الخطف أو تطويق مقرات النظام: سياسة درعا للضغط من أجل المعتقلين
يلجأ أهالي حوران ومجموعاتها المحلية، منذ عدة أشهر، إلى تطويق الحواجز العسكرية والمقرات الأمنية للنظام في درعا، أو اعتقال عناصره للضغط عليه من أجل الإفراج عن المعتقلين، بالتزامن مع عمليات ضغط تمارسها شخصيات عشائرية واجتماعية واللجان المركزية لنفس الغرض.
11 يونيو 2024
باريس- بعد ساعات من اعتقال حاجز “منكت الحطب” على طريق دمشق-درعا، التابع للأمن العسكري (الاستخبارات العسكرية)، لأحد أبناء مدينة نوى بريف درعا الغربي، في الرابع من حزيران/ يونيو الحالي، أطلق سراحه درءاً للتصعيد، الذي تمثل بقطع مجموعات محلية للطرقات، وحصار مقري الأمن العسكري والمخابرات الجوية في المدينة.
“لن ننتظر موت المزيد من أبنائنا في معتقلات الأسد”، قال قيادي عسكري سابق في فصائل المعارضة بدرعا لـ”سوريا على طول”، تعليقاً على حوادث تطويق المجموعات المحلية لمقرات النظام وحواجزه في أكثر من مدينة وبلدة بالمحافظة.
وفي 28 أيار/ مايو، أطلق النظام سراح أربعة من أبناء مدينة إنخل شمال درعا، بعد يومين على حصار مجموعات محلية من أبناء المدينة لفرع المخابرات العامة (مفرزة أمن الدولة) التابع للنظام، رداً على اعتقاله للأشخاص الأربعة، بينهم قيادي في إحدى المجموعات على حاجز “منكت الحطب”، أثناء عودتهم من العاصمة دمشق، واقتيادهم إلى فرع الأمن العسكري في المسمية شرق درعا.
بعد ساعات من حصار مقره، أطلق النظام سراح ثلاثة منهم، فيما أفرج عن الرابع -وهو القيادي- بعد مضي يومين من اعتقاله، وحينها فكّت المجموعات المحلية حصارها للمفرزة.
يلجأ أهالي حوران ومجموعاتها المحلية، منذ عدة أشهر، إلى تطويق الحواجز العسكرية والمقرات الأمنية للنظام في درعا، أو اعتقال عناصر للنظام، في سبيل الضغط عليه لإخراج المعتقلين، وهي وسيلة تشهدها محافظة السويداء منذ سنوات.
بالتزامن مع الضغط الميداني، الذي تمارسه مجموعات درعا على النظام، تضغط شخصيات عشائرية واجتماعية إلى جانب اللجان المركزية، وهي لجان أهلية تشكلت في أعقاب تسوية 2018، تتولى إدارة مناطق المعارضة سابقاً وتلعب دور التفاوض مع النظام، وتتبع لها مجموعات عسكرية من فصائل المعارضة سابقاً.
الضغط عسكرياً
اعتقلت قوات النظام الشبان الأربعة “بذريعة أن أحدهم منشق عن قوات النظام قبل سنوات طويلة، رغم أنه أجرى عملية تسوية”، كما قال شقيق أحدهم لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.
تعامل فرع الأمن العسكري مع المعتقلين “بحذر، ولم يتعرض لهم بسوء أثناء اعتقالهم، رغبة من النظام بعدم التصعيد، خاصة أنه جرى حصار مقر أمن الدولة فور توقيفهم”، بحسب المصدر، مؤكداً أن إطلاق سراحهم “جاء استجابة لمطالبنا بعد حصار المقر”.
قبل هذه الحادثة بيوم واحد، أطلقت مجموعة محلية من أبناء منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي، سراح ضابط وعنصر برفقته من الفرقة التاسعة في قوات النظام، في 25 أيار/ مايو الماضي، بعد ساعات من احتجازهم رداً على اعتقال حاجز “منكت الحطب” لشاب من أبناء اللجاة.
