الرقة: تصعيد “الدولة” في إعدم النساء يثير الجدل حول أهداف التنظيم
أعدم تنظيم الدولة ثلاثة نساء، خلال الأسابيع القليلة الماضية، فيما [...]
12 يناير 2016
أعدم تنظيم الدولة ثلاثة نساء، خلال الأسابيع القليلة الماضية، فيما يسميه ناشطون من المدينة الموصدة، “إشارة ضعف” يمكن ربطها بالهزائم التي يتكبدها التنظيم في العراق وسوريا، إذ يسعى لكسب صدى إعلامي يغطي على هزائمه في البلدين.
لينا القاسم، والتي تبلغ من العمر 45 سنة، موظفة ببريد الرقة، أعدمت بإطلاق النار عليها من فرقة لعناصر التنظيم، في الساحة العامة أمام مبنى البريد، في المدينة السورية الشمالية، الأربعاء الماضي.
وتصدر بقوة مقتل لينا المعروفة بالرقة باسم “أم علي البريد”، عناوين المواقع الإعلامية على شبكات الإنترنت، وذلك لأن ابنها، علي صقر، ذي العشرين عاماً، عنصر في التنظيم، كان كما تواردت الأنباء بين منفذي حكم إعدامها.
وقتل علي صقر ومن معه من مقاتلي تنظيم الدولة، لينا القاسم بتهمة “الردة”، وفق ما ذكرت الصفحة الإعلامية لحملة الرقة تذبح بصمت، الجمعة، نافية التقارير المنتشرة التي قالت إنها قتلت لتحريض ابنها على مغادرة التنظيم. ولم يتسن لسوريا على طول، التأكد من أيٍ من الروايتين.
والقاسم ليست إلا واحدة من أبناء الرقة الكثيرين الذي أعدموا من قبل عناصر التنظيم علنا أو سراً، منذ أن استولى على المدينة الشمالية، قبل سنة تقريباً، ولكنها كانت آخر النساء الأربعة اللواتي أحدثن ضجة إعلامية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
فمنذ أسبوع مضى، تم إخبار أسرة الفتاة الصحفية، رقية حسن، بإعدامها بتهمة “التخابر”، وفق ما ذكرت صفحة الرقة تذبح بصمت، وتاريخ اعتقال وإعدام رقية ليس واضحاً بدقة إلا أنها تغيبت عن صفحات التواصل الإجتماعي منذ تموز الماضي.
وظهرت رقية على وسائل التواصل الإجتماعي باسم مستعار هو: نيسان ابراهيم، وكانت تكتب باستقلالية عن الحياة اليومية التي يعيشها الناس في ظل حكم تنظيم الدولة.
وقال فرات الوفا، وهو صحفي مدني مستقل في الرقة، في مقابلة لسوريا على طول، الإثنين، إنها “كانت تتحدى داعش باستمرار، وتكتب عن الغارات الجوية في الرقة فور حدوثها”.
وكتبت رقية عن القيود التي يزرعها تنظيم الدولة في الحياة اليومية في تموز، “في كل يوم منعوا منعوا منعوا منعوا.. جاي عبالي شي يوم يسمحوا بشي ..!”.
ووصفت رقية في منشورات أخرى لها على صفحتها على الفيسبوك، الإرهاق والخوف الذي يتملك أهالي الرقة الذين يعيشون تحت تهديد قصف طيران التحالف، وحملت كلماتها لمحة شاعرية.
“الناس بالسوق متل الامواج عم تتلاطم ببعضها.. مو من الكترة.. بس لانو عيونون مزروعة بالسما.. من الخوف عيونون فوق واجسامون تتحرك بلا وعي تحت..”.
وقبل أسبوعين من إعلان نبأ إعدام رقية، أعدم تنظيم الدولة ثلاثة نساء، منهن ماريا حسن . ولا تزال ظروف إعدامها غامضة، ولكن لها صلة قرابة مع أحد ناشطي مدينة الرقة.
رقية حسن. حقوق نشر الصورة لـ نيسان ابراهيم.
