7 دقائق قراءة

السوريون في تركيا: خطابات كراهية تؤجج الاعتداءات ضدهم وبروباغندا تضخمها

مثل تلك الخطابات السياسية المعادية للاجئين السوريين في تركيا، قد تسهم في ترجمة الكراهية إلى أفعال، كما حدث في 7 كانون الثاني/يناير الماضي، عندما تعرض الطفل السوري محمد الأحمد (11 عاماً) لحادثة ضرب مروعة على يد رجل تركي بولاية أنقرة.


بقلم عمر نور

11 مارس 2021

اسطنبول- “قلتَ إننا سنصلي في المسجد الأموي [في سوريا] خلال 24 ساعة. والآن ماذا حصل؟ يصلي الآن ملايين السوريين في مساجدنا. كيف يمكن للإدارة السياسية التي تفعل ذلك أن تقف وتتحدث عن الصداقة والأخوة والسلام؟”. كان هذا ما قاله زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب الشعب الجمهوري، كليجدار أوغلو، في خطاب أمام كتلة حزبه في البرلمان التركي في 23 من شباط/فبراير الماضي، موجهاً كلامه إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأشار أوغلو في خطابه إلى أعداد السوريين على الأراضي التركية والمبالغ التي تم إنفاقها من قبل تركيا عليهم: “دخلتم سوريا فأتى ثلاثة ملايين و600 ألف سوري، وصرفتم 40 مليار دولار عليهم. ماذا سيحدث لو تم منح 40 مليار دولار للتجار والمزارعين والصناعيين؟”.

مثل تلك الخطابات السياسية المعادية للاجئين السوريين في تركيا، قد تسهم في ترجمة الكراهية إلى أفعال، كما حدث في 7 كانون الثاني/يناير الماضي، عندما تعرض الطفل السوري محمد الأحمد (11 عاماً) لحادثة ضرب مروعة على يد رجل تركي بولاية أنقرة، ما أدى لكسر في يده وجمجمته وأسنانه وورم في العين، كما ذكر أسامة البوشي، الناشط السوري المقيم في تركيا والمقرب من عائلة الأحمد، لـ”سوريا على طول”.

والحادثة واحدة من حوادث عدة تستهدف السوريين في تركيا، والمقدر عددهم رسمياً بنحو 3.6 مليون شخص. وتتنوع هذه الحوادث بين الاستهزاء وتخريب ممتلكاتهم، وصولاً إلى القتل في بعض الأحيان. ففي كانون الثاني/يناير الماضي أيضاً تعرض أربعة أطفال سوريين للعنف والضرب من قبل حراس (Güvenlik) في أحد أنفاق “المترو” في ولاية إسطنبول.

وكان المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وثق ثماني حالات اعتداء على لاجئين سوريين في تركيا بين تشرين الأول/أكتوبر 2019 وآب/أغسطس 2020. موضحاً أنه بحسب استطلاع مركز الدراسات التركي في جامعة قادر هاس، ازدادت نسبة الرفض التركي للاجئين السوريين في العام 2019 إلى 67% بعد أن كانت 57% في العام 2016.

لكن يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت دوافع الاعتداءات جميعها عنصرية. إذ لا يستطيع البوشي الجزم بكون حادثة الضرب التي تعرض لها الطفل الأحمد ذات دوافع عنصرية. لافتاً إلى أن الحادث جرى في شارع معروف بكثافة السوريين فيه، كما تعرض الطفل أثناء نقله إلى المشفى من قبل الرجل الذي ضربه للتهديد لعدم إخبار الشرطة بما حدث. مع ذلك، ألقت الشرطة القبض على الجاني الذي أحيل للقضاء. 

أما في حالة أمير سعيد، وهو لاجئ سوري يقيم في اسطنبول، فقد “جرى خلاف وملاسنة بيني وبين أحد الأتراك الذين يؤيدون المعارضة التركية كان يتكلم حينها بأنه يرى استضافة السوريين في تركيا أمراً خاطئاً ويلومنا كسوريين على خروجنا من سوريا، وكأننا خرجنا بإرادتنا!”، كما روى “لـ”سوريا على طول”. وفي حادثة أخرى، امتنع صاحب عمل سعيد عن تعويضه عن ساعات العمل الإضافية، مؤكداً أن العديد من أصدقائه السوريين تعرضوا لمثل هذه الحوادث في عملهم.

