السفير فريدريك هوف: إحياء إدارة بايدن لسياسة أوباما بشأن سوريا سيكون مبعث استغراب شديد
يحذّر السفيرالأميركي فريدريك هوف، من أن تقتصر جهود الولايات المتحدة على قانون قيصر وحده للوصول إلى تسوية سياسية حقيقية للنزاع. إذ سيجعل ذلك من حزمة العقوبات الجديدة مسعى "ضئيلاً جداً، ومتأخراً جداً".
6 يوليو 2020
على الرغم من أن قانون قيصر الذي دخل حيز النفاذ مؤخراً يمثل موقفاً أميركياً غير مسبوق بشأن الصراع في سوريا، منذ اندلاعه في العام 2011، يحذّر السفير فريدريك هوف الذي شغل منصب المستشار الخاص حول الانتقال السياسي في سوريا خلال فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، من أن تقتصر جهود الولايات المتحدة على هذا القانون وحده للوصول إلى تسوية سياسية حقيقية للنزاع. إذ سيجعل ذلك من الحزمة الجديدة من العقوبات مسعى “ضئيلاً جداً، ومتأخراً جداً”.
إذ “لا يوجد ما يمنع العائلة [عائلة الأسد] وبطانتها من استخدام القوة العسكرية للبقاء في السلطة”، كما قال السفير هوف لرئيس تحرير “سوريا على طول” منار الرشواني، في مقابلة عبر الإنترنت، حتى وإن عنى ذلك تحول سوريا “إلى كوريا شمالية شرق المتوسط”، لاسيما مع استمرار روسيا وإيران، أقلها على المدى القريب، في “دعم النظام، وإن لأسباب مختلفة كلياً” لكل من الدولتين.
وفيما يخص التبعات المحتملة على المسألة السورية لإمكانية فوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، قال هوف، “الدبلوماسي المقيم” حالياً في كلية بارد والذي شغل قبل ذلك منصب مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، إنه “سيكون مبعث استغرابي الشديد وخيبة أملي العميقة أن تكون إدارة بايدن بمثابة إعادة إحياء لمقاربة باراك أوباما بشأن سوريا”.
اسمح لي بالبدء بقانون قيصر الذي دخل حيز النفاذ مؤخراً. إذ رغم أنه يمثل، حتى اللحظة، الخطوة الأكثر جدية من قبل الولايات المتحدة بشأن الأزمة السورية، فإن القانون قد لا يعدو أن يكون مسعى “ضئيلاً جداً ومتأخراً جداً” بالنظر إلى الحقائق القائمة على الأرض حالياً. ما تعليقك على ذلك؟
تكمن الأهمية الأساسية لقانون قيصر في أنه يمثل تأكيداً على أنه لن تتم إعادة إعمار سوريا في ظل حكم بشار الأسد وبطانته. لكن، هناك كثير مما يعتمد على مدى الحزم في تنفيذ هذا القانون مع مرور الوقت، وقضايا أخرى يجب على الولايات المتحدة وحلفائها القيام بها.
أولاً، ينطوي أي نظام عقوبات على تبعات غير مقصودة تؤثر بشكل حتمي على الناس العاديين. وقد شرع النظام السوري فعلاً في تحميل قانون قيصر وزر الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. وهذا أمر سخيف، بالطبع. إذ لا يخفى فساد نظام الأسد وعدم كفاءته على معظم السوريين، بمن في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها هذا النظام، أو الذين قد يقبلون باستمرار حكم بشار الأسد على مضض بسبب غياب البدائل من وجهة نظرهم.
أيضاً، سيكون ما يحدث بعد تفعيل “قيصر” مهماً جداً. وبرأيي الشخصي، فإن اقتصار جهود الولايات المتحدة لتحقيق تسوية سياسية حقيقية للنزاع في سوريا على هذا القانون وحده، سيجعل منه مسعى “ضئيلاً جداً، ومتأخراً جداً”. إذ لا أرى ما يمنع العائلة [عائلة الأسد] وبطانتها من استخدام القدرات العسكرية المتاحة لها للبقاء في السلطة، حتى إن كانت سوريا تعاني، أو أن تصبح كوريا شمالية شرق المتوسط.
