“الطريق ما يزال طويلاً”: غياب التمثيل النسائي في مؤسسات المعارضة شمال سوريا
مشاركة النساء في المؤسسات الحكومية (المعارضة) شمال غرب سوريا "شبه معدومة"، رغم عدم وجود نصوص قانونية تحرمها من المشاركة في مناطق الحكومتين: الإنقاذ والمؤقتة.
24 يونيو 2024
إدلب- “كان الثمن غالياً”، بهذه العبارة وصفت إيمان هاشم تجربتها الوحيدة في رئاسة مجلس مدينة حلب، عام 2018، التي تبعها مطالبة أحد أعضاء الهيئة العامة في المجلس بقية زملائه، الذي يقدّر عددهم بنحو 140 شخصاً “أن يراجعوا إسلامهم تعبيراً عن غضبه من وصولي”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
هاشم هي أول امرأة تشغل منصب رئاسة مجلس محلي في مناطق المعارضة السورية في شمال غرب سوريا، أسهم في وصولها “الدعم والتشجيع” من عائلتها وزملائها، رغم “اعتراض بعض الأشخاص”، مستدلين بنصوص دينية، من قبيل “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”، وفقاً لها.
في فترة رئاستها، تعرضت هاشم للعديد من المواقف المجتمعية المبنية على “النظرة الدونية للمرأة”، وهي من “التحديات التي تواجه النساء أثناء مشاركتهن السياسية”، بحسب هاشم. ومن ذلك، قال لها رئيس مجلس محلي لمنطقة مجاورة “أنا لا أجالس النساء”، وهذا يعني قطع أي تواصل ومشاركة بناءة معها أو من خلالها.
لكن الخطر الأكبر في مسيرتها، تمثل بـ”التهديدات”، من قبيل “وضع عبوة ناسفة في سيارتي، وتهديد عائلتي، وكذلك اختطاف شقيقتي من جماعة متشددة”، رفضت أن تفصح عن اسمها، ما اضطرها في نهاية المطاف إلى مغادرة سوريا بعد انتهاء فترة دورتها، التي استمرت لمدة عام واحد.
تجربة هاشم مع ما حملته من تحديات ومخاطر، تعكس واقع النساء في الحياة السياسية في شمال غرب سوريا، آخر مناطق المعارضة، التي تديرها حكومتان مختلفتان: الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، في ريف حلب الشمالي، وحكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام، في محافظة إدلب وأجزاء في محافظتي حلب واللاذقية، حيث مشاركة النساء في المؤسسات الحكومية “شبه معدومة”، كما قالت مصادر لـ”سوريا على طول”، رغم عدم وجود نصوص قانونية تحرم المرأة من المشاركة في مناطق نفوذ كلا الحكومتين.
مناطق “تحرير الشام”
منذ تأسيس “حكومة الإنقاذ” على يد هيئة تحرير الشام، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، حتى الآن، لم تفلح مساعي النساء في الحصول على مقاعد في وزارات الحكومة أو الإدارات التابعة لها، وبذلك تغيب “القيادات النسائية” عن عشر وزارات تابعة لها، “رغم وجود سيدات قادرات على القيادة وراغبات بها”، كما قالت الناشطة لمى العيد، (اسم مستعار)، من مكان مكان إقامتها في إدلب.
قبل تفرد هيئة تحرير الشام بحكم محافظة إدلب وطرد خصومها، في عام 2017، شغلت النساء مقاعد في المكاتب التنفيذية للمجالس المحلية، التي كانت تابعة آنذاك للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، وتمتعن “بدور فاعل نسبياً”. بينما اليوم، يقتصر وجود المرأة حالياً ضمن “مكتب المرأة” التابع لحكومة الإنقاذ، بعدد لا يتجاوز الأربع سيدات، وبشكل “منمّطٍ جداً”، لأن هذا المكتب لا يقدم أكثر من بعض التدريبات المهنية والتعليمية، بحسب العيد.