أفرج عن الضابط والعنصر بعد وساطة من اللواء الثامن -مجموعة عسكرية محلية تتبع للأمن العسكري، يقودها القيادي السابق في المعارضة أحمد العودة- لإطلاق سراح الضابط والعنصر، مقابل انسحاب قوات النظام، التي انتشرت في المنطقة، والتعهد بالإفراج عن الشاب الموقوف، وهو ما حدث في اليوم التالي.
“اللجوء إلى اعتقال عناصر النظام أو محاصرة مقراته هو وسيلة أخيرة لإطلاق سراح المعتقلين”، بحسب أبو حسام، قيادي عسكري سابق في مدينة جاسم، لافتاً إلى أن هذا الحل تكرر في مدينته 11 مرة خلال عام ونصف العام.
في إحدى العمليات، التي جرت العام الماضي “اعتقلنا 60 عنصراً من مركز الأمن العسكري بجاسم، و20 شرطياً من المخفر، رداً على اعتقال النظام أحد أبناء المدينة”، قال القيادي أبو حسام لـ”سوريا على طول”، مؤكداً أن عملية الضغط على النظام “نجحت في كل المرات ورضخ النظام لمطالبنا”.
ولم يجد النظام سبيلاً لمواجهة هذا الضغط إلا بسحب مركز الأمن العسكري من المدينة، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، بعد انتهاء اجتماع بين ضباط من النظام وقيادات من جاسم.
وفي الاجتماع نفسه اجتمع أبو حسام وقياديين آخرين من أبناء مدينته مع اللواء لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، بهدف التوصل إلى اتفاق لفك الحصار الذي فرضه النظام على المدينة في الشهر ذاته، قال العلي: “ماذا ستفعلون الآن، لم يبقَ مقر للأمن العسكري تهددوننا به”، بحسب أبو حسام، قائلاً: “رددنا عليه: إذا اعتقلتم أحداً سوف نحرر قرية نمر”، الواقعة شمال مدينة جاسم.
بعد سحب عناصر الأمن العسكري من مدينة جاسم، أوقفت حواجز النظام، عدة مرات، شباناً من المدينة أثناء عودتهم من العاصمة دمشق، “وكنا بعد كل عملية اعتقال نتدخل فوراً ونطالب بالإفراج عنهم بالضغط على النظام”، وفقاً لأبو حسام، مشيراً إلى أنهم هددوا النظام عدة مرات بـ”مداهمة حاجز أمن الدولة بين نمر وجاسم، أو حواجز في مدن أخرى، في حال عدم الاستجابة لمطالبنا”، وهذه الوسيلة أثبتت جدواها لأن “النظام لا يفهم سوى بهذه الطريقة”.
حالة الإنفلات الأمني المستمرة في درعا، وعمليات الاعتقال التي ينفذها النظام “لأجل استمرار حكمه الأمني على المحافظة”، أدت إلى “يأس المجتمع المحلي من إرساء الاستقرار”، وهذا أدى إلى “التعويل أكثر على المجموعات المحلية المعارضة -التي تمثل استمراراً لمجموعات الجيش الحر قبل التسوية- في حماية المجتمع المحلية”، بحسب الكاتب والباحث أحمد أبازيد، الذي ينحدر من محافظة درعا.
وأضاف أبازيد لـ”سوريا على طول”: “يشكل تحالف اللجان المركزية واللواء الثامن منذ حوالي العام التطور الأهم في دور المجموعات المحلية كفاعل في المحافظة، وساعد هذا التحالف على تقوية المجموعات المحلية الأخرى وتشجيعها على تحدي النظام في موضوع المعتقلين”.
الضغط عبر اللجان
في 26 أيار/ مايو، الماضي، أفرج النظام عن سيدة وابنتها، من قرية قيطة شمال درعا، بعد 20 يوماً على اعتقالهم في العاصمة دمشق. عملية الإفراج جاءت بعد مفاوضات بين اللجنة المركزية والنظام.
قبل ذلك، أفرج النظام عن شاب من بلدة حيط غرب درعا، في 19 أيار/ مايو الماضي، بعد مضي قرابة أسبوع على اعتقاله، وتمت عملية الإفراج بعد تدخل اللجنة المركزية ووجهاء من المنطقة.