ما توقعاتك بشأن رد فعل كل من روسيا وإيران على هذه الحزمة الجديدة من العقوبات، لاسيما وأنه إضافة إلى كونهما أهم داعمي نظام الأسد، فإن هاتين الدولتين تحديداً مذكورتان في قانون قيصر؟
على المدى القريب، أعتقد أن كلتا الدولتين سوف تستمران، لأسباب متباينة، في دعم النظام. وهذا التباين مهم، لأنه في حالة إحداهما ربما يُفسح المجال أمام حدوث تغيير في السياسة، بينما لا أعتقد أن يكون الأمر كذلك في حالة الدولة الثانية.
إذ بالنسبة لإيران، يشكل بشار الأسد وبطانته ركناً أساسياً في السياسة الإيرانية الخارجية. وعملياً، لا يوجد بديل عن عائلة الأسد وحاشيته لاستمرار إخضاع سوريا الفخورة بذاتها لإيران، بل وحتى لحسن نصر الله [أمين عام حزب الله].
إن وجود حزب الله ومكانته في لبنان يمثلان درة تاج السياسة الخارجية الإيرانية. ويرى الإيرانيون في وجود الأسد ضرورة أساسية للحفاظ على حزب الله وازدهاره في المستقبل. لذا، من دون حصول تغيير في هيكل الحكم في إيران ذاتها، فإنني لا أرى أي خيار للجمهورية الإسلامية سوى دعم النظام، وبشكل غير مشروط. مع ذلك، قد يكون هناك بعض الاشتراطات، من مثل امتناع إيران عن إرسال مقاتلي حزب الله إلى مناطق سورية معينة.
أما حال روسيا، على الطرف الآخر، فهي مختلفة إلى حدٍ ما. إذ أعتقد أنه بات من الواضح لجميع المراقبين من خارج دوائر السلطة في روسيا، كما في السلك الأكاديمي، بل وأعتقد بشكل عميق أنه بات واضحاً حتى لوزارة الخارجية وغيرها من مؤسسات الحكومة الروسية، أن بشار الأسد وبطانته يمثلون عبئاً على المصالح الروسية في سوريا والمنطقة. والمشكلة في رأيي هي أن مصالح الرئيس فلاديمير بوتين لا تتوافق مع مصالح روسيا.
وبالنسبة للرئيس بوتين، يتعلق الأمر بالحفاظ على قوته السياسية داخل بلاده، واستمرارها في المستقبل. وإحدى الحجج الأساسية التي استطاع الاعتماد عليها في السياسة الداخلية الروسية للحصول على دعم المواطنين الذين باتوا يدركون أن الاقتصاد يتهاوى والفساد يتغلغل، هي: “لقد عُدنا نحن الروس إلى الساحة الدولية كقوة عظمى بعد سنوات من الذل والخزي. والدليل الأول على ذلك بشار الأسد. هو ليس قائداً سياسياً عظيماً بالتأكيد، وليس شخصاً يحظى بالكثير من الاحترام في العالم، لكن بفضل تصميمنا، أنقذنا هذا الشخص من محاولة الغرب تغيير النظام”.
ومن ثم، أظن أنه طالما استمر الرئيس بوتين في إحكام قبضته على السلطة، فستكون روسيا مُجبرة على دعم الأسد لأجل المنفعة السياسية لبوتين وبقائه. أما استناداً إلى المصالح الموضوعية للدولة الروسية، فإنه يمكن الاستغناء عن الأسد تماماً.
بناء على ما ذكرت، وفي سبيل إيجاد توازن بين مصالح بوتين ومصالح روسيا، هل من الممكن أن يعمل بوتين على دفع الأسد نحو قبول شكل من أشكال التسوية السياسية للأزمة السورية، والذي قد يتضمن بقاء الأسد في السلطة، فيما يُرضي في الوقت ذاته القوى الدولية والإقليمية، باستثناء إيران ربما؟
أعتقد أن الروس أوصلوا رسائل للأسد، يحثونه فيها بصدق على المشاركة في الحوارات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف حول التعديلات الدستورية، وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 بشكل عام.
