السوريون في تركيا بين مطرقة القانون وسندان الإشاعة والغموض
عمان - منذ مطلع الأسبوع الحالي، صار على عثمان الشامي التزام الحذر الشديد أثناء تجوله في أسواق إسطنبول الشعبية لشراء احتياجاته الضرورية. والسبب هو الترجمة السريعة حدّ المفاجأة لتصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، قبل أيام قليلة.
17 يوليو 2019
عمان – منذ مطلع الأسبوع الحالي، صار على عثمان الشامي التزام الحذر الشديد أثناء تجوله في أسواق إسطنبول الشعبية لشراء احتياجاته الضرورية. والسبب هو الترجمة السريعة حدّ المفاجأة لتصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، قبل أيام قليلة.
إذ خلال لقاء مع عدد من ممثلي المؤسسات الإعلامية العربية في إسطنبول، يوم السبت الماضي، كشف الوزير عن خطة تنفيذية أعدتها الحكومة، تتعلق بملف اللجوء السوري، وتقوم إحدى ركائزها على معالجة “ظاهرة انتشار العمل بشكل غير قانوني، [و] الحدّ منها”.
في اليوم ذاته للقاء، أقامت القوى الأمنية التركية، بحسب موقع “تركيا بالعربي”، نقاطاً شرعت في تنفيذ حملات تفتيش واسعة على الوثائق الشخصية في خمس ولايات هي: إسطنبول، وهاتاي، وغازي عنتاب، ومرسين، وأضنة، حيث تم إلقاء القبض على أشخاص بينهم سوريون.
وبالإضافة إلى غير الحائزين أصلاً على بطاقة الحماية المؤقتة “الكمليك”، تستهدف الحملات الأمنية السوريين الحائزين على “الكيملك” إنما من غير الولاية المقيمين فيها فعلياً، كما العاملين من دون تصاريح عمل وإن كانت بطاقة “الكيملك” الخاصة بهم قانونية.
وفي حديثه إلى “سوريا على طول”، يصف الشامي (35 عاماً) الذي رفض الكشف عن اسمه الحقيقي لدواعٍ أمنية، ما يجري في إسطنبول تحديداً بأنه “غير المتوقع… ومثير للمخاوف”، لا سيما وأن الحملة الأمنية في المدينة تستهدف أماكن تجمع السوريين.
ورغم أنه يحمل بطاقة “الكيملك” من إسطنبول، يعمل الشامي في مؤسسة غير ربحية من دون تصريح عمل، كما هي حال غالبية زملائه. وهو ما دفع المؤسسة، كما يذكر، إلى “إعلان عزمها إغلاق أبوابها وصرف الموظفين لديها مع نهاية الشهر الحالي، خشية فرض غرامات عليها”.
وبحسب القانون التركي، يمكن لحملة “الكيملك” الحصول على تصريح عمل متوافق مع مكان إقامته، على أن يتم السير بالمعاملة من قبل صاحب العمل.
إجراءات وقائية وسخرية سوداء
بحسب مصدر تركي مقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الإفصاح عن هويته، فإن “الحملة [الأمينة] الحالية تستهدف المخالفين السوريين في إسطنبول فقط، وتمتد لستة أشهر”، مؤكداً في الوقت ذاته أن “الحملة ليست كما يُروّج عنها في وسائل التواصل الاجتماعي، [وإن كانت] تنطوي على تشدد أكبر فعلياً”.
مع ذلك، استدعت الحملة اتخاذ السوريين المخالفين إجراءات وقائية، أعادت لبعضهم ذكريات قاسية ترتبط بفترة وجودهم في سوريا، حتى وإن تمت استعادة تلك الذكريات بأسلوب أقرب إلى السخرية السوداء.
إذ ما إن بدأت تصريحات وزير الداخلية التركي تُترجم في أحياء إسطنبول، لا سيما المتسمة منها بكثافة حضور السوريين، حتى غزت تعليقات هؤلاء وتحذيراتهم وسائل التواصل الاجتماعي، بما يدلل على توتر وترقب بينهم بفعل السياسة التركية الجديدة.
فعلى تطبيق “واتساب” وموقع “فيسبوك”، يتبادل اللاجئون السوريون المعلومات بشأن الحضور الأمني في شوارع إسطنبول، بلغة تحذيرية تستعير أحياناً، ولو من باب الدعابة السوداء، الكلمات المستخدمة في مناطق الصراع في سوريا بين قوات المعارضة والقوات الحكومية. ومن ذلك، على سبيل المثال عبارة “طريق الفاتح – أسنيورت صديق”، بمعنى عدم وجود تدقيق أمني، بخلاف وصف “عدو” الذي يشير، طبعاً، إلى وجود حضور أمني في الشارع أو المنطقة.
