الركبان في زمن كورونا: حصار طبي بدلاً من الإجراءات الوقائية
جاء صادماً خبر إغلاق نقطة "اليونيسف" بالنسبة للسيدة فاطمة، وهي واحدة من أصل أربع سيدات حوامل في الشهر التاسع يقمن في "الركبان"، ويحتجن لإجراء عمليات ولادة قيصرية".
25 مارس 2020
عمان- لا يبدو نحو 12,700 سورياً ما يزالون في مخيم الركبان للنازحين معنيين أو حتى مستهدفين بإجراءات الحجر الصحي التي اتخذها كل من الأردن وسوريا اللذين يقع المخيم في بقعة من الصحراء الفاصلة بينهما، لمواجهة وباء فيروس كورونا.
وإذا كان “الركبان” يعيش “منذ سنوات” عزلة أشبه ما تكون بـ”الحجر الصحي” الذي يطبق حالياً، “بفعل الحصار المفروض علينا” كما وصف الناشط الإعلامي عماد غالي لـ”سوريا على طول”، فإن ظهور الوباء العالمي قد أدى إلى تعميق هذا الحصار. يظهر ذلك خصوصاً مع إغلاق النقطة الطبية التابعة لمنظمة “اليونيسيف” في المخيم منذ 18 آذار/مارس الحالي، كما ذكر الممرض شكري شهاب، مدير نقطة تدمر الطبية، لـ”سوريا على طول”، كأحد الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي “كورونا”.
حصار طبي
عُزلة “الركبان”، الذي لا يقيم فيه أي طبيب، قد تمنع أو تؤخر وصول الوباء العالمي إليه. إذ لا بد لحصول العدوى من “دخول مصابين إلى المخيم أو وصول الفيروس عن طريق أسطح الأشياء التي قد تصل إلى هناك عن طريق المواد الغذائية أو الطبية وغيرها”، بحسب الدكتور مصطفى الدغيم، مسؤول الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب. محذراً في حديثه إلى “سوريا على طول” من أن “الفيروس قد يبقى حياً على بعض الأسطح، مثل أكياس النايلون والبلاستيك، مدة 72 ساعة إذا ما توافرت له ظروف مواتية من حرارة ورطوبة”.
لكن آخر قافلة مساعدات إنسانية مشتركة للأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري، تحتوي مواد طبية، كانت دخلت المخيم في شباط/فبراير الماضي، ونفدت بطبيعة الحال “في غضون أربعة أشهر فقط”، بحسب شهاب.
كذلك، عمدت حكومة دمشق إلى تشديد رقابتها على طرق التهريب الذي يعدّ وسيلة الإمداد الوحيدة لإدخال المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية لأهالي المخيم، لاسيما منذ إعلان الأردن منع إيصال المساعدات عبر أراضيه في تشرين الأول/أكتوبر 2017 . وكما كشف مسؤول مكتب الشؤون المدنية في جيش مغاوير الثورة المتواجد في منطقة الـ55 القريبة من الركبان والخاضعة لسيطرة القوات الأميركية، فقد “قتل أحد المهربين منذ نحو أسبوعين على يد عناصر النظام أثناء محاولته الدخول إلى المخيم”.
على الرغم من ذلك، فإن غياب الخدمات الطبية داخل “الركبان”، واعتماد قاطنيه على نقطة “اليونيسف” التي تقع على بعد خمسة كيلومترات داخل الأراضي الأردنية، ينذر بكارثة طبية. إذ يضم المخيم، كما أوضح شهاب، “نقطتين طبيتين يشرف عليهما ممرضون، وتقدمان الخدمات الإسعافية وبعض الأدوية، إلى جانب إجراء الولادات الطبيعية”. ومن ثم، تُمثل نقطة اليونيسف المركز الوحيد الذي يقدم “معاينات طبية عبر أطباء مختصين، ويجري عمليات الولادة القيصرية، إضافة إلى إحالة المرضى أصحاب الحالات الحرجة إلى المستشفيات المتخصصة داخل الأراضي الأردنية”.