وبالحد الأدنى، يريد الروس من وكيلهم الانخراط في هذه اللعبة، وفقاً لنظرية مفادها: “إذا انخرطت في هذه اللعبة، فقد تفسح المجال على الأقل أمام احتمال الحصول على بعض المساعدات لإعادة الإعمار، ربما من أوروبا أو غيرها، إذا ما ظهرت بمظهر المنخرط فعلياً”. بيد أنه ليس للأسد مصلحة في ذلك.
يتصرف الأسد وكأنه محور الكون، حيث كل شيء يدور في فلكه، وأن روسيا وإيران تدعمانه ليس لأنهما تحبانه شخصياً -إذ من الواضح أن هذا غير صحيح، خصوصاً في حالة الروس- وإنما لأنه هو شخصياً ونظامه يشكلان عاملاً أساسياً لهاتين الدولتين لتحقيق مصالحهما. وهذا أمر لا يكاد يُصدق بالنظر إلى الوضع الاقتصادي في سوريا، والأدلة الواضحة على السخط العميق في مناطق مثل السويداء وغيرها جنوب البلاد. الأسد ما يزال يعتقد، حتى اللحظة على الأقل، أنه المتحكم. لذلك، سيكون من الصعب على الروس إقناعه بالانخراط الفاعل في محادثات السلام.
والحقيقة الموضوعية هنا هي أن تنازل هذا النظام عن السلطة ومشاركته لها مع آخرين أمر مستحيل برأيي. إذ ثمة أمر واحد يدركه بشار الأسد، وهو أن سلوكه هذه الطريق، يعني انزلاقه إلى مدى قد يصل حد محاكمته على الجرائم التي ارتكبت إبان حكمه.
في السياق ذاته، هل يمكن أن تؤدي الاختلافات في وجهات النظر والتوقعات بين إيران وروسيا، لاسيما في ظل متغيرات جديدة من قبيل قانون قيصر والعلاقات الروسية-التركية، إلى حدوث نزاع فعلي بين طهران وموسكو، أم أنهما ستحافظان على تحالفهما طالما بقي الهدف المشترك بينهما المتمثل في بقاء الأسد بالسلطة؟
بما أن للبلدين هدف مشترك، أقلها في الوقت الحاضر، فسيكون استمرار التحالف هو الاتجاه السائد. هناك نزاع بالفعل بين إيران وروسيا، وإن لم يتخذ طابعاً عسكرياً، يتمثل في الاختلاف في الرأي، ويشمل ذلك حتى الرئيس بوتين، بشأن الطريقة التي يجب على الأسد التصرف بها وتقديم نفسه للآخرين فيما يخص المفاوضات حول الدستور وغيره من مواضيع.
رغم ذلك، فإن ما يثير الاهتمام هنا، وعلى سبيل المثال، وجود تفاهم بين روسيا وإسرائيل يقضي بعدم معارضة الأولى لاستهداف إسرائيل عسكرياً للعناصر والمليشيات الإيرانية في سوريا، شريطة الامتناع في الوقت نفسه عن استهداف الجيش السوري النظامي.
أظن أن الروس يودون بشدة إقناع الأسد باتخاذ موقف أكثر مرونة. ومن الواضح أن هناك سوريين في موسكو ترغب الأخيرة في رؤيتهم يتسلمون مناصب في حكومة وحدة وطنية شكلية. لكن على المدى القصير ما يزال بقاء النظام يتصدر قائمة أولويات كل من روسيا وإيران.
