8 دقائق قراءة

العملية التركية شمال سوريا: اختبار لحلفاء “قسد” وفرصة لتوسع النظام وإيران

التصعيد السياسي قبل بدء العملية التركية يبرز عدة تساؤلات حول جدية العملية، وموقف واشنطن وموسكو منها، إضافة إلى الخيارات التي تملكها "قسد" لمواجهة العملية التركية عسكرياً أو عبر الاستعانة بأطراف أخرى


8 يونيو 2022

باريس- على عكس التصريحات الرسمية التركية بشأن إطلاق عملية عسكرية على حدودها الجنوبية، ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في شمال شرق سوريا، لا تشير خطوط التماس بين الجانبين إلى اقتراب موعد إطلاق العملية، خاصة أن أنقرة لم تحشد قواتها العسكرية على حدودها، كما فعلت في عمليات عسكرية سابقة.

تهدف أنقرة من العملية العسكرية، رسمياً، استكمال فرض منطقة آمنة “في عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية”، كانت بدأتها في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تحت اسم عملية “نبع السلام” بمشاركة الجيش الوطني السوري (المعارض)، لكن التصعيد السياسي قبل بدء العملية التركية يبرز عدة تساؤلات حول جدية العملية التركية، وموقف واشنطن وموسكو من العملية، إضافة إلى الخيارات التي تملكها “قسد” لمواجهة العملية التركية عسكرياً أو عبر الاستعانة بأطراف أخرى.

تصعيد سياسي أم عسكري؟

في 24 أيار/ مايو الماضي، عبرت الولايات المتحدة الأميركية عن قلقها من العملية التركية وتأثيرها على “السكان المدنيين”، كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، معتبراً أن أي هجوم جديد “من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي، ويعرض القوات الأميركية وحملة التحالف ضد تنظيم الدولة للخطر”.

وتوقع برايس “التزام تركيا بالبيان المشترك الصادر في تشرين الأول 2019، بما في ذلك وقف العمليات الهجومية في شمال شرقي سوريا”.

مع ذلك، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الأول من حزيران/ يونيو الحالي، عزم بلاده إطلاق العملية العسكرية، مشيراً إلى أنها تهدف “تطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين”، الواقعتين في شمال حلب. 

وبعد يوم واحد على تصريحات أردوغان، طالب نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف “عدم الانخراط” في وضع تكهنات حول العملية العسكرية قبل الاتصالات الروسية-التركية، مشيراً إلى أن موسكو “ستجري اتصالاً مع نظرائها في تركيا”، إذ من المقرر أن يزور وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رفقة وفد من ممثلي وزارة الدفاع الروسية، أنقرة، لمناقشة جملة من المواضيع بما في ذلك العملية العسكرية.

وتفضل موسكو، المشغولة في حربها ضد أوكرانيا، حل جميع القضايا “من خلال المفاوضات”، وفقاً لبوغدانوف، في إشارة إلى مباحثات أستانة، التي تلعب فيها تركيا وروسيا دور الضامن، إلى جانب إيران.

خلال السنوات السابقة نفذت القوات التركية ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، بمشاركة الجيش الوطني المدعوم من أنقرة، وهي “درع الفرات” في آب/أغسطس 2016 لطرد تنظيم الدولة من شمال حلب، و”غصن زيتون” في كانون الثاني/يناير 2018 ضد وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكل القوة الأساسية لـ”قسد”، في مدينة عفرين وضواحيها، شمال غرب حلب، إضافة إلى عملية “نبع السلام” ضد “قسد”، التي انتهت بسيطرة الجيش الوطني على مدينتي رأس العين في ريف الحسكة، وتل أبيض في ريف الرقة.

ميدانياً، لا توجد مؤشرات كافية لعملية عسكرية واسعة، خلافاً للعمليات الثلاث الماضية، إذ لم يتم رصد تعزيزات تركية على الحدود مع سوريا، أو عبورها إلى داخل الأراضي السورية، باستثناء توسيع أنقرة ضرباتها الجوية والمدفعية لأهداف محددة في مناطق الإدارة الذاتية، المظلة المدنية لـ”قسد”، إلى جانب “مناورات وتدريبات عسكرية”، أعلنت عنها بعض فصائل الجيش الوطني بالشراكة مع القوات التركية في شمال حلب.

