على مخيمات عائلات تنظيم “داعش”، خشية أن تنشط خلايا التنظيم انطلاقاً من المخيمات، حتى صارت أشبه بالسجون. لكن في الوقت ذاته يولي جناحها المدني، المتمثل بالإدارة الذاتية، بدعم المجتمع الدولي، اهتماماً بالمخيمات، وينسق مع الجهات الدولية لإعادة تأهيل عائلات داعش وأطفالهم، وقد خصصت مراكز لذلك. في إطار هذا الاهتمام تنشط المنظمات الدولية في مخيم الهول على صعيد المساعدات الإنسانية والصحية، إذ تعمل منظمات مثل: الصليب الأحمر، أطباء بلا حدود، المجلس النرويجي للاجئين، واليونيسيف، وغيرهم داخل مخيم الهول.
تردي الأوضاع المعيشية
أثناء تحريكها للطعام داخل قدر وضعته على نار أشعلتها بملابس بالية وبعض القمامة القابلة للاشتعال، لعدم قدرتها على تأمين غاز للطهي، قالت رغداء بلو، 27 عاماً، من مكان إقامتها في مخيم واشوكاني: “جئنا للمخيم لأنه لم يعد لدينا القدرة على تأمين لقمة العيش أو شراء أي شيء”.
تحصل بلو، النازحة من مدينة رأس العين، تشرين الأول/ أكتوبر 2019، على سلة غذاء شهرياً، بالكاد تكفي احتياجاتهم، ومع سوء الأوضاع المعيشية في “واشوكاني”، إلا أنه يبقى أفضل من العيش خارجه، “لأننا لا ندفع إيجار منزل، وتتوفر نقاط طبية مجانية”، على حد قولها لـ”سوريا على طول”.
قبل قدومه إلى مخيم “سري كانيه”، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، كان عطا الوكاع يستأجر بيتاً في مدينة الحسكة، لكن عجزه عن تأمين الإيجار، البالغ 50 دولار أميركي (260 ألف ليرة سورية بحسب سعر الصرف وقتها) دفعه إلى تركه. يبلغ راتبه حالياً 500 ألف ليرة سورية (56 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي) لقاء عمله في التدريس بمدرسة في المخيم، أي أن راتبه كاملاً سوف يذهب لأجرة البيت في حال بقائه خارج المخيم، خاصة أن أصحاب المنازل “لا يقبلوا الإيجار إلا بالدولار”.
يسهم هبوط سعر الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي وارتفاع أسعار المواد الأساسية، في معاناة قاطني المخيمات العشوائية بالحسكة، الذين يكابدون من أجل تأمين احتياجاتهم الشهرية، من مواد غذائية ومواد تدفئة ومواد رعاية للأطفال كحليب الأطفال وغيره من المستلزمات، وهي مواد تقدم بالمجان لقاطني مخيمات عائلات داعش، كما زعمت المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”.
لأن رغداء بلو لا تستطيع العودة إلى منزلها في رأس العين “خوفاً على أرواحنا” من فصائل الجيش الوطني المعارض المدعوم من أنقرة، ولأن “الانتقال إلى المدن غير ممكن بسبب غلاء المعيشة ووجود مصاريف إضافية مثل إيجار المنزل”، لا بديل أمامها سوى “البقاء هنا” كما قالت، مناشدة المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية بتحسين أوضاع قاطني المخيمات العشوائية في الحسكة، و”زيادة كمية المواد الغذائية والصحية المخصصة لنا”.
تعليقاً على ذلك، قال محمد خليل (اسم مستعار)، النازح من دير الزور إلى مخيم العريشة مستنكراً: “اتركنا يا عمي، هل تعتقد أن المنظمات يتعاملون معنا كبشر؟”، مستئنفاً: “والله ينظرون إلى الكلاب أحسن منا. لا يوجد هنا خدمات أبداً. الله يعيننا”.
سبب التهميش
أقرّ الرئيس المشترك لمكتب شؤون النازحين واللاجئين التابع للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، شيخموس أحمد، بنقص المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية، عازياً ذلك في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى “عدم الاعتراف بالمخيمات التي تقطنها عائلات سري كانيه وتل أبيض”.
وفيما تغيب المنظمات الدولية، تقدم مؤسسات الإدارة الذاتية والهلال الأحمر الكردي الرعاية الإنسانية والصحية والخدمية لسكان المخيمين، لكن الاستجابة لا تلبي احتياجات المهجرين. أشار أحمد إلى وجود أكثر من 16 مخيماً تديرها الإدارة الذاتية “غالبيتها غير معترف بها من قبل الأمم المتحدة”.
تعمل الإدارة الذاتية “بما لديها من إمكانات متاحة لتأمين المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية وحماية المخيمات، إضافة إلى جهودها المكثف في استقطاب المزيد من المنظمات الإنسانية الحكومية وغير الحكومية إلى المنطقة”، بحسب أحمد، ومع ذلك “لا تكفي إمكانات الإدارة الذاتية لتلبية مستلزمات النازحين في مدينة الحسكة”، كما هو حال قاطني واشوكاني والعريشة وسري كانيه، كما أضاف.
وأكد أحمد ما جاء على لسان النازحين بوجود فرق في الاستجابة بين مخيمات الحسكة العشوائية ومخيم الهول، المخصص لعائلات تنظيم داعش، مشيراً إلى أن الإدارة الذاتية “تحاول قدر المستطاع التنسيق مع المنظمات الدولية والأمم المتحدة لملئ الفراغ الموجود في مخيمات الحسكة”.
من جهته، أرجع داوود داوود، مدير مركز السلام والمجتمع المدني، وهي منظمة إنسانية محلية مقرها الحسكة، عجز المنظمات المحلية عن تعويض غياب الدعم الدولي إلى ضعف التمويل، مشيراً إلى أن الوضع ازداد سوءاً بعد زلزال السادس من شباط/ فبراير الماضي، نظراً لـ”توجه العديد من المانحين إلى شمال غرب سوريا”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
وصف عطا الوكاع حياة سكان المخيمات العشوائية في شمال شرق سوريا بأنها “أشبه بحياة المتسولين”، الذين يستجدون المساعدة. مع أن تحسين أوضاع النازحين في مخيمات الحسكة، تخفف من وطأة تهجيره، لكن أمنيته تتمثل في “العودة إلى بيوتنا الخاوية وانتهاء حياة الذل التي فرضتها ظروف التهجير وازدواجية المنظمات علينا”، بحسب قوله.
**
تم إنتاج هذا التقرير كجزء من برنامج مراس، الذي تنفذه “سوريا على طول” لتمكين الصحفيين والصحفيات في شمال شرق سوريا.