إذن، هل يمكن أن تكون إدلب ساحة رد فعل روسي-إيراني مباشر على قانون قيصر من خلال جولة تصعيد جديدة؟ وهل ستبذل الولايات المتحدة جهداً حقيقياً لمنع الأسد وحلفائه من السيطرة على شمال غرب سوريا، علماً أن ذلك يعني دعم تركيا التي لديها خلافات حقيقية مع الولايات المتحدة بشأن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كما مع بعض أعضاء حلف الناتو الآخرين، وتحديداً فرنسا واليونان؟
ما تزال إدلب قابلة بشكل كبير للاشتعال. مع ذلك، أظن أن روسيا تفضل في الوقت الحالي مواصلة العمل مع تركيا بشأن المنطقة. فبالنسبة للرئيس بوتين، يشكل مسعى خلق تباعد بين تركيا والولايات المتحدة، كما إبعاد الأولى عن موقعها في الناتو، أمراً أكثر فائدة بكثير من رؤية الأسد يستعيد سيطرته على محافظة إدلب. لذلك، فالمحتمل أن تجنح روسيا إلى خيار التهدئة الذي شجعتها عليه بالتأكيد الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك أن الأداء العسكري التركي ضد قوات النظام قبل بضعة أشهر كان مدمراً. وهناك المشاكل التي يواجهها النظام لتجنيد عدد كافٍ من الشباب في الجيش، واضطراره إلى استخدام قوات النخبة لتحقيق أي شيء هناك، ليكون الأرجح وجود تردد في زج وحدات جديدة وإرسال المزيد من الجنود إلى المفرمة التركية في إدلب.
مع ذلك، علينا تذكر أن الحرب في سوريا لم تقم، منذ البداية، استناداً إلى حسابات عقلانية، بل كانت مستشرية الأخطاء وسوء التقدير ومن جميع الأطراف. لهذا، لا يمكنني أن أستبعد تماماً احتمالية حصول تصعيد جديد في إدلب، بحيث يضع نظام الأسد المدنيين العزل، كما فعل منذ البداية، في مرمى النيران.
وفي السنوات الأخيرة، صار استهداف المرافق الصحية مجال اختصاص الطيارين الروس تحديداً. وأشير في هذا الصدد إلى أنني شاركت العام الماضي في مجموعة دراسية بشأن الأزمة السورية، تم تكليفها من الكونغرس الأميركي بالخروج بجملة من التوصيات. من بين هذه التوصيات كان إعداد دراسة بتكليف من الإدارة الأميركية، حول جرائم الحرب الروسية في سوريا. وفي حال تم الأخذ بهذه التوصية، فلا بد أن ذلك كان بشكل غير ظاهر، لأنني لم أر أي دليل على جهد في هذا الاتجاه.
قبل فترة ليست بعيدة، كتبت مطالباً المعارضة السورية في الخارج أن تغادر أماكن إقامتها الحالية أو تحل نفسها أو أن تنصاع لإرادة الآخرين. بناء على تجربتك مع هذه المعارضة، أين تكمن المشكلة تحديداً؛ هل هي في أعضائها، و/أم مؤسساتها، و/أم داعميها؟
واضح أن المعارضة السورية واجهت صعوبات على صعيد وحدتها، والمسائل السياسية، وصلتها بالأحداث داخل سوريا.
شخصياً، أولاً كمسؤول أميركي ومن ثم كمتابع من الخارج، شعرت بالكثير من التعاطف تجاه هذه المعارضة. إذ صعب جداً أن يستفيق أناس ممّا يشبه غيبوبة سياسية قسرية دامت خمسين عاماً ليبدأوا العمل بروح الفريق الواحد، ويتمتعوا بالاستقلالية، وكل خصائص القيادة الجيدة.
نحن، في الغرب، كان يتوجب علينا العمل بنصيحة أن نكون أكثر صبراً ومساندة للمعارضة السورية وأقل انتقادا لها. لكن أظن أنه كان هناك ميل شديد في الواقع لتحميل هذه المعارضة وزر فشل سياسات الغرب. وهذا أمر مفهوم من الناحية السياسية، لكنه ليس تصرفاً نبيلاً أو مشرفاً إلقاء الأطراف الأقوى اللوم على الحلقة الأضعف في المعادلة.