يشير ذلك إلى أن التصعيد التركي “سياسي أكثر من كونه تصعيد ميداني عاجل”، كما قال وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات ومقره تركيا، مستنداً في ذلك “إلى عدم وجود مؤشرات عسكرية، من قبيل: الاستنفار والرصد وتقدم القوات الهجومية”. لكن لم يستبعد علوان في حديثه لـ”سوريا على طول” أن يتغير المشهد مستقبلاً، خاصة مع استمرار القصف والتصعيد التركي منذ أسابيع.

رداً على ذلك، أكد عمر أوزكيزيلجيك، الباحث التركي المتخصص في شؤون السياسة الخارجية والأمن، على جدية أنقرة في “شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب في سوريا”، كونها “تهدد الأمن القومي التركي”.

وفيما يتعلق بانتشار الجيش التركي، أوضح أوزكيزيلجيك أن أنقرة “تنتشر وتتحرك بشكل أقل داخل تركيا”، مقارنة بالعمليات السابقة، لأنها “نشرت بالفعل قوات كافية في سوريا”، وهو ما يفسر غياب صور الأرتال التركية القادمة إلى الحدود للمشاركة في العملية العسكرية الجديدة.

وحاولت “سوريا على طول” الحصول تعليق من الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، الرائد يوسف الحمود، وقياديين في الجيش الوطني، لكنهم رفضوا التصريح، لوجود تعميم، صدر حديثاً، بعدم الإدلاء عن أي معلومات حول العملية.

حدود العملية التركية

تستهدف العملية التركية، وفقاً لأردوغان، منطقتي تل رفعت ومنبج، شمال حلب، لكن المؤشرات العسكرية المرتبطة بتحركات الجيش الوطني والقوات الأميركية والروسية في المنطقة، تشير إلى أن مناطق أخرى ضمن أهداف أنقرة، بما في ذلك مدينة عين العرب (كوباني).

وتكتسب عين العرب (كوباني) أهمية استراتيجية مقارنة بمنطقتي منبج وتل رفعت، كونها تقع على الشريط الحدودي مع تركيا، وتفصل بين منطقتي “نبع السلام” و”درع الفرات” التركيتين، ما يعني وصل المنطقتين ببعضهما في حال السيطرة عليها.

وعلى خلفية عملية “نبع السلام”، وتالياً الاتفاق التركي-الروسي، انتشرت قوات الأخيرة في المدينة، إلى جانب انتشار مجموعات عسكرية للنظام السوري. وفي أواخر آذار/ مارس الماضي، أنشأت القوات الروسية نقطة عسكرية جديدة لها في قرية كوبرلك بريف مدينة عين العرب، الخاضعة لسيطرة “قسد”، بمحاذاة الخطوط الأمامية للقوات التركية والجيش الوطني.

وفي أيار/ مايو الماضي، قالت مصادر محلية لـ”سوريا على طول” أن القوات الأميركية تعمل على إعادة تأهيل قاعدة “خراب عشك” شرق عين العرب، التي انسحبت منها عام 2019، من أجل إعادة نشر قواتها فيها، إلى جانب نشر قواتها في  الفرقة 17 شمال الرقة، ومطار الطبقة جنوب المحافظة، وجاء ذلك بالتزامن مع التهديدات التركية بشن عملية عسكرية وانسحاب القوات الروسية من بعض نقاطها في سوريا.

ومع احتمالية تعديل تركيا المناطق المستهدفة من عمليتها بما يتناسب “مع بعض أشكال التفاهم أو لاعتبارات أخرى”، إلا أن منبج وتل رفعت هي الهدف التركي، بحسب أوزكيزيلجيك، مستدركاً: “ربما مهاجمة منبج تعيد تفعيل العقوبات الأميركية تلقائياً ضد تركيا، فيما تبدو العملية ضد تل رفعت أقرب وأسهل نسبياً”.

وبما أن هدف تركيا استكمال السيطرة على الشريط الحدودي مع سوريا بعمق 30 كيلومتراً، فإن كل المدن الحدودية أهداف عسكرية محتملة لأنقرة، بما في ذلك: عين عيسى شمال الرقة، وتل تمر شمال الحسكة.