وفي حال مشاركة النساء ضمن بعض الأجسام أو التيارات المستقلة عن الحكومة والناشطة في الشأن السياسي مثل، “تيار المستقبل السوري”، و”والهيئة السياسية”، “وثوار 2011″، و”ثوار 2015″، فإن نسبتهنّ “لا تتجاوز 10 بالمئة بشكل ظاهري وغير فاعل أو حقيقي”، وكأن الهدف من وجودهن “ملئ الفراغ لا أكثر”، معتبرة أن دعوة النساء للمشاركة في بعض الاجتماعات أو الانتخابات يكون “شكلاً، وبما يخدم صورة تلك الكيانات خارجياً”، وفقاً للعيد.
تعاني المرأة من “التغييب الجائر” عن دوائر اتخاذ القرار والتشريع في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام على وجه الخصوص، ما أدى إلى تراجع دورها في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار، عما كانت عليه قبل عام 2017، من وجهة نظر العيد.
حاولت “سوريا على طول” معرفة دوافع إقصاء حكومة الإنقاذ للمرأة عن المناصب الوزارية والإدارية، وضعف تمثيلها السياسي، لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير. العيد من جهتها، أرجعت السبب إلى موانع “دينية وسياسية”، ناتجة عن “الفهم الخاطئ للدين وآليات العلاقة مع أدوار المرأة”، إضافة إلى “الموروث الذكوري عند المجتمع، الذي لا يؤمن بالأدوار الإنتاجية والإنمائية للمرأة، بل يحصرها في الدور الإنجابي والتربوي”.
من جهتها، عزت الناشطة سوسن الطويل، العاملة في مجال الحماية وتمكين النساء في عدة منظمات، آخرها منظمة “النساء الآن”، سبب تراجع دور المرأة في شمال غرب سوريا إلى “العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي يؤدي إلى تقليص دور النساء وحضورهنّ في الكيانات والمؤسسات”، مشيرة إلى أن هذه المشكلة تتصاعد “في سياق النزاعات والأزمات”، كما في الحالة السورية.
وفيما يبدو أن مساحة المشاركة المتوفرة للنساء تكون أوسع في منظمات المجتمع المدني مقارنة بالمؤسسات الحكومية، يظل “انعدام التوازن، وغياب التمثيل الحقيقي للنساء قاسماً مشتركاً.
تعليقاً على ذلك، قالت سناء العيس (اسم مستعار)، ناشطة في العمل الإنساني بمحافظة إدلب أن منظمتين من أصل عشرات المنظمات تديرهُما نساء، بينما باقي المنظمات يقتصر دور النساء على بعض المناصب الإدارية، ويكون نشاطها الأكبر في المجالات الطبية والتعليم.
وتعود المشكلة إلى “التضييق الكبير، الذي تمارسه حكومة الإنقاذ على بعض المنظمات الناشطة في دعم وتمكين النساء”، بحسب العيس، ويكون هذا التضييق عبر “الرفض والتعطيل ومنع التراخيص اللازمة”.
ذات مرة، حاولت العيس الحصول على ترخيص من حكومة الإنقاذ لتنفيذ بعض الأنشطة الخاصة بالفتيات والنساء داخل أحد المخيمات شمال إدلب، ولأجل ذلك اضطرت مراجعة عدة دوائر حكومية وطلب منها “الكثير من التفاصيل والمعلومات التي تنتهك خصوصية الفريق، ما أجبرنا على التراجع عن تنفيذ الأنشطة”، على حد قولها.
مناطق الحكومة المؤقتة
تخلو حكومة عبد الرحمن مصطفى الحالية، رئيس الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، ومقرها تركيا، من وجود أي وجود نسائي، بينما شهدت الحكومات السابقة مشاركة نسائية خجولية.
منذ تأسيس الحكومة السورية المؤقتة في آذار/ مارس 2013 حتى اليوم، حصلت ثلاث نساء على حقائب وزارية، الأولى: تغريد الحاجلي، التي شغلت منصب وزيرة الثقافة والأسرة في حكومة أحمد طعمة الأولى (من 14 أيلول/ سبتمبر 2013 حتى 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)، والثانية: سماح هدايا، التي شغلت منصب وزيرة الثقافة والأسرة في حكومة أحمد طعمة الثانية (من 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 حتى 17 أيار/ مايو 2016)، والثالثة: الدكتورة هدى العبسي، التي شغلت منصب وزيرة التربية والتعليم، في حكومة عبد الرحمن مصطفى الأولى، التي صوت عليها أعضاء الائتلاف الوطني في حزيران/ يونيو 2019، لكنها استقالت في منتصف نيسان/ أبريل من عام 2021.

