5 دقائق قراءة

الزنازين وغرف التحقيق والنقوش: معتقلة سابقة توصي بحماية ما تبقى من الأدلة في سجون الأسد

في عمليات إفراغ سجون الأسد، بما في ذلك سجن صيدنايا المركزي بضواحي دمشق، تعرضت الكثير من الأدلة للتخريب، وانتشرت الكثير من المعلومات المضللة


9 ديسمبر 2024

باريس- فور الإعلان عن سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد خارج البلاد، توجه اهتمام السوريين والسوريات داخل البلاد وخارجها إلى سجن صيدنايا العسكري، المعروف بـ”المسلخ البشري” بحثاً عن ذويهم أو أحبائهم الناجين من الموت تحت التعذيب.

خلال عمليات “ردع العدوان”، التي أطلقتها هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة أخرى، في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، وانتهت بسيطرة الفصائل على محافظات بأكملها بدءاً من حلب، وصولاً إلى دمشق وإعلان إسقاط النظام، فُتحت العديد من السجون التابعة للنظام: سجن حلب المركزي، سجن حماة المركزي، وسجن حمص المركزي وغيرها من السجون، إضافة إلى سجون الأفرع الأمنية، وأطلق سراح جميع من فيها، في مشاهد مصورة مؤثرة ومُهيبة تظهر لحظات خروج المعتقلين والمعتقلات وحالة الهلع والذهول.

بالتزامن مع ذلك، تخلل عمليات الإفراج عن السجناء والبحث في الوثائق والأدلة حالة من الفوضى والعشوائية، ما أدى إلى “تخريب أجزاء كبيرة من الأدلة”، كما قالت نور الخطيب، مديرة قسم الاعتقال والإخفاء القسري في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي معتقلة سابقة تنحدر من محافظة حماة، التي أعلنت فصائل “ردع العدوان” السيطرة عليها في الخامس من هذا الشهر، أي قبل ثلاثة أيام من إعلان سقوط النظام.

أجرت “سوريا على طول” مقابلة صحفية مع الخطيب، تناولت تجربتها الشخصية والمهنية فيما يخص السجون السورية وطرق التعامل معها بعد سقوط النظام، إلى جانب مشاعرها الشخصية تجاه الحدث التاريخي الذي انتظره السوريون المناهضون للأسد أكثر من ثلاثة عشر عاماً.

تنحدر الخطيب، 31 عاماً، من حي الباب القبلي، وهو من أحياء حماة القديمة، وانخرطت في النشاط الثوري بعد أيام من خروج أول مظاهرة في حماة بتاريخ 25 آذار/ مارس 2011، وواصلت نشاطها إلى أن اعتقلت “بكمين للأمن العسكري في الثالث من نيسان/ أبريل 2012″، واستمرت فترة اعتقالها تسعة أشهر قضت أغلبها في سجن حمص العسكري، على خلفية نشاطها الإعلامي والإنساني والطبي.

حاولت الخطيب البقاء في مدينتها، ولكن نظراً للقبضة الأمنية التي فرضها النظام على حماة، قررت في منتصف عام 2013، أي بعد أشهر من إطلاق سراحها، مغادر حماة إلى مناطق سيطرة المعارضة بريف المحافظة الشمالي، وبعد ست سنوات من إقامتها في شمال غرب سوريا انتقلت إلى تركيا وتعيش فيها حتى الآن، وتتوق حالياً للعودة إلى مسقط رأسها.

في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، أعلنت غرفة عمليات “ردع العدوان” السيطرة على مدينة حماة. تلقت الخطيب الخبر بسعادة غامرة “هي ليست مجرد مدينة، بل تحمل جزءاً كبيراً من ذكرياتي في الطفولة وفي الثورة، وفيها تفاصيل حياتي وآلامي الشخصية”، أيضاً “تحرير حماة هو أمر جمعي بالنسبة لجميع أبنائها، بإمكاننا القول أن ذاكرتهم عن مجازر عام 1982 ستتحرر وتخرج للعلن”.

“قبل 12 عاماً تركت مدينتي، وكان ذلك بعد عام على خروجي من السجن تقريباً، لم تتح لي الفرصة حتى لوداع أهلي، لذا كان الأمر بمثابة اقتلاع من الجذور، وكان عمري حينها 21 عاماً. بإمكانك أن تتخيل كل هذه التجربة القاسية وأنا بهذا العمر”.

ومع بدء إفراغ فصائل المعارضة السجون السورية من المعتقلين والمعتقلات، علّقت الخطيب على أنها تريد زيارة مكان زنزانتها “المكان الذي اختبرت فيه الظلم والقسوة بشكل مباشر، ليس من أجل الزيارة فقط، وإنما لأذكر نفسي والآخرين بما عانى منه السوريون من انتهاكات جسيمة”، مضيفة “تلك الزنزانة ترمز لي إلى الألم والنجاة في آن واحد”.

إفراغ السجون

“مشاهدة فيديوهات تحرير السجناء أثار بداخلي مشاعر عميقة جداً. شعرت بالفرح لهؤلاء الأشخاص الذين حصلوا أخيراً على الحرية، بعد معاناة لا يمكن وصفها”، وفي ذات الوقت استذكرت الخطيب “زملائي وزميلاتي في المعتقل، الكثير منهم لم ينل هذه الفرصة [أي فرصة النجاة]، وبعضهم ما يزال مصيره مجهولاً”، وأضافت: “الفيديوهات كانت تذكيراً حياً بمدى أهمية العدالة والعمل المستمر لإطلاق سراح كل المعتقلين”.

