5 دقائق قراءة

السويداء: الأحكام العشائرية ملاذ الأهالي لحل القضايا المدنية والجنائية في ظل غياب الأجهزة الحكومية

يعود أهالي محافظة السويداء، الخاضعة لسيطرة النظام والواقعة في جنوب [...]


1 أكتوبر 2017

يعود أهالي محافظة السويداء، الخاضعة لسيطرة النظام والواقعة في جنوب سوريا، إلى أعراف عشائرية يبلغ عمرها مئات السنين، وذلك لمواجهة الفوضى والفلتان الأمني وحل النزاعات العائلية وإتمام الزيجات، في ظل عدم وجود سلطة مدنية فعالة، وفق ما قال أهالي وقادة محليون على الأرض لسوريا على طول.

وتقع السويداء في أقصى جنوب سوريا، ما بين محافظة درعا من جهة الغرب التي تحكمها المعارضة، وريف دمشق الذي يحكمه الثوار من جهة الشرق، وتسيطر الحكومة السورية على معظم أحياء المحافظة بالإضافة إلى الأوتستراد الواصل بين السويداء ودمشق.

وكثيراً ما تذكر المواقع الإعلامية الموالية للمعارضة والصفحات الإخبارية المحلية الفوضى الناجمة عن غياب القانون والجرائم التي تقع في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، وفي محاولة لتقصي الوضع أكثر، تحدثت “سوريا على طول” مع ستة مصادر من داخل السويداء، والذين تتأرجح اتجاهاتهم السياسية من تأييد المعارضة إلى من يصف نفسه بـ “الحيادية” وجميعهم تحدثوا عن غياب السلطة المركزية لضبط النظام والالتزام بالقانون في المحافظة.

وترك غياب السلطة فراغاً لجأت العائلات الكبيرة والسلطات العشائرية إلى ملئه.

وذكر الشيخ أبو هلال يوسف الشعراني، 55 عاماً، من وجهاء المجتمع الدرزي والذي يعتبر نفسه محايداً، أن “الوجهاء و رجال دين فقدوا ثقتهم بشكل كامل في الحكومة”.

يذكر أن الدروز هم طائفة دينية من مواليد جبل العرب في جنوبي سوريا. وكانوا يشكلون نحو 90% من سكان المحافظة في عام 2010، وفقا لتقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، العام الماضي

واجهة محل في مدينة السويداء في تموز 2017. بعدسة نورا الباشا.

وتعيش محافظة السويداء اليوم رغم سيطرة الحكومة السورية عليها الكاملة تقريباً حالة من الفلتان الأمني، وفق ما قال المحامي المدني، ثائر مطر. وتنتشر بها حالات الاختطاف وعمليات النهب والجنح الصغيرة [للمزيد حول تقارير سوريا على طول عن الاختطاف في السويداء، انقر هنا].

وقال الشعراني “من الطبيعي انتشار العشائرية واعتماد المجتمع على نفسه في ظل غياب أجهزة الحكومة” وتابع ” استمرار غيابهم سيدفعنا للأعراف العشائرية ولإعادة تطبيقها”.

قانون منذ مئات السنين

والمحاكمة العشائرية، هي مصطلح يعود إلى مجموعة من الشيوخ ورجال المجتمع الذين يشرفون على القضايا المدنية مثل الزواج والميراث، كما أنهم يتوسطون في حل النزاعات العائلية ويؤمّنون بديلاً لأهالي السويداء الذين لا يستطيعون أو لايرغبون بالتعامل مع الدوائر الحكومية في الشؤون المدنية والجنائية.

وليست المحاكمة العشائرية في سوريا بظاهرة جديدة، وإنما هي منظومة يعود عمرها لمئات السنين، وتسبق حتى رسم حدود الدول العربية الحديثة ومع ذلك “فالقانون العشائري غير مكتوب بل ينتقل بين القضاة العرب من خلال التواتر”، بحسب ما قال مضر حمّاد الأسعد، من أهالي دير الزور المقيم في تركيا، والمتحدث الرسمي باسم مجلس العشائر السورية، هيئة موالية للمعارضة مؤلفة من قادة العشائر في سوريا.