وتأتي العملية التركية المرتقبة في إطار مشروع تركي أكبر، يستهدف تحقيق أمنه القومي بشكل كامل، وذلك عبر تأمين الحدود الجنوبية مع سوريا وصولاً إلى الحدود العراقية، وتفكيك مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)، وبذلك عدم السماح لمشروع حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) أن يمتد إلى سوريا، وفقاً للباحث علوان

اختبار حلفاء “قسد”؟

مع بدء التصريحات التركية، استبعدت “قسد” وجود أي بوادر تغيير استراتيجي في توزع وانتشار القوى الدولية الضامنة في مناطق شمال وشرق سوريا، معتبرة أن “تسخين الأجواء واستعراض قوات الاحتلال من قبل الدولة التركية تأتي في سياق محاولات ضرب الاستقرار”، وكذلك الاستجابة “لمحاولات إعادة تنشيط فلول داعش”.

واعتبر الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي التابعة لـ”قسد”، محمود حبيب، أن هدف تركيا من التصريحات “اختبار جدية مواقف الدول الضامنة لوقف إطلاق النار، من خلال خرق الاتفاق واستمرار القصف واستخدام الطيران المسير”، مستبعداً أي “سيناريو احتلال جديد”، على حدّ وصفه لـ”سوريا على طول”.

لكن هذا لا ينفي أن “أردوغان ينتظر بفارغ الصبر أي تراخٍ في مواجهته لينفذ أطماعه الاحتلالية، ليس كوباني فقط، وإنما كامل الشريط الحدودي”، بحسب حبيب، محذراً من أنه “في حال استطاع أردوغان إسكات الدول الضامنة وحكومة دمشق فلن يتراجع حتى يضم كامل الشريط الحدودي بعمق 35 كم إلى مناطق سيطرته”.

من جهته، اعتبر نوري محمود، الناطق باسم وحدات حماية الشعب، التي تشكل القوة الأساسية لـ”قسد” أن التهديدات التركية محاولة لـ”التغلب على أزمة سياسية واقتصادية خانقة” تعيشها تركيا، وجاء موعد العملية في وقت “لم يعد المجتمع التركي راغباً بهكذا سلطة ويبحث عن حل آخر”، على حد وصفه لـ”سوريا على طول”. 

وفي إطار الرد الرسمي على التهديدات التركية، أصدر مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الذراع السياسي لـ”قسد”، بياناً، في 26 أيار/ مايو الماضي، حمل فيه التحالف الدولي ضد “داعش” مسؤولية منع أي عمل عسكري محتمل في شمالي سوريا.

وقال القائد العام لقوات “قسد”، مظلوم عبدي، في 2 حزيران/ يونيو الحالي، أن العملية التركية “تشكل خطراً كبيراً على استقرار شمال سوريا”، وأن التصعيد من شأنه أن يؤثر سلباً على الحرب ضد تنظيم الدولة، وسيخلق أزمة إنسانية، ودعا عبدي، في تغريدة له على “تويتر”، إلى “منع أي مآسي جديدة”، و”دعم التهدئة”، محذراً من أن العملية سوف تتسبب بـ”تشريد السكان الأصليين”.

مقابل هذه التحذيرات، قد تُجبر “قسد” على المواجهة العسكرية في معركة غير متكافئة، أو الاستعانة بدمشق وموسكو، خاصة إذا لم تتخذ أميركا موقفاً حازماً من العملية، كما حدث في عمليتي “نبع السلام” في الحسكة والرقة، و”غصن الزيتون” في عفرين، حينما سيطر الجيش الوطني المدعوم من تركيا على أراض كانت تحت سيطرة “قسد”.

 وفي وقت ينصبّ اهتمام موسكو على الحرب ضد أوكرانيا، قد لا تكون في وضع يمكنها الضغط على أنقرة لوقف العملية، وربما ستتعامل مع العملية التركية المحتملة “بتفهّم أكبر مما كانت عليه قبل بضعة أشهر”، كما قال سابقاً الباحث الروسي كبرييل سيمينوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسية (RIAC)، لـ”سوريا على طول”.

تأكيداً على ذلك، قال الباحث التركي أوزكيزيلجيك أن الحرب الروسية-الأوكرانية “أثرت بشكل حاسم” على موسكو، التي قلصت وجودها في سوريا “وتتعرض لعقوبات اقتصادية شديدة، كما تكبدت خسائر فادحة في الحرب”.

ونظراً “لإغلاق تركيا مضائقها البحرية ومجالها الجوي أمام موسكو”، فإن الطريق الجوي الوحيد الممكن لروسيا “يمرّ عبر إيران والعراق وشرق سوريا من أجل الوصول إلى قاعدة حميميم الجوية في سوريا”. هذا الخط اللوجستي “غير كافٍ لموسكو في حال حدوث تصعيد نشط مثل عام 2020″، بحسب أوزكيزيلجيك.