عبد الرحمن مصطفى يتوسط أعضاء حكومته في اجتماع دوري عقد بمقر الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) في شمال غرب سوريا، وتظهر الصورة غياب أي عنصر نسائي في التشكيلة الحالية ، 02/ 06/ 2024، (الحكومة السورية المؤقتة)
كتبت العبسي عبر صفحتها الشخصية في “فيسبوك”، منشوراً قالت فيه أنها تحملت “الكثير من الإساءات التي كانت توجه مباشرة لي”، مضيفة: “قد يكون لنا وقفات قادمة في المستقبل القريب لنوضح جميع الخفايا والصعوبات والإحباطات التي تعرضنا لها خلال فترة عملنا في الوزارة”.
يوضح ذلك أن تمثيل المرأة ودورها في مؤسسات الحكومة السورية المؤقتة “محدوداً وهامشياً”، رغم أن تمثيلها أفضل حالاً من مؤسسات حكومة الإنقاذ، كما قالت عدة مصادر لـ”سوريا على طول”.
حتى في المجالس المحلية، ما يزال حضور المرأة “خجولاً”، من حيث العدد والحضور والاهتمام، رغم المناداة المستمرة من الناشطات السوريات والجهات الدولية بضرورة تعزيز دور النساء السياسي.
تكشف أرقام شاركها وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري مع “سوريا على طول”، تراجع نسبة تمثيل النساء في وزارته، إذ يبلغ عدد النساء هذا العام 12 امرأة من أصل 450 موظفاً، بينما كان عدد النساء 14 امرأة من أصل 300 موظف خلال عام 2020.
وعزا المصري انخفاض نسبة النساء في وزارته إلى “طبيعة العمل الشاقّة” في المؤسسات التابعة لوزارته، مثل المخابز والمطاحن من جهة، واستقالة بعض النساء بعد حصولهنّ على فرص في منظمات إنسانية توفّر لهن مردوداً مالياً أكبر، كما في حالة “سيدتين قدمتا الاستقالة لهذا السبب”، على حد قوله.
لكن، هذا لا ينفي “الدور الفعال للمرأة في مؤسسات حكومية أخرى”، بحسب الوزير، لا سيما “في قطاعي الصحة والتعليم”، لافتاً إلى أنهنّ “يتمتعن بصلاحيات أكثر من الذكور هناك”.
من أصل 12 امرأة في وزارته، تشغل واحدة فقط منصباً إدارياً، بصفتها مديرة في مؤسسة الحبوب، وتعمل أخرى بصفتها مهندسة زراعية في المخبر المركزي، أما الباقيات يعملن شرطيات في المديرية العامة للجمارك ضمن قسم الهجرة والجوازات، ويقتصر عملهن على “إدخال بيانات المسافرين على الحاسوب، وتفتيش المسافرات عبر المعابر، بحسب المصري.
وفي قطاع التعليم، الذي تشغل فيه النساء حيزاً كبيراً نسبياً بحكم عملهن كمعلمات في المدارس، يبرز ضعف حضور المرأة على المستوى الإداري أو ربما إقصاءها “في مجتمع ذكوري، يرى أن مكان المرأة في البيت، أو يختزل مكانها في المهن التقليدية مثل التعليم والطبابة”، كما قالت الناشطة والصحفية كاميليا تمرو لـ”سوريا على طول”.
“رغم تحقيق بعض التقدم في مشاركة المرأة في السلطة أحياناً، إلا أن التحديات ما زالت قائمة بسبب تداخل السلطات السياسية والعسكرية، والتأثير الطويل للنظام السوري” إضافة إلى “الأنظمة الاجتماعية، التي تفضل الأدوار التقليدية للمرأة، وترفض وجودها في العمل الإداري”، بحسب تمرو.
