الشروط الجديدة لإقامة السوريين في مصر تتركهم في حالة من الضياع
لقد أغرقت متطلبات الإقامة الجديدة نحو 1.5 مليون سوري في مصر في حالة من عدم اليقين، وتركت العديد منهم عرضة لخطر الترحيل.
11 سبتمبر 2024
القاهرة- بلحية طويلة وعينين غائرتين، يبدو عبد الرحمن، الذي يبلغ 22 عاماً، أكبر من عمره، إذ منذ ترحيله من مصر، في تموز/ يوليو الماضي، يعيش في عزلة بمدينة حمص، وسط سوريا، وفي حال مغادرة المنزل “أسلك الشوارع الجانبية لتجنب نقاط التفتيش”، قال لـ”سوريا على طول” عبر مكالمة فيديو، شريطة التعريف عنه باسمه الأول لأنه مطلوب للتجنيد الإجباري.
في أوائل تموز/ يوليو الماضي، اعتُقل عبد الرحمن في القاهرة، أي بعد أيام من بدء الحكومة المصرية تطبيق شروط الإقامة الجديدة على الأجانب المقيمين في أراضيها، ليجد نفسه بعد عام من وصوله إلى مصر على متن طائرة عائدة إلى سوريا.
وبمجرد وصوله إلى دمشق، تم تحويل عبد الرحمن إلى قوات الأمن، وبعد أن تم استجوابه وسؤاله عن سبب عودته، أعطي مهلة 15 يوماً للالتحاق بالجيش، لكنه عاد إلى منزل عائلته بحمص، والتزم منزله.
في الأول من تموز/ يوليو، أوقفت الحكومة المصرية تجديد التأشيرات السياحية للسوريين، بعد سنوات من التراخي، إذ كان يسمح بتجديد هذا النوع من الإقامة لمدة ستة أشهر إلى أجل غير مسمى. بموجب السياسة الجديدة، يُطلب من جميع الرعايا الأجانب في البلاد، بما في ذلك اللاجئين، التقدم بطلب للحصول على الإقامة، وإلا يواجهون خطر الترحيل.
للإقامة في مصر بشكل قانوني، يجب أن يكون السوري طالب لجوء أو لاجئ مسجل لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أو طالباً، أو مستثمراً.
يحصل طالبو اللجوء على ”البطاقة الصفراء“ عند التسجيل لدى المفوضية، على أن يتم تجديدها كل 18 عشر شهراً، وهذه البطاقة شرط للحصول على تصريح الإقامة من السلطات المصرية، الذي تبلغ تكلفته 500 جنيه مصري (10 دولارات).
قبل التشديد، كان 10 بالمئة من السوريين في مصر مسجلين لدى المفوضية، نظراً لطول إجراءات التسجيل، واعتقادهم بأنه لا يوجد الكثير من المزايا لطالب اللجوء، والأهم من ذلك أن السوريين – قبل تموز- لم يكونوا بحاجة للتسجيل من أجل البقاء في مصر.
بعد أن انقلبت حياتهم رأساً على عقب بسبب اللوائح الجديدة، يجب على آلاف السوريين، من أصحاب الإقامات السياحية، أن يجدوا نوعاً آخر من الإقامات لضمان بقائهم في مصر. ومع ذلك، فإن المواعيد في الإدارة العامة للجوازات والهجرة وشؤون الجنسية (GAPIN) يمكن أن تصل إلى عامين، وهذا يهدد السوريين الكبار بالترحيل، بينما يتمثل التهديد على بعض الأطفال بعدم الذهاب إلى المدرسة.
الخوف من الترحيل
تستضيف مصر نحو 1.5 مليون سوري من أصل 9.1 مليون أجنبي، معظمهم وصلوا إلى مصر في أعقاب اندلاع الثورة السورية عام 2011 والحرب التي أعقبت ذلك. ولسنوات، وجدوا في مصر ملجأً يسهل الوصول إليه مع ترحيب مجتمعي أكبر من بلدان الجوار الأخرى، ومتطلبات أكثر مرونة للبقاء مدة طويلة.
تغير الوضع في آب/ أغسطس 2023، عندما أعلنت الحكومة المصرية عن إجراءات جديدة تتطلب من الرعايا الأجانب الحصول على إقامة رسمية، ومن ثم تمديد الموعد النهائي الأصلي حتى نهاية حزيران/ يونيو 2024.
”الشعب المصري يحب السوريين، لكن الحكومة شيء آخر”، قال أبو محمد، 55 عاماً، بائع متجول من دمشق يعرض المنتجات السورية: المكدوس، الزيتون، والحلويات في مدينة 6 أكتوبر، الواقعة في الضواحي الغربية للقاهرة، والتي تستضيف أعداد كبيرة من السوريين.
اقرأ المزيد: “سوريا الصغيرة” في مصر: عصر ذهبي ينذر بالأفول
يعتقد أبو محمد أنه محميّ نسبياً من الترحيل نظراً لعمره ووالدته المصرية، لكن “أنا خائف على ابني” كونه لا يحمل إقامة، بعد أن خسر إقامة الطالب لأنه لم يتمكن من تحمل مصاريف الدراسة كأجنبي، كما أنه ترك العمل في أحد المطاعم “ويحاول حالياً السفر إلى أي بلد آخر”.