ويصل الخلاف أحيانًا لدعوة اللاجئ السوري بالعودة إلى بلده، كما ذكرت اللاجئة بتول (أم بشر). إذ حين طلبت أختها ذات مرة من إحدى جاراتها تخفيف الضجيج الصادر من منزلها لم تستجب وكتبت لها رسالة نصية تقول فيها: “أنا أسكن هنا منذ سنوات. إن لم يعجبك الحال اذهبي إلى بلدك”. لكن بعدها اعتذر زوج مرسلة الرسالة عند مراجعته في الأمر، وأكد للعائلة السورية أنه لا فرق بينهم وسيحاولون تخفيف الضجيج.

وكان ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي تداولوا في 27 آب/أغسطس الماضي صورًا لمنشورات ألقاها مجهولون في ولاية غازي عنتاب التركية دعت السوريين للعودة إلى بلدهم.

خطابات كراهية

 

غير بعيد من الخطاب الذي تحدث به كليجدار أوغلو، نشرت الأكاديمية والنائبة السابقة في البرلمان التركي بيلين غونداش، في 21 شباط/فبراير الماضي، تغريدة اعتبرها رواد على منصات التواصل الاجتماعي تحريضاً ضد السوريين في تركيا. إذ قالت فيها: “لا توجد نساء سوريات في سوق العمل. هل سبق لكم رؤية امرأة سورية تعمل في الأعمال المنزلية؟ لكن نساءنا والنساء الأوزبكستانيات وتركمانستان يعملن في هذا المجال. بلغت من العمر 48 عاماً، وأنا أعمل في أيام الأحد (العطلة). لكن بقاء السوريات في المنزل يتجاوز طاقتي وتحملي”.

وفي التقرير الذي نشره المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، تم توثيق ستة خطابات وتغريدات تعود لمشاهير وسياسيين أتراك بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2020، منها الخطاب الذي تحدثت به إيلاي أكسوي، عضو المجلس التأسيسي والإداري لحزب “الجيد” المعارض، مستنكرة فيه حصول الشابة السورية آية السقا على عمل في مدينة باشاك شهير.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، هاجم الصحافي التركي فاتح ألتايلي السوريين في تركيا عبر بث مباشر من  قناة “ترك خبر” (TURK HABER)، بالقول إنهم أخذوا تركيا وأنهم غير معرضين للمساءلة. وهو ما أثار غضب رواد منصات التواصل الاجتماعي من السوريين والأتراك الذين أعلنوا رفضهم لهذا الخطاب واصفين إياه “بالعنصري”.

وتأتي بعض الحوادث العنصرية التي يتأذى منها سوريون بعد تصريحات من المعارضة التركية ضد السوريين بحسب البوشي الذي لاحظ ذلك بحكم متابعته لأوضاع اللاجئين السوريين في تركيا.

محاولات لشيطنة تركيا

يحذر المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، من تعميم بعض الاعتداءات التي “تحدث هنا وهناك مع الأخوة السوريين داخل تركيا” و”تصوير المشكلة وكأنها مشكلة كبيرة”. معتبراً أن المراد من ذلك هو “شيطنة تركيا والضغط على الحكومة التركية وإسقاطها”، كما قال لـ”سوريا على طول”. إذ إن المعارضة التركية تنتقد الحكومة لوضع العصي في الدواليب، وتستخدم الورقة السورية ذريعة لذلك، بحسب كاتب أوغلو. مضيفاً أنه عند ارتكاب السوريين لمخالفات أو عدم التزامهم بالقوانين لا يمكن القول إن الشعب السوري كله يتصف بهذه الصفات.

