الحياة الشخصية لصحفيات شمال غرب سوريا تحت مجهر العادات والتقاليد
لا يمكن اختصار التحديات المجتمعية التي تواجهها المرأة العاملة في شمال غرب سوريا، بسطور قليلة، وللصحفيات النصيب الأكبر من التحديات التي تواجه النساء العاملات، المكبلات بـ"العادات والتقاليد"
27 ديسمبر 2022
سلوى عبد الرحمن
إدلب- “لا يمكن اختصار التحديات المجتمعية التي تواجهها المرأة العاملة بسطور قليلة، وللصحفيات النصيب الأكبر من التحديات التي تواجه النساء العاملات”، قالت الصحفية وحيدة فاروق (اسم مستعار)، من مكان إقامتها في ريف إدلب، معبرة عن حالة “البؤس” التي تشعر بها نظراً للقيود المفروضة عليها أثناء ممارسة المهنة.
وحيدة واحدة من أصل 54 صحفية يعملن في شمال غرب سوريا، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. تعمل غالبيتهنّ في الصحافة المكتوبة، أما اللواتي يعملن في الإعلام المرئي والمسموع، يعدّون على أصابع اليد، وربما يعود ذلك إلى مدى تأثير العادات والتقاليد على حياتهن الشخصية.
بعد خطوبة وحيدة، في عام 2020، أجبرها خطيبها على “حذف أرقام زملائي الصحفيين، ومنعني من إرسال أي تسجيلات صوتية أثناء إجراء المقابلات مع المصادر، لتقتصر رسائلي معهم على النصوص المكتوبة فقط”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.
بدأت وحيدة عملها الصحفي في عام 2011، ومارست وظائف عدّة في هذا المجال: كاتبة صحفية، مراسلة لإذاعة محلية، ومعدة تقارير تلفزيونية، لتصطدم بشروط خطيبها، وتدخل دوامة من الصراع لم تنته منها إلى الآن.
قبل ذلك، اصطدمت وحيدة مع إخوتها الذكور الأكبر منها، ومن ثم من المجتمع المحيط، لتنتهي “بخلافات كبيرة مع خطيبي”، تسببت في تأخير زفافها إلى اليوم.
“الزواج من صحفية غالباً ما يكون مرهوناً بشروط تعجيزية من قبل العريس وأهله”، بحسب وحيدة، معتبرة أن “شريحة واسعة من الرجال لا تتفهم طبيعة عمل النساء في الصحافة، وأن العلاقات العامة من ضرورياته، والخروج لاماكن التصوير والتغطية وأخذ التصاريح من المعنيين أساس عملهن”.
الصحافة “وصمة” للنساء!
في جلسة نقاش مركزة عقدتها “سوريا على طول” مع مجموعة من صحفيات شمال غرب سوريا، عبّرت المشاركات عن رضى متفاوت إلى ما وصلن إليه بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية، وجهودهن في تغيير نظرة المجتمع للمرأة العاملة في الإعلام عمّا كانت عليه قبل عام 2011.
ومع ذلك، لا تحظى النساء العاملات في الصحافة والإعلام بتشجيع المجتمع في إدلب وأريافها، وما تزال هناك أصوات -ليست بالقليلة- تعبّر عن استيائها من انخراط المرأة في قطاع الإعلام، لتصل في بعض الأحيان إلى “وصمة اجتماعية” تلاحق الصحفيات وتقلل فرصهنّ من الزواج، أو يُجبرن على مواصلة عملهن وفق شروط معينة، كما في حالة وحيدة فاروق.
من جهته، لا يجد الصحفي مجد هامو، المقيم في إدلب، مانعاً من الارتباط بصحفية “دون وضع أي قيود أو شروط تحدّ من عملها”، كما قال لـ”سوريا على طول”، لأنه يؤمن بـ”مبدأ المساواة في العمل، والتوازن في المجتمع، طالما أنها قادرة على العمل بمهنية وشغف”.