”كلنا خائفون. في البداية، تذهب إلى السجن… ثم يتم ترحيلك وتكون تذكرة السفر على حسابك، وهي باهظة الثمن”، قال مصطفى جابر، 26 عاماً، الذي وصل إلى مصر في عام 2021.
يتخوف جابر، الذي ينحدر من دمشق، ويعمل حالياً في مطعم لبيع المشاوي السورية بمدينة 6 أكتوبر، من أداء الاحتفاظ به في التجنيد لسنوات إذا أجبر على العودة لبلده، ناهيك عن أن “الوضع غير مستقر”، على حد قوله لـ”سوريا على طول”.
واتفق معه زميله في العمل، يوسف خراطة، 34 عاماً، قائلاً “قضيت عامين من خدمتي العسكرية، وفي حال عودتي سوف يأخذونني من المطار [في سوريا] قبل أن أصل إلى البلد”. دخل خراطة إلى مصر عبر طريق التهريب قادماً من السودان في عام 2020، وهو في الأصل من القلمون بريف دمشق.
وكذلك، عبر زكريا الطحان، 30 عاماً، الذي يعمل على مشوى الفحم في مطعم سوري، عن قلقه من خطر الترحيل، قائلاً: “لا يمكنني التفكير في العودة إلى سوريا بسبب الظروف المعيشية وانقطاع الكهرباء. الحياة هناك غير مستقرة”، إضافة إلى أنه مطلوب أيضاً للتجنيد الإجباري.
ينحدر الطحان من مدينة حمص، وكان مصارعاً في صفوف المنتخب الوطني السوري قبل أن يفرّ إلى بيروت في عام 2012، مشيراً إلى أنه كان يتنقل “من سطح إلى آخر للهروب من الأمن خشية سوقي للتجنيد الإجباري، لأنني لا أريد أن أقتل أحداً”. وبعد تدهور الأوضاع في لبنان، وصل مع عائلته إلى مصر بتأشيرات سياحية في عام 2022.
ازداد التدقيق على العمال السوريين في مصر في الأشهر الأخيرة، بحسب الطحان، قائلاً: “إذا علموا أن مطعمك سوري، سيأتون للتحقق من تصاريح الإقامة“، وهذا يشكل تهديداً عليه خاصة أنه لا يُسمح لحاملي الإقامات السياحية – بما في ذلك معظم السوريين – بالعمل في مصر.
في محل الحلويات الذي يديره بمدينة 6 أكتوبر، لاحظ ياسر هندية، 30 عاماً، زيادة في دوريات الأمن، وبما أن محله معروف بأنه “سوري”، فإنهم يرتادون إليه باستمرار “من أجل التفتيش على الإقامات”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
خوفاً من الدوريات، استقال العديد من الموظفين في محل هنية، وهو ما انعكس سلباً على عمله، قائلاً: “من الصعب إيجاد موظفين جدد يعرفون المصلحة”، فصناعة البقلاوة، وهي إحدى الأصناف التي يبيعها، تتطلب خبرة.
اقرأ المزيد: أن تكون سورياً في مصر: محاولات التوازن بين الإقامة والعمل
الإبعاد عن المدرسة
بينما يشتكي الرجال السوريون من زيادة التدقيق في مصر، تعيش النساء والفتيات السوريات، اللاتي تحدثن لـ”سوريا على طول” ظروفاً أخرى. قالت رهف عثمان، 21 عاماً، التي تعمل في محل لبيع الألبسة بمدينة 6 أكتوبر: ”لقد أوقفوا إخوتي، ولم يوقفوا الفتيات“.
”ليس لدي أي مخاوف من الترحيل. لقد عشنا في خوف عندما كانت الصواريخ تنهال على المنزل“ في سوريا، لكن يتمثل خوف عثمان، التي تنحدر من مدينة حمص وتقيم مع عائلتها بموجب إقامات سياحية منذ عام 2013، في أن يتم ترحيل أشقائها الصغار.
وتوافقها الرأي آلاء عبد الرحمن، 28 عاماً، التي تعمل في محل لبيع العطور، مؤكدة أن “الفتيات لا يواجهن نفس المشاكل، فالخطورة أكبر على الرجال”، على حد قولها.
ورغم أن النساء يعتبرن أنفسهنّ أقل عرضة لخطر الترحيل، إلا أن هناك عواقب أخرى لمن لا تحمل منهنّ إقامة صادرة عن السلطات المصرية. تفكر عثمان في شقيقتها البالغة من العمر 13 عاماً، التي لم تلتحق بالمدرسة منذ عام، لأن الالتحاق بالمدرسة في مصر يتطلب إقامة سارية المفعول أو أن يكونوا في مرحلة التقديم عليها.