في مقالي الذي أشرتَ إليه، كان رأيي أن تستعد المعارضة السورية في الخارج جيداً للعمل مع السوريين داخل البلاد في حال بدأ النظام بالتهاوي ولربما السقوط. وقد طرحت سؤالاً، ووصلت إلى نتيجة أولية بشأن ما إذا كان وجود الشخصيات الأساسية لهذه المعارضة في تركيا والمملكة العربية السعودية يعزز قدرتها على العمل بإبداع أم يحد منها، والأهم من ذلك ما إن كان ذلك يعزز من العمل باستقلالية كسوريين. وهذا ليس نقداً للسياسة التركية أو السعودية بالضرورة، وإنما محاولة للنظر إلى الأمور بموضوعية، بأن أضع نفسي مكان أعضاء المعارضة الذين يرغبون حتماً في لعب دور إيجابي في تطور بلدهم.
منذ البداية، كان الاعتماد على الفاعلين الخارجيين لتأمين التمويل وأماكن الإقامة وغيرها من أشكال الدعم، من أكبر المشكلات التي واجهتها المعارضة السورية. لكن النتيجة التي توصلت إليها هي أن عليها التفكير بشكل جدي جداً في الابتعاد عن اسطنبول والرياض والانتقال ربما إلى أوروبا. وهذا، بالطبع، ليس الوضع المثالي، فالأخير يكون بالتواجد داخل سوريا.
في مرحلة ما، اعتقدتُ أن الولايات المتحدة ستفكر جدياً في الاستفادة بشكل أمثل من انتصارها العسكري على تنظيم “داعش” شرق سوريا، بتسهيل تطور شكل للحكم في تلك المنطقة، يتيح للولايات المتحدة التخلص من الموقف المشين المتمثل في استمرار الاعتراف ببشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية. وللأن، ما تزال الحال على ما هي عليه. إذ على الرغم مما يتضمنه قانون قيصر، وكل ما يقوله أي شخص بدءاً من الرئيس الأميركي نزولاً إلى المسؤولين الأدنى منه في الإدارة، ما تزال الولايات المتحدة تعتبر الأسد رئيساً لسوريا، وهذا أمر مخزٍ.
طالما أننا نتحدث عن حضور المعارضة السورية وأدائها، فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار هنا إصرار الروس والإيرانيين على تشكيل ما يسمى هيئة معارضة شاملة، وهو ما يعني، عملياً، اختراق المعارضة من قبل أحزاب وجماعات وأفراد موالين للنظام. كيف يمكن التغلب على هذه المشكلة، لا سيما وأن الغرب، بشكل عام، ما يزال متردداً في فرض ضغوط حقيقية على روسيا وإيران؟
عقب مغادرتي الإدارة الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، عُقد اجتماع لمجموعة “أصدقاء الشعب السوري” في كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته، بمدينة مراكش المغربية. والأمر الأساسي الذي أفضى إليه هذا الاجتماع هو الاعتراف بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ممثلاً شرعياً للشعب السوري. آنذاك، اعتقدت أن تلك لفتة رائعة، لكن تبيّن لاحقاً أنها جوفاء. إذ لم يكن هناك أي متابعة على الإطلاق، أو محاولات متواصلة، باستثناء برنامجين صغيرين نسبياً للمساعدة الفنية، لتحضير هذه المعارضة للقيام بمهام الحكم داخل سوريا وبناء روابط بينها وبين السوريين في الداخل، والذين يجهدون لتشكيل مبادرات للمجتمع المدني وضمان استمرارها في المناطق غير الخاضعة للنظام.
هذا يعود بنا إلى سؤالك الأول حول مبادراتنا الحالية، من مثل قانون قيصر، وما إذا كانت مبادرات “ضئيلة جداً ومتأخرة جداً”. ليس لدي جواب دقيق عن هذا السؤال، لكن عندما أنظر إلى الأعوام الثمانية أو التسعة الماضية، أرى فرصاً مهدرة من دون مبرر. وهذا أمر مخزٍ، لأن الكلفة التي تحملها الشعب السوري بسبب ضياع هذه الفرص كانت باهظة.