لكن، ربما أمثال هامو قلّة مقارنة بالرافضين لانخراط المرأة في العمل الصحفي، وسط “وجود نظرة دونية سائدة بين الرجال للنساء العاملات في الشأن العام، والصحفيات على وجه الخصوص”. مع ذلك، يلمس هامو تعافياً في المجتع، وأن “التضييق على النساء أقل مما كان عليه سابقاً، وبات المجتع أكثر تقبلاً لهن”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
تتفاوت النظرة المجتمعية للصحفيات في شمال غرب سوريا بين منطقة وأخرى، وقد تكون أكثر سلبية في القرى والبلدات الصغيرة، كما أوضحت شهد المحمد (اسم مستعار)، إذ في البلدة الصغيرة التي تسكنها في ريف إدلب، “تنتقل الشائعات بسرعة بسبب قلة عدد السكان وعمل النساء بورشات جماعية”.
وأضافت شهد: “منذ لحظة خروجي للعمل حتى عودتي تنتشر الأقاويل حولي، لأن سكان القرية يعتقدون أن الصحفية هي امرأة منفتحة على عادات دخيلة لا تتناسب مع مجتمعهم المحافظ”. الأكثر من ذلك أن شهد تكون “محور أحاديث جلسات قهوة النساء، اللواتي يتكهنّ نهاية زواجي بالطلاق”.
بعد أن كان زوجها يقدر عملها، ولا يمانع ممارستها للصحافة، شعرت شهد بأنه “صار يتأثر بالقيل والقال”، ما دفعه إلى التلميح لها بضرورة ترك هذا المجال، بحسب قولها.
رغم انتقادها للمجتمع، تثمن شهد تفهّم زوجها، إذ “لولا رجاحة عقله لسمع من أهله والمجتمع وأجبرني على ترك عملي أو الانفصال عني”، ولكن اتفق الزوجان على “عدم الإصغاء لكلام أحد”.
بقي زوج شهد داعماً لها، لكنها اليوم حامل بطفلها الثاني، لذلك خففت من عملها “لكنني لم أتخلى عنه”، كما قالت.
بدأت شهد عملها قبل أربع سنوات، وعملت مع عدة وسائل إعلامية على اعداد التقارير المكتوبة والتلفزيونية في محافظة إدلب، دون أن تظهر أمام الكاميرا، ورغم سنوات عملها ترى أن “عادات وتقاليد المجتمع في شمال غرب سوريا ما تزال لا تشجع عمل النساء في بعض المهن، بما فيها الصحافة”، كما ذكرت.
عندما قررت دراسة التخصص في معهد الإعلام، لم يخطر ببال شهد “سوى الصعوبات والمخاطر التي تتعلق بقصف المنطقة التي أغطيها”، معتقدة أن المجتمع “سيتقبل عملي كصحفية، وسأحظى بتقدير واحترام من حولي لأنني أسلط الضوء على قضاياهم ومعاناتهم أثناء القصف والنزوح”.
لكن، اصطدمت شهد بعكس ذلك، مستذكرة لحظة إعلان خطوبتها على حسابها الشخصي في “فيسبوك”، “عندما عبّرتُ عن فرحي بارتباطي بشريك حياتي، وصلتني تعليقات مسيئة، وكذّب آخرون خبر الخطوبة من أساسه”، متساءلة “هل عملي في الصحافة وصمة عار يمنع الشباب من الارتباط بي؟”.
بالنسبة للصحفية رنيم (اسم مستعار)، التي نزحت من ريف إدلب الجنوبي إلى المدينة، عام 2019، تحقق حلم طفولتها بدراسة تخصص الإعلام في معهد الإعلام التابع لجامعة إدلب، عام 2017، قبل أن يتم تخصيصه للذكور.