أشارت دراسة صادرة عن وحدة المعلومات في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، في آذار/ مارس 2023، إلى أن “عدم تقبل المجتمع لفكرة عمل المرأة هو من أبرز أشكال المضايقات التي عانت منها النساء العاملات” كما أوضحت 45 بالمئة من المشاركات، بينما “احتلت مشاعر عدم الثقة بإمكانيات المرأة العاملة وكفاءتها المرتبة الثانية” بنسبة 32 بالمئة.
“الطريق طويل”
في عام 2023، أطلقت نحو 300 امرأة حملة “منقدر نوصل”، هدفها الوصول إلى مراكز صنع القرار في مؤسسات حكومية، وعلى وجه الخصوص المجلس المحلي في عفرين، ووقعن على عريضة فيها مطالبهنّ، بما في ذلك “الحصول على مقعد ضمن المجلس، بعد أن اخترنا ثلاث مرشحات لتمثلنا في المجلس”، كما قالت الناشطة يسرا حيدر، مديرة مركز “ريليزمي”، المختص بتمكين المرأة.
أُرسلت نسخة من العريضة إلى والي المنطقة التركي، وتُرجمت إلى اللغة الكردية، من أجل “أن تسمع جميع القوى المحلية والمشاركة في إدارة المنطقة نداءنا”، بحسب حيدر، مشيرة إلى أنه تم تحويلهنّ إلى مكتب شؤون الأسرة في المجلس المحلي لمناقشة مطالبهنّ، لكن الحملة “لم تلق آذاناً صاغية”.
ومع ذلك، وصفت حيدر المبادرة بأنها “رائعة”، لأنها أبرزت جانباً إيجابياً “كنا قويات جداً في تجمعنا ووحدتنا”، على حد قولها.
ربما تهدف النساء المشاركة في الحملة إلى تعزيز وجودهنّ في المجلس المحلي لعفرين، الذي تحظى فيه النساء بـ”حضور مميز” مقارنة بغيره من مجالس المعارضة في شمال غرب سوريا، على حد قول نازله شيخ حسن، مديرة مكتب شؤون الأسرة في المجلس المحلي لمدينة عفرين.
وأشارت شيخ حسن في حديثها لـ”سوريا على طول” إلى وجود “نحو 50 امرأة تعمل في مجلس المدينة”، بينهنّ مديرة مكتب الذاتية، وشيخ حسن ذاتها.
ويعود دور النساء الفاعل في عفرين إلى أن “الناس هنا يحترمون النساء العاملات، ولديهم اهتمام كبير بمشاركة النساء في الحياة العامة، إلى جانب اهتمامهم بالتعليم”، بحسب شيخ حسن، مشددة على أن دورهنّ في المجلس “مهم وفعال”.
مشاركة النساء في المؤسسات الحكومية في شمال غرب سوريا، ليس مكرمة يستجدين التعاطف لأجلها، وإنما هي حقّ يجب أن يحظين به، نظراً لقدرتهنّ على إدارة المؤسسات إلى جانب الرجال، إضافة إلى أنهنّ “أكثر قدرة على معرفة احتياجات النساء وإمكانية تحقيقها، وقدرتهنّ على التعبير عن أصوات النساء بطريقة أفضل من أن يعبر الرجال نيابة عنهن”، بحسب الصحفية فيحاء شواش.
وتعزز مشاركة النساء في الحياة العامة “قدرتهنّ على الوصول إلى مراكز صنع القرار”، وهذا يؤدي بدوره إلى “المشاركة في بناء السلام المستدام، الذي يستوجب مشاركة جميع الفئات، بما فيها النساء اللواتي يشكلن حوالي 50 بالمئة من المجتمع”، كما قالت شواش لـ”سوريا على طول”.
من جهتها، شددت الحقوقية هدى سرجاوي على أن “مشاركة النساء مهمة في جميع المجالات ضمن الحياة العامة وهي مقياس تقدّم المجتمع وتطوره أو العكس”. وعليه، يجب أن يتاح المجال للمرأة “حتى يكون لها صوت يمكّنها من التفاعل وتحقيق نقلة نوعية في دمج قضايا النساء بكافة الجهود التنموية والسياسات العامة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
رأت الناشطة لمى العيد أن “الطريق ما يزال طويلاً لتطبيع حقوق المرأة في التمثيل السياسي والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات في شمال غرب سوريا”.