واستبعد أوزكيزيلجيك موقفاً أميركياً حازماً من العملية، إذ “من غير المنطقي تعطيل العلاقات مع تركيا بشأن المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في سوريا”، في وقت “ذكّرت الحرب الأوكرانية واشنطن بالأهمية الجيوسياسية لتركيا وضرورة ضمان الانسجام داخل الناتو”. 

تسليم المنطقة؟

رغم معارضتها لنظام الأسد وتشديدها على الحكم الفيدرالي، الذي يتعارض بشدة مع رؤية نظام الأسد، إلا أن قوات “قسد” وجناحها السياسي “مسد” لم تقطع علاقاتها ومباحثاتها مع دمشق، التي بلغت حدّ السماح بدخول قوات حكومية سورية وروسية إلى مناطق “قسد” لوقف عملية “نبع السلام”.

ومع استمرار التصريحات التركية باقتراب العملية العسكرية، وصلت مجموعات عسكرية تابعة للنظام السوري، اليوم، إلى القامشلي بريف الحسكة، ومنبج وتل رفعت بريف حلب، كما نشرت صفحات تابعة للنظام السوري على “فيسبوك”، وهو الخيار الأخير لوقف العملية التركية، أو الحدّ من تأثيرها.

ولا يستبعد نوري محمود السماح بتوسيع انتشار قوات النظام “على كامل الحدود”، مشيراً إلى أن “هذا الانتشار لا يعني تحكم أو سيطرة القوات الحكومية على الأرض، وإنما فقط المشاركة في صد أي عدوان”، واعتبر أن انتشار تلك القوات سابقاً في مناطق “قسد” “انتشار جزئي، وتحت إشراف تام لقسد وتنسيق متواصل مع الروس”.

وفي هذا السياق، قلل علوان من أهمية دخول قوات النظام، معتبراً أنه “بوجود تنسيق روسي تركي، ولن تبدأ تركيا أي عمل من دون هذا التنسيق، سوف تنسحب قوات النظام وتترك مجموعات قسد لمصيرها”.

لكن قد يكون انشغال روسيا في حربها على أوكرانيا فرصة لدخول الميليشيات إلى المنطقة تحت جناح قوات النظام السوري، إذ بحسب وسائل إعلام محلية معارضة، تستعد ميليشيات إيرانية لإرسال عناصر لها إلى مناطق سيطرة “قسد” في إطار مواجهة العملية العسكرية التركية.

وقالت وكالة “زيتون” السورية المعارضة، أن الحرس الثوري الإيراني أبلغ عناصر محليين ينضوون في صفوف الفوج 47 التابع له، نيته إرسال 50 عنصر إلى خطوط التماس “قسد” والجيش الوطني والقوات التركية.

وطلبت الميليشيات الإيرانية من الراغبين في التوجه إلى مناطق “قسد” تسجيل أسمائهم عند قائد الفوج 47، على أن يتم صرف مكافآت مالية للمتطوعين، وفق وكالة زيتون. 

ورغم عدم وجود تأكيدات تثبت انتشار المليشيات الإيرانية إلى جانب قوات النظام في مناطق “قسد”، إلا أنه يمكن ربط الأنباء على ذلك، مع اجتماع وفد إيراني وضباط من النظام السوري بأحد وجهاء عشيرة الطيء في مطار القامشلي بمحافظة الحسكة، في آذار/ مارس الماضي، من أجل تأسيس مجلس عسكري بتمويل إيراني، من أبناء عشائر المنطقة.

لكن بالنسبة لتركيا “روسيا هي المهمة”، أما النظام والميليشيات المدعومة من إيران هي “هدف مفتوح، وتواجدهم لن يؤدي إلا إلى تحفيز نشاط الجيش الوطني أكثر”، وفقاً لأوزكيزيلجيك.

ومع تشديده على أن “قسد” لا تسعى إلى “الهجوم أو الحرب”، لكن إذا اندلعت الحرب “سنتعاطى معها في إطار الحرب الثورية الشعبية”، بحسب نوري محمود، معوّلاً على “تجربتنا الكبيرة في محاربة الجيش التركي والمرتزقة التابعين له”، على حد وصفه.

شارك هذا المقال