لذا، جاء صادماً خبر إغلاق نقطة “اليونيسف” بالنسبة للسيدة فاطمة، وهي واحدة من أصل أربع سيدات حوامل في الشهر التاسع يقمن في “الركبان”، ويحتجن لإجراء عمليات ولادة قيصرية. إذ يعني ذلك، كما قالت لـ”سوريا على طول”، “أنني وجنيني في خطر”.
وقد ناشدت هيئة العلاقات العامة والسياسية في مخيم الركبان، عبر بيان في 20 آذار/مارس الحالي، مكاتب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ضرورة التحرك السريع لإغاثة أهالي المخيم من حصار فيروس كورونا الذي ضاعف الحصار المفروض على قاطني المخيم أصلاً. كما طالبت الهيئة تزويد “الركبان” بوسائل تعقيم وكمامات وجهاز كشف حرارة رقمي، إذا “لا يوجد في المخيم إلا ميزان حرارة بسيط، يقيس الحرارة عبر الفم أو تحت الإبط”، وفقاً لشهاب.
الوقاية من الوباء
من منطلق أن “وقوع أي إصابة بفيروس كورونا داخل المخيم تنذر بكارثة إنسانية”، طرح الناشط الإعلامي عماد غالي وآخرون مبادرة لتوعية قاطني “الركبان” بالوباء العالمي وسبل الوقاية منه، شملت محاضرة تثقيفية للممرض شكري شهاب، في 20 آذار/مارس الحالي، بحضور عشرات من قاطني المخيم، بحسب غالي.
كذلك، استفاد القائمون على المبادرة من مركبات تابعة للواء شهداء القريتين، وهو أحد فصائل المعارضة السورية المتواجدة في “الركبان” للتنقل في أحياء المخيم والوصول إلى أكبر عدد من قاطنيه لتحذيرهم من مخاطر الفيروس وتوعيتهم بطرق الوقاية.
وبما أن المخيم “يفتقد لوسائل التعقيم والوقاية، مثل الكمامات والقفازات”، فقد تم، بحسب شهاب، اقتراح بدائل محلية الصنع، من قبيل “خياطة الكمامات من قطع قماش مصنوعة من القطن، واستخدام خلّ التفاح أو مادة الكلور للتعقيم والتنظيم”.
بدوره، ذكر مسؤول مكتب الشؤون المدنية في جيش مغاوير الثورة، الفصيل المسؤول عن حماية “الركبان” والمشرف على المعابر بين منطقة الـ 55 ومناطق سيطرة النظام، أن “المكتب شرع باتخاذ تدابير وقائية لمنع وصول الفيروس من مناطق النظام”. موضحاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن الفصيل سيبقي “أي بضاعة مهربة من مناطق النظام على بعد 30 كيلومتراً من المخيم، لمدة 24 ساعة. كما سنستخدم مادة الكلور في تعقيم المواد قبل إدخالها”.
وعلى الصعيد الشخصي، يحاول بعض قاطني المخيم اتخاذ التدابير الوقائية الممكنة، من قبيل “تخفيف الاختلاط بالناس، وتجنب مصافحتهم، وتعقيم المواد قبل إدخالها إلى المنزل”، كما ذكر محمد الحمصي لـ”سوريا على طول”، والذي يتخوف من أن الإجراءات البسيطة المتبعة في الركبان “قد لا تكون كافية للوقاية من الكورونا إذا ما تم اكتشاف أي حالة داخل المخيم”.
هكذا تخوف يجد مبرره في كون كثير من سكان المخيم “لا يتعامل مع الفيروس تعاملاً جيداً. إذ ما يزال بعض السكان لا يكترثون للوباء ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي” بحسب غالي. معللاً ذلك بأنه “قد يعود إلى عدم توفر المواد الأساسية في المخيم، بما في ذلك مواد الوقاية والتعقيم”.