أنهت رنيم دراستها ومارست العمل الصحفي بعد زواجها، لكن عملها “تسبب بمشاكل مع زوجي بسبب الاختلاط مع الرجال أثناء إجراء المقابلات”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، مؤكدة أن المشكلة ليست بزوجها بقدر ما هي “مشكلة تعود إلى العادات المجتمعية التي تحد من عمل النساء”.
وإلى جانب مشكلتها مع زوجها، تعرضت رنيم لتعليقات سلبية من محيطها، كأن يقال: “ألم تجدي تخصصاً غير الإعلام؟”، أو “هذه المهنة تناسب الرجال أكثر من النساء”، أو “لو كنت معلمة أفضل لك”.
العبارات تلك، تكشف “نظرة المجتمع الدونية للصحفيات وتطاوله عليهنّ”، بحسب رنيم، لكنها استطاعت أن تواجه ذلك “بالحزم والجدية في العلاقات، وأن أضع حدوداً للجميع حتى لا أواجه أي مشكلة”.
تقييد بدافع الغيرة!
يتباين تأثير “العادات والتقاليد” على الصحفيات في شمال غرب سوريا، وفقاً لمستوى الرجال التعليمي وثقافتهم، فكلما زاد مستوى المجتمع ثقافياً وعلمياً، كان تقبله لعمل المرأة، لا سيما في الإعلام، أفضل، كما عبّرت المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”.
وينعكس عدم تقبل الرجال لعمل الصحفيات على تأجيج مشاعر “الغيرة” في نفوسهم، وزعزعة ثقتهم بزوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم الصحفيات العاملات، كما قالت وحيدة فاروق، التي تصف غيرة خطيبها بـ”العمياء”، لدرجة أن يصل به الحال إلى تخييرها بين “اختياره كزوج وبين العمل الصحفي”.
لذلك، تشعر وحيدة بـ”القلق والتوتر الدائمين، لأن زوجي لا يراعي ظروفي، وأشعر أنه لا يثق بي كشريكة له، تحال أن تخدم الثورة، الثورة التي شاركنا فيها من أجل الحرية والكرامة وحياة أفضل”. ناهيك عن أن مشكلة عملها الصحفي تسببت بأكثر من مشكلة مع خطيبها، كانت سبباً في تأخير زواجهما.
ومع تأكيدها على ضرورة التزام النساء العاملات مع المؤسسات التي يعملن بها، من حيث الدوام والإنجاز، إلا أنها تضطر أثناء وجود خلاف مع خطيبها بسبب عملها إلى التقصير في مهامها من دون الإفصاح عن السبب، محاولة التذرع بأسباب أخرى، كما قالت وحيدة.
مع حزنها من عدم تفهم خطيبها ومراعاة حبها لمهنة الصحافة، تلتمس وحيدة عذراً له أحياناً لعلمها أن “المشكلة بالمجتمع، لأن المجتمع لا يتفق مع عمل النساء في بعض المجالات”، كما قالت، مستدركة: “لكن هناك شريحة لا بأس بها من مجتع إدلب تدعم الصحفيات وتشجعهن وتحترم عملهن”، لكن الغريب أن “خطيبها كان واحداً من هؤلاء قبل ارتباطي به!”.
وبعد ارتباطه بوحيدة وضع شروطاً لمواصلة عملها الصحفي، لكنه مؤخراً “يشترط ترك عملي بشكل نهائي، وتغيير جميع حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي، ورقم الهاتف الخاص بي، والابتعاد عن أجواء العمل الصحفي، حتى تستمر شراكتنا وتتوج بالزواج”، ليضعها أمام خيارين إما الارتباط بشخص تحبه والتخلي عن مهنة شغوفة بها أو العكس.
تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع “ضد التمييز”، بدعم من منظمة فري برس أنليميتد (Free Press Unlimited). لا يعكس التقرير بالضرورة آراء المنظمة الداعمة، وتتحمل “سوريا على طول” مسؤولية المعلومات الواردة فيه