وذكر الأسعد في مقابلة مع موقع سوريا على طول عن القبلية في سوريا أن هناك “أعراف عشائرية ويطلق عليها (سواني  العرب) وهي كلمة متعارف عليها بين العشائر والقبائل العربية منذ مئات السنون… ففي كل عشيرة توجد عائلة مختصة بالحل والربط والقضاء”.

ويختلف التطبيق العملي للقانون العشائري تبعاً للمنطقة ويقوم على ركائز دينية واجتماعية، وفي السويداء يمكن لأي مواطن أن يقدم للسلطات العشائرية طلباً من أجل استصدار حكم بصرف النظر عن خلفيته الدينية، بحسب ما ذكر أحد وجهاء السويداء الشيخ الدرزي، أبو طلال درويش لسوريا على طول.

وقال درويش أن “المحاكمة العشائرية بدأت منذ وجود بدء تشكل المجتمع في جبل العرب، والمحاكمة العشائرية بحسب اسمها تختص بشيوخ العشائر بمعنى أن كل عائلة من عائلات السويداء فيها شخص كبير يمثلها”.

ولا يتجلى الدور الرئيسي للسلطات القبلية في السويداء بسن الفرمانات أو الأحكام وإنما التدخل لفض النزاعات القبلية بغية حقن الدماء بين العوائل الكبيرة، بحسب ما قاله الشيخ.

ويجسد وجهاء المجتمع ورجال الدين وشيوخ القبائل دور الوسطاء حين تنشب الخلافات بين العائلات، وفق ما قاله درويش، وأضاف بعد ست سنوات من الحرب الأهلية في سوريا، تفاقم الشرخ بين القبائل الكبرى في جنوب البلاد.

وأشار درويش إلى حادثة بارزة مؤخراً، إذ تم اختطاف الشابة كاثرين مزهر، 17عاماً وقتلها في آب الماضي، على يد أفراد من عائلة أخرى في السويداء، وبعد اختفائها بفترة وجيزة، انتشر تسجيل مصور على الانترنت والذي يبدو وأنه كشف هوية الرجال الثلاثة الذي تورطوا في اختطافها.

وفي بداية أيلول، وجدت جثث الرجال الثلاثة ملقية بالقرب من دوار المشنقة في مدينة السويداء، بعد أن تم توثيقهم ورميهم بالرصاص، واكتشفت السلطات مذكرة في مكان الحادث  بأسماء كل منهم، بالإضافة إلى رسالة تحذر أن كل من “يخون الشرف” سينال العقاب ذاته، وتم توقيع المذكرة باسم “آل مزهر”.

وذكر درويش أن هذه القضية “هي قضية أخذ بالثأر، وهذا ليس حكماً عشائرياً، فلا يوجد قاضي ولا يوجد شهود واقتصر دور الوجهاء  فيها على تهدئة النفوس.

وأرسلت السلطات القبلية وسطاء لأهل القتلى الثلاثة لامتصاص غضبهم، وأيضاً وجهاء إلى أهل الشابة، لمحاولة التخفيف من مصابهم.

ولاقت المبادرة “آذانا صاغية” بحسب ماقاله درويش، “وأصدرت عائلتان بيانات تبرؤوا فيها من الأعمال التي ارتكبها المتورطان بعائلتيهما، وشاركوا آل مزهر في مصابهم، معتبرين ذلك حفاظاً على الوحدة بين عائلات السويداء، وهذا يعتبر جزءا من الحلول العشائرية أيضا”.