في حزيران الماضي، تواصل أحد عناصر تنظيم الدولة مع حمود الموسى، وهو صحفي وناشط مدني، يكتب من خارج سوريا، وقدم له عرضاً، بتسليم أسماء الناشطين العاملين معه، مقابل إطلاق سراح أبيه. ورفض الموسى، فتم إعدام والده ومعه ناشطين اثنين، بتهمة التواطؤ مع موسى في عمله الصحفي.
وكتب حمود على صفحته على الفيس بوك، في آواخر كانون الثاني، بعد إعدام أحد ضحايا الرقة “لا أريد من أحد أن يعزيني، بل فليقم بتهنئتي فلا عزاء لشهيد مظلوم”، مشيراً إلى من يموت لأجل قضية أعظم.
ونشرت صفحة الرقة تذبح بصمت، أن تنظيم الدولة أعدم ثلاثة من أهالي الرقة من بينهم امرآة، بتهمة التجسس لصالح PKK، والنظام السوري، يوم الأحد، ولم تذكر أية تفاصيل أخرى.
لا أحد فوق حد السيف
وبينما يتردد يوميا تنفيذ حكم الإعدام في مدينة الرقة، وما بين الفينة والأخرى، بمن يرتكب خروقات لما يسنه التنظيم، تتراوح مابين التجسس إلى ممارسة الشعوذة، فإن إعدام النساء غير شائع نسبياً، مقارنة بالرجال، أو أنه قلما يعلن عنه.
ولكن الناشطين الذين قابلتهم سوريا على طول، لأجل هذا المقال، أشاروا إلى أن الحياة تحت حكم تنظيم الدولة خطر على الجميع، وفي كل الأوقات. “فتنظيم الدولة يبعث برسالة أن لا أحد فوق حد السيف، كل الرؤوس تحت سيوفنا ﻻ يهم جنس وﻻ سن، نساء ورجال، شيوخ واطفال”، وفق ما قال فرات الوفا، عضو سابق في الحملة الإعلامية لصفحة الرقة تذبح بصمت.
وقال الوفا إن إعلام تنظيم الدولة الذي له من الدهاء ما له “يسعى لكسب صدى إعلامي يغطي على هزائمه في العراق، فبإصدارات الإعدام وإشغال الرأي العام فيها يصرفون النظرعن أخبارهم الميدانية وهزائمهم على الأرض”، مضيفاً أنه، “لو قارنت تواريخ إصدارات الإعدامات بحق ناشطين ومدنيين من الرقة بتواريخ هزائم داعش أو ركود صداها الإعلامي سيؤكد لك أن للإعدامات مآرب أخرى غير تنفيذ الأحكام القضائية أو الشرعية التي يدعونها”.
ومن الصعب تحديد، مدى دقة قراءة الإعدامات التي ينتهجها تنظيم الدولة في الرقة، كمؤشر إلى الضغوطات المتزايدة على التنظيم، كما يرى الوفا، وإلى أي درجة هي نتيجة لقوى أخرى كالمنظومة الفكرية للتنظيم وسياسته في الترهيب والانتقام.
وربما تشاهد الإعدامات المصورة في فيديوهات، كنوع من أنواع المسرح الدموي، إلا أنه من غير الواضح إلى أي درجة يعي التنظيم أو يلتفت إلى كيفية بث الأخبار الأقل دراماتيكية والإعدامات اليومية في “عاصمة الخلافة”.
وبينما تسجل وتصور بعض إعدامات المدنيين في الرقة وبها مقاتلي تنظيم الدولة ينتشون بالعرض المصور، فإن بعض الإعدامات تخرج للضوء فقط من خلال ذوي القتلى أو الناشطين المناهضين للتنظيم.
ولم يتم تصوير وتسجيل إعدامات أياً من النساء الأربعة اللواتي ذكرت التقارير قتلهن خلال الشهر الماضي تقريباً، وإن تم تصويرهن، فإن هذه التسجيلات لم تخرج إلى العلن.
وفي غضون هذه الفترة، نشر تنظيم الدولة منذ قرابة الأسبوع فيديو مدته عشر دقائق، بإعدام خمسة رجال متهمين بالتجسس لصالح المملكة المتحدة (بريطانيا)، وأتى ذلك، في وقت مني فيه التنظيم بهزائم ميدانية في العراق وسوريا.