يقول عبد العزيز الحسن (25 عاماً)، والذي طلب أيضاً عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، إن شدة الأوضاع الأمنية “لا تخلو من روح الفكاهة التي أحضرها أهالي الغوطة الشرقية معهم من الحصار”. مشيراً إلى وجود “غرف دردشة [على “واتساب”] تشبه إلى حد كبير (المراصد) التي كانت ترصد حركة الطيران الحربي في سماء سوريا، [فيما تتضمن] الغرف [التي أوجدها اللاجئون في تركيا] رصداً للحركة الأمنية في شوارع إسطنبول”.
وكان الحسن قد خرج من الغوطة الشرقية في نيسان/أبريل 2018، على متن حافلات التهجير إلى الشمال السوري. لاحقاً، تمكن من الوصول إلى تركيا عبر دفع مبلغ 3000 دولار أميركي لمهربين. وكما يقول لـ”سوريا على طول” فإن “المبلغ الذي استدنته للوصول إلى اسطنبول لم أسدده لأصحابه. والآن أنا معرض للترحيل”.
ويحمل الحسن “الكيملك” من مدينة مرسين في جنوب تركيا. لكن عجزه عن إيجاد فرصة عمل هناك، كما يذكر، اضطره للتوجه إلى اسطنبول حيث حصل على فرصة عمل من دون تصريح. وهو ما يجعله مرتكباً لمخالفتين: الإقامة في غير مكان إقامته الرسمي، والعمل من دون تصريح.
وتنسحب حال الحسن على فئة كبيرة من السوريين الموجودين في اسطنبول، والذين يتوجب عليهم العودة إلى ولايات أخرى “فقيرة”. ما يعني تعرضهم لمزيد من الضغوط للعودة إلى سوريا رغم تواصل التصعيد العسكري السوري الحكومي والروسي ضد محافظة إدلب وريف حماه الشمالي.
لذلك، فإن قرار العودة إلى مرسين “غير وارد”، كما يؤكد الحسن، لأنه “لا إمكانية للعيش من دون عمل، ولا يوجد عمل هناك”. معتبراً أن “السياسة التركية الحالية [تجاه] اللاجئين السوريين تقول: ارجعوا من حيث أتيتم”.
تعقيدات جديدة لسياسة قديمة
في الواقع لم تجرِ الحكومة التركية -التي قدمت الكثير من الخدمات للاجئين السوريين على امتداد السنوات الثماني الماضية- أي تعديلات على قوانين العمل واللجوء القائمة. إلا أنها شرعت في تطبيق تلك القوانين “بحرفيتها” على السوريين بخلاف غالبية المرحلة السابق.
ويرى الحسن أن “ما زاد الطين بلة هو التصريحات الأخيرة [لوزير الداخلية التركي]. [إذ] عقّدت الموقف بالنسبة للسوريين، بدلاً من توضيح طرق وإجراءات تجاوز المخالفات وتصويبها”.
وهو ما فتح المجال لظهور إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي لشركات “سمسرة” تخاطب اللاجئين السوريين وتزعم قدرتها على “تصويب” أوضاعهم، رغم أن الحكومة التركية ذاتها لم تصدر أي قرار جديد بشأن تصويب الأوضاع.
أيضاً، كانت مواقع إعلامية سورية معارضة ذكرت مؤخراً قيام السلطات التركية بترحيل 26 لاجئاً سورياً من اسطنبول إلى مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي، رغم حيازتهم “الكيملك”، ما عزز التضارب في الأنباء المتناقلة بين اللاجئين المخالفين في اسطنبول، عما إذا كان مصيرهم هو إعادتهم إلى ولايات تركية أخرى أو الترحيل إلى سوريا.
وكانت نتائج الانتخابات البلدية المعادة في اسطنبول، بفوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض على منافسه من حزب العدالة والتنمية الحاكم، نقطة التحول في السياسة التركية الرسمية إزاء اللاجئين السوريين الذين شكلوا إحدى القضايا البارزة في الحملة الانتخابية.
إذ تحاول حكومة “العدالة والتنمية”، كما يبدو، التشدد في تطبيق القوانين على السوريين بعد سنوات من التسهيلات المقدمة لهم، في محاولة للتصالح مع الشارع التركي “المعارض” للسياسة الحكومية السابقة. الأمر الذي يؤدي، في المقابل، إلى مفاقمة مخاوف نحو 3.5 مليون لاجئ سوري، يشكلون ما نسبته 64% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين في العالم، بحسب أحدث إحصائية للأمم المتحدة.