الشؤون المدنية

خلال السنوات الأخيرة، كانت الخدمة العسكرية الإلزامية بصفوف الأسد عاملاً محرضاً وراء التغيرات الاجتماعية والثقافية، إذ أن آلاف الشباب يسعون لتجنبها لأسباب متنوعة من بينها أن الخدمة في الجيش أصبحت تمتد إلى أجل غير مسمى ويتم توزيع الجنود على أخطر الجبهات في سوريا. وبالنسبة للشباب الباحثين عن مخرج، فالقانون العشائري في السويداء يؤمن لهم بديلاً ممكناً.

وقال الشعراني لسوريا على طول “هناك  في محافظة السويداء عشرات ألاف الشبان المطلوبين للخدمة، والمطلوب لا يستطيع الدخول لأي دائرة حكومية لاجراء معاملاته كالزواج مثلا، ولكن القانون العشائري كان حلا لهذه المعوقات، بالاعتماد على عقد القران الذي يعقده رجال الدين ويعتبر من الأعراف العشائرية ولا يحتاج لأي معاملات حكومية”.

ففي محافظة السويداء، وحسب التقاليد القبلية  يجتمع العريس والعروس بحضور شيخ لعقد الزواج  وتحديد المهر وإتمام الزواج.

وحالما يتم عقد القران، يعتبر الشريكان متزوجان اجتماعياً ودينياً، وبذلك يمكنهما البدء بتكوين أسرة دون انتهاك الأصول الاجتماعية المحافظة في السويداء ودون التعامل مع الدوائر الحكومية.

سامر جمال، متزوج حديثاً ويعيش مع زوجه وطفله الصغير في الريف الغربي للسويداء، ومنذ عامين كان سامر يؤدي الخدمة في الجيش العربي السوري، وأصيب حينها بلغم بري.

ولم يعد سامر أبداً إلى مركز خدمته بعد أن شفي من الإصابة، ونظراً لتخلفه عن الخدمة العسكرية، فهو مطلوب حالياً للنظام، وفيما لو تم الإمساك به من جانب الحكومة، سيعتقل ومن ثم يزج به على جبهات القتال ضد القوات الثورية.

وقال سامر لسوريا على طول “لم أتجرأ على الذهاب للمحكمة لأعقد قراني، خشيت أن أعتقل”.

ولم يجد سامر وخطيبته أنذاك حلاً سوى اللجوء إلى شيوخ دروز من قبيلته، لكي يتما زواجهما وفقاً لشعائر الطائفة الدينية.

وهاهما الزوجان اليوم يواجهان قضية جديدة وهي تسجيل ولادة ابنهما قانوناً. ولكي يضيفا طفلهما إلى سجلهم المدني، عليهما أن يزورا محكمة للدولة، غير أن الزواج العشائري غير معترف به هناك. فالحل العشائري لم يكن بالنسبة لسامرسوى حل جزئي.

وهذا ما يؤيده المتحدث باسم مجلس العشائر السورية، مضر حمّاد الأسعد.

وقال لسوريا على طول “لا يمكن الاستغناء عن القانون العام الحكومي وبنفس الوقت العرف العشائري هو مكمل له”.

وأضاف الأسعد “عندما يكون هناك تعاون بين الحكومة وقضاة العشائر سيتم حل أغلب المشاكل أو القضايا التي تحدث في الريف أو البادية أو المدن… لذلك نتمنى أن يكون التعاون وثيقاً بينهما”.

وقال الشعراني لسوريا على طول إن “القوة الضابطة الوحيدة هي أجهزة الحكومة التي نراها غائبة تماما عن الجرائم التي تعيشها المحافظة”.

وأضاف أن “مستقبل الأحكام العشائرية، يحدده استمرار غياب الحكومة عن القيام بواجباتها”.

وختم “فلا خيار لنا في السويداء سوى الأحكام العشائرية إذا استمر غياب مؤسسات الحكومة”.

تقرير نورا الباشا وسامر الحلبي. هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول عن وضع المنطقة الجنوبية المستمرة لمدة شهر  بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور وفريق من مجموعة مراسلين على أرض سوريا.

لقراءة تقريرنا التمهيدي عن المنطقة الجنوبية لسوريا هنا.

 

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال