6 دقائق قراءة

الخلاف يهدد حقوقهم في سوريا الجديدة: هل ينجح الكرد في توحيد صفوفهم؟

من الضروري أن تتفق الأطراف الكردية في سوريا، في هذه الظروف الراهنة، ثم لا مشكلة في اختلافها بعد تثبيت قضية كرد سوريا وتأمين حقوقهم الوطنية الأساسية خلال العملية السياسية والدستورية المقبلة.


بقلم سلام علي

28 ديسمبر 2024

أربيل- في 23 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، انتهى الاجتماع بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، ورئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا، بحضور أعضاء من قيادة التحالف الدولي، في مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، دون التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل وفد كردي موحد للتفاوض مع حكومة دمشق الانتقالية حول مطالب وحقوق الشعب الكردي ومستقبلهم في سوريا الجديدة.

بعد الاجتماع، اكتفت القيادة العامة لـ”قسد” بنشر بيان مقتضب، قالت فيه أنه “تم الاتفاق على أهمية اللقاءات بسرعة لحل القضايا الخلافية”، دون الإشارة إلى نقاط الخلاف وإمكانية حلها.

“لا يمكن تشكيل وفد كردي موحد في جلسة واحدة، لأنه يجب تأسيس أرضية مشتركة أولاً، والاتفاق على العديد من النقاط”، كما قالت فصلة يوسف، عضو الهيئة الرئاسية في المجلس الوطني الكردي لـ”سوريا على طول”، لافتة إلى أن الاجتماع تناول “نقاطاً مهمة” دون أن تشير لها.

من جانبها، قالت بروين يوسف، الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، أن “المجتمع الكردي في سوريا يمتلك خصوصية فريدة  تتمثل بتنظيمه السياسي والاجتماعي، حيث يضم عشرات الأحزاب والحركات السياسي، ومع أن “هذه التعددية تعكس حيوية المجتمع الكردي، إلا أنها في ذات الوقت تفرض تحديات على تحقيق وحدة الصف والرؤية”.

مطالب توحيد الصف

بعد سقوط نظام الأسد، في الثامن من الشهر الجاري، تعالت أصوات الكرد، في شمال شرق سوريا، التي تدعو إلى استئناف الحوار الكردي-الكردي، وتوحيد الصف، وتجاوز الخلافات بين الأطراف المختلفة، بهدف تشكيل وفد واحد يمثل كرد سوريا.

وحدة الموقف الكردي كانت دائماً “مطلباً شعبياً كردياً”، لكن “دواعي تحقيقها تضاعفت بشكل كبير في هذه المرحلة، وتحولت من مجرد مطلب شعبي إلى قرار مصيري يتوقف عليه مستقبل الكرد في سوريا”، كما قال الكاتب والشاعر كمال نجم، المقيم في مدينة الرميلان شرقي القامشلي، مشيراً أن عدم التوحد قد يؤدي إلى فقدان الكرد للاعتراف الدستوري بوجودهم وحقوقهم القومية السياسية والثقافية.

لذا، يجب على جميع الأطراف الكردية من دون استثناء “مراجعة مواقفها، وانتماءاتها وتبعيتها، وتقديم جميع التنازلات الممكنة من أجل بناء موقف كردي مشترك وصياغة رؤية مشتركة وواضحة لمستقبل ومطالب وحقوق الكرد في سوريا الجديدة”، بحسب نجم

ويشمل الحوار الكردي-الكردي، طرفين سياسيين رئيسيين وهما: أحزاب الوحدة الوطنية الكردية، التي  تضم 25 حزباً وحركة سياسية من بينها حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)، وهو الحزب الذي أسس الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، وهي الجناح المدني لـ”قسد”،  والمجلس الوطني الكردي في سوريا، الذي يضم 12 حزباً وتنظيماً.

على مدار السنوات الماضية، استمرت الخلافات بين هذين الطرفين، وتباينت مواقفهما حول العديد من القضايا أبرزها: التوجهات السياسية والإيديولوجية، والهيمنة السياسية والإدارية، إذ يهيمن حزب الاتحاد الديمقراطي على المشهد السياسي والعسكري في شمال شرق سوريا ويتفرد في السلطة، وسط اتهامات من المجلس بأن “ب ي د”  يهمش الأحزاب الكردية الأخرى من خلال الاعتداء على مقراته وزج مؤيديه في  السجون.

ويتبادل الطرفان التهم بشأن تبعية كل منهما لأطراف خارجية، متهمين بعضهما بعدم القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة،  وفرض تأثيرات خارجية على مواقفهما السياسية، في إشارة إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي له ارتباطات بحزب العمال الكردستاني (التركي)، والمجلس الوطني له تمثيل في الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، المُتهم بخضوعه لتركيا، كون مقرّه على أراضيها.

وعلى الرغم من الجهود الدولية المتكررة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، إلا أن الحوار المباشر بين الطرفين توقف منذ عام 2020، عندما عقد في نيسان/ أبريل من ذاك العام اجتماعاً بين قطبي الصراع الكردي برعاية أميركية وفي قاعدة عسكرية لها قرب الحسكة آنذاك.

بعد سقوط النظام السوري، بادرت الولايات المتحدة وفرنسا، إلى استئناف الحوار بإشراف التحالف الدولي و”قسد”، وعُقدت عدة لقاءات مع أحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، بهدف توحيد الرؤية والمطالب، كان آخرها في 24 الشهر الحالي، حيث اجتمع وفد فرنسي مع أحزاب الوحدة الوطنية في القامشلي، للإسراع في بدء الحوارات مع المجلس، لكن إلى الآن لم تثمر تلك اللقاءات بتنظيم البيت الكردي الداخلي، ولم تحقق الجهود الدولية أهدافها في تقريب وجهات النظر.

عدم الاتفاق يثير “مخاوف كرد سوريا، الذين يسعون إلى وجود عنوان سياسي عريض يمثّل كل الكرد ، خاصة في ظل التهديدات التركية المتزايدة ووجود حكومة أمر واقع جديدة في دمشق لا تُعرف توجهاتها العامة تجاه الكرد”، كما قال شورش درويش، كاتب وباحث سياسي كردي مقيم في ألمانيا لـ”سوريا على طول”. سعت “إدارة العمليات العسكرية” إلى طمأنة الكرد والأقليات الدينية خلال عمليتها التي انتهت بإسقاط النظام، ومع ذلك يتخوفون من تكرار تجربة عفرين.

من جهته، عبّر بسام أحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، التي تعنى بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، عن أسفه لـ”تأخر استئناف الحوار الكردي الكردي”، معتبراً أن “التأخر في التوصل إلى اتفاق بين الأطراف والأحزاب السياسية لا يخدم مصلحة الكرد وجميع السوريين”.

لا يكفي الحوار الكردي- الكردي، وإنما “هناك حوارات أكبر يجب أن تجري، الحوار العربي- العربي في شمال شرق سوريا، الحوار السوري-السوري”، لأنه “لا قيمة للحوار الكردي من دون حوار سوري جامع”، كما قال الأحمد لـ”سوريا على طول”.

جذور الخلاف

قالت بروين يوسف، الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، أن “المجلس الوطني الكردي يفتقر إلى الإرادة السياسية المستقلة، حيث تخضع قراراته لإملاءات تركيا والائتلاف السوري”، وهذا من شأنه “تعطيل أي خطوة جادة نحو وحدة الصف الكردي”.

واتهمت بروين المجلس الوطني الكردي بأنه “مرتبط بمصالح وأجندات خارجية، خاصة بتركيا، وهذا يعجل من الصعب تحقيق توافق حقيقي”، لأن “غياب الإرادة السياسية المشتركة وضعف الاستقلالية في اتخاذ القرار هي من أبرز العوائق أمام توحيد الصف الكردي”، على حد قولها.

في المقابل، أشارت فصلة يوسف، عضوة الهيئة الرئاسية في المجلس الوطني الكردي إلى ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى اتفاق وتشكيل وفد كردي مشترك من دون خروج حزب العمال من سوريا، لأن خروجه “يسهم في إيقاف التهديدات التركية، ويُبطل الحجج التي تستخدمها فصائل المعارضة التابعة لتركيا كذريعة لشن هجمات على شمال شرق سوريا”.

رداً على ذلك، قالت بروين أن كوادر حزب العمال الكردستاني “لبوا نداء الإنسانية خلال تحرير معركة تحرير كوباني من إرهاب داعش عام 2014، وهم اليوم محكومون بقرارات من تركيا تمنعهم من العودة إلى ديارهم”، وبالتالي قضيتهم تخص تركيا، ولا بدّ من “التفاوض مع الدولة التركية لحلّها”، معتبرة أن هذا الملف “ليس شأناً داخلياً للمجلس الوطني الكردي”. 