في أيار/ مايو، اعتقل النظام 15 شخصاً من أبناء محافظة درعا، أفرج عن عشرة منهم في الشهر نفسه، بحسب مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران (مؤسسة إعلامية محلية). وفي نيسان/ أبريل، وثق المكتب اعتقال 12 شخصاً على يد النظام، أفرج عن عشرة منهم في الشهر نفسه. ولم يشر المكتب إلى ظروف الإفراج عن المعتقلين في كلا الشهرين.
تعليقاً على ذلك، قال عضو في اللجنة المركزية بريف درعا الغربي، وهي لجنة محلية تشكلت في أعقاب تسوية 2018 تتولى إدارة ريف المحافظة الغربي ودور التفاوض مع النظام وتتبع لها قوة عسكرية من فصائل المعارضة سابقاً، أن “اعتقال ضباط النظام من أجل الإفراج عن معتقلينا، حالة إيجابية تفلح دائماً، بدأتها محافظة السويداء منذ سنوات”.
ومع ذلك، فإن اللجنة المركزية “تفضل الضغط عبر قنواتها المباشرة مع النظام، وفي حال لم ينجح الأمر نستخدم القوة العسكرية ولغة التهديد”، كما أوضح العضو لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن “اللجان المركزية بدرعا، واللجان الأهلية ومجالس الأعيان في كل مدينة، تلعب دوراً رئيسياً في الإفراج عن المعتقلين الجدد لدى النظام، بينما القليل من الحالات تُحل عبر الضغط عسكرياً”.
في السياق ذاته، قال أبو حسام، القيادي العسكري من شمال درعا: “هناك تياران في حوران اليوم، الأول يمارس الضغط المدني عبر قنوات الاتصال مع ضباط النظام، والآخر يمارس الضغط العسكري، وكلاهما يكملان بعضهما البعض”.
وأضاف: “بعد حادثة الاعتقال، يتصل الأهالي باللجان المركزية، التي تتحرك بدورها فوراً وتحاول بكل الطرق الإفراج عن المعتقلين”.
تأكيداً على دور الضغط بشقيه العسكري والمدني، قال العضو في اللجنة المركزية بريف درعا الغربي أن “القرى والبلدات، التي لم يسبق للمعارضة السيطرة عليها، وتواجد مجموعات اللجان المركزية أو المحلية شبه معدوم، يصعب الضغط” على النظام فيها من أجل إطلاق سراح المعتقلين.
قطعة سلاح
في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اعتقل حاجز عسكري تابع للنظام، أبو حسان، 28 عاماً، من أبناء مدينة إنخل، أثناء عودته من عمله في أرض زراعية بالمدينة.
بعد تدخل عدد من وجهاء عائلة أبو حسان وتوسطهم لدى الضابط المسؤول عن الحاجز، اشترط الأخير عليهم تسليم بندقية لقاء الإفراج عن أبو حسان، كما قال لـ”سوريا على طول”.
رفضت عائلة أبو حسان، تدخل إحدى المجموعات العسكرية في المدينة للضغط على الحاجز، لأنه بتدخلها “سوف يعتقد النظام أنني شخص مهم، وبذلك سوف يطلب أكثر من بارودة، وربما يضع نقطة حمراء على اسمي ولن ينسى”، وفقاً للشاب.
رضخت العائلة لشروط الضابط، الذي رفض استلام مبلغ مالي بقيمة ثمن البندقية، مراً على “استلام بندقية حصراً، لذا اضطررنا شراء واحدة من تاجر سلاح مقابل 700 دولار أميركي”، بحسب أبو حسان.
تسليم قطعة سلاح مقابل الإفراج عن المعتقلين غير وارد لدى مجموعات جاسم، كما أوضح القيادي العسكري أبو حسام، مشيراً إلى أن اللجنة الأهلية والمجموعات المحلية في المدينة اتخذت قراراً منذ عام ونصف العام بمنع تسليم أي قطعة سلاح للنظام، وإنما “المعتقل نعتقل شخص مكانه”، معللاً ذلك بأن النظام يريد سحب السلاح من حوران “ونحن لن نسلم سلاحنا”.