5 دقائق قراءة

السوريون في الأردن: تسهيلات العودة لا تدعم خيار “التراجع”

عاد 3,106 لاجئين سوريين من أصل 717 ألف لاجئ مسجل لدى مفوضية شؤون اللاجئين في الأردن، وهو رقم ضئيل جداً لأن التسهيلات تشترط العودة النهائية ولا تسمح بالزيارة


1 يناير 2025

عمان- “هل نعود إلى سوريا أم نبقى في الأردن؟، هذا موضوع نقاشنا مساء كل يوم”، منذ سقوط نظام الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، وربما “هو نقاش جميع سكان مخيم الزعتري”، أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن، كما قالت أم حسام، 35 عاماً، لـ”سوريا على طول”.

قبل سنوات، جمعت أم حسام وزوجها مبلغاً مالياً، وافتتحت به محلاً لبيع الملابس في المخيم الواقع شمالي الأردن، ويضم نحو 80 ألف نسمة، وما تحصل عليه من أرباح شهرية “بالكاد يؤمن مصاريفنا الأساسية”. في المقابل، إذا “قررنا العودة إلى سوريا لا قدرة لنا على شراء أو استئجار بيت هناك”، وبالتالي فإن الحديث عن “العودة” ما زال مبكراً، وفقاً للسيدة، التي تنحدر من محافظة درعا جنوب سوريا.

ذات الرغبة والحيرة عاشها عمر الخالدي، 25 عاماً، الذي غادر مدينته حمص، وسط سوريا، رفقة أمه وعمته، وكان عمره آنذاك 12 عاماً، قائلاً لـ”سوريا على طول”: “تركت في سوريا عائلة وأصدقاء وأحلام الطفولة، ودائماً كنت أبحث عن وطن”.

“بالتأكيد سأعود، ولكن لا يمكنني العودة قبل إنهاء التزاماتي هنا، وتأمين مكان وعمل في حمص، لذا لا أتوقع إمكانية العودة قبل شهرين في أحسن الأحوال”، بحسب الخالدي، الذي تزوج قبل شهرين من سقوط النظام، ويعمل طاهياً في أحد مطاعم العاصمة الأردنية عمان.

بلغ عدد السوريين الذين دخلوا بلادهم عبر الأردن، في الفترة بين 8 و28 كانون الأول/ ديسمبر، 22.215 شخصاً، غالبيتهم جاؤوا عن طريق دولة ثالثة (ترانزيت)، فيما عاد 3,106 لاجئين سوريين مقيمين في الأردن، من بينهم 252 من داخل مخيمات اللجوء، بحسب مدير مديرية الجنسية وشؤون الأجانب، باسم الدهامشة. وهم من أصل 717 ألف لاجئ سوري مسجل لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2024، كشفت وزارة الداخلية الأردنية عن الفئات المسموح لها بالمغادرة والعودة عبر مركز جابر الحدودي، وحددت فئتين بالنسبة للسوريين: المستثمرون وعائلاتهم ممن يحملون سجلات تجارية أردنية برأس مال معين، والسوريون الذين حصلوا على الجنسية الأردنية. 

في المقابل، لا يحق لغالبية اللاجئين السوريين زيارة بلادهم والعودة إلى الأردن، كما في حالة أم حسام وعمر الخالدي، وهو ما يجعلهما مترددين في العودة قبل تأمين واقع معيشي مناسب هناك.

وفي هذا السياق، نقل الخالدي تجربة ابن عمه، الذي غادر الأردن قبل أيام، قائلاً: “في الجانب الأردني من الحدود خُتم على جوازه بختم أحمر، ووقع على تعهد بعدم العودة إلى الأردن قبل خمس سنوات”. حاولت “سوريا على طول” الحصول على تصريح رسمي من مصدرين أردنيين، فيما يخص استبعاد اللاجئين العائدين، لكنهما رفضا التعليق بهذا الخصوص.

مخاوف العودة

في السنوات الأخيرة، تراجعت المساعدات الإنسانية المقدمة من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين السوريين في الأردن، إما بانخفاض قيمتها أو تقليص أعداد المستفيدين منها، ومع ذلك يعيش السوريون في الأردن ظروفاً معيشية واجتماعية أفضل من أقرانهم في دول الجوار الأخرى.

لذا، يخشى العديد من السوريين في الأردن، الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول” اتخاذ قرار متسرع بالعودة إلى بلد غير مستقر اقتصادياً وأمنياً حتى الآن، ناهيك عن حجم الدمار في بعض مدنه، كما هو حال حمص، مسقط رأس عمر الخالدي، وهي من المحافظات الأكثر دماراً.

شارع على أطراف مخيم الزعتري للاجئين السوريين، شمالي الأردن، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

شارع على أطراف مخيم الزعتري للاجئين السوريين، شمالي الأردن، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

“جئنا إلى الأردن أفراداً، وعند عودتنا سنعود عائلات، الكثير من السوريين تزوجوا في الأردن وأنجبوا أطفالاً هنا”، لذا “قرار العودة بحاجة إلى تخطيط وترتيب ظروف السكن والعمل في بلدنا”، قال موسى داود، 30 عاماً، لـ”سوريا على طول”.

“أتمنى العودة إلى بلدي ولكن في ضوء الإمكانيات الحالية هذا غير ممكن”، لأنني “أخشى إذا عدت أن لا أستطيع تأمين سكن أو عمل”، بحسب داود، الذي ينحدر من محافظة درعا، وهو عامل زراعي بنظام “المياومة”، يقيم في محافظة المفرق، شمالي الأردن.

أما بالنسبة لإسراء المقداد، 20 عاماً، فإن قرار العودة “غير وارد حالياً لعدة أسباب: الوضع الأمني الاقتصادي سيء، الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء غير متوفرة بشكل جيد، والرواتب لا تكفي لشراء خبز”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، مضيفة: “الحياة في سوريا لن تتحسن فور سقوط النظام، قد تحتاج بعض الوقت حتى تكون مؤهلة لاستقبال أبنائها”.

اقرأ المزيد: صدمة ما بعد السقوط: رحيل الأسد لا يكفي لعودة مهجري حمص إلى منازلهم

لكن، لو سمحت الأردن للسوريين بزيارة بلادهم بموجب “ورقة الخروج والعودة”، التي كانت متاحة لهم قبل سقوط النظام، لن تتأخر المقداد، التي تنحدر من درعا، عن “العودة بغرض الزيارة”، وهذا من شأنه أن “يسهل عودة اللاجئين لاحقاً”، وفقاً لها.

أتاحت تركيا، التي تستضيف نحو ثلاثة ملايين سوري، للاجئين الحاصلين على حق الحماية المؤقت (كملك)، إمكانية زيارة شخص واحد من العائلة لسوريا ثلاث مرات في الفترة بين كانون الثاني/ يناير وتموز/ يوليو 2025، تسهيلاً لعودة اللاجئين.

اقرأ المزيد: العبور من تركيا إلى سوريا: تسهيلات حكومية تعزز عودة اللاجئين

في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها السوريون في بلادهم “من أزمة إنسانية، استمرار النزوح الداخلي، الدمار الواسع للبنية التحتية”، لا تشجع مفوضية شؤون اللاجئين في الوقت الحالي “العودة الطوعية الجماعية واسعة النطاق إلى سوريا”، كما قالت بتول غيث، المتحدثة باسم المفوضية لـ”سوريا على طول”.

وأضافت غيث “تجدد المفوضية التأكيد على اتفاقها مع الحكومة الأردنية بأن أي عودة للاجئين السوريين إلى بلادهم يجب أن تكون طوعية وكريمة وآمنة”، مشيرة إلى أن المفوضية “على تواصل مستمر مع السلطات الأردنية على جميع المستويات لمتابعة المستجدات ومناقشة تنسيق الجهود”.

تسهيل الإجراءات

منذ اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، مددت السفارة السورية في الأردن نحو 30 ألف جواز سوري، بحسب القائم بأعمال السفارة، الدكتور إحسان الرمان، لافتاً إلى أن “السفارة في الأردن كانت أول من بدأ بتمديد الجوازات مجاناً، لمدة ستة أشهر، بعد تولي الإدارة الجديدة في سوريا مهامها، في خطوة تهدف إلى تسهيل الإجراءات على السوريين في الأردن”.

وأيضاً، “أصدرت السفارة نحو 400 تذكرة مرور منذ السبت الماضي، علماً أن كل تذكرة تتيح مغادرة من 4 إلى 6 أشخاص”، بحسب الرمان. تذاكر المرور تُمنح للسوريين في الأردن، الذين ليس لديهم وثائق سفر سورية، وتخوّلهم العبور لمرة واحدة إلى بلدهم.

بالنسبة للسفارة السورية، لا فرق في التعامل “بين السوري الذي دخل الأراضي الأردنية بطريقة قانونية أو غير قانونية، وسواء كان لاجئاً أم غير لاجئ”، كما قال الرمان لـ”سوريا على طول”، مؤكداً أن “للجميع نفس المعاملة والتسهيلات”.

وتستأنف السفارة “تسجيل حديثي الولادة في الأردن ضمن سجلات الأحوال المدنية السورية، مع ضمان إجرائها بسهولة”، بحسب الرمان. 

تسهيل الإجراءات لا يكفي بالنسبة للسوريين في الأردن، خاصة في المخيمات، بحسب أم حسام، التي اشتكت من “عدم وجود توعية قانونية بخصوص بقائنا أو عودتنا”، باستثناء “بعض النصائح غير الرسمية من موظفين في الحكومة، قالوا لنا أن سوريا ليست مستقرة حتى الآن لذا عليكم أن تنتظروا قليلاً”.

وأشارت أم حسام إلى أن اللاجئين في المخيمات قد يواجهون تحديات أخرى إذا قرروا العودة، لأن “المفوضية تطلب من سكان المخيم العائدين التوقيع على ورقة براءة ذمة، ومن أجل استلام هذه الورقة، يجب أن يسلم اللاجئ الكرفانات حتى إن كان قد اشتراها على نفقته الخاصة”، علماً أن العديد من سكان المخيم، الذي افتتح في تموز/ يوليو 2012، أجروا تعديلات على الكرفانات أو اشتروا غيرها، لأنها صارت مستهلكة، إذ يبلغ العمر الافتراضي للكرفان بين ست وسبع سنوات.

لم تحسم عائلة أم حسام أمرها بخصوص العودة إلى الوطن أو البقاء كلاجئين في الأردن، خاصة أن التسهيلات المتاحة حالياً لا تدعم خيار “التراجع” في حال كانت العائلة غير قادرة على تأمين حياة كريمة هناك.

شارك هذا المقال