لم تلتحق ابنة عبد الرحمن، البالغة من العمر 12 عاماً، بمدرسة رسمية منذ ثلاث سنوات، لأنها لا تملك إقامة، بحسب الأم، مشيرة إلى أن ابنتها تدرس في مدرسة سورية لذوي الإعاقة، غير معترف بها “لا شهادة ولا مستقبل، لكن هذا ما يمكنني تقديمه لها”.
منذ وصولها إلى مصر في عام 2013، سجلت عائلة عبد الرحمن لدى مفوضية شؤون اللاجئين، وفي ضوء اللوائح الجديدة، طلبوا موعداً للحصول على الإقامة في تموز/ يوليو، لكن موعدهم في إدارة الهجرة المصرية لن يكون قبل عام 2026.
متطلبات الإقامة
يُشترط للحصول على إقامة في مصر وجود عقد إيجار ساري المفعول. ومع ذلك، غالباً ما يتردد المالكون في تقديم عقود إيجار رسمية تجنباً لدفع الضرائب. وبالتالي، يلجأ المستأجرون في الغالب إلى تقديم عقود إيجار مزورة.
في حالة عبد الرحمن، الذي تم ترحيله من مصر في تموز/ يوليو الماضي، كان لديه عقد إيجار حقيقي ولكن لغير الشقة التي يسكنها. عندما تم الإعلان عن شروط الإقامة الجديدة، سعى إلى تصويب وضعه بتحويل الإقامة السياحية إلى إقامة طالب، قائلاً: ”أردت التأكد من أن كل شيء قانوني، لذا استشرت محامياً”. كانت جميع أوراقه سليمة، بما في ذلك قبوله في إحدى الجامعات.
قال عبد الرحمن وآخرون تحدثوا لـ”سوريا على طول” أنهم تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرات طلاب من أجل تسوية أوضاعهم، لكنهم كانوا يعملون أو يخططون للعمل بدلاً من ذلك، علماً أن مدة صلاحية تأشيرة الطالب عام واحد، وتسمح لحاملها بالسفر خارج البلاد دون إعادة تقديم طلب جديد، على عكس إقامة اللاجئ، التي تقتصر صلاحيتها على ستة أشهر ويمنع حاملها من السفر.
ومع ذلك، رفض مالك العقار تقديم عقد إيجار لعبد الرحمن، فأعطاه محاميه عقد إيجار موقع من والده لشقة مختلفة تبعد عدة ساعات. وعندما طُلب منه ذكر عنوانه في مديرية الأمن العام، لم يستطع عبد الرحمن تذكره، فاتهمته السلطات بحيازة عقد مزور، وبناء على ذلك جرى اعتقاله، مشيراً إلى أن ثلاثة سوريين آخرين ويمنيين اثنين وسوداني احتجزوا في زنزانة واحدة للسبب ذاته.
بعد استجوابه، أُجبر عبد الرحمن على دفع مبلغ خمسة آلاف جنيه مصري (103 دولارات) لتغطية تكاليف رحلة ترحيله إلى سوريا. وقبل مغادرته، نُقل إلى أحد السجون، حيث دفع هناك 1200 جنيه مصري إضافية (25 دولاراً) كرشوة للحصول على ”زنزانة نظيفة خالية من المجرمين“ وتهريب السجائر والطعام من شقيقه.
تأمين لقمة العيش
ناهيك عن الخوف من الترحيل، فإن العديد من السوريين في مصر بالكاد يكسبون قوت يومهم، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. في آذار/ مارس، قرر البنك المركزي التعويم الحر للعملة والتخلي عن سعر الصرف الذي اعتمده، ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري.
تعمل رهف عثمان 18 ساعة يومياً لمدة ستة أيام في الأسبوع ”من أجل توفير القليل من المال“، على حد قولها. لا يستطيع مصطفى جابر إرسال المال إلى بلده لمساعدة أمه وأخته هناك، قائلاً: “لا أستطيع حتى أن أساعد نفسي براتب شهري يتراوح بين 150 و200 دولار”.
يعمل خراطة 18 ساعة يومياً، سبعة أيام في الأسبوع، مقابل 180 دولاراً شهرياً. قال: ”أعود إلى المنزل وزوجتي لم تطبخ شيئاً، لأننا لا نستطيع تحمل تكاليفه”.
تزوج خراطة مؤخراً، ولكن فكرة الإنجاب غير واردة، لأن ”تكاليف الولادة تصل إلى 20 ألف جنيه مصري [412 دولار أمريكي] مع المستشفى وكل شيء“، قائلاً: “أنا نادم على الزواج“.
ورغم ظروف العمل الصعبة والمخاوف من الترحيل، إلا أن العودة إلى سوريا غير واردة، كما اتفق الجميع، إذ عدا عن خطر التجنيد الإجباري، فالحياة هناك غير آمنة ولا مستقرة.
”لا يوجد شيء لنا [في سوريا]، لماذا أعود؟ حالنا ليس جيداً، لكنه أفضل هنا، على الأقل نحن نعيش في أمان“، قالت عثمان
أكد ياسر هندية على كلام عثمان، وأضاف: “لا مجال للمقارنة بين سوريا ومصر”.