في السياق ذاته، ذهب الكاتب والصحافي التركي هشام غوناي إلى أنه لا يمكن اعتبار الاعتداءات التي تحدث للسوريين في تركيا بأنها اعتداءات ممنهجة أو أن هناك خطاب كراهية يشمل جميع شرائح المجتمع، بل يمكن أن تكون أحداثاً فردية لأسباب خاصة. مضيفاً لـ”سوريا على طول”: “من الممكن أنه يوجد تذمر عام من وجود اللاجئين في تركيا للأسباب المعروفة، مثل الاقتصاد المتردي والبطالة المتفشية، ما يشكل انعكاسات سلبية من الشارع تجاه السوريين”. يتضافر ذلك مع “التجاهل التام من وسائل الإعلام الموالية للحكومة لهذه الأحداث وتسترها عليها ما يؤدي إلى تكاثرها وزيادتها” حسب المصدر ذاته.

في الوقت ذاته، حمل غوناي اللاجئين السوريين جزءاً من المسؤولية عند انخراطهم في الأمور السياسية وإظهارهم تأييدهم للحكومة بشكل معلن؛ من قبيل رفعهم العلم السوري أثناء الانتخابات وهتافهم لصالح حزب العدالة والتنمية، ما يؤدي إلى تذمر الشارع التركي الذي يرى أن اللاجئ ضيف ليس له أن يتدخل في الشؤون الداخلية لا سيما في موضوع الانتخابات.

من ناحية أخرى “تتحمل وزارة الداخلية التركية المسؤولية لعدم خروج أحد منها أو من الرئاسة للحديث أن هناك جهات عديدة تقدم مساعدات للسوريين”، بحسب غوناي، “بل على العكس، فعندما يسمع المواطن التركي الفقير ذو الدخل المحدود أن تركيا صرفت مليارات الدولارات على اللاجئين السوريين فهو سيتذمر من وجود السوري ويرى أنهم ينافسونه على لقمة العيش”.

لكن خلافاً لذلك، اعتبر كاتب أوغلو أن المساعدات التي تقدم للاجئين السوريين لا تعتبر محط إثارة للنعرات سوى عند فئات قليلة من العلمانيين والقوميين.

وكان الرئيس أردوغان أعلن في وقت سابق أنَّ بلاده أنفقت 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين، وأن الاتحاد الأوروبي لم يقدم للاجئين سوى ثلاثة مليارات يورو.

وجه آخر

على الرغم من ذيوع أخبار مشاكل يتعرض لها سوريون عبر منصات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية والتركيز على هذه الجوانب في الإعلام، إلا أن هناك جوانب أخرى إيجابية كما لفتت أم بشر. فهي تلقى ترحيبًا من جيرانها وأمهات أصدقاء أولادها في المدرسة، ويدعوها بعض الجيران أحيانًا لمناسبات عندهم.

وفي تجربة أخرى للاجئ السوري سعيد مع الأتراك يقول: “يوجد انسجام بيني وبينهم، ربما لأني أتكلم اللغة التركية. الأتراك شعب قومي؛ عندما يرونك تتكلم لغتهم يسرون منك وربما يكون تعاملهم معك أفضل”. 

المواطن التركي أورهان غول (اسم مستعار)، والذي يعيش في ولاية اسطنبول، أكد أنه لم يسبق أن حدثت مشكلة بينه وبين أحد من السوريين رغم أنه على اتصال مباشر معهم. إذ يعمل مع العديد منهم وعلى وفاق معهم، كما قال لـ”سوريا على طول”. مشدداً على أن هذا الواقع لا يقتصر عليه فقط، بل هناك مقربون منه ومن عائلته لم يواجهوا مشكلة في التعامل مع السوريين.

إضافة لذلك “يعيش السوريون وسط الشعب التركي ولهم كل الحرية في ممارسة جميع نشاطاتهم وأصبحوا جزءًا من المجتمع التركي”، بحسب كاتب أوغلو، مذكراً بأن تركيا أعطت مزايا للسوريين حد تجنيس أصحاب الكفاءات والمهارات من الذين استوفوا شروط الحصول على الجنسية التركية.

لكن غوناي رأى أن “تجنيس مجموعات كبيرة من السوريين يثير غضب الشارع الذي يعتبر أن أجداده حاربوا من أجل تحرير هذا الوطن والآن تأتي فئة من الخارج بالبداية يقال بأنها مؤقتة، لكن عند مرور الزمن يظهر أن هناك عمليات تجنيس”.

حلول القانون والحوار مع المعارضة

في بعض الأحيان لا تلقي أقسام الشرطة بالاً لبعض الشكاوى المقدمة لهم من قبل اللاجئين السوريين أو غيرهم “إما لموقف عنصري أو لعدم وجود ضرر حقيقي أو خطر داهم، أو لأن الشاكي لا يتقن اللغة التركية ولم يصطحب معه ترجمان”، بحسب رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار غزوان قرنفل.

لذلك، يكون من الأفضل في حال تعرض شخص لأذى أو أي حادثة تستدعي تقديم شكوى من موقف عنصري سواء كان لفظيًا أو اعتداء بدنيًا اللجوء مباشرة للنيابة العامة بشكواه، كما أوضح قرنفل لـ”سوريا على طول”. إذ لا تستطيع النيابة إلا التحرك للاستجابة لموضوع الشكوى، مؤكداً أن الدعوى يتم النظر فيها بإنصاف كأي دعوى أخرى.

من جهتها أوضحت مديرة الاتصال باللجنة السورية التركية المشتركة إيناس النجار أن اللجنة تقوم بمتابعة بعض الحالات التي تصلها مع الجهات الرسمية التركية. وأنه يتم التعامل مع الموضوع بجدية وإيجابية كما أضافت لـ”سوريا على طول”، إذ يوجد تواصل على مستويات عالية لمعالجة هذه القضايا ومتابعتها قانونياً.

أما على صعيد الحلول المستدامة، فيقع على الحكومة التركيةـ برأي غوناي، الجهد الأكبر من خلال حملات توعوية أو إعلانات عبر وسائل إعلامية، لاسيما وأن 80% من وسائل الإعلام في تركيا قريبة من الحكومة التركية، كما قال. ويمكن أن يستند مثل هذا الدور التوعوي على إظهار السوريين الناجحين من الطلبة ورجال الأعمال الذين أضافوا للاقتصاد التركي، وإبعاد صورة اللاجئ المحتاج الذي تصرف عليه الدولة.

في هذا السياق، كشف بحث نشره مركز حرمون للدراسات المعاصرة في سبتمبر/أيلول الماضي عن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، عن أنه لا يزال هناك عدم وضوح تام بخصوص مشاريع دعم الاندماج وتعلم اللغة ومتابعتها مع السوريين. كما أن الدراما والإنتاج الإعلامي التركيين عملا على تقديم صورة سلبية للاجئ السوري باعتباره شخصاً ريفياً فقيراً يمارس التسول لقضاء متطلبات يومه، في وقتٍ غاب فيه دور المؤسسات السورية الموجودة في تركيا لمواجهة مشكلات الوجود السوري الكبير في البلاد.

كذلك، يعتبر ربط مصير السوريين بمصير حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أمرًا لا يصب في صالح السوريين بحسب غوناي، داعياً أياهم إلى التواصل مع المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري وإظهار مودتهم وإرادتهم لفتح قنوات حوار معهم ما قد يسهم في الحل، لاسيما وأن تركيا دولة يتم تداول السلطة فيها وقد يتغير الحزب الحاكم حسب الانتخابات.

وفي إطار الجهود المشتركة بين السوريين والأتراك للتقليل من الاعتداءات، لفتت النجار إلى وجود “فريق عمل مشترك بين اللجنة السورية المشتركة وقسم الاندماج في إدارة الهجرة، للعمل على تطوير مسارات الاندماج والتواؤم للسوريين في تركيا ورفع التوعية في هذا الشأن”.

وتحاول اللجنة المشتركة تسليط الضوء على الصورة الكبرى للسوريين في تركيا والتي من عناصرها الكثير من قصص النجاح على الصعيد العلمي والتعليمي والتجاري والرياضي “ولدينا نماذج رائعة من قصص النجاح والبطولة طفا بعضها على وسائل الإعلام وغاب أكثرها”، بحسب النجار التي تدعو السوريين في تركيا للعمل بجد أكثر والاستمرار بإظهار الصورة الحقيقة للمجتمع السوري وقيمه وأخلاقه.

شارك هذا المقال