ورغم أن حزب العمال الكردستاني مدرج كمنظمة إرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة، إلا أن بروين اعتبرت علاقة الكرد السوريين معه “علاقة طبيعية”، قائمة على أساس “البعد القومي المشترك، حيث يمتد الشعب الكردي عبر حدود أربع دول، ما يجعل التواصل والتنسيق مع جميع الأطراف الكردستانية أمراً  مشروعاً”، وفقاً لها.

من جهته، رأى الكاتب درويش أن السر وراء عدم اتفاق الكيانات السياسية الكردية السورية يكمن في “قراءتها المتضاربة للمشهد، ودخولها في نقاش عن التفاصيل دون القدرة على إيجاد صيغة لتقديم تنازلات متبادلة”، وقد يكون ذلك بسبب “ضعف الاستقلالية”.

وهذا يعني أن “العامل الذاتي لدى الأطراف واستقطاباتها تمنع الوصول إلى صيغة تفاهم جدّية وإلى برنامج عمل يتناسب مع المستجدات الكبيرة بعد سقوط نظام الأسد”، حتى لو كان هناك “دفع أميركي وفرنسي لمسار توحيد الأطراف الكردية”، بحسب درويش.

إضافة إلى ذلك، جميع الأطراف السياسية الكردية “تقرأ اللحظة بعين خاطئة، وتفضل الانتظار على التقدم خطوة باتجاه تشكيل مظلة سياسية جامعة”، وفقاً لدرويش.

التفاوض المنفرد

بينما يغيب التوافق الكردي الداخلي حتى الآن، تجري بعض الشخصيات باسم المجلس الوطني الكردي، لقاءات مع المكونات والأطراف السياسية السورية، ويسعون إلى بناء علاقات وتواصل مع الشخصيات الدبلوماسية والسياسية في دمشق “بهدف إيصال وجهة نظر المجلس”، بحسب فصلة يوسف.

من جهته، يعتزم حزب الاتحاد الديمقراطي عقد مؤتمر وطني كردي جامع بحضور جميع الأطراف، بما في ذلك المجلس الوطني الكردي، ليشكل “قاعدة لتوحيد الرؤية الكردية، ومنه يمكن أن ينبثق وفد مشترك يمثل الكرد في المفاوضات مع دمشق” بحسب بروين. لكن في حال تعذر تشكيل الوفد، لا يستعبد الطرفان إمكانية التفاوض مع دمشق بشكل منفرد، بحسب الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي بروين يوسف،  وعضو الهيئة الرئاسية في المجلس الوطني الكردي فصلة يوسف.

حذر درويش من ذهاب أي طرف من الأطراف الكردية إلى دمشق منفرداً، لأن هذا يعني أن “كل طرف سوف يزعم تمثيل الكرد، وبالتالي سوف ندخل في دورة مزايدات ورفض لما يتحقق في دمشق سياسياً”. وربما “تستغل الدول الإقليمية هذه الثغرة في العمل السياسي الكردي فتقوم بتأييد طرف ضد آخر تبعاً لمصالحها”.

في هذه المرحلة يجب التركيز على “الوضع الراهن السياسي، الذي يفرض على الأطراف [الكردية] تشكيل جسم سياسي تحت أي مسمّى، وترك مسألة إدارة [المنطقة] جانباً، وعدم مناقشة أسباب فشل مبادرات الوحدة السياسية السابقة، التي بنيت على أساس تقاسم السلطة”، بحسب درويش.

“الأولوية حالياً التوجه إلى دمشق، وتشكيل تحالفات مع القوى السورية الوطنية والديمقراطية”، وهذا يتطلب “وجود أدوار للقوى الكردستانية خارج الحدود السورية، التي يجب أن تدفع باتجاه تشكيل كيان سياسي جديد يغلّب مصالح الكرد السوريين، ويتناسب مع الاستحقاق السوري في التغيير والانتقال الديمقراطي”، وفقاً لدرويش.

الخلاف أمر طبيعي، كما رأى درويش، لكن “من الضروري أن تتفق الأطراف في هذه الظروف الراهنة، ثم لا مشكلة في اختلافها بعد تثبيت قضية كرد سوريا وتأمين حقوقهم الوطنية الأساسية خلال العملية السياسية والدستورية المقبلة”.

عدم توصل الأطراف الكردية إلى اتفاق أو وصولها متأخرة إلى دمشق، قد يؤدي إلى “إقصاء مطالب الكرد في سوريا”، وهذا يعني “خسارة نحو مليوني سوري حقوقهم”، في سوريا الجديدة، بحسب الأحمد.

شارك هذا المقال