بحسب نتائج استطلاعات الرأي العام، ثمة احتمال كبير بأن نرى نائب الرئيس السابق جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة في العام المقبل. هذا الأمر يثير قلق معارضي الأسد، لاسيما السوريين منهم، خشية تكرار بايدن لسياسة إدارة أوباما تجاه إيران، والتي مكّنت الأخيرة في سوريا وغيرها. هل تعتقد أن مثل هذا القلق وحتى الخوف مبرران؟
بداية، أود القول إنني لم أر للآن أي مواقف محددة من نائب الرئيس السابق بايدن شخصياً بشأن السياسة الأميركية التي سيتبناها تجاه هذه القضايا. لكن أتوقع أن إدارة بايدن [المفترضة] ستبحث عن طرق لإعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران [خطة العمل الشاملة المشتركة] ولربما تقويته وتوسعته، أو تأسيس نوع من الحوار مع إيران بهدف التخفيف من سلوكها السيء في المنطقة.
خلال إدارة أوباما، وفي حالة الرئيس نفسه تحديداً، كان هناك إيمان بأنه مع توقيع الاتفاق النووي، ستبدأ إيران بتعديل بعض سياساتها الإقليمية. وقد عرف كثيرون منا منذ البداية أن ذلك افتراض غير صحيح ولن يحدث. وهذا يمثل، كما أظن، أحد الدروس المستفادة.
حالياً، أعرف أن كبير مستشاري نائب الرئيس السابق بايدن للسياسة الخارجية، أنتوني بلينكن، والذي يعد مرشحاً محتملاً لشغل منصب وزير الخارجية، كتب علناً بأنه كانت هناك أخطاء جسيمة في مقاربة إدارة أوباما للوضع في سوريا. وأعرف أن آخرين في تلك الإدارة، وأشير هنا تحديداً إلى سامانثا باور التي كانت مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ووزير الخارجية جون كيري، كانا يقصدان الرئيس بشكل دوري للاحتجاج بشكل شخصي على فشل الولايات المتحدة في تحريك ساكن لحماية المدنيين السوريين.
لقد كان باور وكيري محقين عندما اعتبرا أن حماية المدنيين ليس أمراً لطيفاً أو اختياراً نقوم به، أو لفتة إنسانية، وإنما هي أمر يقع في صلب الكارثة الجيوسياسية التي حلت بالغرب بسبب سلوك نظام الأسد المدعوم بشكل كامل من روسيا وإيران.
خلاصة الأمر هي أنه سيكون مبعث استغرابي الشديد، كما الشعور بخيبة أمل عميقة، أن تبدو إدارة بايدن بمثابة إعادة إحياء لمقاربة أوباما تجاه سوريا. في حالة الرئيس أوباما، فإنني مقتنع أنه في وقت ما، لا أعرف متى بالضبط، تضافر على نحو قاتل تردده في استخدام القوة العسكرية الأميركية لحماية المدنيين مع رغبته في عدم إغضاب إيران، والتي تمثل هدف المفاوضات النووية، في سوريا.
كان هناك خوف من أن الرد على ذبح المدنيين بعمليات عسكرية سوف يغضب المرشد الأعلى بشدة ويدفع بالإيرانيين إلى الانسحاب من المفاوضات النووية. وأعتقد أن الرئيس ولربما اثنين أو ثلاثة من مساعديه في البيت الأبيض اقتنعوا بهذا الأمر، بينما لم يشاطرهم الرأي ذاته آخرون في الإدارة. فكثيرون، ومنهم أنا شخصياً، توقعوا أن تتفهم إيران الأمر بشكل كامل، واستغربوا جداً عندما لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً. وأظن أن هذه الجوانب من مقاربة أوباما لن يتم تكرارها من قبل إدارة بايدن. قد أكون مخطئاً، لكن هذا هو تقديري.
تم نشر هذه المقابلة باللغة الإنجليزية، وترجمتها إلى العربية لينا شنك