“تتطلب هذه المرحلة توثيقاً دقيقاً لضمان معرفة مصير كل السجناء”، بحسب الخطيب. وجهت الشبكة السورية نداء إلى أهالي المعتقلين والمختفين قسراً في سوريا، اليوم الإثنين، دعتهم فيه إلى “التواصل المباشر” معها للاستفسار عن أوضاع أحبائهم المعتقلين أو المختفين، ووضعت آلية بريداً وأرقام تواصل، إضافة إلى مشاركة رابط لتوثيق حادثة الاعتقال.

منذ بدء عملية “ردع العدوان” حتى الآن “تعمل فرقنا على مدار 24 ساعة، بما فيهم الراصدين الميدانيين المنتشرين بكل المحافظات السورية، وأحياناً نعزز فريق الرصد في المناطق التي تشهد إفراجاً عن معتقلين جدد من السجون”، وبذات الوقت “نتصل مع ذوي الأشخاص المفرج عنهم من أجل جمع معلوماتهم وطرق التواصل مع ذويهم”، بحسب الخطيب، مشيرة إلى أن “آلاف الرسائل تصلنا يومياً لأشخاص يسألون عن أولادهم من بين المفرج عنهم أم لا”.

أشخاص يتجمعون أثناء محاولة عناصر وخبراء من الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إيجاد أقبية محتملة في سجن صيدنايا بضواحي دمشق، 09/ /12/ 2024، (أ ف ب) 

أشخاص يتجمعون أثناء محاولة عناصر وخبراء من الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إيجاد أقبية محتملة في سجن صيدنايا بضواحي دمشق، 09/ /12/ 2024، (أ ف ب)

وفي تعليقها على الصور والفيديوهات المنتشرة لإفراغ سجون الأسد على يد فصائل المعارضة، قالت الخطيب “كان هناك فوضى أثناء إطلاق سراح المعتقلين، وتعرضت الكثير من السجلات والأدلة، بما في سجن صيدنايا، للتخريب”، إضاف إلى أن “الناس تقول أن هناك سراديب داخل صيدنايا، بينما الدفاع المدني وخبراء آخرون قالوا أنه لا يوجد أي مؤشرات تؤكد بقاء معتقلين في هذه الأماكن”، وهنا إشكالية أخرى تتمثل في “حجم المعلومات المضللة التي يتم تداولها”.

“كان يفترض تشكيل لجان لها خبرة في فتح السجون والتعامل مع مراكز الاحتجاز، خاصة أن إدارة العمليات العسكرية تعلم أنها تتقدم في مناطق يتواجد فيها سجون، وأن تصاحب هذه الفرق منظمات إنسانية لتقديم الرعاية الإنسانية العاجلة للأشخاص فور خروجهم”، وفقاً لها.

الكثير من الفيديوهات التي انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي “تظهر المعتقلين بحالة صدمة. المعتقل أصلاً معزول عن العالم، وفجأة يُفتح الباب عليه من دون أن يعرف ما الذي يحصل ومن هؤلاء”، لذا  كان الأولى أن “تدخل منظمات أو أشخاص إلى زنازينهم تخبرهم بما حصل في سوريا، وتقدم لهم الرعاية العاجلة، ومن ثم يتم نقلهم إلى أماكن مناسبة”.

“خرج السجناء وتُركوا في الطرقات. صدقني أغلبهم لا يعرفون كيف يتواصلون مع أهاليهم، ولا يحفظون أرقام هواتفهم”، بحسب الخطيب، هذه الفوضى تحتاج “إلى ضبط قدر الإمكان. أدلة كثيرة تعرضت للتخريب وأعداد كبيرة من الذين خرجوا بحالة ذهول معرضين لصدمات نفسية”.

يجب التعامل مع مراكز الاحتجاز والأفرع الأمنية “على أنها مسارح جريمة، يجب ألا يتم المساس بها نهائياً، ولا بالوثائق الموجودة فيها، ولا بأدوات التعذيب، ولا حتى بالزنازين. لا أدري إن فات الأوان أو بإمكاننا فعل شيء”. 

“السجلات الرسمية الخاصة بالمعتقلين والسجلات الإدارية تأتي في مقدمة الأدلة، التي يجب الحفاظ عليها وعدم العبث بها أو تخريبها، وكذلك الحفاظ على تصميم الزنازين وغرف التحقيق وأماكن الاحتجاز الجماعية كما هي، لأنها قد تُستخدم كأدلة مادية”، وأيضاً “معدات أو أدوات التعذيب يجب الاحتفاظ بها كأدلة مادية تظهر حجم الانتهاكات”، علاوة على “حفظ وأرشفة التسجيلات والصور والملاحظات التي تم تسجيلها أثناء عمليات إخراج المعتقلين من السجون”.

على الصعيد الشخصي “تمثل بنية الزنازين والسجون جزءاً مهماً من ذاكرتي الشخصية والجمعية. زيارتها قد تساعد المعتقل على مواجهة المشاعر المعقدة، سواء لاستعادة القوة أو لتحويل هذه التجربة إلى رسالة إنسانية”، بحسب الخطيب.

وختمت: “جدران هذه الأماكن فيها نقوش ورسائل كتبناها بأيدينا. تركها من دون تغيير يحفظ أصوات من عاشوا التجربة نفسها ويخلّد أثرهم. ربما تستغرب أو تشعر بأنه طلب غير منطقي، لو كان بإمكاني الاحتفاظ برائحة السجون لفعلت”.

شارك هذا المقال