وكانت القوات العسكرية العراقية استعادت قبل أقل من أسبوعين، السيطرة على مدينة الرمادي الغربية، والتي تبعد نحو 110كيلومترات غرب بغداد، وذلك بعد أن استولى عليها مقاتلي التنظيم في أيار الماضي.
وفي الوقت ذاته، فإن القوات الكردية العربية المتحالفة، في شمال سوريا، استعادت السيطرة على سد تشرين، ثاني أكبر السدود على نهر الفرات، بالإضافة إلى بضع قرى في أقصى شرق الريف الحلبي.
وقال الكولونيل ستيف وارن، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة، في مؤتمر صحفي في بغداد، إن التنظيم “خسر 30% من أراضيه بالعراق وسوريا خلال 2015”.
وذكر تقرير أصدره معهد “IHS” في كانون الثاني، أن تنظيم الدولة فقد السيطرة على أراض واسعة في سوريا والعراق في عام 2015، حيت انتهى به الأمر إلى أقل من 14% من المساحة، التي كان يسيطرعليها”.
ويرى حمود الموسى في التصعيد الأخير لإعدامات التنظيم، بما فيه إعدامات النساء الثلاثة، إشارة ضعف للتنظيم. ويقول إن “تصعيد داعش في عمليات الإعدام واضح، وربما باتوا يسيرون في طريق نهايتهم، فالانشقاقات في صفوفهم من السوريين كبيرة”.
الحياة وراء ستار حياة أخرى
بالنسبة للصحفين المدنين في الرقة، فإن الإحساس بالتهديد المستمر في حال انكشف أمرهم، هو ثمن نقل أخبار تنظيم الدولة، وذلك التهديد يطال الجميع، بصرف النظر عن جنسهم.
يقول فرات الوفاء “لا أعتقد أن أحداً في العالم يشعر بشعور أبناء الرقة، أو يتصور شعور الناشط الذي يخرج من منزله، مودعاً أهله وداعاً وكأنه اللقاء الأخير بينهم، لأنه سيموت بأية لحظة”.
وكانت رقية حسن، الصحفية الخامسة التي قتلها التنظيم منذ شهر تشرين الأول، فعلى ما يبدو أن قدر أولئك الذين يجرؤون على الإجهار بمعارضتهم لسياسة تنظيم الدولة، ملاحقتهم واستهدافهم سواء داخل سوريا أو خارجها.
ويبدو أن تنظيم الدولة يلعب على وتر الإرهاب النفسي للناشطين، وفق ما قال ناشط إعلامي من الرقة ويقيم في جنوب تركيا، لسوريا على طول، طلب عدم ذكر اسمه، فإعلاميو الرقة “يختبئون وراء أسماء وهمية، وأرقام هواتف خاصة، ويوهمون الناس بأنهم يعملون أعمال أخرى، دون الإشارة إلى صلتهم بالإعلام حتى لا يصل إليهم داعش”.
وأضاف الناشط “بعد أن وصل إجرام داعش إلى دول الجوار، دفعنا للتكتم عن مكان الإقامة والعمل”، ومقتل الإعلاميين الثلاثة الأخير، المقيمين في تركيا، لفت الإنتباه إلى مساعي تنظيم الدولة في اغتيال الصحفيين المدنيين خارج سوريا، وكان آخرهم المخرج السينمائي ناجي جرف، والذي يعمل في صفحة الرقة تذبح بصمت، والذي قتل بطلق ناري في الرأس، في غازي عنتاب، الشهر الماضي.
والعنف الذي يمارسه تنظيم الدولة، لا يهدد الصحفيين وحدهم، ولكنه تجاوزهم بالانتقام من عوائلهم، كما هو الحال في إعدام والد حمود الموسى.
وبعد شهر من بث فيديو لإعدام والده، أعرب الموسى عن مزيد من الإصرار والتحدي، في مقابلة له مع سوريا على طول، حين قال “لم يقتلوا سوى الخوف فينا”.
وختم الوفاء بالقول “أود أن أؤكد أن ملاحقة داعش للناشطين داخل الرقة وخارجها، يؤكد حجم الضرر الذي تعرضوا له من أقلام وكميرات هؤلاء الناشطين”.
وأضاف” أريد أن أكون صريحاً: نحن لا نخشى الموت ولكن لا نحب الغدر”.